سجن في البداية في بينيرولو قبل سجنه على جزر سانت مارجريت، ثم في الباستيل، وكان دائما تحت حراسة الرجل نفسه، سانت مارس، الذي رآه وهو يموت. نقل الأب جريفيه اليسوعي إلى العامة يوميات الباستيل التي تشهد على هذه التواريخ. حصل على هذه اليوميات بلا صعوبة؛ لأنه شغل منصبا دقيقا بصفته الأب الذي يستمع إلى اعترافات سجناء الباستيل.
الرجل ذو القناع الحديدي لغز يود كل شخص أن يحله. يقول بعض الناس إنه كان دوق بوفور؛ لكن دوق بوفور قتل بأيدي الأتراك في دفاعه عن كانديا عام 1669م، بينما كان الرجل ذو القناع الحديدي في بينيرول في عام 1662م. بالإضافة لذلك، كيف تمكن أحد من اعتقال دوق بيفور وهو محاط بجيشه؟ وكيف تسنى لأحد أن ينقله إلى فرنسا دون أن يعلم أحد شيئا عن الأمر؟ ولماذا كان يجب سجنه، ولماذا هذا القناع؟
فكر آخرون في كونت فرماندوا، الابن غير الشرعي للويس الرابع عشر الذي مات أمام الجميع بمرض الجدري عام 1683م، مع الجيش، ودفن في بلدة آراس.
بعد ذلك اعتقد أن دوق مونموث الذي قطع رأسه الملك جيمس الثاني علانية في لندن عام 1685م كان هو الرجل ذا القناع الحديدي. كان ضروريا أن تعود إليه الحياة، وأن يغير ترتيب الأزمان، ويضع عام 1662م مكان عام 1685م. أما الملك جيمس الذي لم يعف عن أحد قط، واستحق بذلك كل بلاياه؛ فكان يجب عليه أن يعفو عن دوق مونموث، وأن يتسبب في موت رجل يشبهه تماما بدلا منه. كان من الضروري إيجاد ذلك الشبيه الذي يتصف بالطيبة لدرجة أن تقطع رأسه علانية من أجل إنقاذ دوق مونموث. كان من الضروري أيضا لإنجلترا كلها أن تسيء الفهم؛ ولجيمس حينئذ أن يرسل أخلص توسلاته إلى لويس الرابع عشر كي يكون أهلا لأن يعمل بصفته حارسه وسجانه؛ ومن ثم بعد أن أدى لويس الرابع عشر تلك الخدمة الصغيرة للملك جيمس، فلن يفشل في بذل الاهتمام ذاته للملك وليام والملكة آن اللذين كانا في حرب معه، وأن يكون حفظ بعناية، برعاية هذين العاهلين، منزلة السجان التي كانت له، وسبق أن شرفه بها الملك جيمس.
أما وقد تبددت كل هذه الأوهام، فيبقى أن نعلم من هو ذلك السجين الذي كان مقنعا دائما، وكم كان عمره وقت وفاته، وبأي اسم دفن. واضح أنه إن لم يكن مسموحا له بالمرور في ساحة الباستيل، وإن لم يكن مسموحا له التحدث لطبيبه إلا إن كان مرتديا قناعا؛ فذلك خوفا من أن يدرك في ملامحه تشابه مدهش أكثر مما ينبغي. ربما كان له أن يظهر لسانه، لكن ليس وجهه أبدا. أما عن عمره فقد قال هو بنفسه لصيدلي الباستيل قبل أيام من موته إنه يعتقد أنه قارب الستين. وكرر لي مؤخرا ذلك أكثر من مرة السيد مارسولان، جراح ماريشال ريشيليو، ثم دوق أورليون، الوصي على العرش، وصهر ذلك الصيدلي.
في النهاية، لماذا منحه اسما إيطاليا؟ كان طوال الوقت يدعى مارشيالي! من يكتب هذه المقالة يعرف أكثر عن الأمر، ربما أكثر من الأب جريفت، ولن يقول المزيد. (1) ملحوظة الناشر
2
مدهش أن نرى كثيرا من الدارسين وكثيرا من الكتاب الأذكياء الفطنين يعذبون أنفسهم بمحاولة تخمين من هو الرجل الشهير الذي كان يرتدي قناعا حديديا، دون أن تخطر على بالهم أكثر الأفكار بساطة وطبيعية. بمجرد إعلان الحقيقة، وفق ما صرح بها السيد فولتير، مع ملابساتها؛ أي وجود سجين فريد من نوعه، ووضعها في مصاف أكثر الحقائق التاريخية الموثقة، لا يبدو فقط أنه لا شيء أسهل من تخيل من يكون، ولكن يصبح من الصعب أيضا أن يكون ثمة رأيان حول الأمر. لا بد أن كاتب هذه المقالة كان من شأنه أن يصرح برأيه قبل الآن، لو أنه لم يعتقد أن هذه الفكرة تبادرت بالفعل إلى أذهان كثيرين غيره، ولو لم يكن مقتنعا بأن ما سيتبادر إلى ذهن كل من يقرأ الحكاية لا يستحق، من وجهة نظره، إعلانه وكأنه اكتشاف.
ومع ذلك، فلما تباينت الآراء حول هذا الأمر منذ زمن مضى، ولما وصل إلى أيدي الجماهير مؤخرا خطاب يدعى فيه أنه تم إثبات أن هذا السجين الشهير كان سكرتير دوق مانتوفا (وهو ما لا يمكن التوفيق بينه وبين علامات الإجلال الكبير التي أبداها السيد سانت مارس نحو سجينه)، اعتبر المؤلف أن من واجبه أن يفصح، على الأقل، عما كان رأيه في الموضوع طوال أعوام عديدة. ربما يضع هذا التخمين حدا لكل الأبحاث الأخرى، ما لم يفش السر من جانب أولئك الذين ربما كانوا حراسه، بطريقة تزيل كل الشكوك.
لن يسلي نفسه بدحض أولئك الذين تخيلوا أن هذا السجين يمكن أن يكون كونت فرمانديوس ، أو دوق بوفور، أو دوق مونموث. دحض صاحب هذا الرأي الأخير؛ المؤلف، العالم، وافر الحكمة، آراء الآخرين بمهارة، لكنه بنى رأيه فقط من حيث الأساس على استحالة العثور في أوروبا على أمير آخر كان من المهم للغاية ألا يعرف أمر اعتقاله. يبدو أن السيد سان فوا على حق إن كان يقصد التحدث فقط عن الأمراء الذين كان وجودهم معروفا؛ ولكن لماذا لم يفكر أحد في افتراض أن الرجل ذا القناع الحديدي ربما كان أميرا غير معروف، نشأ في السر، وكان من المهم الحفاظ على سرية وجوده؟
ناپیژندل شوی مخ