قصیده او عکس: شعر او عکس ذریعه عصرونه
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
ژانرونه
وقد ازدهر مبحث المقارنة بين الشاعر والرسم عند شراح أرسطو الذين تقبلوا فكرته عن أن الشعر والرسم نوعان من أنواع المحاكاة قد يتمايزان في المادة التي يحاكيانها - فأحدهما يتوصل باللون والظل، والآخر يتوصل بالكلمة - لكنهما يتفقان في طبيعة المحاكاة وطريقتها في التشكيل وتأثيرها على النفس - ولولا ضيق المجال في هذا التقديم المحدود لاسترسلنا في الحديث عن نظرية المحاكاة لأرسطو، وعن أوجه التشابه بين الشعر والرسم في محاكاتهما للواقع والممكن، وبين طريقة الشاعر والرسام في إحداث أقصى قدر ممكن من التآلف والتناصب بين عناصر مادتهما وإحداث تأثير خاص في نفوس المتلقين على نحو يدفعهم إلى انفعال، أو يحثهم على فعل معين؛ وذلك كما بينها شراح أرسطو من فلاسفة الإسلام، وكما تأثر بها بعض البلاغيين والنقاد بدرجات مختلفة تفاوتت في قوتها ووضوحها ودقتها بين قدامة بن جعفر والباقلاني، وابن طباطبا، وابن سنان، وعبد القاهر الجرجاني، إلى أن بلغت أدق فهم لها وأعمقه عند أنبغ تلاميذ أرسطو من النقاد العرب، وهو حازم القرطاجني الذي كان الناقد العربي الوحيد الذي استطاع أن يدرك الطبيعة الحسية للشعر، وقدرة صوره على التقديم الحسي، ضمن تصور متماسك لطبيعة الشعر وأهميته في نفس الوقت.
21
هل يمكننا الآن أن نلتقط من تراثنا القديم بعض النماذج الشعرية التي توضح الآراء النظرية السابقة، وتقترن برسم أو تصوير أو عمل فني محدد؟
إن أول ما يخطر على البال هو سينية أبي نواس (من 130ه/747م إلى 190ه/806م تقريبا)، التي سبق أن أشرنا إلى أن الجاحظ قد أعجب بها وفضلها على غيرها من شعر أبي نواس نفسه، ولا يستبعد أن تكون وراء عبارته الشهيرة التي أكد فيها الصلة بين الشعر والتصوير، وقدم الشعر الذي يرسم المشاهد ويجسم المناظر على غيره.
وكان أبو نواس قد أخذ بعض صحبه ومر على المدائن مقر الأكاسرة، فرأى بعض حاناتهم ودور لهوهم وأنسهم التي لم يبق منها غير أطلال، فكتب قصيدته الشهيرة:
ودار ندامى عطلوها، وأدلجوا
بها أثر منهم جديد ودارس
ما حب من جر الزقاق على الثرى
وأضغاث ريحان جني ويابس
أقمنا بها يوما ويوما، وثالثا
ناپیژندل شوی مخ