لم تكن الأمور تسير هكذا مع مجلس الشيوخ الروماني الذي كان يتألف بالكامل تقريبا من ملاحدة نظريا وعمليا، بمعنى أنهم لم يؤمنوا بالعناية الإلهية ولا بالحياة الآخرة. كان هذا المجلس يتألف من مجموعة من الفلاسفة، والرجال الحسيين، والطموحين، شديدي الخطورة الذين دمروا الجمهورية. كانت الإبيقورية موجودة تحت حكم الأباطرة؛ فقد كان ملحدو مجلس الشيوخ متمردين في عصر سيلا وقيصر، بينما كانوا عبيدا ملاحدة إبان حكم أوغسطوس وتيبيريوس.
لا أتمنى أن أضطر إلى التعامل مع أمير ملحد، يجد من مصلحته أن يسحقني بمدفع؛ سأكون متأكدا تماما من السحق. ولو كنت سيدا فلن أرغب في الاضطرار إلى التعامل مع حاشية ملاحدة مصلحتهم في قتلي بالسم؛ سيكون علي أن أتناول ترياقا كل يوم. ضروري إذا للأمراء والشعوب أن تكون فكرة الكائن الأعلى، الخالق المهيمن المثيب المنتقم، محفورة بعمق في عقول الناس.
يقول بايل في كتابه «أفكار عن المذنبات» إن ثمة شعوبا ملحدة؛ الكفرة، والهوتنتوت، والتوبينامبو، وكثير من الأمم الصغيرة الأخرى ليس لديها إله. وهم لا ينكرونه ولا يؤكدونه، ولم يسمعوا بذكره. أخبرهم بأن هناك إلها، وسيؤمنون به بسهولة. أخبرهم بأن كل شيء يحدث من خلال طبيعة الأشياء، سيصدقونك بالقدر نفسه. يعني ادعاؤك أنهم ملاحدة أنك تنسب إليهم شيئا كما لو قال المرء إنهم مناهضون لديكارت، وهم لا يؤيدون ديكارت ولا ينكرونه. إنهم أطفال حقيقيون، والطفل ليس ملحدا ولا متدينا، هو لا شيء.
ما الخلاصة التي نستنتجها من كل هذا؟ أن الإلحاد وحش فتاك عند من يحكمون، وأنه فتاك أيضا عند الأشخاص الذين يحيطون برجال الدولة، على الرغم من أن حيواتهم قد تكون بريئة؛ لأنه ربما يبدو صحيحا لرجال الدولة وهم في مكاتبهم أنه إن كان غير قاتل بقدر التعصب، فإنه غالبا ما يكون قاتلا للفضيلة. دعنا نضف على وجه الخصوص أن لدينا اليوم ملاحدة أقل مما كان في أي وقت مضى، منذ أن أدرك الفلاسفة أنه ما من نبتة بلا بذرة ولا بذرة بلا خطة ... إلخ، وأن القمح لا يمكن أبدا أن ينتج من العفن.
لقد رفض بعض علماء الهندسة غير الفلاسفة العلل الغائية، ولكن الفلاسفة الحقيقيين اعترفوا بها. يعلن معلم المسيحية عن الله للأطفال، ويبرهن عنه نيوتن للمتعلمين.
إذا كان هناك ملحدون فمن الملومون إن لم يكونوا طغاة الأرواح المأجورين الذين، بجعلهم إيانا نثور ضد حيلهم، أجبروا قلة من العقول الضعيفة على أن تنكر الله الذي لا يبجله هؤلاء الوحوش. كم أوصل مستنزفو البشر هؤلاء المواطنين المقهورين إلى نقطة الثورة ضد ملكهم!
أولئك الذين تغذوا على أجسامنا يصيحون لنا: «عليكم أن تقتنعوا بأن أتانا تكلمت؛ صدقوا أن سمكة بلعت رجلا وأبقت عليه بداخلها، وبنهاية ثلاثة أيام لفظته على الشاطئ آمنا معافى؛ لا تشكوا أبدا أن إله هذا الكون قد أمر نبيا يهوديا أن يأكل الغائط (حزقيال)، ونبيا آخر أن يشتري عاهرتين لينجب منهما أبناء زنا (هوشع). هذه هي حقا الكلمات التي نطق بها إله الحق والطهر. ولتؤمن بمائة شيء آخر، سواء أكان مقيتا بصريا أم مستحيلا رياضيا. إن لم تفعل فسيحرقك إله الرحمة، ليس فقط عبر ملايين آلاف الملايين من القرون في نار جهنم، ولكن عبر الأبدية كلها، سواء أكان لك جسد أم لم يكن.»
هذه السخافات غير المقنعة تثير اشمئزاز العقول الضعيفة والطائشة، وكذلك العقول الحكيمة والحازمة. يقولون: «يصور معلمونا الله لنا على أنه الأكثر وحشية وهمجية من بين كل الكائنات، ولذلك فما من إله.» لكن عليهم أن يقولوا: «ولذلك فإن معلمينا ينسبون إلى الله سخافاتهم وسوراتهم، ولذلك فالله هو عكس مما يدعون، فالله حكيم وخير بقدر ما يصورونه مجنونا وشريرا.» هكذا يفسر الحكماء الأمور. لكن إذا سمعهم أحد المتعصبين، فسيتهمهم أمام قاض هو بدوره كلب حراسة للكهنة، وسيحرقهم كلب الحراسة هذا على نار هادئة، معتقدا أنه ينتصر للجلال الإلهي ويحاكيه، وهو ينتهك حقه.
هوامش
السلطة
ناپیژندل شوی مخ