أما اكتشافهم ها هنا فهو أهم من كل ما تقدم ذكره. إن لسكة الحديد اليوم محطة في أور، بين البصرة وبغداد، هي على مائة وعشرين ميلا من البصرة. والبصرة هي على ثلاثين ميلا من خليج فارس. ولكن أمواج هذا الخليج كانت تتلاطم في ذلك الزمان تحت أسوار أور الكلدانيين، فتكون مياه الخليج قد عادت القهقرى مائة وخمسين ميلا في خلال خمسة آلاف سنة ويزيد؛ أي ثلاثة أميال كل مائة سنة. ولكن الحلزونة تجتاز الثلاثة الأميال - إذا تركها الإنسان وشأنها - بشهر واحد في الأكثر. إن حركة البحار، وهي تتقدم في البر أو تتراجع عنه، لأبطأ حركة في العالم.
قلت: إن أور كانت على البحر. والأصح أن يقال: إن البحر كان عند أور. فكيف عرف الأثريون ذلك وتحققوه؟ عرفوه بالمطالعة، وتحققوه بالمعول والمسحاة. فلو لم يقرءوا في كتب اختصاصهم أن في عهد الاحتلال البابلي لأور «كان في المدينة هيكلان لنبوخذ نصر ونابونيدوس يدعيان بهيكلي الميناء» لما عدوا حدودهم الأثرية إلى ما دونها - إلى ما يختص بعلماء الجيولوجيا - واستمروا يحفرون حتى أدركوا طبقة سمكها ثلاثة أمتار من رمال شاطئ الخليج!
وها هنا اكتشفوا الاكتشاف العجيب الذي جاء ذكره في ملحمة كلكميش. وما ملحمة كلكميش بذاتها أعجب من رمال شاطئ الخليج. إنما هي أعجب في النبوءة التي تحتويها.
جاء في تلك الملحمة:
إن الآلهة لغاضبون غضبة شديدة. وسيمحقون الجنس الإنساني، سيغرقونه إغراقا في البحر.
ولكن إنكي - أحد الإلهة - حمل السر إلى أوتا نابشتيم، ذلك الرجل الصالح، الساكن في قرية شوروباك على الفرات، وأوصى إليه بطريقة للنجاة، فبادر نابشتيم إلى بناء سفينة مثل فلك نوح.
ثم يقول نابشتيم في ملحمة كلكميش:
وحملت في السفينة كل مالي
كل حصاد الحياة جمعت في السفينة
أسرتي وأقاربي،
ناپیژندل شوی مخ