142

قدیم او حدیث

القديم والحديث

ژانرونه

وهم كل من في مصر غير قليل

مظاهر نبل نافقوا في اصطناعها

ألا قبحت من صنعة لنبيل

هذا ما وصف به الرافعي شباننا، وكلامه يصدق على بعض من يتأنقون في الزينة، فيصففون شعورهم، ويحففون خدودهم، ويفتلون سبلاتهم، وينغمون بأصواتهم، وربما مزجوا كلامهم ببعض الألفاظ الإفرنجية، ويختارون من الألبسة آخر زي من صدرة ملونة مخرمة، صنعت من القطيفة المزركشة، وسترة مشقوقة وسروايل ضيقة، وخاتم ماس في اليد، وعصا عقافتها من الذهب، وحذاء ملونا ملمعا، وطربوشا مقرنا مكويا، وبالجملة كل ما فيه ظاهر مموه، ممن تراهم إذا جمعك بهم الاتفاق وقد عبقت منهم رائحة الطيوب والعطور، وقد حرصوا على الأزياء حرصهم على أعز الأشياء.

التطيب والتزين والتجمل باللباس الجيد الجديد حسن في ذاته مباح عقلا وشرعا، أحل لنا كما أحلت الطيبات، ولكن إذا جاوز صاحبه فيه الحد كان أجدر بربات الحجال منه بالرجال؛ لأنه مشغلة عن ارتياد الفضائل والسعي في سبيل الكمال الحقيقي، وناهيك بأن من شبابنا من يصرفون ساعتين كل يوم في التبرج «التوالت»، كأنهن بعض النساء يتزين لبعولتهن.

وهذا مما يسجل علينا ضعف النظر في كل ما اقتبسناه من عادات الغربيين، فقد اقتدينا بسرف المسرفين منهم، ولم نهتد بهدي أهل القصد والاقتصاد، وجاريناهم في التبرج والتزين بعد أن كانا غير معهودين في الشرق إلا للمخنثين، وشايعناهم على تعاطي المسكر والميسر، فأضعنا آدابنا وديننا طمعا في إحراز هذا التمدن الذي لا يقوم بزعمنا إلا بالانسلاخ من وطنيتنا وعاداتنا المستحسنة، واقتباس كل عادة تأتينا من طريق الإفرنج.

أخذنا عاداتهم بل عادات السفلة والشعوب النازلة منهم بيننا، وليتنا لما أخذنا ما أخذنا ميزنا بين الصحيح والزيوف، والضعيف والمضعوف، والشريف والمشروف.

عميت علينا السبل، فلم نقتد بأمثل من جعلناهم قدوتنا في حياتنا، بل مددنا اليد إلى ما وجدناه عرضا، فلم نسقط إلا على الملوث القذر من العادات والأخلاق.

أكثرنا من الإسراف في الملبس مثلا، حتى نسينا كل نسبة بين الدخل والخرج، فإمبراطورة ألمانيا في أوروبا، وهي من جلال المكانة ما هي لا تستنكف أن تدير ألبسة كبار أولادها لصغارهم عندما تضيق عنهم حتى لا تطرح شيئا جزافا، وهو مما يحسن الانتفاع به، والرجل منا قد يصرف على لباسه ربع دخله فيستلف ويمطل ويهون عليه ما يأتي ولو باع الطين ورهن العقار ليلبس كل أسبوع بل كل يوم بذلة جديدة كأنه من نساء الأغنياء في نيويورك، لا يهدأ له بال إلا أن يظهر غناه ليصدق عليه قولهم في الأمثال: «أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها.»

ماذا يقول الكاتب عن مغالاة بعض شبابنا في الزينة، وإغراقهم في السرف والترف، وما تجلببوا به من عادات لا تلائم الشرق وفقره ودينه، والغرب يشكو من بقائها بين ظهراني أبنائه إلى اليوم، ويتمنى لو نزعت آخر جرثومة منها عنده لتكون له مدنية تامة كاملة، وحضارة رجولية لا نسائية.

ناپیژندل شوی مخ