ومضى في سبيله واجما حتى اعترضه الخفير تحت تكعيبة العنب المحيطة بالبيت الصغير، فذكر له اسمه، فغاب الرجل دقيقة ثم عاد ليدعوه إلى الدخول. رأى صديقه على ديوان في صدر الحجرة الشرقية تحت قنديل مضاء، وبين يديه طبق كبير فيه تفاح وجوافة وموز. قام جلال بك مرحبا به، فتعانقا، وأجلسه إلى جانبه وهو يقول: مضى وقت على آخر لقاء، كيف حالك؟
فأجاب الشاب: نحمده على كل حال. - لكنك لا تبدو في أحسن أحوالك.
وجاء الخفير بالشاي فراحا يحسوانه، ويتناولان بعض الفاكهة، ويستحضران ذكريات من الأيام الماضية. وأخيرا قال جلال بك: حدثني عن أحوالك.
فقال الشاب: الحق أنها سيئة جدا. - لماذا لا سمح الله؟ - إني على حافة الإفلاس. - أعوذ بالله، ما أكثر ما تتردد هذه الكلمة في أيامنا! - السوق راكدة. - والعمل؟ - تلزمني سلفة، ولا بد لي من ضامن، هذه هي مشكلتي، وليس لي في الدنيا سواك.
فابتسم جلال بك وقال: طالما وجدت فيك المثل الطيب للأخلاق النبيلة، وما عليك إلا أن تحضر غدا في الدار الكبير لتنهي المسألة مع المحامي.
أشرق وجه الشاب بنور الأمل وتمتم: أنت ملاذي دائما في الشدائد.
فقال الرجل: إنك تستحق كل خير.
وساد صمت مريح، فتذكر الشاب المرأة المنتظرة، ولكنه خشي أن يتجاوز بطلبه حدود الذوق، أو أن يثير استياء صاحبه فقرر تجاهلها، ولما سأله صديقه: أي خدمات أخرى؟
أجاب بحماس: لم يبق إلا أن أدعو لك بطول العمر.
ولما هم بالذهاب قال له البك: سيارتي تحت أمرك؛ فالطريق طويل والظلام شديد.
ناپیژندل شوی مخ