160

قاموس فولتير الفلسفي

قاموس فولتير الفلسفي

ژانرونه

قلت لجنيي: «أكيد أن الهمجيين الذين ضحوا بكل هؤلاء الضحايا لم يقرءوا تلك الكلمات قط.»

بعد ذلك شاهدنا زاليوكوس وطاليس وأنيكسماندرس وكل الحكماء الذين نشدوا الحقيقية ومارسوا الفضيلة.

وحينما وصلنا إلى سقراط، عرفته سريعا جدا من أنفه المفلطحة. قلت له: «حسنا، أنت إذا هنا من بين خاصة القدير! كل سكان أوروبا باستثناء الأتراك وتتار القرم الذين لا يعرفون شيئا، ينطقون اسمك بإجلال. هذا الاسم العظيم مبجل ومحبوب لدرجة أن الناس أرادوا أن يعرفوا أسماء مضطهديك. ميليتيوس وأنيتوس معروفان بسببك، مثلما أن رفايلاك معروف بسبب هنري الرابع، لكني أعرف فقط اسم أنيتوس هذا. لا أعلم بالضبط من كان ذلك الوغد الذي افترى عليك، ونجح في أن يحكم عليك بتجرع السم.»

أجاب سقراط: «منذ مغامرتي لم أفكر قط في ذلك الرجل، أما وقد ذكرتني به فأنا أشعر بكثير من الشفقة تجاهه. كان كاهنا شريرا يدير عملا في الخفاء، مهنة شائنة السمعة بيننا. أرسل طفليه إلى مدرستي، عيرهما التلاميذ الآخرون بأن والدهما كان دباغا، وأجبرا على الرحيل. لم يسترح الأب الغاضب حتى أثار جميع الكهنة وجميع السوفسطائيين ضدي. أقنعوا مجلس الخمسمائة بأني رفيق مزدر بالآلهة، لا يؤمن بأن القمر وعطارد والمريخ آلهة. بالفعل، اعتدت أن أفكر، كما أفكر الآن، أن هناك إلها واحد فقط، سيد الطبيعة بأكملها. سلمني القضاة إلى مسمم الجمهورية؛ فاختصر من حياتي أياما قليلة. مت في سلام في عمر السبعين، ومنذ ذلك الوقت أمضي حياة سعيدة وسط كل هؤلاء العظماء الذين تراهم، وأنا أقلهم.»

بعد الاستمتاع بفترة من الحديث مع سقراط، تقدمت مع مرشدي إلى داخل بستان قائم فوق الأجمات، حيث بدا أن كل حكماء العصور القديمة يرقدون في سلام.

رأيت رجلا ذا سيماء بسيطة ومهذبة، بدا لي أنه في عمر الخامسة والثلاثين تقريبا. ألقى من بعيد نظرات عطوفة على تلك الأكوام من العظام المبيضة التي كان علي أن أعبرها لأصل إلى مقر الحكماء. أصابتني الدهشة من رؤية قدميه متورمتين داميتين، ويديه مثلهما، وجنبه مطعونا، وضلوعه مسلوخة بقطوع سياط؛ فقلت له: «إلهي! يستحيل أن يكون رجل عادل حكيم بهذه الهيئة؟ شاهدت للتو امرأ عومل بكراهية شديدة، لكن ما من مقارنة بين تعذيبه وتعذيبك. سممه الكهنة الأشرار والقضاة الأشرار؛ أبسبب الكهنة والقضاة قتلت بهذه الوحشية؟

أجاب بأدب جم: «نعم.» «ومن كانوا هؤلاء الوحوش؟» «المنافقين.» «آه! هذا يفسر كل شيء. يمكنني أن أفهم بهذه الكلمة المفردة أنه لا بد أنهم حكموا عليك بالموت. هل أثبت لهم كما فعل سقراط أن القمر لم يكن إلها وأن المريخ لم يكن إلها؟» «لا. لم تكن المسألة بخصوص هذه الكواكب. لم يكن مواطني يعلمون أصلا ما يعنيه كوكب. كانوا جميعا جهالا صرفا. كانت خرافاتهم مختلفة بعض الشيء عن خرافات الإغريق.» «أردت أن تعلمهم دينا جديدا إذا؟» «لا على الإطلاق. إنما قلت لهم: «أحبوا الله بكل قلوبكم، وأقاربكم كأنفسكم؛ لأن هذا هو كل ما على الإنسان أن يفعله. احكم ما إن كانت تلك الوصية ليست قديمة قدم الكون نفسه؛ احكم ما إن كنت أتيتهم بدين جديد. لم أتوقف عن إخبارهم بأني لم آت لأنقض القانون، ولكن لأكمله. لقد راعيت كل شعائرهم، واختتنت كما كانوا كلهم، وتعمدت كما يفعل أشدهم غيرة، ومثلهم، قدمت القربان، واحترمت الفصح كما فعلوا، آكلا وأنا واقف لحم حمل مطبوخا بالخس. وذهبت أنا وأصدقائي للصلاة بالهيكل، بل إن أصدقائي واظبوا على هذا الهيكل بعد مماتي. باختصار نفذت كل قوانينهم بلا استثناء واحد.» «ماذا! لم يستطع البؤساء حتى أن يتهموك بالحياد عن قوانينهم؟» «نعم، بلا شك.» «لماذا إذا وضعوك في الحالة التي أراك فيها الآن؟» «ماذا تتوقع مني أن أقول! كانوا شديدي الكبر والأنانية؛ لقد رأوا أني عرفتهم، وعرفوا أني أجعل المواطنين على دراية بهم، وكانوا هم الأقوى. أودوا بحياتي، ودائما ما سيفعل أناس على شاكلتهم مثل فعلهم إن استطاعوا إزاء أي شخص يعاملهم بعدل أكثر مما يطيقونه.» «ولكن ألم تقل شيئا أو تفعل شيئا يمكن أن يتخذونه ذريعة؟» «مع الأشرار كل شيء يمكن أن يتخذ ذريعة.» «ألم تقل مرة إنك لم تأت لترسل سلاما ولكن سيفا؟» «إنه خطأ الناسخ. قلت لهم إني أرسلت السلام لا سيفا. لم أكتب شيئا قط، يمكن أن يكون ما كتبته غير من غير نية شريرة.» «لذا لم تسهم بأي طريقة بأحاديثك التي أسيئت كتابتها وأسيء تفسيرها في هذه الأكوام المريعة من العظام التي شاهدتها في طريقي وأنا قادم لاستشارتك؟» «بالهول فقط رأيت أولئك الذين جعلوا أنفسهم مذنبين بهذه المقاتل.» «وتلك الآثار للقوة والثروة، للكبر والجشع، هذه الكنوز، وهذه الزينة، وهذه العلامات على الفخامة التي رأيتها مكومة في الطريق بينما كنت أبحث عن الحكمة، هل أتت من عندك؟» «محال، عشت أنا وشعبي في فقر ومذلة، كانت عظمتي في الفضيلة وحدها.»

كنت على وشك أن أتوسل إليه أن يكون طيبا معي ويخبرني من هو بالضبط. حذرني مرشدي من أن أفعل شيئا من هذا القبيل. أخبرني أني لم أخلق لأفهم مثل تلك الأسرار السامية. كل ما فعلته أني ناشدته ليخبرني علام تشتمل الديانة الحقيقية. «ألم أخبرك بالفعل؟ أحب الرب، وأحبب قريبك كنفسك.» «ماذا؟! إن أحب المرء الله يمكنه أن يأكل اللحم يوم الجمعة؟» «أكلت دوما ما قدم إلي، وكنت أفقر من أن أمنح أحدا طعاما.» «مع حب الله والتمسك بالعدالة، ألا ينبغي على المرء أن يكون حذرا نوعا ما من أن يأتمن شخصا مجهولا على كل مجازفاته؟» «كان هذا دأبي دائما.» «ألا يمكنني أن أستغني بفعل الخير عن الحج إلى سانتياجو كومبوستيلا؟» «لم أزر أبدا ذلك البلد.» «هل من الضروري لي أن أحبس نفسي في مأوى مع حمقى؟» «أما أنا، فتنقلت في رحلات قليلة من بلدة إلى بلدة.» «أهو ضروري لي أن أنحاز إلى أي من الكنيسة اليونانية أو اللاتينية؟» «حينما كنت في الدنيا لم أفرق قط بين اليهودي والسامري.» «حسنا، إذا كان الأمر كذلك فسأتخذك معلمي الوحيد.» وحينئذ، صنع لي برأسه إيماءة ملأتني بالتعزية. اختفت الرؤيا وبقي معي وعي واضح.

الطائفة

(1) القسم الأول

ناپیژندل شوی مخ