23
فتنهد سالم الإخشيدي بارتياح، وقال وهو ينهض قائما: تعال أقدمك إلى البك.
وتبعه على الفور باذلا جهده لضبط عواطفه. ودخلا حجرة فاخرة، رأى في صدرها مكتبا كبيرا يجلس إليه البك، واقتربا من المكتب في احترام حتى كادا يلمساه، ورأى الإخشيدي يتنازل مرة واحدة عن جلاله، وينحني على يد البك في خشوع، ففعل مثله، ولما اعتدل في وقفته ألقى على الجالس نظرة خاطفة. كان في الأربعين، معتدل القامة، جميل المحيا، أنيق الملبس والهندام، صغير الشارب جميله، يدل مظهره على أنه إمام من أئمة مدرسة الغزل، وقد قدمه الإخشيدي إليه، وأثنى عليه، فرحب به في تحفظ مقصود، وسأله: هل أنت من متخرجي هذا العام؟
فأجاب محجوب بالإيجاب، فقال له البك: أرجو أن تكون عند حسن ظن الأستاذ الإخشيدي بك.
ثم مد له يده إيذانا بانتهاء المقابلة! وقد تعمد أن يجعلها مقابلة رسمية حتى لا يلعب الغرور برأس الشاب. وعاد إلى حجرة الإخشيدي، ورآه محجوب مختالا فخورا، فامتلأ حنقا عليه، ولكن حنقه لم يدم طويلا؛ لأنه - رغم كل شيء - كان راضيا، وسأل بأدب: متى يتم التعيين؟ - هذا علي هين. ستكتب اليوم مذكرة تعيينك، فجهز مسوغات التعيين، ويتم كل شيء إن شاء الله في بحر أيام، أما الآن فدعنا ننجز الأمر الآخر ... (وسكت لحظات) تكرم بالحضور إلى بيتي عصر اليوم. فتساءل محجوب بدهشة: لماذا ؟
فقال الآخر بهدوء: لتعقد زواجك.
فقال محجوب بانزعاج: أليس من الأفضل أن تؤجل هذا إلى ما بعد إتمام التعيين؟ - ولمه؟
فقال الشاب مبتسما: حتى أتريش ... - أستاذ محجوب، خير البر عاجله، سيدفع لك بمبلغ محترم تستعين به على الزواج حتى تقبض أول مرتب، ولن يكلفك الزواج شيئا، شقة العروس في انتظارك، وما عليك إلا تجديد ملابسك!
فاستولت الدهشة على الشاب الذي لم يكن يتصور أن كل شيء مهيأ على هذا الوجه. كانت المصيدة مجهزة تنتظر فأرا، ووقع الفأر. ترى أبها عسل أم سم؟ - ألا تعطيني مهلة أسبوعا؟ - العقد اليوم ليطمئن قلب والدي العروس، أما الزفاف فبعد التعيين. فتنهد محجوب مستسلما، وسأله: وأين شقة ... العريس ...؟ - شارع ناجي، عمارة شليخر، شقة رقم 4.
فقال الشاب بدهشة: هذا حي إفرنجي، إيجاره مرتفع بغير شك! - لا تكترث لهذا ...
ناپیژندل شوی مخ