وأنهى جعفر إلى أبيه ما يحمله من أنباء، فقفز وصفي عن كرسيه، وهو يقول لابنه: سهير حالتها خطيرة، فاسألوا الأطباء عما يجب أن يقال لها، وما لا يجوز أن يقال، وأنا ذاهب الآن إلى وزير الداخلية.
وخرج وصفي مسرعا، وصعد جعفر وحسام إلى الطابق الأعلى فوجدا باب سهير مقفلا عليها، أو لا يكاد يقفل، فالخدم داخلون خارجون منه ينفذون أوامر الأطباء في وجوم وسرعة واضطراب، فاختار الشابان مكانا لا يعوق الأرجل المتسارعة، وجلسا في البهو، وبعد حين خرجت هناء من حجرة أمها وهي تقول: ألم يأت الأكسجين؟
وسارع إليها حسام يسألها: هناء، هل أستطيع أن أعمل شيئا؟
وفي غمرة الخطر المرفرف في القصر نسي الاثنان ذكرياتهما، والتقيا على هذه الأحداث المحيطة بهما، ولكن هناء لم تستطع رغم هذا أن تمنع هذه الحمرة من الخجل أن تصعد إلى وجهها، دون أن يكون لها تأثير في استئنافها الحديث مع ابن خالتها وكأنها لم تصرع آماله، لم تتلعثم رغم اللهفة التي رأتها في حديثه إليها، لهفة محب - لم تستطع أن تختفي في جلال الموقف الذي يجمعهما - يصفح عن حبيبته، ويهفو إليها، ويأمل أن تقبله أملا لا يشوبه ذكريات زواجها من غيره، في لحظة عابرة رأت هناء في عيني حسام صفحا وحبا، وفي لحظة عابرة رأى حسام في عيني هناء اعتذارا وإشفاقا، وإقبالا ... لحظة أومضت في الحوالك التي تحيط بهما، ثم عادا إلى الدوامة التي تصخب حوليهما، قالت هناء: ماذا فعل أحمد؟
فأنبأها حسام متلاحق الأنفاس، وطلب إليها أن تسأل الأطباء إن كان يمكن أن يبلغا خالته، وجمعهما الخطب، وتبادلا جملا متقطعة عما يجب أن يفعلاه، دارت هذه الجمل عن المرض وعن السجين، وأحس حسام من هذا الحديث القاتم إشراقا ينساب إلى نفسه، وملأه فرحا أن مشاعر متحدة تجمعه وهناء في أحداث واحدة، كلاهما مهتم بها، وطلبت إليه هناء آخر الأمر أن يتعجل أنبوبة الأكسجين، فسارع يثب السلم والفرح يغمر نفسه، وزجر هذا الفرح عن نفسه أنه غير خليق به أن يفرح، وخالته أم هواه تنتزع أنفاسها انتزاعا، وأحمد ملقي في السجن، وتنحسر موجة الفرح هونا لتفسح مكانا لبعض شفقة، أو بعض إشفاق، ثم ما تلبث موجة الفرح أن تطغى مرة أخرى هازئة بما يجب أن يحسه في لحظته تلك، ساخرة مما تريد الظروف أن تفرض عليه من إحساس، محطمة كل ما يحاول أن يقف في طريقها من عقل أو منطق أو مشاعر غير الحب والفرح بهذا الحب.
كان مرض سهير أقوى حجة في يد وصفي حين قصد إلى وزير الداخلية، فما زال به حتى أصدر أمرا بالإفراج عن أحمد، وسارع وصفي إلى السجن، ليصحب أحمد إلى البيت، وعلى باب السجن قال أحمد في هدوء ووثوق: عمي، إني أشكرك، ولكن لي رجاء عندك؟
وقال وصفي باشا: اركب أولا يا أحمد، وقل رجاءك في السيارة.
ولم يحفل أحمد اضطراب عمه، بل قال في هدوء: فوزي.
وقطب وصفي جبينه، فما كان ينتظر أن يسمع هذا الاسم الآن، ومن أحمد، وفي هذا المكان، وانتزعته الدهشة هنيهة من اضطرابه ليقول: ماله؟! - معتقل، وأبوه مشلول.
ونظر وصفي في عيني أحمد بإنعام، وقد ازدادت الدهشة على وجهه، يخالطها إعجاب وإكبار، ولكنه عاد يسأل في تشكك: أما يزال صديقك؟ - أتظن أنه يمكن أن يكون صديقي؟
ناپیژندل شوی مخ