128

قاموس فولتير الفلسفي

قاموس فولتير الفلسفي

ژانرونه

ملتون، عن لومه على الانتحال

اتهم بعض الناس ملتون بأنه استقى قصيدته من «نفي آدم» لجروتيوس، ومن «ساركوتيس» لماسينيوس اليسوعي، وهما اللتان طبعتا في عامي 1654م و1661م قبل أن يقدم ملتون ملحمته «الفردوس المفقود» بمدة طويلة.

أما عن جروتيوس، فكان معروفا جيدا في إنجلترا أن ملتون أدخل في قصيدته الإنجليزية الملحمية قليلا من الأبيات اللاتينية من تراجيديا «آدم». لا يكون المرء منتحلا على الإطلاق إذا أثرى لغته بمحاسن لغة أجنبية. لم يتهم أحد يوريبيدس بالانتحال بسبب محاكاته الكتاب الثاني من الإلياذة في مقطع أغنية جماعية في «إفيجينيا»، بل على العكس دان الناس له بالعرفان لمحاكاته التي اعتبروها وفاء مزجى إلى هوميروس على المسرح الأثيني.

لم يعان فيرجيل أبدا من اللوم جراء محاكاته في ملحمته «الإنياذة» مائة بيت كتبها الشعراء الإغريقيون الأوائل.

ارتفع سقف الاتهام ضد ملتون قليلا؛ ظن أحد الاسكتلنديين، المسمى ويل لودر، الذي كان شديد الوفاء لذكرى تشارلز الأول الذي شتمه ملتون بأشد ما تكون العداوة، أنه جدير بالإساءة إلى ذكرى شاتم الملك هذا. زعم أن ملتون كان مذنبا باحتيال مخز بسلب تشارلز الأول المجد الحزين النابع من كونه مؤلف «إيكون بازيليكا»، وهو كتاب طالما كان عزيزا على الملكيين، ويقال إن تشارلز الأول ألفه في محبسه ليواسي به نفسه في محنته المؤسفة.

من ثم أراد لودر في عام 1752م تقريبا أن يبدأ بإثبات أن ملتون كان مجرد منتحل، قبل أن يثبت أنه سبق وتصرف كمزور يسيء إلى ذكرى أشد الملوك تعاسة. حصل على بعض الطبعات من قصيدة «ساركوتيس». وبدا واضحا أن ملتون قد حاكى بعض مقاطعها، كما حاكى جروتيوس وتاسو.

لكن لودر لم يكتف بذلك؛ إذ فتش عن ترجمة لاتينية سيئة لملحمة «الفردوس المفقود» للشاعر الإنجليزي، وبضم بضعة أبيات من هذه الترجمة إلى أبيات كتبها ماسينيوس، ظن بذلك أنه جعل الاتهام أقسى، وعار ملتون أكمل. وفي هذا كان مخدوعا بشدة. كشف احتياله؛ أراد أن يجعل من ملتون مزورا، ولكنه هو الذي اتهم بالتزوير. لم يفحص أحد قصيدة ماسينيوس التي لم يكن موجودا منها في ذلك الوقت سوى نسخ قليلة في أوروبا، ولم تعد إنجلترا التي اقتنعت بكاملها بخدعة لودر الضعيفة، تسأل عنها. واضطر صاحب الاتهام مذهولا إلى أن يتبرأ من مناورته، ويعتذر عنها.

بعد ذلك طبعت نسخة جديدة من عمل ماسينيوس في عام 1757م. ودهش جمهور الأدب بالعدد الكبير من الأبيات الرائعة الجمال التي زينت بها «ساركوتيس». لم تكن في الحقيقة سوى تشدق طويل بمذاهب سقوط الإنسان. لكن الاستهلال، والابتهال، ووصف جنة عدن، وتصوير حواء، وتصوير الشيطان، كل ذلك كان هو نفسه تماما في عمل ملتون. الأكثر من ذلك أن الموضوع كان هو نفسه، والحبكة هي نفسها، والفاجعة هي نفسها. إن رغب الشيطان - في عمل ملتون - أن ينتقم من الإنسان بسبب الأذى الذي ألحقه الله به، فلديه الخطة نفسها الموجودة في عمل ماسينيوس اليسوعي، وأعلنها في بعض الأبيات الشعرية التي ربما تكون جديرة بقرن أوغسطس («ساركوتيس» الجزء الأول، 271 وما بعدها).

يجد المرء في عملي ماسينيوس وملتون القليل من الحوادث، والاستطرادات التافهة، المتشابهة تماما؛ فكلاهما يتحدث عن أحشويروش الذي غطى البحر بسفنه، وكلاهما يتحدث بالنبرة ذاتها عن برج بابل، كلاهما يعطي الأوصاف نفسها للترف والكبرياء والجشع والشراهة.

كان أكثر ما أقنع عموم القراء بانتحال ملتون هو التشابه الكامل بين بداية القصيدتين. لم يكن هناك شك لدى كثير من الأجانب بعد قراءتهم للاستهلال أن بقية قصيدة ملتون مأخوذة من ماسينيوس، وهو خطأ كبير جدا من السهل إدراكه.

ناپیژندل شوی مخ