على قحطان والبيت الأصيل
فخرت بأن مأكولا ولبسا
وذلك فخر ربات الحجول
تفاخرهن في خد أسيل
وضرع من مفارقة وسيل
فقال الصاحب للشعوبي: كيف ترى؟ فقال: لو سمعت ما صدقت. ثم قال له: جائزتك جوازك. إن وجدتك بعدها في مملكتي ضربت عنقك.
وفد النعمان بن المنذر على كسرى، فوجد عنده وفود الروم والهند والصين، فذكروا من ملوكهم وبلادهم، فافتخر النعمان بالعرب، وفضلهم على جميع الأمم لا يستثني فارسا ولا غيرهم، فقال كسرى وأخذته عزة الملك: يا نعمان، لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم، فرأيت الروم كذا، ووصف من حالهم وجعل يثني عليهم، ورأيت الهند التي لها كذا وكذا، ثم قال مثل ذلك في الترك والخزر والصين، متى ذكر قبيلة أثنى عليها ووصف ما يفتخرون به، ثم قال: ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير، وجعل يصف شأنهم وهو يحقرهم ويصغرهم، فقال النعمان: أصلح الله الملك، وجعل يثني عليه، ثم قال: ألا إن عندي جوابا في كل ما نطق به الملك في غير رد عليه ولا تكذيب له، فإن أمنني من غضبه نطقت به. قال كسرى: فأنت آمن، فقال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليست تنازع في الفضل؛ لموضعها الذي هي به في عقولها وأحلامها، وبسطة محلها، وبحبوحة عزها، وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك. وأما الأمم التي ذكرت فأي أمة تقرنها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا؟ قال النعمان: بعزها ومنعتها، وحسن وجوهها، ودينها وبأسها وسخائها، وحكمة ألسنها، وشدة عقولها وأنفتها ووفائها؛ فأما عزها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوخوا البلاد، ووطدوا الملك وقادوا الجنود، لم يطمع فيهم طامع، ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيولهم، مهادهم الأرض، وسقفهم السماء، وجنتهم السيوف، وعدتهم الصبر، إذ غيرها من الأمم إنما عزها الحجارة والطين وجزائر البحور.
وأما حسن وجوهها وألوانها، فقد تعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المتحرقة، والصين المحتتمة، والترك المشوهة، والروم المقشرة. وأما أحسابها وأنسابها، فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولها وآخرها، حتى إن أحدهم يسأل عما وراء أبيه دنيا فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحد من العرب إلا يسمي آباءه أبا أبا، حفظوا بذلك أحسابهم، وضبطوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يدعى إلى غير أبيه. وأما سخاؤها فإن أدناهم رجلا الذي يكون عنده البكرة أو الناب عليها بلاغه في حمولته وشبعه وريه، فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتزئ بالشربة، فيعقرها له ويرضى أن يخرج له من دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الثناء.
وأما حكمة ألسنتها فإن الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه، مع معرفتهم بالإشارة، وضرب الأمثال، وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس؛ ثم خيلهم أفضل الخيول، ونساؤهم أعف النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومعادنهم الذهب والفضة والحجارة، جبالهم الجزع، ومطاياهم التي لا يبعد عن مثلها سفر، ولا يقطع بمثلها بلد قفر.
وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون بها حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه، أن لهم أشهرا حرما وبلدا حراما، وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون ذبائحهم، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك دمه، فيحجزه كرمه، ويمنعه دينه عن تناوله بالأذى. وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومي الإيماء، فهي إلب وعقد لا يحلهما إلا خروج نفسه، وإن أحدهم ليرفع عودا من الأرض، فيكون رهنا بدينه، فلا يغلق رهنه، ولا تخفر ذمته، وإن أحدهم ليبلغه أن رجلا استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب، فلا يرضى حتى تفنى تلك القبيلة التي أصابته، أو تفنى قبيلته؛ لما خفر من جواره، وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحروب من غير معرفة ولا قرابة، فتكون أنفسهم دون نفسه، وأموالهم دون ماله. وأما قولك أيها الملك إنهم يئدون أولادهم من الحاجة، فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار، وغيرة من الأزواج. وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم، إذا آنست من نفسها ضعفا، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف، وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائرهم، فيلقون إليهم أمورهم وينقادون إليهم بأزمتهم.
ناپیژندل شوی مخ