145

قدیم او حدیث

القديم والحديث

ژانرونه

يعرف الرجال أيام المحن ولو لم تنشب الحرب، ما كان رجل كهذا عاش في ساحل من سواحل البحر الأبيض يقل الواردون إليه يصبح موضوع الحديث ومحل تجلة الأقلام، ويتناقل خبر إحسانه الخاص والعام، وكم خمل في الحرب رجال ونبه رجال.

عادة مستحكمة في كثير من الناس أن يولوا الجميل ليقال عنهم ويروى، ويمدوا أيديهم بالعطاء؛ لأن السخاء خلق محمود، يحبب صاحبه إلى القلوب، وتطيب نفوس أرباب الغرائز السليمة لسماع أخباره، بيد أن الرجل الذي ننوه به هنا انبسطت يده بالعطاء مدفوعا إلى ذلك بعامل الدين والإنسانية، لا طلبا لشهرة ولا إيثارا لمظهر، ولا توقعا لدنيا مريضة يحاول نيلها.

من كان يظن أن تاجرا متوسطا من تجار ميناء طرابلس الشام، يأخذ على نفسه بسائق حميته الوطنية وغيرته الدينية أن يطعم منذ أعلن النفير العام مائتي إنسان كل يوم، يطعمهم المآكل الطيبة، ويفرح قلوبهم بالحلواء أحيانا، وقد أنفق في هذا السبيل أرباحه زمن الحرب وجانبا من رأس ماله، وعاهد الله في باطنه أن ينفق على هاتين السريتين من جنده الفقراء حتى آخر درهم من عقاره، أفلا يجب على كل إنسان أن ينادي بارك الله بهذا الإنسان؟!

ثلاث سنين ونصف مضت على الحرب العامة، ونفس الحاج مصطفى الكاملة، لم ينضب معين قوتها في تعهد البائسين، وثلاث سنين ونصف على الحرب العامة، ونفوس أرباب الاحتكار من التجار والمتمولين من أرباب المزارع والعقارات في مدن الشام لم تشبع من جمع المال ولو بإيذاء البلاد وساكنيها، أفلا نقدس الأول ونحتقر الآخرين؟!

عرفت في دمشق وبيروت وحيفا خصوصا أناسا ليسوا في الطبقة العليا بغناهم، يطعمون الفقراء ويلبسونهم ويئوونهم، ومنهم أناس من أرباب المظاهر الدينية، وآخرون من أشراف التجار والموسرين، ولكنني لم يبلغني أن رجلا من مثل طبقة هذا فادى بماله ووقته في سبيل الله، وحاول أن يسد من الفقير جوعته، ويطفئ في قلب البائس لوعته، على صورة منظمة لم يهتد إليها العالم النحرير، ولا الغني الشهير، ولا الزعيم والأمير.

صاحبنا لا يتوقع إلا وجه الخالق وبر الخلق بما يسدي، جعل نفسه خادما للفقراء بالعمل، واستلذ العطاء وتخفيف البلاء استلذاذ تلك الطبقة التي غلظت أكبادها، فلا ترى المصلحة إلا بالجمع والمنع، حتى يخلفوا الأموال لأعقابهم يفسقون بها ويفجرون، فلا هم بها مستمتعون ولا الناس بها منتفعون.

يوصي الأغنياء والمتوسطون على الغالب بوصايا مختلفة بعد موتهم، كأن ينشئ الموصي جامعا أو مدرسة أو تكية أو يجري ماء أو يعبد طريقا، أو يتعهد طبقة مخصوصة من الناس بشيء من الدراهم يرضخ لهم بها، أو يطعم أناسا يعينهم، أو قراء فقراء يذكرهم، أو يتامى وأيامى يبرهم، وذلك بعد أن يكون نفض يده من الحياة، وفارق الدنيا اضطرارا لا اختيارا، فلا يسخو بماله على الأغلب إلا يوم يتجرد منه بدافع طبيعي، ولكن الحاج مصطفى حولا يسخو بماله في حياته يخلص به من الموت أهل البؤس والشقاء، غير مشفق على نفسه ولا على عياله.

لا جرم أن مدبر الأكوان، وخالق الإنسان، والعدل في الخليقة من آياته، سيعيد له بتيسيره القرش الذي أنفقه في البقاء على حياة كثيرين ألفا ويصطفيه ويرحمه، ويبدد شمل تلك الأموال التي اكتسبها أربابها من طرق دنيئة في الأكثر، ولا رحموا بجزء ضئيل منها أهل حيهم وعشيرتهم في زمن يموت فيه العاجزون جوعا وعريا.

المستشرقون ومؤتمرهم1

الاستشراق أو علم المشرقيات هو كما عرفه لاروس علم من العلوم الحديثة ودائرته الحالية واسعة، فإذا نظرنا إلى الألفاظ من حيث مفهومها، نرى أن التعبير عن اللغات الشرقية لا يتناول غير اللهجات التي يتكلم بها في شرقي أوروبا، أي في آسيا وفي جزء من أفريقيا المتصل بآسيا، ولكن لفظ الاستشراق يطلق اليوم بتجوز على لغات أميركا وأفريقيا الجنوبية والبلاد الشمالية وآدابها وأخلاق سكانها، فترى اللغة اليونانية الحديثة واللغة الرومانية والروسية تدرس في مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريز كما تدرس لغات الشرق أي العربية والفارسية والتركية والصينية واليابانية والهندستانية والعبرانية والسريانية والحبشية والقبطية والأمحرية، بل إن اللغة المجرية نفسها بالنظر لعلاقتها باللغة التركية والمغولية تدرس هناك كما تدرس اللغات الشرقية.

ناپیژندل شوی مخ