تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
قمبيز
قمبيز
تأليف
أحمد شوقي
تمهيد
زمن الرواية:
القرن السادس قبل الميلاد.
مكان الرواية:
مصر:
منفيس:
عاصمة مصر.
صا الحجر:
مقر البلاط.
أشخاص الرواية:
أمازيس:
فرعون مصر.
بسامتيك:
ابن أمازيس وولي العهد.
نفريت:
ابنة أمازيس.
نتيتاس:
ابنة فرعون أبرياس المقتول.
قمبيز:
ملك الفرس.
تاسو:
حارس فرعون.
تتي:
وصيفة الملكة نتيتاس.
فانيس:
كان قائدا في الجيش المصري ثم التحق بالجيش الفارسي.
رجال الوفد الفارسي.
رجال البلاط الفرعوني.
قواد، جند:
من الفرس.
ساحر، راقصات، أقزام، نوب، حجاب، خدم:
مصريون
الفصل الأول
المنظر الأول (بالقرب من غرفة فرعون أمازيس الخاصة - تاسو حارس فرعون - الأميرة نفريت ابنة الملك)
تاسو :
نفريت؟
نفريت :
تاسو هنا؟
تاسو :
وهل أرى إلا هنا؟
أحوم حول صنمي
وحول هذي القدم
نفريت (وتنظر إلى رجلها) :
حول رجلي أنا؟
تاسو :
أجل حول هذا الشه
د والزبد والنمير الصافي
ما بك يا نفريت ما هذا الأسى؟
ما بال عينيك تريدان البكا؟
نفريت :
تسألني ما بي ألم تعلم بما
جرى ويجري من فجائع القضا
تاسو :
ماذا جرى؟ ماذا لقيت ملكتي
من القضاء؟ مهجتي لك الفدا
نفريت :
كيف لقد كان حسابي أننا
بخطبة الفرس تحطمنا معا
تاسو :
إذن فهذا الغم من جرائها
وأنت تخشين الرحيل والنوى
نفريت :
وأنت يا تاسو ألم تحزن؟
تاسو :
أنا!
أحزن يا سلطانة الفرس أنا؟
لقد وددت لو ملكت كل ما
دب على الأرض وطار في السما
نفريت :
وفرقتي تاسو ألم تحزن لها؟
تاسو :
ولم وفي الفرس يكون الملتقى
نفريت :
في فارس! في قصر زوجي نلتقي!
يا عجبا ماذا تقول يا فتى؟
تاسو :
لم لا أليس في القصور سعة؟
نحن هناك مثل ما نحن هنا
نفريت :
هذا الغباء منك تاسو عجب
ليس المكانان على حد سوا
هنا أبي إذا بكيت رق لي
وإن شفعت لك عنده عفا
تاسو :
وثم؟
نفريت :
وحش في إهاب بشر
يقتل من يلقى
تاسو :
أمون نجنا!
وماذا اعتزمت؟
نفريت :
اعتزمت البقاء
بمصر وفي ظل هذي الحجر
وبالقرب منك ومن والدي
ومن إخوتي وذوي الأخر
وبين وصيفاتي المشفقات
ومن لاذ بي من بنات الأسر
تاسو :
ولكن ترى كيف تجري الأمور
إذا علمت فارس بالخبر
وقيل لقمبيز فرعون خال
ف وابنة فرعون لم تأتمر
نفريت :
ليجر بما شاء تاسو القضاء
ليجر بما شاء تاسو القدر
لتخسف بقوم عليها البلاد
ليستأخر النيل أو ينفجر!
فأما أنا فسأبقى هنا
وإن غضبت فارس والنمر
فما الفرس لي بالصحاب الكرام
ولا لي في ملكهم من وطر (تدخل الأميرة نتيتاس)
نفريت :
من المفاجئ (نتيتا)؟
نتيتاس :
نفريت، تاسو سلام
نفريت أصغي لقولي
فلي إليك كلام
نفريت :
تكلمي واقتصدي
نتيتاس :
ولم أزل مقتصده
نفريت :
أتيتني شامتة
نتيتاس :
لا بل أتيت مسعده
آمون قد مد إلي
ك وإلى الوادي يده
وقد كفى مصر البلا
ء والخطوب المرعده
وكف عن ربوعنا
نار المجوس الموقده
نفريت :
وكيف نتيتاس ماذا ما الخبر؟
كيف جرى غير مجاريه القدر؟
تاسو :
ما الأمر يا سيدتي!
نتيتاس :
وأي شأن فيه لك
إن الذي عندي لا
يقال إلا للمك
نفريت :
عجلي إذن. قابلي أبي.
أسرعي الخطى. اذهبي اذهبي.
واسأليه ما. شئت واطلبي.
نتيتاس :
ما ذاك ما ذا تقولي
ن فكري يا نفرت
ما جئت أطلب مالا
ولا لهذا حضرت
ولا بشأنك يا بن
ت آمزيس افتكرت
نفريت :
ففيم إذن جئت يا نتيتاس
وفي أي شأن نقلت القدم؟
نتيتاس :
أتيت لمصلحة الآخرين
وجئت لشأن جليل العظم
أتيت لأفدي بنفسي البلاد
وأدفع عن مصر شر العجم
فإنك إن ترفضي يزحفوا
كزحف الذئاب ونحن الغنم
فأين أبوك؟
نفريت :
تلاقينه
هنالك في حجرات الصنم
نتيتاس :
سأمضي إليه
نفريت (بتهكم) :
اذهبي افدي البلاد
نتيتاس :
نعم أنا أفدي بلادي نعم (تخرج)
نفريت :
يا ويحها قد ذهبت
دعني تاسو واذهب (يخرج تاسو) (يدخل فرعون إلى غرفته الخاصة، وهي حجرة صغيرة أرضيتها من الخشب الملون، وفيها بضعة كراسي خفيفة الوزن لطيفة الصنع، وفي زواياها الأربع تماثيل للآلهة المصرية، فرعون أمازيس وابنته نفريت مقبلة عليه)
نفريت :
سلام يا ضحى الشمس
ويا غرة آبيس
ويا حامي ساييس
ويا حارس منفيس
فرعون :
سلام شبه هاتور
سلام شبه إيزيس
نفريت :
أبي بل نادني يا بن
ت فرعون أمازيس
فرعون :
تعالي أقبلي يا بن
ت فرعون أمازيس
وفي أي جليل أو
صغير يا ترى جئت
تعالي يا ابنتي قولي
سلي فرعون ما شئت
نفريت :
أبي كن لي فقد أظل
مت الدنيا بعينيا
فرعون :
سأجلو ظلمة الدنيا
وأمحوها بكفيا (تغرورق عيناها بالدموع)
بنتاه
نفريت :
رباه أبي
فرعون :
ما للأميرة باكيه؟
هلا ادخرت لمصرعي
هذي الدموع الغاليه
نفريت :
لا بل تعيش أبي وتب
قى في ظلال العافيه
أبتي تهيأ كل شي
ء للنوى المتراميه
فغدا تضمني القصو
ر بل القبور الجافيه
في ألف جارية لقم
بيز هناك وجاريه
من كل مرسلة هنا
لك كالبهيمة ساليه
فبأي قلب يا ملي
ك تزفني للطاغيه
أدرك فتاتك قد ضعف
ت عن احتمال الداهيه (تدخل نتيتاس على فرعون أمازيس فتخرج نفريت)
فرعون :
من أرى؟ إنه لحظ عظيم
نتتاس بنت الفراعين عندي
نتيتاس :
التحايا لعرش مصر المفدى
من أبي ساكن السماء وجدي
فرعون :
وسلام الذي على عرش مصر
لا تؤدينه؟
نتيتاس :
وكيف أؤدي؟
ليس بين ابنة وساقي أبيها
غصة الموت من سلام ورد
إن حقدي عليك دين وبر
رب لا يذهب العقوق بحقدي
فرعون :
احملي الحقد لي أو اطرحيه
وتمني علي جاهي ورفدي
اسألي تسألي أباك
نتيتاس :
معاذ الد
م فرعون ليس دنياك قصدي
فرعون :
فيم قد جئتني إذن؟
نتيتاس :
في حقوق
لدياري وواجب نحو مهدي
كل عام صبية من بنات الشعب
تختار للفداء فتفدي
تنزل النيل غير عائفة ما
فيه للموت من حياض وورد
سمحت بالحياة في غير سأم
وسخت بالشباب في غير زهد
تبتغي الخصب والرخاء وتحتا
ل لعيش بنعمة النيل رغد
سقت الناس بعدها لم تقل قو
ل الأناني: يهلك الناس بعدي
فرعون :
قد عرفنا فهل تريدين منا
أن تكوني التي نزف ونهدي
نتيتاس :
تلك مدفوعة يقدمها الكهان
لكنني تقدمت وحدي (مستمرة):
جئت أفدي وطني من
سيف قمبيز وناره
جئت أفدي وطني من
دنس الفتح وعاره
فرعون :
ماذا تقولين فيم جئت؟
قمبيز؟ الفتح؟ مصر؟ فارس؟
نتيتاس :
نفريت تأبى المسير هب لي
مكانها منك يا أمازس
فرعون :
أنت التي تذهبين؟
نتيتاس :
لم لا؟
فرعون :
هذا هو النبل يا نتاتس
بخ بخ، بنت أخي
نتيتاس (في استنكار) :
أنت يا قاتل، عمي؟؟
لا ... أبي يأبى وأمي
فرعون :
لا تدفعي نتيت بي
ولا تهيجي غضبي
نتيتاس (كالمستهزئة) :
تقتلني مثل أبي! (تظهر نفريت بالباب)
فرعون :
من ذا أرى؟ نفريت، هيا ادخلي
لا تقف الأقمار بالباب
نفريت :
تحية الشمس لسارع أبي
تحية المعبود آمون
فرعون :
أتيت لوفق الأمر نفريت أقبلي
تعالي أنبئك الجليل تعالي
نفريت :
أبي لا جليل اليوم إلا مصيبتي
فرعون :
ولكنها قد آذنت بزوال
نفريت :
وكيف وأنى؟
فرعون :
أنظري من بمجلسي
وأي رسول للسماء حيالي
إله لعمري في قميص أميرة
سعى لك يحبو عونه وسعى لي
نفريت :
نتيتاس أختي؟
نتيتاس (لنفسها) :
أختها ما أضلها!
متى كان بيتي مجرمين وآلي
نفريت (لأبيها بعد أن سمعت نجواها) :
أبي ألهذا تجمع اليوم بيننا
وما لابنة الملك القديم وما لي
فرعون :
لقد بعثتها الشمس من عرش مجدها
شعاع هدى من حيرة وضلال
تزف إلى قمبيز في موضع ابنتي
وفي موكب من وفده ورجالي
نفريت :
نتيتاس
فرعون :
قولي بنت فرعون
نتيتاس :
أعفها
نفريت :
ولم
نتيتاس :
ذاك عهد يا أميرة خالي
فلا يستوي الملك القشيب جلاله
وآخر مخلوع الجلالة بالي
نفريت :
أحق نتيتا ما روى الملك
نتيتاس :
ما روى
أبوك صدى صوتي ورجع مقالي
نفريت :
رويدا نتيتا راجعي الرشد إنما
تضحين يا أختي بأنفس غالي
تضحين بالدنيا الجميلة والصبا
وهذا الفضاء السافر المتلالي
أحق عقدت العزم؟
نتيتاس :
بعد روية
وأقنعت نفسي بعد طول نضال
وما لي لا أعطي الحياة إذا دعت
بلادي. حياتي للبلاد ومالي
المنظر الثاني (حجرة عظيمة في قصر فرعون - وفد من الفرس ينتظر رسول الملك أمازيس، هنا وهناك في الحجرة نفر من حاشية فرعون)
رئيس الوفد :
لقد جلتم في بلدة العجل جولة
وما برحت بالزائرين تجاب
فكيف وجدتم قوم فرعون؟
قباذ :
أمة
إذا هي قيست بالشعوب عجاب
لهم مثل ما للأسد بالجنس عزة
ضواري الفلا عند الأسود كلاب
هم الشهب والناس الجنادل والحصى
وتبر الثرى والعالمون تراب
وكل الذي صاغوا من الفن آية
وكل الذي قالوا هدى وصواب
الرئيس :
خطبنا إليهم أمس بنت مليكهم
فما كان إلا الاحتقار جواب
وأشفق أهلوها وقالوا حمامة
دعاها إلى الوكر السحيق عقاب (ثم يعرض ببصره رجال القصر من المصريين)
تأمل (قباذ) القوم وانظر وجوههم
وجوه عليها للهموم سحاب
ألست تراهم كلما نقلوا الخطى
لهم جيئة من ريبة وذهاب
قباذ :
ولكنهم ما قصروا عن ضيافة
طعام ونزل طيب وشراب
وخمر فنيقي بأيدي سقاتها
لها نفحة مسكية وحباب
وماذا علينا أن تضيق وجوههم
إذا لم تضق ساح لهم ورحاب (وعلى أثر ذلك يخاطب رجل آخر من الوفد صديقا له في ناحية أخرى من الحجرة وكان عائدا هو أيضا من المدينة)
الرجل :
زفيروس، من أين؟
زفيروس :
من جولة
بمنفيس
الأول :
كيف وجدت البلد؟
وكيف احتقارهم للغريب
إذا قام في شأنه أو قعد
وكيف عيونهم حوله
إذا حملته احتمال الرمد
زفيروس :
وجدت وجوها عليها النعيم
ودنيا على جانبيها الرغد
وسوقا تفض وسوقا تقام
وخلقا يروح وخلقا يفد
وشعبا على خطة في الحياة
ونظم به في الشعوب انفرد
ولم أر مثل صناعاتهم
سموا وبعدا على المنتقد
ولا مثل أخلاقهم مبلغا
من الفضل أو من خلال الرشد
إذا مر يافعهم في الطريق
بشيخ تنحى له أو سجد
الأول :
تباركت النار. كلت المديح
لمصر جزافا ولم تقتصد
زفيروس :
أخي ما الذي أنت ناع علي
وما قلت إلا الذي أعتقد
الأول (مبتسما) :
لقد سحرت مصر الفارسي
ويا طالما نفثت في العقد
ولكن زفيروس كيف الجنود
وكيف الحديد وكيف الزرد
وهل كنت تلقاهم في الطريق
وتنظر أظفارهم واللبد
زفيروس :
أخي ما رأيت بمصر الجنود
ولم يأخذ العين منهم أحد
سوى فتية من جنود القصور
وضباطها في الثياب الجدد
يروحون في الخوذ اللامعات
ويغدون في الذهب المتقد
الأول :
إذن هو ملك بلا حائط
رقيق الأواسي ضعيف العمد
خلا الوكر من صرخات العقاب
ونامت عن الغاب عين الأسد
أولئك لا في حماة الديار
ولا في العديد ولا في العدد
طواويس في عرصات القصور
تروق تهاويلها من شهد
ولا يعجبنك سلم يرف
وخير يفيض ومال لبد
وآثار فن تروع العقول
وأجساد موتى تعيش الأبد
فما أنت راء سوى جنة
هي الخلد أو طيفه في الخلد
يهب عليها غدا عاصف
من الفرس أنى تمشى حصد
ثالث متدخلا :
صدقت أخا الفرس قلت الصواب
غدا يعصف الفرس أو بعد غد
أحدهم لآخر :
أعلمتم ماذا يردد في القص
ر وماذا يقال همسا ووحيا
الثاني :
ما يقولون هات قل
آخر :
كيف صدت الس
ر في القصر كيف صدت النجيا
هات قل ما بأرض مصر عجيب
مصر دنيا وسائر الأرض دنيا
الأول :
هم يقولون إن بنت أمازي
س عروس المليك تأبى المضيا
الثاني :
هازل أنت؟
الأول :
بل سمعت حديثا
إن يكن مفترى فماذا عليا؟
آخر :
إنه يهذي دعوه
كاذب لا تسمعوه
ما الذي زخرف
الثالث :
ألقى
كذبة الأجيال فوه
يزعم الملكة نفري
ت ابنة الملك أمازس
ترفض السير مع الوف
د إلى أقطار فارس
آخر :
ما خطبه ما يدعي
إمض بنا لا تسمع
يقول فرعون مصرا
لم يرض قمبيز صهرا
الثاني :
من أمازيس ما الأميرة ما مص
ر أفي الأرض من بقمبيز يهزا
آخر :
أهذا خبر يروى
غبي أنت والله
أتحت القبة الزرقا
ء من يسخر بالشاه
الأول :
اعزبوا ما لكم ولي
قللوا الشتم والسخر
ما الذي قد أتيته؟
ناقل الكفر ما كفر!
خبر قيل قد يصح
وقد يكذب الخبر
أحدهم :
يا صحب كيف ترى تقضون ليلكم
وكيف نومكم في هذه الدار
آخر :
أما أنا فإذا استلقيت طوف بي
شتى الخيالات من سحر وسحار
وأنت؟
الأول :
يغشى الكرى عيني فيصرفه
عنها خيال تماسيح وأثوار
من التوابيت حولي كل منتقل
بغير رجل ولا ساقين دوار
يجيل من خلفها الأموات أعينهم
كأنها في الدجى أحداق أنمار
ولا تزال بي الأرواح طائفة
مناجيات بألغاز وأسرار
آخر :
أما أنا فإذا ما جئت مضطجعي
عوذت نفسي قبل النوم بالنار
فلا يطوف من الأرواح بي شبح
من خيرين وإن جلوا وأشرار
آخر :
هيا اسمعوا ماذا رأيت أمس
آخر :
ما ذاك؟
الأول :
صه تكلموا بهمس
رأيت عصفورا برأس إنس
أقبل حتى صار عند رأسي
فما ملكت عند ذاك حسي
آخر :
ثم؟
الأول :
صحوت فوجدت نفسي
منطرحا أغط فوق كرسي
آخر :
وأنا
ثان :
أنت ما رأيت؟
الأول :
أعجبا
مما رأى صاحبكم وأغربا
رأيت آبيس أتى مضاجعي
فهزها بقرنه وقلبا
ثم رأيت
الثاني :
ما رأيت؟
الأول :
حدقا
تقلبت في الليل تحكي اللهبا
آخر :
ثم؟
الأول :
وقال العجل أنتم فارس؟
قلت نعم فقال لي لا مرحبا
آخر في دهشة :
يا عجبا. ألعجل قد
كلمه يا عجبا (يدخل تاسو حارس فرعون):
تاسو :
أيها الوفد سلام لكم
بنت فرعون ستأتي بعد حين
تتلقاكم بما يزكو بكم
من تحايا وتجيب الخاطبين
رئيس الوفد :
أيها السيد تاسو
أدن منا مرحبا بك
غبت عنا زمنا حت
ى اغتممنا لغيابك
لم تسل عنا ولم تبع
ث رسولا من صحابك
تاسو :
يا كبير الوفد هذا العط
ف قد أثر فيا
أنت لا تجهل من أن
ظمة الديوان شيا
شرف الخدمة لا يجع
ل وقتي بيديا
فارسي (لآخر بصوت منخفض) :
تاسو؟! ومن تاسو؟
الآخر :
فتى
في القصر مرموق جميل
ندمان فرعون وصا
حبه وحارسه النبيل
ويميل فرعون إلي
ه وبنته أيضا تميل (حارسان يدخلان فيصيح أحدهما):
الأول :
الملك فرعون سارع
الثاني يردد :
الملك فرعون سارع (يدخل الملك والأميرة نتيتاس وكبار الكهنة المصريين، فيجلس الملك والأميرة ويقف تاسو وراء الملك، فينهض رئيس الوفد ويقول)
رئيس الوفد (إلى فرعون) :
بركات السماء فرعون مصرا
وسلام من عاهل الأرض كسرى
رسل قمبيز نحن لم نأل إحسا
نك يوما ولا اهتمامك شكرا
قد خطبنا إليك زنبقة الوا
دي وأعلى عقائل النيل قدرا
نحمل الشام إن أردت صداقا
ونسوق العراق إن شئت مهرا
ونزجي الكنوز من قيم اليا
قوت والدر والزمرد تترى
إنها فارس وإنا لنرجو
أن سترضى بها حليفا وصهرا
فرعون أمازيس (إلى تاسو) :
قم أجب عني الدهاقين تاسو
تاسو :
سيدي من أكون! مولاي. عذرا
نتيتاس :
أبتي أعفه
ثم إلى تاسو:
مكانك تاسو
أنا بالفصل في مصيري أحرى
نتيتاس (إلى الوفد الفارسي) :
مرحبا وفد فارس
رسل قمبيز مرحبا
قد تأخرت عنكم
وأطلت التحجبا
ونهاني مطببي
فسمعت المطببا
خبئوني لوعكة
ومن البرد يختبا
لم ير الناس صاحبا
كالعوافي محببا
رئيس الوفد :
اشكري الله يا ابنتي
واذكري فضل ما حبا
كم سألنأ فجاءنا
بالذي طمأن النبا
أمازيس (إلى تاسو بصوت منخفض) :
ما لها تاس أطنبت
ولذا الشيخ أطنبا
تركا خطبة الزوا
ج وقاما ليخطبا
نتيتاس (بصوت منخفض وقد سمعت ما دار بينهما) :
ما الذي ساء والدي
من كلامي وأغضبا
ما لفرعون ساخطا
ولتاسو مقطبا
فرعون (بصوت منخفض) :
اجعلي القصد يا ابنتي
لك في القول مذهبا
نتيتاس للوفد :
قد دعوتم أبي لما
يرفع البنت والأبا
إن فرعون كوكب
صاهر اليوم كوكبا
اذكروا لي مقامكم
أترى كان طيبا
أيها الوفد قلما
صاهرت مصر أجنبا
مرحبا وفد فارس
الملك (بصوت منخفض) :
شبع الوفد مرحبا
نتيتاس :
أنا إن عشت شدت لل
نار بيتا مطنبا
في عيون الوهاد من
فارس أو على الربا
كلما لاح ضوؤه
هزت الأرض منكبا
رئيس الوفد :
هلمي باركي يا نار
على بنت الفراعين
ويا فارس هاتوا الغار
وجيئوا بالرياحين
وحيوا زوجة الجبار
على كل السلاطين (وينثر الفرس الرياحين على الأميرة نتيتاس وهم يتغنون)
الكهنة المصريون يتغنون :
آمون قم شارك
فرعون في العرس
تعال طف بارك
في ملكة الفرس •••
نح الشياطين
وانف العفاريت
واحرس بعينيك
موكب نفريت •••
آمون هي اشترك
في عرس بنت الملك
وقم إليها كلل
براحتيك راسها
واشهد بمصر واجتل
بفارس أعراسها
المنظر الثالث (بهو عظيم من القصر زين بالمصابيح البديعة الألوان المصنوعة من ورق البردي وأغصان الزيتون، وصففت الأزهار.. والرياحين هنا وهناك، وفي ناحية من البهو جوقة العزف من حاملات القيثارة، والعود، والناي، والدف، يموج المكان بأعضاء الوفد الفارسي في ملابسهم الفارسية الفاخرة، وبرجال الحاشية وخدم القصر من الحرس والكهنة كبارهم وصغارهم وفتيان النوبيين، وقد وقف قهرمان القصر يصرف الوصفاء والندل ويسخرهم في شئون الوليمة، وقد مدت الموائد الفخمة وجعلت عليها ألوان الطعام المختلفة من خراف مشوية وباردة وبط صيد، ومن سمك النيل، ومن الحلوى بأنواعها، وسلال الفاكهة، ووضعت هنا وهناك أباريق الذهب والفضة المملوءة من عتيق الخمر، يجلس على المائدة فرعون أمازيس وبجانبيه وأمامه كبار رجال الوفد الفارسي وعظماء رجال الكهنوت والدولة، وينتشر الآخرون على جنبات المائدة يتحادثون جماعات جماعات)
فارسي (لصاحبه) :
فيروز. انظر ترى الخرافا
حمرا لطافا على الخوان
ذا سمك النيل في الأواني
كأنه معصم الغواني
وأعين تلك في جفون
أم ذلك البط في الجفان
فيروز :
ذكرت كلا ولم ترحب
بخمر ساموس في الدنان
وخمر فينيقيا المصفى
كأنه ريقة الحسان
وخمر مصر في قصر فرعو
ن
ثالث :
تلك مجهولة المكان
الأول :
فيروز، دعني خلني
الخمر ليست ديدني
من خمر آتينا وسا
موس ومصر أعفني
الأكل يا فيروز شغ
لي وبه تفنني
تشرب والبطن خلي!
يا لك من مغفل!
كل هيء فيروز كل
هذا الخوان قد كمل
من كل جانب حمل
هذا شوي هذا قلي
والبط في الأطباق
بطبط في الرقاق
من رأسه للأرجل
ثالث :
وهذه الإوز
رجراجة تهتز
قد طيبت بالتابل
فيروز (للأول) :
أخي كلانا قد صدق
فما لنا لا نتفق
آكل ما تأكل من طعام
ونحتسي معا من المدام
الثالث :
هذا لعمري محكم الكلام
فرعون (إلى رئيس الوفد) :
سيدي لو تقول لي
كيف قمبيز والقدح
الرئيس :
إن قمبيز سيدي
ملك كله مرح
ليس تخلو قصوره
من سرور ومن فرح
فارسي آخر :
لكن له شغل عن ال
خمر بطول غزوته
فرعون :
أين ترى يشربها
الفارسي :
يشربها في خوذته
كعبده ابن أمته (ويخلع الفارسي خوذته ويصب فيها خمرا، ويشرب بعض صغار رجال الوفد الفارسي يتحادثون فيما بينهم)
أحدهم :
ليت شعري فلست أدري إلى أ
ي بلاء قمبيز يدفع فارس
قد فتحنا الفضاء شرقا وغربا
وملكناه من عباب ويابس
اتسعنا من الفتوح
آخر :
يقينا
غير أنا لم نفتكر بالحارس
خل «ماني» عنك السياسة دعها
خل عنك الفضول خل الوساوس
إن شرق البلاد ضيعة قمبيز
وغرب البلاد حقل أمازس
سائس العالمين أسعد منه
رجل للحمار والبغل سائس
ثالث :
انظر الحفل «بهار»
استخفته الكئوس
رابع :
وفد قمبيز وهذا
ملك مصر آمزيس
ذهب الأرض عليهم
غرقت فيه الطقوس
ساسة الدنيا وكل
غيرهم فيها مسوس
الثاني :
خلنا بالله من سا
س ودعنا من يسوس
لم نظل الدهر مرءو
سين والغير الرئيس
لم «ماني» لا أنا رذ
ل ولا أنت خسيس
الأول :
كل ما أعجب كسرى
فهو في الفرس نفيس
كل حين حاكم يم
شي علينا ويدوس
هكذا يختلف الح
ظ سعود ونحوس
إن بعض الناس أذنا
ب لبعض هم رؤوس
منزل الأسد الصحارى
وعلى المرعى التيوس
الأول :
لم يا «ماني» يسودو
ن ونبقى لا نسود
ونقاد الدهر والآخ
ر يا «ماني» يقود
آخر :
يا أخي نحن كلانا
عاجز الرأي بليد
هذه الدنيا لمن
يقدم فيها أو يريد
سنة الكون وما
عن سنة الكون محيد
آخر :
أنا يا «ماني» طوح
أنا لا أكتم عنكا
أنا في الدنيا وفي زي
نتها أرغب منكا
أنا أهوى سعة العي
ش ولا أرضاه ضنكا
الأول :
إرض بما كان وما
يكون أو فانفلق
وهي نشرب قدحي
ن أو فهي انطلق
أحدهم :
ألقدحا. ألقدحا
الخمر تنفي الترحا
قصرا أرى أم فلكا
وشجرا أم قزحا
1
وغادة تسقي أم الظ
بية أم شمس الضحى
وخوذا على رؤو
س فارس أم الرحى
ألقدحا. ألقدحا
هاتوا الشعاع المفرحا
هات السنا هات القبس
هات الشذا هات النفس
هات سراج المهرجا
ن هات شمعة العرس
هات ابنة الشعاع والظ
ل ابنة العذب السلس
أحدهم (لرئيس الوفد) :
مولاي ألق السم
ع وابعث النظر
ماذا ترى؟
الرئيس :
أرى «بهارا» قد سكر
الأول :
فتاك غنى وفت
اي قد شعر
الرئيس :
وما الذي ضر؟
الأول :
صدقت لا ضرر
الرئيس :
ونحن ما نصنع؟
الأول :
شرب وسمر
الرئيس :
ونحن أيضا ب
شر وهم بشر
فليشربوا من ه
هنا إلى السحر
أحد الشبان :
رئيس الوفد لا زلت
لما يرفع تختار
ولا ساواك دهقان
ولا داناك أسوار
وغالى بك قمبيز
وحلت جسمك النار (يدخل وصيف من وصفاء القصر وبيده مومياء من الذهب يعرضها على الضيفان، ووراءه رجل يقول ويكرر ...)
الموميا طوفوا بها
واتعظوا بخطبها
لا تسألوا ما هي من؟
نكرها طول الزمن
هيا كلوا هيا اشربوا
هيا اسمعوا هيا اطربوا
تمتعوا بالفانيه
قبل الحياة الثانيه
خذوا المدام الصافيه
قبل انكسار الآنيه
فارسي لآخر :
خورشيد هذا هو البلاء
كل أحاديثهم فناء
خورشيد :
رواية الموت حيث راحوا
وقصة الموت حيث جاءوا (يقترب تاسو من نتيتاس في ناحية أخرى من البهو ويقول)
تاسو :
نتيتاس ألا كاس
الا شكوى ألا عتب
أينسى في سويعات
ويطوى ذلك الحب
نتيتاس :
دع الحب فلم يخلق
له من لا له قلب
تاسو :
وما ذنبي؟
نتيتاس :
لقد أحسن
ت لكن لي أنا الذنب
أنا أحببت عابثا
سادر القلب جافيا
يعشق الجاه والغنى
لا يحب الغوانيا (مستمرة):
أنت كالنعمة من قصر لقصر
أنت كالنحلة من زهر لزهر (مستمرة):
باعدت الأخلاق ما بيننا
أين أخو العهد من الناكث
لعبت بي فيما مضى عابثا
فالعب بغيري اليوم كالعابث
أقسمت لي فاذهب فأقسم لها
فأنت أهل القسم الحانث
أحببت بنت الحي حتى قضى
واليوم أحببت ابنة الوارث
كم مجلس كان لنا ثالث
فيه وقد تعمى عن الثالث
تاسو :
ما هو من؟
نتيتاس :
الحب يا مدعي
والحب حرب الظالم العائث (يعرض عنها تاسو ويبتعد)
نتيتاس (لنفسها) :
مضى الغادر لم يشعر
بما حملني الغدر
ولا رق له ناب
على جرحي ولا ظفر
تكلمت فلم يسمع
وأنى يسمع الصخر
لقد غامرت في تاسو
وتاسو في الهوى غمر
كم استشفيت بالسحر
فما عافاني السحر
وكم ناديت آبائي
فما لباني النصر
وكم جئت إلى الصبر
فما آواني الصبر
جزاء المعرض التيا
ه منك الصد والكبر
هبيه نأت الدار
به أو نزح القبر
هبي معرفة الغاد
ر لم يأت بها الدهر
أقلي شغل الفكر
فقد أتعبك الفكر
هبيه مرت السن
عليه ومشى العمر
فلم يبق له نهي
على الغيد ولا أمر
ولم يبق له في البا
ل تمثال ولا ذكر (مدعو من المصريين يشير إلى نفريت وهي متنكرة في زي يوناني ويقول لرجل بجانبه ...)
المدعو :
من المرأة؟
الآخر :
من؟
الأول :
تلك
تراها مثل طاوس
تراها مع كالياس
الثاني :
ومن؟
الأول :
وارث فانيس
أمير الجيش في منف
وأسوان وساييس
الثاني :
أجل تلك التي تظه
ر في أغرب ملبوس
فهذا الوجه مصري
وهذا الزي ساموسي (رجل فارسي لآخر يدعى قباذ):
الرجل :
انظر قباذ ماذا ترى؟
قباذ :
أحسن شيء منظرا
حمامة تطارح الش
جو حماما ذكرا
يا ليت أذني سمعت
من الحديث ما جرى
الأول :
دعني من ذكر الهوى إنني
مذ كنت لم أعشق ولم أعشق
قباذ (في تهكم) :
وأنت كالناس امرؤ عائش
تلك لعمري عيشة الأحمق
الأول :
قباذ قد عرفته
ذلك تاسو الحارس
قباذ :
الحمد لله على
أن لم تحزه فارس
إذن لهامت كاعب
بحبه وعانس (تاسو يقترب من نفريت):
نفريت :
تاسو هنا؟ هات اسقنا
تاسو :
لبيك يا ذات البهاء
لبيك يا بنت السماء
يا ليتني كنت الرحي
ق وليتني كنت الإناء (ويناولها قدحا):
نفريت :
تاس، من أين ومن
كنت من الغيد تحدث؟
تاسو :
كنت أجامل الضيو
ف وألبي الملكا
فعارضتني نيتتا
س في خلال ذلكا
نفريت :
وما الذي قلت لها
تاس وما قالت لكا
تاسو :
عادت لذكر حبنا القديم
وعطفت على الهوى الذميم
وطال العتاب
نفريت :
وطال السباب
تاسو :
بحق الحب نفريت
أقلي الشغل بالأخرى
ولا تلقي لناتيتا
س لا بالا ولا فكرا
غدا تخلو لنا مصر
غدا يصفو لنا القصر
غد ترحل لا أرج
عها البر ولا البحر
نفريت :
ما لك تاسو ولها
خل الفتاة خلها
لله ما أعظمها
عندي وما أجلها
قد أظهرت أمس أم
امي فضلها ونبلها
تاسو :
ما فعلت؟
نفريت :
ما أنت من؟
يقدر تاس فعلها
ألم تصبر عن الوطن المفدى
وتسمح بالديار وبالشباب
وترض بأن تزف غدا مكاني
إلى النمر الأمير على الذئاب
تاسو :
صه نفريت صه لا يسمعونا
فتلقى مصر أنواع العذاب (في ضجة الوليمة يقف صاحبان هما: منا، وأحامس ويتحادثان) (صديقهما خوفو يقبل عليهما ثم القائد كالياس ...)
منا :
أنظر أحامس
أحامس :
ماذا؟
منا :
فرعون بين صحابه
أحامس :
وما ترى من عجيب؟
ماذا بفرعون ما به
منا :
أنظر تجده إلها
في عبقري ثيابه
أحامس :
لا تلق بالا إليه
ولا إلى أذنابه
غدا يصب عليهم
قمبيز سوط عذابه
منا :
أحامس، استغفر لما قلته
فال الشياطين ولا فالك
أحامس :
قد كنت مثلي يا منا ساخطا
تلعن فرعون فما بالك (ثم مستمرا):
تأمل القصر منا
وانظره أرضا وسما
أنظر ترى الإغريق في
ه هم لفيف العظما
أنظر تجدهم كلهم
يملقون العجما
منا :
ماذا على فرعون إن
رعاهم وقدما
أليس للضيف على
ضائفه أن يكرما
أحامس :
وصاحب الدار إذن
يموت جوعا وظما
وصاحب الدار إذن
لا يتعدى السلما
خوفو :
ماذا أثار الصاحبي
ن لم وفيم اختصما
أحامس :
كن منصفا إن رمت يا
خوفو تكون الحكما
تأمل القصر خوفو
أفيه من مصر شي
أليس فرعون فيه
كأنه أجنبي
فأين حفار مصر
وفنه العبقري
والجيش خوفو
خوفو :
خذ الحذ
ر يا منا يا أحامس
كالياس آت إلينا
منا :
ومن؟
خوفو :
خليفة فانس
أحامس :
اليوم كالياس وأمس فانس
احتكر القيادة الأبالس (ويقبل عليهم كالياس)
فرعون أمازيس (لتاسو) :
أين أقزامي؟ إمض
جئ بأقزامي تاس (يدخل الأقزام في أزياء المهرجين، فيقولون):
تحيات لفرعون
سلام الشمس للملك
سلام قائد الخيل
سلام حامي الفلك
قهرمان القصر (للأقزام) :
هلموا رقصة الحور
إذا طفن بهاتور
سماء العز والنور
أحد الأقزام :
نحن القزم
أنصاف ناس
ناس وبالشبر نقاس
ثان :
نحن الدمى واللعب
بنا يتم الطرب
ثالث :
هلموا رقصة الموتى
من الكهف إلى الكهف
ودوروا كالتماثيل
من الرف إلى الرف
آخر :
ثبي جثث على الجدث ثبي ثبي
حبو الصغار على اليد والركب
هيا قفي هيا ازحفي هيا العبي
هنا الطعام هيا كلي
هنا الشراب هيا اشربي
آخر :
تعال يا دهقان
أرقص معي
وأنت يا «أسوار»
قم اطلع
واقتبسا الأنوار
من سارع
الجميع :
عش يا ملك
مع الزمن
مطوقا مصر المنن
وذائدا عن الوطن (ثم يكررون: عش يا ملك، وينصرفون)
فرعون أمازيس (إلى وجهاء الفرس) :
يا وجهاء الفرس قالوا لكم
مصر بلاد السحر والساحر
فربما سركم أنني
أجيئكم بالساحر القادر
وينادي:
حوتيب
حوتيب :
لبيك سارع
فرعون :
تعال له الضيوفا
حوتيب :
سادتي إني في الك
ف وفي الجبهة أقرا
أنا أقرا لك حظا
أنا أقرا لك عمرا
أنا الذي بسحري المبين
أستطلع المكتوب في الجبين
فرعون (إلى تاسو) :
تاسو اقترب
تاسو :
لبيك يا ساراع
فرعون :
لم أجلبوا ما خطبهم ما الداعي (ضجة وهمس)
فرعون (مستمرا):
وفيم هذا الهمس والتراعي
تاسو :
مولاي إن الوفد في ارتياع
تاسو (في أذن الملك):
انقلبت عصيهم أفاعي
فرعون :
يا لحتيب من فتى صناع
رئيس الوفد :
لله در الساحر
هذا من العباقر
حوتيب :
أناة وفد فارس لا تراعوا
ولا تحصوا دعاباتي عليا
خذوا قضبانكم وتأملوها
لقد عادت كما كانت عصيا
فرعون :
حوتيب قد سر ضيو
في أن يروا ويسمعوا
فزدهم فعندك الس
حر الغريب الممتع
حوتيب :
فرعون هذا شرف
يطير بي ويرفع
أصنع ما كان ددا الس
احر قبلي يصنع
فرعون :
وما الذي تصنع؟
حوتيب :
جيئوني برأس يقطع
فإنني أرده
لجسمه وأرجع
فمن من الوفد برأ
سه إلي يدفع
رئيس الوفد (لرجاله) :
هل منكم يا معشر الفرس بطل
عن رأسه لساحر النيل نزل
حوتيب :
هاتوا الرءوس لا يخافن أحد
فكل رأس سيرد للجسد
أحدهم :
رأسي غير هين
ثان :
رأسي عمود بدني
ثالث :
رأسي لدي غالي
رأسي كل مالي
فرعون :
حوتيب ما من أحد
هان عليه رأسه
أنظر إليهم. كلهم
عزت عليه نفسه
خل حتيب الناس واخ
تر غيرهم للتجربه
حوتيب :
مرهم إذن أن يحضروا
إوزة أو أرنبه
فرعون (لتاسو) :
امض تاسو جئ حتي
با بإوز وأرانب (يخرج تاسو ثم يعود ببضع من الأوز والأرانب، فيقطع حوتيب رأس إوزة ويقول: شال هبد شال هبد لا يعجز السحر أحد يا رأس عد إلى الجسد)
الفرس :
تعالت قدرة النار
المصريون :
تعال الرب آمون
فرعون :
هي حتيب إمش ما بين الصفوف
وطالع الجبهات واقرأ الكفوف
حوتيب :
برأس من أبدأ
مرني يا سارع
فرعون (مبتسما وملتفتا إلى تاسو) :
برأس تاسو اقرأ في جبينه
وبين المحجوب من شئونه
حوتيب (وهو يتأمل جبين تاسو) :
هذا فتى باطنه جماد
ليس وراء رأسه فؤاد
رأس عليه وقف الجلاد
تاسو :
إخسأ كذب
ت وضل سحرك
فرعون :
ورأسي يا حتيب ألا تراه
حوتيب :
جبينك أعفني مولاي منه
فرعون :
تعال حتيب
حوتيب :
لا، هذا شديد
جبين الشمس تنبو العين عنه
يا عجبا ماذا أرى؟
فرعون :
ماذا ترى
حوتيب :
دم جرى
فرعون :
دمي أنا؟
حوتيب :
لا سيدي
عوفيت بل دم الورى
تاسو :
إذن ليجر كالمطر
ما همنا دم البشر
إذن سلمت يا ملك
فليهلكن من هلك
كاهن لآخر (بصوت منخفض) :
إن هذا الغلام فيه قساوه
الآخر :
قلت حقا وفيه أيضا غباوه
فرعون :
وبعد ماذا؟
حوتيب :
حرب عوان
يشيب من هولها الزمان
فرعون :
وهل أكون يا حتيب فيها
حوتيب :
سواك يا مولاي يصطليها
فرعون :
وابني بساما يا حتيب ما ترى؟
هل يشهد الحرب وهل يراها
حوتيب :
سيدي ليت الأمير حاضر
أنا لا أقرأ إلا في الجبين (قهرمانة القصر تطيف بالعازفات والحسان وتقول):
القهرمانة :
قمن إلى اللهو يا عذارى
وخذن صنجا وخذن دفا
واهتفن بالشعر والأغاني
واقطعن ليل الشباب قصفا •••
وأنشدن مع القوم
نشيد الملك العالي (ينشد الجميع نشيد فرعون مع الرقص وآلات الطرب)
النشيد :
فرعون أنت الرفيع
أنت العظيم الشان
وأنت سد منيع
من جارف الفيضان •••
وأنت كالصخر تحمي
من نكبات العواصف
من قاطع الطرق يأوي
إلى حماك الخائف •••
وأنت صخر طيبه
حصن مشيد الجدار
يؤوى إليك ويلجا
إلى طلوع النهار •••
أنت اخضرار الريف
وأنت حسن الرفيف
ترد بطش القوي
وفتكه بالضعيف (فرعون يغادر مكان الوليمة فينطلق المدعوون على إثره ولا يبقى إلا نتيتاس)
نتيتاس (لنفسها) :
أفيقي بنت فرعون
فما يزكو بك السكر
غدا تذرو رياح الفر
س من موتاك ما تذرو
غدا يصبغ من شط
لشط بالدم النهر
غدا يهتك عن أربا
بك المحراب والستر
فما تاسو وفتيان
كتاسو في الحمى كثر
هم النحل وإن هابوا
لقائي وأنا الزهر
يموجون بساحاتي
ويزهو بهم القصر
ولكن بين جنبي
هوى أولى به مصر
الفصل الثاني
في مدينة سوس الفارسية (في حجرة فارسية فخمة مفروشة بثمين الطنافس ومملوءة بالوسائد من الحرير المختلف الألوان، وقد زينت زواياها بالرياحين الكريمة، الملكة ووصيفتها تتي في الحجرة المذكورة ...)
الوصيفة تتي (وهي تصلح رأس الملكة وتمشط شعرها) :
تبارك الذي خلق
أقولها ولا ملق
ذوائب أم الدجى
ومفرق أم الفلق؟
غدائر في الكتفي
ن أسدلت وفي العنق
كأنها من الحري
ر الأسود الخيط شقق
لم يخل جو فارس
مذ ضمها من العبق
الملكة :
ما تصنعين يا تتي
تتي :
أصلح مولاتي
الملكة :
لمن؟
تتي :
للزوج يا سيدتي
الملكة :
لنمر الفرس الخشن
تتي :
هبيه ذئبا ملكتي
أو نمرا أو كركدن
أليس للأزواج تل
بس النساء ما حسن
الملكة (ملتفتة إلى وصيفتها تتي) :
قلت حقا تتي فإن على الم
رأة للزوج أن تكون أمينه
وعليها ألا تقصر بشرا
حين تلقاه أو تقصر زينه
تتي الوصيفة :
بل تحلي مليكتي
والبسي حلة البهاء
وافتني من بفارس
من رجال ومن نساء
إن كسرى وقومه
كلهم في الهوى سواء
أنت كالشمس في الضحى
فانشري الحسن والضياء
لا على القصر وحده
بل على الأرض والسماء
الملكة :
يا لك من وصيفة مملقه
عارفة بالجمل المنمقه
الوصيفة :
لقد وضعت ذهبا في البوتقه
ولم أصف بالطيب إلا زنبقه
وقلت عن شمس النهار
الملكة :
مشرقه (ويظهر على الملكة التفكير واشتغال البال فجأة ثم تتغنى في نفسها وهي مقبلة على المرآة تنظر فيها)
الملكة (في نفسها) :
يا ظالما أحبه
جهد الهوى وإن غدر
ومن هجرت وطني
لأجله حين هجر
قلبك لحم ودم
مثل القلوب أم حجر
لم يتنصل مرة
مما جنى ولا اعتذر
جسم كسلسال الصفا
على فؤاد كالصخر
وزهر أنت وتل
ك النفس أفعى في الزهر
لم تجن يا تاسو عل
ي إنما جنى القدر
ذنبك لا يغفر إلا
أن قلبي قد غفر
إن غبت عن عيني فأن
ت في سوانح الفكر
أراك كلما رأي
ت طائرين في الشجر
وكلما بدت لي الش
مس ولا ح لي القمر
وكلما جئت الريا
ض ووقفت بالغدر
وكلما ترنم الش
ادي وحرك الوتر
وكلما دبت ورا
ء الليل نسمة السحر
يا ليت شعري كيف أن
ت ما تجيء ما تذر
وكيف حبك الجدي
د هل خبا وهل كبر
وهل وفيت أم غدر
ت بالعشيقات الأخر
الوصيفة :
دعي الناسي مولاتي
وخليك من السالي
ولا يخطر لك الناك
ث للعهد على بال
نتيتاس :
هبيه يا تتا خان
فما لي لا أفي ما لي
له خلق ولي خلق
ولكن خلقي العالي
تتي :
هو يا ملكتي مثا
ل ولكن من الوحل
كان يكفي لبغضه
بعض ذاك الذي فعل
نتيتاس :
أنا أفديه يا تتا
بحياتي وإن قتل
تتي :
لو كان معشوقي أنا
نتيتاس :
ما الذي
كان يلاقي؟
تتي :
آه لا أدري
بالصفع أجزيه وبالركل أو
كنت أريه النجم في الظهر
نتيتاس :
الحب في ناحية
وأنت ذي في ناحيه
ما هكذا الحب تتا
ما الحب إلا التضحيه (تسمع ضجة وصياح وحركة جنود وراء القصر وصوت استغاثة):
يقول المستغيث :
العفو يا كسرى
الصفح يا سلطان
أخوك والنار
ومجدها ما خان
الملكة :
إسمعي يا تتا ألم يأتك الصو
ت؟
تتي (وتطل من النافذة) :
أجل ثم ضجة وعويل
ثم خيل وشرطة وسلاح
الملكة :
ليت شعري من البريء القتيل
تتي :
أقتيل يا بنت فرعون؟
الملكة :
لم لا
ليس في أرض فارس مستحيل
يا تتا نحن في بلد
كل قلب به جمد
الحي فيه رخيص
والميت أرخص منه
هنا الميت تنفض منه الأكف
وتنهى الشرائع عن دفنه
ويطرح ناحية في الفضاء
على سهله أو على حزنه
تروح الحداء على رأسه
وتغدو الذئاب على بطنه
تتي :
ويحهم ويحهم
أما من الناس هم؟
ذلت وهانت أمة
ميتهم لا يكرم
الملكة (وهي مطلة) :
تتا هذا هو الحارس
وهذا من تحبينا
كذوقك يا تتا لم يعل ذوق
أتمثال حبيبك أم إله
تتي :
ولو فوق الإله يحب شيء
ويكرم لم يكن أحدا سواه
تأملي كتفيه تأملي منكبيه
كأن صقرين حطا فظللا شاربيه
الملكة :
انتظري لا بد لي أن أسأله
تتي :
لا تفعلي ما لك يا مولاتي وله
الملكة :
يأيها الحارس
الحارس :
لبيك
الملكة :
من يقتلون اليوم في الساحه؟
الحارس :
أخت الملك: أتوسيا
الملكة :
أخت الملك؟
الحارس :
أجل هيا
اتهمت ببرديا
تتي :
من ببرديا؟
الملكة :
أخو الملك! يقطع في الس
احة رأس برديا
يا أسفا عاوده جنونه
تتي الوصيفة (وقد أطرقت الملكة لحظة مفكرة مغتمة) :
ما بك مولاتي ما
غمك ما هذا الأسى؟
الملكة :
لا شيء بي لقد وهم
ت يا تتا لا شيء لا
الوصيفة :
بل أنت تكتمين غم
طاف أو هما سرى
هلا ذكرت أننا
غريبتان ها هنا
أنت لي الأهل ول
كني أنا لك الحمى
وما على الغريب إن
جاء الغريب فاشتكى
الملكة :
صدقت يا تتا أنا
وأنت في الكرب سوا
قد اجتمعنا بعد قر
ب الدار في دار النوى
تتي :
أين إذن تبسم
كالصبح من فيك يرى
الملكة :
لقد رأيت الهول والز
ول وما هد القوى
تتي :
أضغاث أحلام وزو
ر من تهاويل الكرى
الملكة :
رأيت رؤيا يا تتا
هل لك علم بالرؤى؟
الوصيفة (بعد تفكير) :
أجل تذكرت أجل
عندي من ذاك شذا
قد كنت في الصبا على
أبي أقص ما أرى
الملكة :
رأيتني كأنني
في قصر آبائي بصا
الوصيفة :
في القصر من صالحجر
قصر الجلال والبها
الملكة :
رميت عيني من ال
قصر إلى أقصى مدى
رأيت واديا كطو
ل البيد أو عرض الفلا
أصفر من شعابه
بنفسجي المنحنى
إحمر مثل قزح
هناك واخضر هنا
رأيت ليثا أحمر ال
جلدة خشنا كالصفا
فاغر فيه عن نيو
ب مثل مشروع القنا
انقض كالصخر على ال
وادي فأقعى فرنا
ونظر النيل وقد
عب وماج وطغى
وخرجت منه التما
سيح فرادى وثنى
وأعولت حتى لقد
سد عويلها الفضا
فعقر الليث فلا
رجلا رمى ولا يدا
وقر في مكانه
كأنه بعض الدمى
الوصيفة :
ثم؟
الملكة :
رأيت حنشا
ليس له مصر ثرى
لم تر منف مثله
ولا الصعيد قد رأى
كأنه صاعقة
تحدرت من السما
مشى إليه كل ذي
قوس وكل ذي عصا
وخرج الكهان يتلون الصلاة والرقى
الوصيفة :
وما الذي حل به؟
الملكة :
لم يصب الوحش أذى
الوصيفة :
حققته سيدتي؟
الملكة :
حققته على الضحى
الوصيفة :
فكيف كان؟
الملكة :
صورة
تشيب أرؤس النشا
كأنه فانيس عي
نين ووجها وقفا
حتى تعوذت بإي
زيس وآبائي العلى
الوصيفة :
فانيس من؟
الملكة :
نسيته؟
كيف نسيت يا تتا
الخائن الذي إلى
فارس من حين أتى
يشي بمصر وأخا
ف أن يكون بي وشى
الوصيفة :
ما صنع الثعبان مو
لاتي
الملكة :
من النهر دنا
وفح ثم دس في الن
هر لسانا كاللظى
فاحتجب النيل وعا
د يبسا ما كان ما
واحترقت مدائن
بالضفتين وقرى
الوصيفة :
والليث يا سيدتي؟
الملكة :
بعد التهيب اجترا
مشى على الوادي فهل
رأيت عاصفا جرى؟
يقتلع اليابس والر
طب ويفري ويطا
وكر حتى غادر ال
وادي قاعا صفصفا
هو ذا الحلم فما تفسيره
نبئيني يا تتا
الوصيفة (لنفسها مضطربة) :
ماذا أقول؟
الوصيفة (للملكة) :
ملكتي لا تفزعي
الملكة :
كيف تتا
كيف لا أفزع والحلم مهول
ينفد النيل ويذوي شطه
وتغول الأهل والأوطان غول
الوصيفة :
رؤياك يا سيدتي
من نفسها مئوله
نالتك من عشاء أم
س ثقلة ووبله
الملكة :
ماذا أكلت مع قم
بيز وماذا قدم له؟
الوصيفة :
كان العشاء ملكتي
مائدة محمله
أكلت يا سيدتي
من أرنب متبله
ثم أكلت من حمل
وحمل الفرس جمل
الملكة :
ثم؟
الوصيفة :
جاءوا بالطير في الأطباق
الملكة :
طير من؟
الوصيفة :
طير فارس والعراق
الملكة :
ثم ماذا؟
الوصيفة :
ثم جاءوا بالسمك
فرأيت الملك في الأكل انهمك
الملكة :
ثم ماذا؟
الوصيفة :
لا أعد ما حضر
من لحوم وبقول وخضر
ثم بالحلوى أتوا والفاكهه
الملكة :
كيف كانت؟
الوصيفة :
تشتهيها الآلهه
الملكة :
خلطت تخليط العجوز يا تتا
فما علاقة الطعام بالكرى
الوصيفة :
الأكل قبل النوم ثقل وأذى
وربما جاء بأضغاث الرؤى
الملكة (لنفسها) :
عرفت الآن رؤياي
وما خلط أحلامي
وقد يغريك بالأكل
طهاة الفرس والشام (ثم إلى تتا):
تتا أين كنت؟
الوصيفة :
وراء الخدم
الملكة :
وكيف عددت علي اللقم
الوصيفة :
لبدت هناك فما من يد
تفوت علي ولا من قدم
ولم يخف عني كيد يطوف
ولا وحي لحظ ولا همس فم
أخاف القصور وأخشى السموم
وما منزل السم إلا الدسم
الملكة :
يا لك من رفيقه
محسنة شفيقه
مرحى تتا كذا تتا
فلتكن الصديقه
الوصيفة :
سيدتي أخجلتني
ليس بما جئت عجب
ما قمت يا سيدتي
إلا ببعض ما وجب
الملكة :
ولكن يا تتا ما أخ
طر السم على بالك
ولي في فارس عام
فما فكرت في ذلك
الوصيفة :
أرى قمبيز والفرس
بمولاتي قد جنوا
ولولا ذاك لم يخل
من السم لها ذهن
الملكة :
ولم لا نحذر السم
أما في فارس نحن
هنا الجلاد والسيف
هنا السجان والسجن
الوصيفة :
وماذا ضر ما قلت
إذا لم يحن الحين
الملكة (بعد برهة تفكير) :
أرى قمبيز ذل ورق طبعا
بربك هل رأيت عليه حبا
الوصيفة :
أجل هو يقصر الخطوات مهلا
وكان يمدها خطفا ووثبا (ثم في تلعثم وتردد):
سأسأل فاحلمي عني فإني
أموت ولا أراك علي غضبى
سؤال ملكتي هل من جواب
الملكة :
أدونك يا تتا شيء يخبا
الوصيفة :
زعمنا أن قمبيزا محب
فهل تجزينه بالحب حبا
الملكة :
أحب أنا؟ ضل ما قد ظننت
وإن خلت ظنك لم يكذب
الوصيفة :
ولم لا؟ وقمبيز لا بالقبيح
ولا بالدميم ولا بالغبي
ولا هو بالملك البربري
ولا الوحش ذي الناب والمخلب
ولكن فتى خير كالسحاب
وضيء البشاشة كالكوكب
يزين السرير إذا احتله
وإن سار كان حلى الموكب
الملكة :
صدقت تتا هو زين الشباب
إله القنا قمر الغيهب
إذا غلبت في القتال الملوك
وفي السلم عز فلم يغلب
يسيطر كالشمس سلطانه
على مشرق الأرض والمغرب
ولكن متى يا تتا دلهت
بنات الفراعين بالأجنب
وما نلتقي في جلال الجدود
ولا في العقيدة والمذهب
بخ بخ تتا ألف مرحى تتا
الوصيفة :
حنانيك عفوا ولا تغضبي
لقد قلت حقا وماذا علي
إذا قولة الحق لم تعجب (تنسحب الملكة إلى غرفة مجاورة ويدخل قمبيز ...)
قمبيز (يدخل وعليه أمارات الغضب) :
ما أرى من تتا؟ تتا أين مولا
تك فيم احتجابها أين سارت
تتي (لنفسها) :
رب ماذا به وما هاج قمبي
ز وما بال نفسه اليوم ثارت
تتي (لقمبيز) :
هي في حجرة الملابس
قمبيز :
لا بل
هي قد جاءها النبا فتوارت
خبريني من أبوها
أيرياس أم أمازس
وبنفريت تسمى
أم تسمى بنتاتس
إحذري أن تكذبيني
إحذري سلطان فارس
تتي :
سيدي ما هذه الأخ
بار كسرى من رواها
سيدي كيف اتهمتم
ملكة الفرس النبيله
قمبيز :
سأريها كيف تنقا
د وتأتي لي ضئيله
في غد تدخل مصرا
بنت فرعون ذليله
وترى السيف مخوفا
وترى النار مهوله
وترى النيل دما وال
أرض جرداء محوله
لا أناس لا مواش
لا بناء لا خميله
الوصيفة :
سيدي صبرا تجد عا
قبة الصبر جميله
سيدي لا تصغ إلا
لسجاياك النبيله
قمبيز :
أنا لم أخلق لبسط ال
كف أستجدي بخيله
أنا للسيف وللرم
ح وإخضاع القبيله
لا تتا. لا. إن بالمل
كة كبرا ومخيله (ثم بسخرية):
أنا من ترب خسيس
وهي من أرض جليله
أنا للطين سليل
وهي للشمس سليله
الملكة (وهي راجعة) :
ما الصوت من تكلمين يا تتا؟
الوصيفة :
سيدتي. سيدي الملك أتى
الملكة (ملتفتة) :
الملك جاء حجرتي؟ كيف متى؟؟ (ثم ناهضة ومقبلة على الملك):
الملك في مقصورتي يا مرحبا يا مرحبا
الملك (ويقبل على الملكة) :
سلام ملكة الفرس
وبنت العلية الصيد
الملكة :
سلام سيد الأرض
سلام حيدر البيد
ومن دانت له الدنيا
وألقت بالمقاليد (ثم مستمرة):
لم أتعود أن أرى
مولاي عندي في الضحى
قمبيز :
خالفت نظم عادتي
وجئت في شأن دعا
الملكة :
ما لك كسرى عابسا
ما لي أراك مغضبا
الملك (يصفق) :
أجل جد غضبان
الملكة :
مم الغضب؟
الملك :
رويدك نفريت تدري السبب
الملكة (لنفسها) :
دعاني باسمي لم يدعني
كمألوف عادته باللقب
ترى لم يزل جاهلا أنني
أتيت لفارس باسم كذب
قمبيز (ملتفتا وراءه خارج الباب وينادي) :
فانيس. أقبل أدن جئ
الملكة (لنفسها) :
فانيس؟ لا. لا يدخل
فانيس لا أجهله
ليس لمصر بالولي
عدو قومي وبلا
دي كيف يصفي الود لي (ثم إلى قمبيز):
مولاي إني ما فرغ
ت بعد من تجملي
فكيف استقبل في
هذا اللباس المهمل (لنفسها):
يا ويلتاه ما أرا
د باصطحاب الرجل
إيزيس ما بالي أح
سست بشر مقبل
الملك :
ما لك يا ملكة لم
ترحبي وتحفلي؟
ما لك أجفلت
الملكة (مضطربة) :
أنا؟
لا سيدي لم أجفل
الملك :
إذن هبي الإذن لفا
نيس دعيه يدخل
الملكة :
لا بأس في أن أراه عندي
إن كنت يا سيدي مصرا
لكن أأنسيت أن فاني
س خان بالأمس عهد مصرا
وفر منها ولست أدري
ماذا دعاه لأن يفرا
وكان في الجيش ذا مكان
وقاد برا وقاد بحرا
قمبيز :
لكنه اليوم في بلادي
أجل مما ذكرت قدرا
الملكة :
وسوف يجزيكم جحودا
كما جزى أهل مصر كفرا
قمبيز :
لقد أتاني بكل سر
عن ملك مصر لم يخف سرا
حتى الذي تكتمين عني (ثم ينادي):
فانيس
فانيس :
ملكي لبيك عشرا (ثم هو يدخل):
سلام الشمس من مصر
سلام النار من فارس
على الملكة نفريت
أو الملكة نيتاتس
الملكة (لنفسها) :
رماني النذل بالسهم (ثم لفانيس):
سلام لك يا فانس
ويا من هو في الفرس
ومصر القائد الفارس
وفي القصرين من سوس
وساييس هو الحارس
فانيس :
وماذا ضر يا بنت الموالي
وإن تأبي فيا بنت الأعادي
أجل مولاتي الإغريق قومي
أحبهم ويونان بلادي
هجرتهما إلى مصر صبيا
لكسب معيشة وطلاب زاد
فصدت الرزق حتى صار عندي
وجاوزه إلى المجد اصطيادي
سهرت على اللواء بمصر جهدي
وفرعون وقومك في رقاد
الملكة :
كذبت فلم تكن إلا مسودا
فانيس :
فسودني ذكائي واجتهادي
الملكة :
أجيرا كنت عند أبي وقومي
فانيس :
فمولني نشاطي واقتصادي
جعلت الأرض كالصحراء تحتي
وكنت الليث من واد لوادي
الملكة :
أراك علي يا فانيس تجرو
أجرأك المليك على عنادي؟
ككلب خلف سيده تجرا
فواثب رائحا وسطا بغادي
فانيس :
بدأت أميرة الوادي بشتمي
وما أنا يا ابنة المقتول بادي
لقد عيرتني أني غريب
ولوع بالسفار وبالرياد
الملكة :
لقد هجم الوقاح على مكاني
وأخشى أن يصير إلى التمادي (ثم للملك):
مولاي قف فانيس عند حده
أو رده لا تلجني لرده
علمت حقده على قومي فلا
تدعه ينفث في سم حقده
الملك :
علام أقصيه
الملكة :
لأنه أتى
يشي بنا ويفتري كعهده
الملك :
فانيس جاء ناقلا مبلغا
وليس ما جاء به من عنده (ثم مستمرا):
أراك نفريت غير منصفة
رويد لا شيء يوجب الغضبا
كوني مكاني! ما كنت فاعلة؟
إذن قلبت الزمان فانقلبا
الملكة :
لا سيدي إن للزمان يدا
قد ضربت كف كل من ضربا
الملك :
نفريت ثرت على فني
س وما حفظت ولاءه
ونسيت خدمته بمص
ر وما ذكرت بلاءه
الملكة :
لا سيدي لا. نحه
أنا لا أطيق لقاءه (ثم مستمرة):
ما بك مولاي ما أثارك ما
أذكاك إني أراك ملتهبا
قمبيز :
أثارني منك أن كذبت وذا
فانيس قد جاء يفضح الكذبا (ثم مستمرا):
هلمي الآن نفريت
هلمي يا نتيتاس
بأي اسميك أدعوك
الملكة :
بذا أو ذاك لا باس
فيا قمبيز لو دانت
لك الأيام والناس
فلن تسطيع أن تقه
ر نفسا حلها الياس
قمبيز :
أنت مملوءة من اليأس مني
الملكة :
أجل اليأس منك ملء ثيابي
فليكن
الملك :
إنني سألت سؤالا
لم إذن هبتني وهبت جوابي
كيف أدعوك يا عروس؟
الملكة :
بما شيء
ت بشر الأسماء والألقاب
بالذي أنت أهله من بذاء
والذي أنت أهله من سباب
الملك :
أنت لم تذنبي بل الذنب ذنبي
أنا قد شئت أن تكوني ركابي
الملكة :
ليس ما شئت أو أتيت غريبا
قد تكون المها ركاب الذئاب
الملك :
احذري أيها الفتاة انفجاري
الملكة :
انفجر ما بي انفجارك ما بي
الملك :
جئت ذنبا تعاقبين عليه
كل ذنب رهينة بالعقاب
الوصيفة (بصوت منخفض) :
اكظمي الغيظ يا أميرة
الملكة (وتشير إلى قمبيز) :
بل يخ
رج من حجرتي ومن محرابي
الملك (لفانيس والوصيفة) :
انظرا واسمعا تحاول أن أب
رح قصري وأن أفارق بابي
الوصيفة (للملكة بصوت منخفض) :
راجعي الحلم ملكتي سايريه
لاطفيه ليني له في الخطاب
لا تهيجي به الجنون فيطغى
إنه آدم بظفر وناب
فانيس (همسا) :
أحسني الرد ملكتي واحفظينا
إننا ها هنا ثلاث رقاب
الملكة :
خفت فانيس من عذاب نهار
كيف عرضت أنفسا للعذاب
عجب من خراب عمرك تخشى
أنت من ساق أمة للخراب
الملك :
بنت من أنت يا نتيتاس
الملكة :
بنت ال
شمس بنت العواهل الأرباب
والدي في السماء فهو إله
الملك :
فلماذا مرغته في التراب
قد نبذت اسمك الذي كان سما
ك وجبت البلاد باسم كذاب (ثم مستمرا):
نتيتاس تمردت
فما أبقيت لي صبرا
وكلمتك في الذنب
فما أبديت لي عذرا
وما أجرأ ما كنت
على شتمي ما أجرا
فما غرك بالبأس
وبالسلطان ما غرا
الوصيفة (بصوت منخفض) :
خذي في اللين مولاتي
فانيس (همسا) :
خذي سيدتي الحذرا
فقد تأخذه النوب
ة حتى يحرق القصرا
قمبيز :
دعي العزة بالجنس
نتيتاس دعي الكبرا
ولا تلقي على إحسا
ني النسيان والكفرا
أما أحببتك الحب ال
ذي أنت به أدرى
وفضلتك في القصر
على البيضاء والسمرا
وقدمتك في الأزوا
ج قبل الأخت من كسرى
الملكة :
لقد كنت وراء الح
ب تخفي الناب والظفرا
وما أفرحني أني
تقدمت على الأسرى
ولا أنك ترعاني
وتنسى النعجة الأخرى
الملك :
ملكة الفرس أمس
الملكة :
واليوم
الملك :
كلا
لست اهلا لصحبة المالكينا
الملكة :
أنا بنت الملوك أصلح للمل
ك جدودي تملكوا العالمينا
الملك :
قد خدعت الشهور يا ابنة فرعو
ن ولولا فنس خدعت السنينا
فانيس (لنفسه) :
أحمد الله قد نجوت برأسي
وأمنت المهوس المجنونا
الملكة :
ليس فانيس للأمانة أهلا
إن من خان لم يخف أن يخونا
الملك :
سترين العقاب
الملكة :
إني تأهب
ت فهات العذاب هات المنونا
الملك :
لا. فما ها هنا العقاب ولكن
الملكة :
أين
الملك :
في حيث شئت لم تسألينا
مصر أولى بأن أحاسب فيها
وأحل العقاب بالخادعينا
في غد تدخلين مصر مع الجي
ش
الملكة :
أنا ؟ لا أرافق الغاصبينا
الملك :
بل تسيرين تحت راية فاني
س وما تصحبين إلا أمينا
الملكة :
سيدي
الوصيفة :
ملكتي دعي العنف
الملك :
ماذا؟
الملكة :
كيف لقبت بالأمين الخؤونا
فانيس (همسا) :
صانعي أيها الأميرة
الملكة :
دعني
فانيس :
اهدئي حاسني عسى أن يلينا
الوصيفة :
ملكتي قال سيدي الملك الحق
الملكة :
صه أنت يا تتا تكذبينا
فانيس :
سترين النعيم تحت لوائي
الملكة :
بل أرى البؤس تحته والهونا
الملك :
وكأن الوجهين بانا من الوا
دي وزالا سهولة وحزونا
أرسل السيل تارة وأجيل الس
يف آنا وأشعل النار حينا
الملكة :
عد إلى الرشد ما جنت مصر يا قم
مبيز ما ذنب أهلها الآمنينا (ثم مستمرة):
أمير الفرس قلنا كل شيء
ولم نقل الحقيقة والصوابا
الملك :
أعندك منهما شيء؟
الملكة :
ولم لا
الملك :
إذن قوليهما وزني الخطابا
ذكرت الحرب هل تخشين منها
الملكة :
ولم لا وهي أجدر أن تهابا
الملك :
ولكنا ملوك الفرس نغشى
مخاوفها ونجعلها لعابا
أراك هدأت ناتيتاس روعا
فانيس :
وكان الرشد فارقها فثابا
الملكة :
ذكرت مليك فارس حرب مصر
وأنسيت العوائق والصعابا
سيطوي الجيش نحو حياض مصر
بحار الملح واللجج العذابا
وأغبى الناس منشمر لحرب
توقع أن يصيب ولا يصابا
ودون النيل
الملك :
ماذا دون مصر؟
الملكة :
يجوب الجيش صحراء يبابا
ترى تيها تجر الخيل فيه
قوائمها وتنسحب انسحابا
يضل الجيش هديته عليه
ويظمئه ويورده السرابا
ترى جلد الجمال عليه يفنى
وتحسبها من اللهث الكلابا
الملك :
لا تراعي فما على الجيش بأس
كل شيء على الحدود تهيا
قد وجدنا الجرار في مصر والما
ء ولم نعدم الرجال السقيا
فانيس :
واشترينا الخفير بالمال والحا
رس والحامي الأمين القويا
الملكة (لفانيس) :
كل هذا فعلته أنت يا نذ
ل
فانيس :
أجل ما أتيت أمرا فريا
إن قمبيز بي حفي وفرعو
ن أمازيس لم يكن بي حفيا
الملكة :
وابنه ما جنى ومصر؟
فانيس :
جنيا الطرد والجحود عليا
أنا كالسيف لم يصني كمي
قد رماني فاعتضت عنه كميا
الملكة :
وجحدت الذي طعمت من النعم
ة
فانيس :
لا. ما طعمت من ذاك شيا
كنت كالسيف كلما كافئوني
جعلوا السم لي طعاما وريا
الملكة (إلى قمبيز) :
وهبك بلغت يا مولاي مصرا
الملك :
وماذا عند مصر
الملكة :
تجيء غابا
ترى أسد القتال عليه شتى
تقلدت الصوارم والحرابا
وثم ترى الفيالق من رماة
تكاد قسيهم ترد السحابا
إذا نظروا على زاد غرابا
أصابوا بين عينيه الغرابا
الملك (يبتسم مستهزئا) :
رماة؟ (ثم إلى فانيس والوصيفة):
حدثوها كيف أرمي
وكيف أصيب في السحب العقابا
الملكة :
أأنت بجمعهم نقتاس كسرى
وأنت الموت حيث رمى أصابا
الملك :
إذن ماذا؟
الملكة :
أخاف عليك جيشا
كمركوم الحصى يخطي الحسابا
وأخشى أن يقول الناس زوجي
غداة ذهابه نسي الإيابا
الملك (لفانيس) :
فانيس صفق وناد
يا معشر القواد (يدخل الحراس والقواد)
قمبيز (للقائد ميجا صاحب الأخبار) :
ميجا تعال
ميجا :
لبيك ربي
لك التحيات والسجود
الملك (للملكة) :
يا ملكة الفرس ذاك ميجا
يعلم ما يحشد الوجود
خريطة الأرض في يديه
السفن والخيل والجنود
الملك (لميجا) :
ميجا تكلم ما حال مصر
ما الجيش في مصر ما الحدود
الملكة :
هات ميجا قل تكلم
ميجا (في اضطراب) :
ملكتي
الملكة :
ما الذي تدري عن الجيش المجيد
ميجا :
جيش مولاتي كالعهد به
كامل العدة موفور العديد
الملك (في غضب) :
هات ما عندك من أخباره
واخش أن تنقص واحذر أن تزيد
ميجا (مضطربا) :
يا إله الفرس لا تبرح فمي
وأعني. كيف أبدي وأعيد (ثم للملكة):
إن ورد السلم من كثرته
نسيت أظفارها فيه الأسود
واختلاف الجند فيما بينهم
أخذ البأس وإن أبقى الحديد
أصبح الجيش (ويسكت قليلا)
الملك (لميجا) :
تكلم
الملكة :
قل أبن
ميجا :
كالقطيع اختلفت فيه الجلود
حشر اليونان في رايته
وتراغى الزنج واندس العبيد
وغدا كل طريد لم يجد
سبب الرزق أتى الجيش يصيد
الملكة (لنفسها) :
والخيل يا ميجا هناك؟
ميجا :
قليلة
في جيش مصر قليلة الفرسان
الملكة :
أسفا على الفتيان أين حماسهم
قتل النعيم حمية الفتيان
الملك (ملتفتا إلى ميجا) :
مليكة الفرس ميجا
قد اكتفت ببيانك
فخذ مرازبة الفر
س وامض ميجا لشانك
نتيتاس :
قمبيز ما شئت فاصنع
إني أراك مصرا
تغير أنت وتغزو
ويحفظ الله مصرا
قمبيز :
وفارس يا ابنة الني
ل ما لفارس ذكر
نتيتاس :
لا أيها الملك ما لي
في غير مهدي فكر
قمبيز :
نتيتاس اسمعي أنت
تسيئين إلى مصرا
غدا يهلك أهلوها
وتمسي تحتهم قبرا
نتيتاس :
وقاها منك آمون
ولا اسطعت لها ضرا
قمبيز :
هذا التجني كثير
هذا لعمري الغرور
لقد تحمل صدري
ما لا تطيق الصدور (ثم مستمرا):
كفى عبثا بسلطاني وبأسي
كفى ما كان ناتيتاس منك
غدا يتحدث الركبان عني
ويروي الناس ما يروون عنك
كذبت علي يا ابنة أبرياس
حذار حذار من بطشي وفتكي
أنا قمبيز بن كسرى
أنا جبار الوجود
وأنا النار أصولي
وبنو النار جدودي
ويل فرعون ومصر
من جنودي وبنودي
قمبيز (لنفسه) :
رباه ويحي ويح لي
رباه ما لي لا أعي
رباه ناراه ما الذي أجد
كأنما النار في تتقد
يا نار كوني لي
أورمازد كن عوني (ثم إلى نتيتاس):
انتظري البطش
يا بنت فرعون
أنا قمبيز بن كسرى
أنا وحش أنا غول
لست بالعجل أبالي
وعلى النار أبول
قمبيز (لنفسه) :
قد رجع الصفير لي
يا ليته لم يرجع
ما بال عيني أظلمت
ما بال ساقي جمدت
أين الطبيب أزدشر؟ (ويغشاه الصرع)
الملكة (بعد أن يأتي الطبيب) :
هذا الطبيب قد حضر (يدخل الطبيب ويطلب نقله)
الملكة (تدنو منه في حنو وعطف وتقول) :
يا ويح زوجي ويحه
هاج وعاده الصرع
يا نار كوني حوله
أدركه يا آمون رع (يخرجون به)
فانيس :
ألان نتيتاس تعالي إلى الهدى
تعالي إلى الرأي الصواب تعالي
نتيتاس أنت اليوم ملكة فارس
بلغت الذرا من سؤدد وجلال
الملكة :
ولكن أبي فانيس لا تنس ما أبي
وجدي وأني بنت أصيد عالي
فانيس :
ولكن ألم يخلع أباك أمازس
ويفتك به في ثورة وقتال
ويجلس على كرسي مصر مكانه
ويخلفه في جاه أفاد ومال
الملكة :
أجل قد خلعنا ملكنا وتصرفت
بنا سوقة من جندنا وموالي
فانيس :
إذن فدعي قمبيز يثأر لزوجه
ويضرب بيمنى أو يصب بشمال
دعيه يعاقب سارق التاج مثلما
يعاقب في منفيس لص لآلي
الملكة :
تأمل وحقق من تخاطب يا فتى
فانيس :
أخاطب عقلا من وراء جمال
لقد قلت قولا ليس يأباه عاقل
فلا تنظريني واسمعي لمقالي
الملكة :
ولكن أمامي صورة من خيانة
فانيس :
وما لك يا بنت الملوك وما لي
الملكة :
وأنت تتا ماذا ترين؟
الوصيفة :
خيانة وأطماع قواد ولؤم رجال
الملكة :
فديتك من مصرية
الوصيفة :
بل أنا الفدا
لسيدتي من قدوة ومثال
الملكة (لفانيس) :
أتسمع كلب الصيد؟
فانيس :
حمقاء غرة
وما لي ألقي للحماقة بالي
الملكة :
عمى لك يا فانيس وامش بلا عصا
ودون دليل في رءوس جبال
فانيس :
لك الشكر مولاتي
الملكة :
لك الويل من فتى
فإنك من معنى المروءة خالي
أأوطئ خيل الفرس مهدي وملعبي
وتربة آبائي ومنزل آلي
وأشعل نار الفرس في أيكة الصبا
وما بوأتني من ربى وظلال
وأغمد سيف الفرس في صدر أمة
نمتني وتنمي أسرتي وعيالي
إذن لا أوى جدي السماء ولا أبي
ولا جل عمي أو تبارك خالي
وأفضل مني كل ذات ملاءة
وراء حقول أو وراء تلال
تهش على شاة وتحمل جرة
وتمشي على الوادي بغير نعال (يدخل قمبيز ثم الحاجب ويقول):
إله الفرس
الملك :
ماذا؟
الحاجب :
ثم رسل
أتوا من مصر بالنبأ العظيم
الملك :
وما يقولون
الحاجب :
يقو
لون أمازيس هلك
الملك :
ثم؟
الحاجب :
يقولون ابنه
بسامتيك قد ملك
الملكة (لنفسها) :
مصر ... ... رسل؟
ليت شعري ما الخبر
وطني يا رب لا مس بشر
قمبيز الملك (ملتفتا للملكة والوصيفة) :
يا ملكة الفرس أصغي
ويا تتا هل سمعت
قد مات فرعون مصر
الملكة والوصيفة (بصوت واحد) :
تعيش مصر وتبقى
الفصل الثالث
المنظر الأول (الأميرة نفريت على ضفاف النيل تشكو إليه وتنتحر بأن تلقي نفسها فيه)
ويحي لقد أودت بي الأنانيه
عشت فما أحببت إلا ذاتيه
ولا افتكرت بسوى لذاتيه
حتى قذفت وطني في الهاويه
ألنيل. ألنيل بجنبي ها هيه
أمواجه تهتف بي مناديه •••
يا نيل يا قوام كل شي
ومانح الحياة كل حي
هي اغسل الذنب العظيم هي
ثم تلقي نفسها
المنظر الثاني
في منفيس (جماعة من المصريين والمصريات يتحادثون ويتذاكرون بغي قمبيز وجنوده وبعض ما أصاب الناس من المصائب من جراء الفتح الفارسي - في ساحة من ساحات منفيس)
أحد الرجال (لزميل له) :
تعال يا (باطا)
قل لي بالله
كيف ترى الحكما
كيف ترى الظلما
باطا :
أصخ أصخ يا داد
اسمع وكن عوني
قمبيز في الظلم
بألف فرعون (ثم لهجار):
وأنت يا هجار
ماذا تقولينا
هجار :
آمون ذو المن
يبقي الفراعينا
الفرس في مصر
طغيانهم قد زاد
هم صلبوا التمساح
على ضفاف الواد
وكلفوا العصفور
يمشي مع الصياد (تقبل امرأة مصرية عجوز)
فيقول أحدهم :
وهذه دوباره
آخر :
الشيخة الثرثاره
الأول :
هلمي يا دوبارا
هاتي اذكري الأخبارا
دوباره :
لا تسئلوني ما الخبر
مصر ترى اليوم العبر
لكن صه حذار
لا يدرين داري
عارضني الساعة في طريقي
فتى مليح الحسن والبريق
يسألها سائل :
من الجنود؟
لا! من القواد
عالي المكان
ظاهر الميلاد
آخر :
وما أتى ما فعلا؟
العجوز :
عانقني وقبلا
الأول :
وأين؟ فوق فمك الدري
آخر :
أو من على جبينك البدري
آخر :
أو فوق خد مثل روث البغل
الأول :
أو فوق ذقن مثل كعب النعل
العجوز :
أهذه نجدتكم يا فتيه
أهكذا تحمى بمصر النسوه
يا أسفا على القرون الخاليه
يا أسفا على النفوس العاليه (وتنصرف مغضبة مهرولة)
أحدهم (ويرى شخصا مقبلا) :
هذا أها، من أين جئت؟
ثاني :
كيف أنت يا أها؟
أها :
من ضيعتي
الأول :
وكيف هي؟
أها :
قد لقيت ما ساءها
إوزي كله طاح
وبطي كله طارا
وأختي خطفت مني
وزوجي جللت عارا
الجماعة :
إذن لقد آن أن نثور
نطرد قمبيز والجنودا
الغاب في شقوة وبؤس
فما الذي يمسك الأسودا
أحد الجماعة :
خذوا حذركم أقبل الطاغيه
مع الوزراء وفي الحاشيه
وذا السيف في يد جلاده
يسل على الأرؤس العاليه
آخر :
تلك مصائب وقد
صبت على هذا البلد
امضوا بنا امضوا بنا
لا يسمعننا أحد (ينصرف المصريون ويدخل قمبيز في وزرائه وقواده ثم يقبل جنود يسوقون أسرى من النوب ...)
قمبيز :
ماذا يسوق الجنود
من الوجوه السود؟
هذي عفاريت
وزير :
لا. بل
مولاي هذي قرود
قمبيز :
لكنهم حيث دارت
رحى القتال أسود
بلوتهم في القتال
لما حوتنا الحدود
قائد :
النوب جند بساما
قائد آخر :
بل هم أشد جنوده
وأثبت الجيش يوم ال
قتال تحت بنوده
قمبيز :
يا جند حلوا عن الأسرى وثاقهم
خلوا عن السود قد أعتقت أقراني
ويا بني النوب ملكي لن يضيق بكم
من شاء فليبق في ملكي وسلطاني
والجيش داركم إن كان يعجبكم
أن تلحقوا بمشاتي أو بفرساني
الأسرى النوب :
يا بني النوب هلم
رقصة الحرب لكسرى
سيد الأرض عفا ع
نا فما نحن بأسرى (ثم يفك وثاقهم فيرقصون رقصة الحرب وينشدون):
النوب جيل،
حر أصيل،
يقضي الديون
نحن الأسود،
حمر الجلود،
حمر العيون
لنا لبد،
من الزرد،
هي الحصون
نغشى القتال،
ولا نبال،
طعم المنون
نحن شعوب وشيع
وراء أسوان نقع
عروشنا من الجريد
تيجاننا من الودع
نحن قبيل الشلك
في العنجريب نتكي
والصيد نهوى والقنص
ونطلي بالودك
للحرب نمشي الهروله
نبعث فيها الجلجله
ممزوجة بالولوله (وبعد الفروغ من الرقص يقبل عليهم قمبيز ويقول):
قمبيز :
زه يا جنود
زه يا أسود (كبير النوب لخازن الملك):
زه زه
هات النقود (يدفع الخازن إليهم مالا فيأخذونه وينصرفون) (يتراءى فرسان ثلاثة):
قمبيز :
من الغبار؟
وزير :
رسل
قمبيز :
ماذا إلينا حملوا
قائد :
وها همو ترجلوا (يقف الفرسان بحضرة الملك)
قمبيز :
ماذا وراء الرسل؟
أحدهم :
الدعوات للملك
قمبيز :
ماذا لديكم ما الخبر؟
أحدهم :
حوادث ذات خطر
قمبيز :
حوادث؟ قل أخا الهيجا تكلم
الرسول :
بسامتيك يا مولاي خانا
الوزير الأكبر :
بسامتيك خان؟
الرسول :
أجل أميري
قمبيز :
وكيف؟ وما أتى؟
الرسول :
نقض الأمانا
قمبيز :
وما برهانكم
الرسول :
كتب ورسل
يثير بها القرى آنا فآنا
قمبيز :
وهل وجدت دعايته سميعا
وهل حلت من الوادي مكانا
الرسول :
أجابت دعوة المخلوع مدن
ومدن ما جعلن لذاك شانا
قمبيز :
وأين فرعون ابسما
الرسول :
في منف يغدو ويروح
حر كما شئت له
بين القصور والصروح
من معبد لمعبد
ومن ضريح لضريح
وحوله كهان من
فيس يجرون المسوح
وكلهم مشيره
الوزير الأكبر :
بئس المشير والنصوح
آخر :
من لم يكن كاهنا في مصر أو ملكا
ولا تراه لهذا أو لذا تبعا
فلا تقيسن في هذي البلاد به
إلا المواشي والأحجار والسلعا
قمبيز :
وزرائي ودهاقيني انظروا
انظروا ذلك فرعون «ابسما»
الوزير الأكبر :
يدفع القواد والجند به
وهو في القيد يجر الأدهما
قائد :
كاد فرعون من استكباره
أنفه يدفع في أنف السما (فرعون يقف بين يدي قمبيز في عظمة وإباء واستكبار)
قمبيز :
بسامتيك
فرعون :
قمبيز
قمبيز :
أتدعو باسمه الملكا
فرعون :
غدا تفقدك الفرس
ويخلو عرشها منكا
وملك قد مضى عني
سيمضي في غد عنكا (قمبيز يدخل في الغضب شيئا فشيئا):
قمبيز :
وهذا الفتح يا فرعو
ن؟
فرعون :
عدوان وإجرام
أما عندك يا قمبي
ز للنكبة إكرام
قمبيز :
عفوت عنك أمس ي
ابساما فلم ترع الوفا
فرعون :
يا عجبا يا عجبا
عبد عن الرب عفا
قمبيز (هائجا) :
خذوه بالخناجر
سلوا لسان الفاجر
فرعون (في عظمة وصبر وثبات) :
هاتوا سيوف الفرس هاتوا القنا
هاتوا المدى هاتوا حبال الحديد
لا تحسبوني بشرا بائدا
فرعون حي خالد لا يبيد
قمبيز :
إذن خذوه بعيدا
صبوا عليه الحديدا (يأخذه الجند ويخرجون به) (يدنو وزير شيخ من قمبيز ويقول له):
القائد :
مولاي تلك غضبة المقهور
ونزوة الضرغامة المأسور
مولاي بالنار بقدس النور
اغفر لهذا الصارم المكسور
فإنه ضحية الأمور
قمبيز (صائحا بالجند وهم ذاهبون بفرعون بسما) :
إذن ردوا الأسير إلي ردوا
فإنا ما انتهينا منه بعد (يرجع الجند بفرعون ويقفونه أمام قمبيز)
قمبيز :
تعال فرعون ابسما
تعال مني ناحيه
لقد عفوت مرة
وقد تكون الثانيه
فرعون :
لا مرحبا أمس ولا ال
يوم بعفو الطاغيه
قمبيز :
تأمل هل لبست اليوم ذلا
وكنت تجر أمس الذيل تيها
فرعون :
كذا الدنيا تغير يا ابن كسرى
فخفها إنها لا خير فيها
وهبك قهرتني أقهرت مصرا
قمبيز :
أجل ووضعت سيفي في بنيها
وبعد غد أطوقها بنار
تطوف على البلاد وما يليها
وتجعل من هياكلها رمادا
وتنزل في الأزقة مترفيها
وتدعك في تراب الذل أنفا
يطول على النجوم ويزدريها
فرعون :
رويدك يابن كسرى قف تمهل
فعادة مصر تقهر قاهريها
قمبيز :
رويدك أنت يا فرعون إني
إذا حطمت مصر فمن يقيها
أليست فارس والأرض تحتي
وأمري في الجنوب وفي الشمال
وقد غطت فضاء الأرض خيلي
وهبت في السهول وفي الجبال
فرعون :
شمخت بخيلك يا فارسي
فماذا صنعت بخيل القدر
تأمل مكاني وما حل بي
ألم تتعظ بي ألم تزدجر
قمبيز :
ما أنت يا مخدوع
فرعون :
فرعون ابسما
قمبيز :
بل أنت مأسور عليك قيود
وغدا ينوب عن القصور ورحبها
سجن يضيق ومنزل مسدود
وتدس في الأجداث غير محنط
يلهو بهيكلك البلى والدود
فرعون :
قمبيز
قمبيز :
فرعون ابسما صل ابتهل
واهتف لعل العجل عنك يذود
أنظر إلى أين انحططت
فرعون :
كذبت لم
ينحط للشرف الرفيع عمود
إن الجواهر في التراب جواهر
والأسد في قفص الحديد أسود
قمبيز :
سنرى هلموا يا جنود أسيركم
عودوا به من حيث جئتم عودوا (قمبيز مستمرا):
وأين نفريت ابنة الكذاب
قد آن أن ينالها عقابي
الوزير الأكبر :
نفريت من مخافة الحساب
ألقت بنفسها إلى العباب وذهبت
قمبيز (ويضحك ضحكة جنونية) :
لكن بلا إياب (تحضر نتيتاس وتقول):
نتيتاس :
قمبيز؟
قمبيز :
نتيتاس؟
نتيتاس :
أجل
قمبيز :
وما أتى بك؟
نتيتاس :
أتيت أنقذ قومي
وموطني من عذابك
قمبيز :
والزوج يا نتتاس؟
نتيتاس :
وأنقذ الزوج أيضا
قمبيز (ساخرا) :
ومم؟
نتيتاس :
من شدة البلاء
وغضب الأرض والسماء
قمبيز (في غضب) :
إذهبي يا بنت فرعون اذهبي
اعزبي يا حية النيل اعزبي
فانيس :
تأخري سيدتي
لا تعرضي لغضبه
قمبيز :
فانيس أنت ها هنا
فانيس :
مولاي لي لم ينتبه
نتيتاس (متهكمة) :
مولاك كم تخدعه
مولاك كم تسخر به
قمبيز (إلى قواده) :
أحق هو بي يهزا (ثم إلى فانيس):
أحق أنت بي تسخر
وفي الأحلام تبدو لي
وهذا الوجه لي يظهر
وقد يصفر كالليمو
ن أو يحمر كالبنجر (ويهجم عليه بالخنجر)
فانيس :
أميري سيدي ملكي
قمبيز (ويطعنه بالخنجر) :
أغثه أيها الخنجر (ضجة في صفوف المصريين)
أحدهم :
قد هلك الواشي
آخر :
قد هلك الخائن
كافاه قمبيز
شر المكافاة
فانيس (بعد أن يضربه قمبيز بالخنجر) :
آه من الخنجر ما أحره
آه من الحمام ما أمره (لقمبيز):
قمبيز شلت يمينك
ولا أفاق جنونك (لنفسه):
ويحي أرى عيني تغيم وساعتي
تدنو وأشعر بانقطاع فؤادي
الذنب لي أنا قد خرجت لفارس
ومنحت مجنونا هناك ودادي
فانيس أنت نشأت جنديا فمت
كالجند والق مصارع القواد
سيان حين تحط في جوف الثرى
موت الفراش وموتة الجلاد
يا نفس لم أحمل عليك دنية
لاقي المنية بالضمير الهادي
يونان تغفر لي وآلهتي بها
سهرت عيونهم على أولادي
قد خنت مصر وخنت ساداتي بها
لكنني ما خنت قط بلادي
أصوات (من جانب المصريين) :
فانيس لا علم له بما جرى
قد قتلوا أولاده وما درى (تظهر الجند يدفعون فتى فيقول قمبيز)
قمبيز :
وهذا الفتى من ولم سقتموه
إلي
جندي :
فتى في النواحي يرود
قمبيز :
وما كان يأتي؟
الجندي :
يثير البلاد
ويغري القرى باغتيال الجنود
قمبيز :
تنحوا به فاقطعوا رأسه
عساه لأمثالها لا يعود
نتيتاس (تسمع وهي متراجعة ضجة فتنظر فيستوقفها المنظر فتقول) :
ماذا رأيت وماذا
سمعت؟ من يدفعونا
من ذا إلى النار ساقوا
من أوردوه الأتونا
تاسو؟ أجل هو تاسو
أتوا به المجنونا
قسا الجنود عليه
والجند لا يرحمونا •••
ما باله عرف الوفاء
وكيف ثاب إلى الرشاد
ربي. أأشفع فيه؟ لا
لا كيف أمنعه الجهاد
لا. لن تحول شفاعتي
بين الضحية والبلاد •••
هذه ميتة عز
إمض تاسو بسلام
قد صفحنا لك عن ذا
ك التجني والأثام
لا تمت بالكاس والطا
س ولكن بالحسام
سرني أنك تقضي
للحمى حق الذمام •••
وشفاني أنك الذا
ئد عن مصر المحامي
زل لتبقى كودادي
مت لتحيا كغرامي (ثم تتراجع وتقول):
والان إلى طيبة والصعيد
لحشر الدعاة وحشد الجنود
وقهر العدو وإرغامه
وقذف المغير وراء الحدود (وتخرج) (يستجمع تاسو ويقول، وكأنما سمع ما قالت نتيتاس):
عفت نتتاس فيا مرحبا
بك اليوم يا موت من زائر
قمبيز (إلى وزرائه ) :
ما الرأي يا وزرائي
فإنني لست أدري
ماذا بأبناء مصر
من اختيال وكبر
قائد :
نحن بنو الشيطان
وهم بنو الإنسان
ثان :
والناس من طين السكك
وهم سلالة الملك
قمبيز :
أبي لعمري فرعون مصر
ويشبهه قومه في إباه
سأدعك في الترب آنافهم
وألصق بالأرض تلك الجباه
قائد :
سيدي لا تبد رفقا
وامض في الأعناق دقا
ثان :
واهدم الأبراج هدما
واحرق الأجران حرقا
ثالث :
ودع الوادي قاعا
واحلق الشطين حلقا
قائد رابع (عالي السن) :
سيدي بل تترفق
فهو بالقادر أليق
قمبيز (يضحك ضحكة جنونية) :
خذوا يا قادة الفرس
أخاكم إنه جنا
قائد :
أميري خرف الشيخ
فلمه أو لم السنا
قمبيز (يغمد خنجره في القائد الشيخ ويقول) :
خذ طعنة فيها الشفا
تصرف عنك الخرفا
القائد (وهو يتلقى الطعنة) :
يا ويحه قد عاده الجنون
بل أنا حين هجته المجنون
قمبيز :
وآبيس معبودهم أين هو؟
قائد :
هو العجل
ثان :
وهو الذي ألهوا
وزير :
ثوى العجل في حجرات الجلال
قائد :
وقد نعموه وقد رفهوا
الثاني :
وليس إلها ولكنما
على الشعب كهانه موهوا
أحد القائدين (لزميل له) :
هم يعبدون العجل يا أزدشر
أزدشر :
يا لك من أحمق ثرثار
ونحن؟
الأول :
ألنار إله لنا
أزدشر :
ما الفرق بين العجل والنار
الأول :
أفيلسوف أنت؟
أزدشر :
بل ملحد
الأول :
أنت؟ إذن عش وامض بالعار
ما كانت النار بمحتاجة
إلى قليل الدين كفار
قمبيز :
وأين هو العجل؟
قائد :
في قبة
تليق لكسرى وآبائه
قمبيز (مغضبا مشيرا) :
أمسكوا الكلب خذوه، أدبوه
ما أبي العجل، بل العجل أبوه
القائد :
الويل لي جن
صديق له في أذنه :
ما جن إلاكا
فأنت ساويت
بالعجل مولاكا
آخر له :
أهكذا يا أحمق السلوك
أهكذا يخاطب الملوك (يؤتى بالعجل، فيثور لرؤيته جنون قمبيز)
قمبيز :
والآن ماذا رأيتم
وما الذي تفتونا
وما الذي نحن بالعج
ل يا ترى صانعونا
قائد :
يصب كسرى عليه
من البلاء فنونا
آخر :
علقه بين الأرض والسماء
واتركه للغربان والحداء
آخر :
إدفنه في الأرض حيا
وهل عليه الترابا
الأول :
إذبحه ذبح الخروف
الثاني :
أخنقه خنق الدجاجة
آخر (يتهكم) :
إصلبه فوق عمود
من هيكل المعبود
وزير :
إحرقه يا مولاي بالنار
قمبيز :
إخسأ فهذا أعظم العار
ماذا يقول الناس عنا غدا
ألقوا إلى النيران بالفار
قد دنسوها وهي معبودهم
من جثة العجل بأقذار (ويظهر الغضب على قمبيز فيقول له قائل منهم):
قائد :
مولاي ما ذاك فار
بل ألف فار وفار
آخر :
يا سيد الأرض أبشر
رأي الوزير أصابا
غدا يقولون بمنفيس
تغدت النار بآبيس
قمبيز (مقتنعا ومقهقها) :
أجل غدا يقال في الأخبار
العجل قد بات طعام النار (ثم يقبل على آبيس ويخاطبه):
إله النيل لم تغضب
لم تكسر جفنيكا
تأمل شبح الموت
ألم يبد لعينيكا
وهذا خنجري الماضي
فخذه بين قرنيكا (ويطعنه ثم يتراجع خطوات ويقول):
إلهي ما ترى عيني
خيالات وأشباح
وقتلى قد غدوا حولي
وقتلى غيرهم راحوا
وجرحى جذبوا ثوبي
وجرحى غيرهم صاحوا
هذي عواقب بغي
هذا القصاص المتاح
لا بد من عدل يوم
يرتد فيه السلاح
قائد :
ويح لقمبيز
آخر :
ويح له جنا
الأول :
من يقتل اليوم
من الشقي منا
قمبيز (مستمرا) :
هذا أخي يصيح بي
وتلك أختي تنتحب
وآخر يسألني
أين دمي؟ أين؟ أجب
قائد آخر :
هذا ضميره صحا
هذا ضميره انتبه
حتى رأى آثامه
ولم يكن لها أبه
آخر لنفسه :
ثار به ضميره (ثم لزميل له همسا):
وما الضمير حيدر؟
حيدر (للزميل) :
سريرة تندم أح
يانا وحينا تزجر
ويرجع الناس لها
إلا امرؤ لا يشعر
الأول (رستم لحيدر) :
وأين منزل الضمير؟
حيدر :
موضع من الجسد
أنظر. هنا يا رستم ال
قلب وها هنا الكبد (ويشير إلى أعلى الصدر وأسفله وإلى ما بينهما (المعدة)) (ثم مستمرا):
وها هنا الضمير بي
ن القلب والكبد قعد
رستم :
هنا الدجاج والحم
مام ها هنا بلا عدد
حيدر :
والبط أيضا والإو
ز والحمار والوتد
وكل ما تسرق أو
تخطف من هذا البلد
رستم :
حيدر هل يجترع الض
مير أو هل يزدرد
وهل له حوصلة
وهل له رجل ويد
حيدر :
يا أخي إن الضمير ال
نفس أو بيت الشعور
وهو فيل في صدور
وهو فأر في صدور
وجبال من حديد
أو حبال من حرير
وسعيد الناس من لم
يشك من وخز الضمير
قمبيز (يقوم هائجا وكأنما يفر من شبح شقيقه الذي قتله) :
ماذا بيا؟ ماذا بيا؟
هذا شقيقي برديا
هذا شقيقي برديا
وخنجري في صدره
جئت أخي تجزي أخا
ك عن قبيح غدره (ثم يزداد هياجا ويفر من شبح أخته التي قتلها):
أتوسة أختي ألا تصفحين
أتوسة زوجي ألا تغفرين (ثم ينظر يمينا ويسارا وهو كالمجنون ويقول):
آه ليه آه ليه
ما هذه الزبانيه
كتيبة بموضع
وعسكر في ناحيه
وأرؤس بوهدة
وأرجل برابيه
كل يصيح رد رو
حي رد لي دمائيه
قمبيز (مع الأشباح) :
ويلي من الماضي ومن أشباحه
هذي خيالات الزمان الخالي
عجب العجائب ويح لي ماذا أرى
شبح. أجل شبح وطيف خيال •••
شبح كالملك الوا
قي لعيني يلوح
شبح كالزنبق النا
عم يغدو ويروح
ظهر الحسن عليه
وسرى الطيب يفوح •••
تمثال نتيتاس حول مذاهبي
أحبب بنيتيتاس والتمثال
ما باله ألقى علي سكينة
وأراح وجداني وأنعم بالي
زوجاه نيتيتاس ملكة فارس
ما لي حرمت حنان قلبك ما لي
يا ليتني لم أسمع الواشي ولم
أخرج حيالك من قديم ضلالي
قد ساء حالي في غيابك فارجعي
هيهات بعدك من يرق لحالي
أاراك عندي والأمور رخية
وأراك عند شدائد الأهوال
بالله يا طيف الحبيبة قل لها
خلفت قمبيزا بأسوأ حال
صفني لها تعسا كما شاهدتني
قد عادني صرعي وجد خبالي
يا بنت مصر ويا يتيمة تاجها
عودي فداؤك دولتي ورجالي (ثم مستمرا):
طاب ورد الحمام يا نفس هيا
خنجري خنجري إلي إليا (ويطعن نفسه بالخنجر ويقع)
جماعة من الفرس :
يا فرس يا قوم كسرى
النازلين السحابا
كسرى مضى للنار
شقوا عليه الثيابا
وحطموا في ثراه
سيوفكم والحرابا (كبراء الفرس يتشاقون الثياب)
أحدهم للآخر :
هات ثيابك
خذ ثيابي
تعال خذ قميصي
وأعطني قميصك (يمزق كلاهما قميص الآخر)
مصري من الحاضرين (لآخر همسا) :
أنظر أخي الفرس وما نابهم
شقوا على المجنون أثوابهم
الكهان (لجماعة المصريين) :
يأيها المرضى اسجدوا
على دماء «آبس»
ويا أصحاء انهلوا
من دمه المقدس
يا لشقاء جسد
في دمه لم يغمس (المصريون يتشاقون الثياب)
فارسي إلى آخر :
أنظر إلى أبناء مص
ر فإن أمرهم عجاب
أنظر ألست تراهم
شقوا على العجل الثياب
وزير فارسي (يخطب المصريين) :
أيها الكهان من شتى الرتب
عظم الخطب فما تغني الخطب
إن كسرى تغفر النار له
كان في مصرع آبيس السبب
أيها الشعب
مصري لرفاقه :
أميلوا إسمعوا
كيف ينشي المستبدون الخطب
الوزير (مستمرا) :
قد أتى قمبيز كسرى ما أتى
وهو مدفوع بسلطان الغضب
مصري (لأخيه بصوت منخفض) :
ليته بال على نيرانكم
بولة تطفي لظاها واللهب
الخطيب الوزير :
نحن لا نسأل عن فعلته
قد جنى الرأس فما ذنب الذنب
أيها الكهان قد حل على
ربكم آبيس مقدور غلب (ثم ملتفتا إلى الشعب قائلا):
ما لي أرى من جانب الشعب
بوادر الفتنة والشغب
قائد فارسي :
ما أغضب الشاة من الجزار
حذار حلم فارس حذار
لا تقفوا لسيفها والنار (تتفرق الجماعة هنا وهناك ويقف جماعة من المصريين فيقول أحدهم)
أحدهم (لزميل له) :
ماذا جرى؟
زميله :
أما ترى؟
على الثرى هذا الدما
آخر :
آبس عقر آبس نحر
ساء الخبر ما أشأما
الثاني :
حامي الحمى ما استسلما
لكن سما إلى السما
آخر :
لقد وهمت يا أخي
أفق وراجع الرشد
أبيس فارق الوتد
وسار رحلة الأبد
الأول :
ألعمى يا أخي العمى
اترك الأرض والدما
وتأمل معي السما
اتخذ الجو سلما
هو هذا تبسما
وعلى الجمع سلما
وإلى الخلد قد سما
الثاني :
عجيب شأن آبيس
لآبيس جناحان
وهذا الريش من در
وياقوت ومرجان
وهذا هو يرعاك
بعينيه ويرعاني
آخر (لزميلين له) :
أنظر «أني» إسمع «فتا»
أبيس بالفرس سخر
جنن قمبيز ولم
يزل به حتى انتحر
شيوخ الكهان :
بوركت يا آبيس
يا صاحب المجد
يا موضع التقديس
ومنزل الحمد
سرك في منفيس
وأنت في الخلد
شباب الكهان :
أبيس سر للسماء
وانزل مع الخالدين
وخل تلك الدماء
تحاسب المعتدين
أنت سماء الجلال
حمى الديار الأمين
القرن كالشمس طال
وعز في العالمين
يا صورة من فتاح
ومن سناه المبين
هذا شعاع الصباح
أم غرة في الجبين
ناپیژندل شوی مخ