بهجة المجتمع وحريته معهودتان من زمن طويل فقط في فرنسا؛ ومن ثم اكتسبت اللغة رقة تعبير وإتقانا مليئا بالبساطة نادرا ما يوجدان في أي مكان آخر. هذا الإتقان بولغ فيه أحيانا، لكن ذوي الذوق الرفيع عرفوا دائما كيف يقللون منه إلى حدود معقولة.
اعتقد أشخاص كثيرون أن اللغة الفرنسية افتقرت منذ زمن إميو ومونتين. وبالفعل، يستطيع المرء أن يجد لدى كثير من المؤلفين تعبيرات لم تعد مستساغة، لكنها في معظمها تعبيرات استبدلت بها تعبيرات مكافئة. أثريت اللغة بعدد من التعبيرات الرفيعة والحيوية. ودون التكلم هنا عن فصاحة الأشياء، اكتسبت فصاحة الكلمات. وفي عهد لويس الرابع عشر، كما قيل، بلغت هذه الفصاحة ذروة روعتها، وصارت اللغة مضبوطة. مهما تغير الوقت والهوى، سيبقى الكتاب الكبار في القرنين السابع عشر والثامن عشر نموذجا يحتذى.
الصداقة
الصداقة زواج الروح، وهذا الزواج عرضة للطلاق. إنها عقد ضمني بين شخصين حساسين فاضلين. أقول «حساسين» لأن راهبا عاكفا يمكن أن يكون غير شرير، ويعيش دون أن يعرف ما هي الصداقة. وأقول «فاضلين» لأن الأشرار ليس لهم سوى رفاق السوء، والشهوانيين لهم شركاء في الفسق، والمتطلعين لهم هم أيضا شركاء، وللسياسيين مشايعون، ولعامة الرجال العاطلين ارتباطات، وللأمراء حواش؛ أما الفاضلون فلهم وحدهم أصدقاء. كان سيثيجوس رفيق السوء لكاتلين، وكان مايسيناس أحد حاشية أوكتافيوس، أما شيشرون فكان صديق أتيكوس.
الله
خلال حكم أركاديوس، ذهب لوجوماكوس، محاضر اللاهوت بالقسطنطينية، إلى سكيثيا، وتوقف عند سفح جبل القوقاز، في سهول زيفيريم الخصبة على حدود كولخيس. كان ذلك الرجل الطيب العجوز دوندينداك في ردهته السفلى الفسيحة بين حظيرة الخراف والمخزن الواسع. كان جاثيا بصحبة زوجته وأبنائه الخمسة، وبناته الخمس، وأقاربه وخدمه، وبعد وجبة خفيفة كانوا جميعهم ينشدون تسابيح الله. قال له لوجوماكوس: «ماذا تقول يا وثني؟»
أجابه دوندينداك: «لست وثنيا.»
قال له لوجوماكوس: «لا بد أنك وثني طالما أنك لست يونانيا. أخبرني بم كنت تغني بتلك الرطانة الهمجية السكيثية؟»
أجابه السكيثي: «كل اللغات سواء عند الله. كنا نتغنى بتسبيحاته.»
رد اللاهوتي: «هذا شيء غريب للغاية. أسرة سكيثية تصلي لله، وما علمناها!»
ناپیژندل شوی مخ