فصل الحديث بحجة وبيان
ولو ان هذا الدهر أبقى صالحا
أبقى لنا عمرا أبا عثمان
ومنهم أبو الهذيل العلاف الذي قال فيه المأمون: أطل أبو الهذيل على الكلام، كإطلال الغمام على الأنام، ومنهم إبراهيم النظام وهو الذي يقول فيه الجاحظ: الأوائل يقولون في كل ألف سنة رجل لا نظير له، فإن كان ذلك صحيحا فهو أبو إسحاق النظام. وبشر بن المعتمر الهلالي، وأبو عمرو بن بحر الجاحظ، وعبد الرحمن بن كيسان الأصم، وأحمد بن أبي دؤاد، وثمامة بن الأشرس، ومنهم الجعفران اللذان يضرب المثل بعلمهما وزهدهما، كما يضرب المثل في حسن السيرة بالعمرين، وهما أبو محمد جعفر بن مبشر الثقفي، وأبو الفضل جعفر بن حرب، ومنهم أبو جعفر الإسكافي، وأبو عبد الله الدباغ، وأبو علي الجنائي، ومنهم أبو العباس الناشئ، ومحمد بن عمر الصيمري والسيرافيان أبو القاسم، وأبو عمران، وقاضي القضاة عبد الجبار الهمداني، ومنهم الصاحب بن عباد، والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني، والجوهري صاحب الصحاح والشريف المرتضى، وأبو بكر الرازي، وأبو بكر الدينوري.
ومما يؤثر من أخلاق أئمة المعتزلة وورعهم ما قاله الواثق لأحمد بن أبي دؤاد: لم لا تولي أصحابي؛ أي (المعتزلة) القضاء كما تولي غيرهم فقال: يا أمير المؤمنين إن أصحابك يمتنعون من ذلك، وهذا جعفر بن مبشر وجهت إليه بعشرة آلاف درهم فأبى أن يقبلها، فذهبت إليه بنفسي واستأذنت فأبى أن يأذن لي، فدخلت من غير إذن، فسل سيفه في وجهي، وقال: الآن حل لي قتلك، فما تصرفت عنه فكيف أولي القضاء مثله؟! وروي أن أحد أئمتهم جعفر بن مبشر أضرت به الحاجة حتى كان يقبل القليل من زكاة إخوانه، فحضره يوما بعض التجار، فتكلم بحضرته في خطبة نكاح، فأعجب به ذلك التاجر، فسأل عنه فأخبر بمسكنته، فبعث إليه بخمسمائة دينار فردها، فقيل له قد عذرناك في رد مال السلطان للشبهة، وهذا تاجر ماله من كسبه فلا وجه لردك، فقال جعفر: إنه استحسن كلامي أفتراني أن آخذ على دعائي إلى الله تعالى وموعظتي ثمنا، لو لم أكن فعلت هذا ثم ابتدأ في لقبلت، وروي أن بعض السلاطين وصله بعشرة آلاف درهم فلم يقبل، وحمل إليه بعض أصحابه بدرهمين من الزكاة فقبل، فقيل له في ذلك فقال: أرباب العشرة أحق بها مني، وأنا أحق بهذين الدرهمين لحاجتي إليهما، وقد ساقهما الله إلي من غير مسألة، وأغناني بهما عن الشبهة والحرام.
وفي طبقات السبكي: قال ابن الصلاح: هذا الماوردي عفا الله عنه يتهم بالاعتزال، وقد كنت لا أتحقق ذلك عليه، وأتأول له وأعتذر عنه في كونه يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير تغير أهل السنة، وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منهما، وأقول لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل؛ ولهذا يورد من أقوال المشتبهة أشياء مثل هذا الإيراد، حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة، وما بنوه على أصولهم الفاسدة، ومن ذلك مصيره في الأعراف إلى أن الله لا يشاء عبادة الأوثان. قال في قوله تعالى:
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ، وجهان في جعلنا؛ أحدهما معناه حكمنا بأنهم أعداء، والثاني تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها، وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدليسا على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق، مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة، بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق، ثم هو ليس معتزليا مطلقا، فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن، كما دل عليه تفسيره في قوله - عز وجل:
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث
وغير ذلك، ويوافقهم في القدر وهي البلية التي غلبت على البصريين وعيبوا بها قديما. انتهي.
أصل الوهابية1
ناپیژندل شوی مخ