فقال الهمايوني بصوت كالنعير: والله زمان، زمان والله! أنت السبب يا سيد أحمد وأنت الهاجر، ولكن لما قال لي السيد علي عبد الرحيم إن عدوك راقد ذكرت أيام الصبوات كأنها لم تنقطع. وقلت لنفسي: لا كان الوفاء إن لم أزر بنفسي الرجل الحبيب، رجل المروءة والفرفشة والأنس، ولولا الملامة لجئت معي بفطومة وتملي ودولت ونهاوند، كلهن مشتاقات إلى رؤيتك، يا سلام يا سي أحمد، أنت أنت سواء شرفتنا كل ليلة أم هجرتنا سنين.
ثم وهو يجيل عينيه الحديديتين: هجرتمونا كلكم، البركة في السيد علي، ربنا يخلي لنا سنية القللي التي تجذبه إلينا، من فات قديمه تاه، عندنا أصل الأنس، ماذا غيبكم عنا؟ لو كانت التوبة لعذرناكم، ولكن التوبة لم يئن أوانها، ربنا يبعدها بطول العمر والأفراح!
أحمد عبد الجواد وهو يشير إلى نفسه: ها أنت ترى أننا قد انتهينا.
فقال المعلم بحماس: لا تقل هذا يا سيد الرجال، وعكة وتمضي إلى غير رجعة، لن أتركك حتى تنذر أن تعود إلى وجه البركة - ولو مرة - إذا أخذ الله بيدك وقمت بالسلامة.
فقال محمد عفت: الزمن تغير يا معلم همايوني، أين وجه البركة الذي عرفناه قديما؟ ابحث عنه في التاريخ، أما ما بقي منه فمراح الشبان من أهل اليوم، كيف نسير بينهم وفيهم أبناؤنا؟
وقال إبراهيم الفار: ولا تنس أننا لا نستطيع أن نغالط ربنا في العمر والصحة، انتهينا كما قال سي أحمد، ما منا إلا من اضطر إلى زيارة الطبيب ليقول له عندك وعندك، لا تشرب، لا تأكل، لا تتنفس، وغير ذلك من الوصايا المقرفة، ألم تسمع عن مرض الضغط يا معلم همايوني؟
فقال المعلم وهو يحدجه بنظرة: داو أي مرض بسكرة وضحكة ولعبة، وإن وجدت له أثرا بعد ذلك الزقه في كبدي.
فصاح مانولي: قلت له هذا وحياتك أنت.
وقال محمد العجمي، كأنما يتم ما بدأ صاحبه: ولا تنس المنزول الأصيل يا معلم.
فهز الشيخ متولي عبد الصمد رأسه متعجبا، وتساءل في حيرة: دلوني يا أهل الخير أين أنا، أفي بيت ابن عبد الجواد، أم في غرزة، أم في حانة؟ دلوني يا هوه!
ناپیژندل شوی مخ