قصیده او عکس: شعر او عکس ذریعه عصرونه
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
ژانرونه
ربما كانت «الموناليزا» هي أشهر وجه إنساني (بورتريه) في تاريخ فن الرسم، وكان صاحبها، ليوناردو دافنشي (
Leonardo Da Vinci ) واحدا من أعظم العباقرة الذين أبدعهم عصر النهضة (الرينيسانس) كما أبدعوه ... تجاوزت عبقريته فنون الرسم والنحت والعمارة ، وتجلت في حدوسه الملهمة بعدد كبير من الاكتشافات والاختراعات التي تم التوصل إليها بعد ذلك في ميادين التشريح وطيران الفضاء وهندسة الآلات الحربية وغيرها من الميادين. تنوعت اهتماماته العقلية والفنية، وتوزعت بين مجالات مختلفة بحيث لم يتمكن من إنجاز مشروعاته الكبرى؛ فقد أوشك على اكتشاف الدورة الدموية، واخترع أول مدرعة حربية، وصمم عددا كبيرا مما يعرف اليوم بالطائرات السمتية أو العمودية (الهيليكوبتر)، واستبق فكرة الغواصة، ولكنه لم يتم اختراعا واحدا منها، وإنما خلف وراءه عددا كبيرا من التصميمات الهندسية التي اكتشف معظمها قبل سنوات قليلة، بالإضافة إلى آلاف الملاحظات والمذكرات والرسوم التخطيطية وعدد قليل من اللوحات الزيتية التي لم يفرغ من إنجازها.
ولد في فينشي سنة 1452م. وكان أبوه موثق عقود فلورنتيني (نسبة إلى مدينة فلورنسا)، وتدرب على فن الرسم في بيت أبيه على يد الرسام والنحات وصائغ الذهب فيروكيو (1435-1488م) الذي أنجز أعمالا فنية عديدة لعائلة الميديتشي التي كانت تحكم المدينة، ويحتمل أن يكون ليوناردو هو الذي رسم الملاك الأيسر في لوحة فيروكيو «العماد» (المحفوظة في متحف الأوفيتس في فلورنسا) رسما بلغ من الكمال حدا جعل معلمه يتوقف عن الرسم ويقصر جهوده على النحت! انضم إلى اتحاد الفنانين في مسقط رأسه سنة 1472م، وأول رسم معروف له هو منظر طبيعي لنهر «أرنو» الذي يمر بمدينتي فلورنسا وبيزا، ويصب في البحر الأبيض المتوسط، يرجع إلى سنة 1473م، ويتميز بقدرته على تصوير بنية الصخور وتكوين الأرض. وقد أثبت ليوناردو ريادته في الفن عندما شق الطريق لمن بعده، وجرب أساليب جديدة في دراساته للنسيج وفي الرسم بالزيت (كما في لوحته عن العذراء «المادونا» المحفوظة في متحف ميونيخ - حيث أثارت تفصيلات قطرات الندى على الزهرية البلورية دهشة معاصريه - وفي لوحته جينيفرا دي بينتشي التي يحتمل أن يكون قد أتمها سنة 1474م، كما يبدو أنها مهدت للوحته الشهيرة الموناليزا. وذاعت شهرته منذ سنة 1481م، فانهالت عليه التكليفات التي كان من أهمها لوحة كبيرة عن «ابتهال الملوك» (الذين قدموا من الشرق لزيارة الطفل يسوع المسيح، والاحتفاء بمعجزة ولادته)، نفذها استجابة لرغبة رهبان دير القديس «دوناتو» في «سكوبيتو» بالقرب من فلورنسا، وإن لم يتم اللوحة كعادته لتوقف الرهبان عن دفع أجره المستحق! وتوجه في سنة 1483م إلى ميلانو، بعد أن استجاب الدوق الحاكم فيها، وهو لودفيكو سفورتزا المورو، للعرض الذي قدمه إليه (في خطاب لا تزال مسودته محفوظة)، وأبدى فيه استعداده لتقديم خدماته في العمارة، والنحت بكل أشكاله ومواده من الرخام أو البرونز أو الطين، والرسم، والهندسة العسكرية!
وفي ميلانو رسم لوحته «السيدة ذات الفراء» (المحفوظة اليوم في مدينة كراكوف)، التي تصور شيشيليا جاليراني عشيقة لودفيكو حاكم المدينة، وتعكس نفس خصائص أسلوبه المبكر الذي تجلى كذلك في نسختين من لوحته المعروفة باسم «عذراء الصخور»، توجد إحداهما في باريس، والأخرى في المتحف الأهلي بلندن، وهما النسختان اللتان ثار جدل طويل بين نقاد الفن حول تاريخهما وأصالة نسبتهما إلى الفنان. وبقي ليوناردو حتى سنة 1499م في بلاط ميلانو، مشغولا بمشروعاته الفنية والعلمية التي لم يفرغ منها كعادته، ومن أهمها مشروع تمثال ضخم من البرونز لفرانتشيسكو سفورزا - والد الدوق لودفيكو - راكبا صهوة حصان. ولم يصب التمثال أبدا، وإن بقيت بعض الرسوم المذهلة التي توحي بأن ليوناردو عكف أثناء انشغاله بذلك المشروع على إعداد كتاب كامل عن تشريح الحصان ... يضاف إلى ذلك لوحته الشهيرة «العشاء الأخير» (لكنيسة سانتا ماريا ديللي جراتسيه)، التي تجلت فيها براعته في النفاذ إلى نفوس تلاميذ المسيح، والتعبير عن توتر اللحظة التي أعلن فيها أن أحدهم على وشك خيانته والوشاية به. والظاهر أن بطء ليوناردو في تنفيذ هذه اللوحة الجدارية وولعه الشديد بالبحث والتجريب قد بررا الفكرة التي نسبها إليه جيل تال من أن الفنان مفكر متأمل مبدع، وأنه فيلسوف يرسم فلسفته، لا مجرد محترف صناع يدهن كل يوم بضع ياردات مربعة على سطح جدار! ولا شك في أن الفكرة التي شاعت في القرن السادس عشر عن كرامة الفنان فكرة ترجع إليه وتستمد منه المثل والقدوة.
غزا الفرنسيون مدينة ميلانو في سنة 1499م، وأسقطوا حكم الميديتشي، فرجع ليوناردو إلى فلورنسا وعمل حتى سنة 1503م مهندسا عسكريا في خدمة «شيزار بورجيا». وتفرغ أثناء فترة إقامته الثانية في فلورنسا للتشريح، وشارك في مشروعات فنية فشل أولها فشلا ذريعا، وكان بتكليف من مجلس المدينة له ولفنانها الكبير الآخر مايكل أنجلو (وكان كل منهما يكن للآخر كراهية لأحد لها!) بتخليد انتصاراتها بعد أن أصبحت جمهورية. أما المشروع الآخر فكان انشغاله بمجموعة لوحات عن العذراء والطفل مع القديسة أنا، وقد بقي من هذه اللوحات اثنتان إحداهما في المتحف الأهلي بلندن، والأخرى في صحف اللوفر بباريس، ويبدو أنه بدأ الأولى في ميلانو ثم حملها معه إلى فلورنسا، أما الثانية فقد بدأ العمل فيها سنة 1506م. كان من أهم الأعمال التي أنجزها في هذه الفترة لوحتنا هذه الشهيرة التي صور فيها زوجة أحد كبار الموظفين في فلورنسا، وعرفت باسم «الموناليزا» أو «الجوكوندا»، وقد عكف على رسمها بين سنتي 1500 و1504م.
رجع ليوناردو إلى ميلانو سنة 1506م، وعين رساما ومهندسا لفرانسيس الأول ملك فرنسا، ثم شغل في سنواته الأخيرة ببحوثه وتجاربه العلمية والرياضية، كما خطط لمشروع تمثال لقائد القوات الفرنسية تريفولزيو على صهوة حصان، ولكن المشروع لم يتمخض إلا عن مجموعة من الرسوم تظهر براعته في التشريح! وكان آخر رسم أتمه قبل انتقاله نهائيا سنة 1517م إلى فرنسا هو لوحته عن القديس يوحنا (وهي محفوظة في متحف اللوفر)، أما رسالته عن فن الرسم فقد جمعت بعد وفاته من المذكرات والملاحظات التي دونها، ولم تنشر إلا في سنة 1651م.
وقد مات ليوناردو سنة 1519م في قصر كان قد أهداه إليه ملك فرنسا، وذلك في بلدة «كلو» بالقرب من مدينة «أمبواز»، وانتهت بموته قصة عبقرية نادرة تفخر بها البشرية. (1) إدوارد دودن (
Edward Dooden ) (1843-1913م)
ولد الشاعر الأيرلندي في مدينة كورك، ومات في «دبلن». درس اللاهوت، وأصبح أستاذا للأدب الإنجليزي في كلية الثالوث المقدس في دبلن وهو لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره. قام كذلك بالتدريس في جامعتي أكسفورد وكامبريدج، ونشر بحوثا ودراسات عن شكسبير وملتون وشيللي ومونتني، بجانب مجموعات شعرية عديدة. ظهرت قصيدته هذه عن الموناليزا مع مختارات من الشعر الأيرلندي حررها ونشرها الأستاذ ك. هوجلاند بعنوان: ألف عام من الشعر الأيرلندي، نيويورك، 1962م، ص538. «موناليزا»
أيتها العرافة، عرفيني بنفسك
ناپیژندل شوی مخ