القاهرة
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
ژانرونه
وربما كان هنا موضع مناقشة اتجاهات التجارة المصرية سواء المعاد تصديرها كتجارة ترانزيت أو المنتجة محليا. فقد كان الاتجاه غالبا إلى أوروبا خلال حكم المماليك، ثم حدث بعض التغير في اتجاه بعض التجارة إلى أقطار الدولة العثمانية، ومع ذلك ظل الاتجاه الأكبر هو إلى أوروبا نتيجة استيراد المماليك للأسلحة الحديثة والسلع الصناعية الأوروبية. وفي البداية كان الميزان التجاري لصالح مصر، ولكنه أخذ في التغير لصالح أوروبا بعد حدوث عدة نكسات على رأسها دخول شركات فرنسية اتفاقيات استيراد البن مباشرة مع اليمن بدلا من الوسيط المصري. ويضاف إلى ذلك نجاح زراعة البن في بعض مستعمرات فرنسا في البحر الكاريبي. والنكسة الأخرى هي عزوف أوروبي جزئي عن استيراد المنسوجات المصرية بحجة رداءة السلعة، ولكن يجب أن نضيف لذلك انتشار صناعة النسيج الآلية الحديثة في أوروبا، ورخص أسعار المنتج منها بالقياس إلى الصناعة المصرية.
وقد أدت هذه النكسات إلى تقليل أرباح ترانزيت البن، وتدهور عام في الدخل مع زيادة الميزان التجاري لصالح أوروبا، إلى ضائقة مالية حاول المماليك والتجار تعديلها بالاشتطاط والمغالاة في فرض الضرائب التي ثقلت على الفلاحين والحرفيين؛ مما أدى إلى مردود معكوس أدى إلى مزيد من قلة الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي. وهكذا دخلت مصر دائرة مغلقة من التراجع حتى جاءت الحملة الفرنسية التي أدت بدورها إلى تدهور كبير نتيجة ثورات القاهرة ضد الفرنسيين، والدمار الذي أحدثه الفرنسيون لقمع تلك الثورات.
لكن أحد أهم نتائج الحملة الفرنسية أنها أظهرت مدى تخلف النظام المملوكي السياسي، وعدم قدرته على استيعاب التحديث؛ وبذلك وضعت اللبنة الأخيرة في نهاية هذا النظام.
ولا شك أن محمد علي جاء بنظام جديد يتقبل الحداثة والتحديث في الحكم والإدراة والشئون المالية والاقتصاد الزراعي والصناعي والعلاقات الدولية، وإن أبقى على حكم الفرد. ونحن لا نعتقد أن محمد علي جاء بكل هذه التنظيمات من مصادر خارجية وطبقها مرة واحدة، بل كان هناك تطويع لمبادئ الإدارة وتطبيقات تدريجية لها على قدر الظروف الانتقالية في المجتمع المصري مع النظر إلى أشكال التنظيم الأوروبي، والكثير من الاستشارات والتجريب. وقد وقع محمد علي أسير التاريخ، فحاول بسرعة إعادة تطبيق إستراتيجية التاريخ السياسي المصري في الهيمنة على الشرق الأوسط من الشام إلى الحجاز بإضافة عمق في السودان لم يكن موجودا من قبل في تاريخ مصر الإسلامي؛ لهذا فقد كان محرك تنظيماته الجديدة في كافة الشئون الداخلية متمحورا حول الجيش القوي الذي أنشأه، ومحاولته الاستفادة من تناقضات المنافسة الفرنسية الإنجليزية على الشرق باستقطاب فرنسا. لكن عصر بناء الإمبراطوريات الشرقية كان قد ولى؛ لهذا توقف مشروع محمد علي السياسي عند مواجهة القوي الأوروبية عامة والإنجليزية خاصة، ولما هبط محرك التطور العسكري المصري هبط معه الكثير من النشاط الصناعي، وبقيت الزراعة ذات التركيب المحصولي المحدث - مشروعات الري الدائم، والمحاصيل الصيفية وعلى رأسها القطن - عماد التركيب الاقتصادي لنحو قرن من الزمان (1840-1930).
وقد حاول إسماعيل تقليد جده ولكن في الاتجاه الجنوبي؛ بناء إمبراطورية أفريقية في الوقت الذي اشتد فيه تسارع الدول الأوروبية على تقسيم أفريقيا، وكان محركه في ذلك تحسن مصادر الثروة المصرية بصادرات القطن ورسوم عبور قناة السويس، فدخل في مشروعات توسع في القرن الأفريقي (مصوع، زيلع، هرر، بربره) وفي منابع النيل الاستوائية (أوغندا الحالية) لكنها كانت عبئا ماليا، وقصيرة العمر، ونتائجها محسومة لصالح أوروبا.
وآخر المحاولات المصرية أسيرة التاريخ كانت في عهد عبد الناصر الذي حاول استعادة روح القومية العربية في مواجهة إسرائيل والغرب؛ معتمدا على أيديولوجية ثورية نجحت في المساعدة على تصفية النفوذ البريطاني، لكنها أحدثت صدعا عربيا بين الملكيين والجمهوريين فلم تصادف سوى نجاح عربي محدود.
الحرفيون والنقابات الحرفية
في أواخر القرن 18 كان في القاهرة 76 ورشة حرفية وصناعية، نحو 36٪ منها في المنطقة الممتدة غرب الخليج من باب الخلق إلى باب اللوق، ونحو 30٪ منها فيما بين الغورية والسلطان حسن، وبعبارة أخرى: إن الورش كانت خارج القاهرة الفاطمية بصورة عامة في اتجاه الجنوب والغرب.
وكان أصحاب الورش وعمالهم يكونون «نقابات» خاصة بصناعة سلعة معينة كالمزينين والحمامية والإسكافية، والنقيب هو المسئول أمام الجهات الرسمية. وترتيب الصنعة متدرج من نظام الصبي إلى المعلم أو الأسطى، بحيث كان في هذا ضمان للمهارة واستمرار جودة المنتج،
45
ناپیژندل شوی مخ