كتاب القضاء من مؤلفات الأستاذ الأكبر العلامة المحقق شيخ الفقهاء الحاج ميرزا محمد حسن الآشتياني قدس الله سره الشريف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين كتاب القضاء بالمد والقصر وهو لغة لمعان كثيرة منها الخلق ومنه قوله تعالى فقضيهن سبع سماوات اي خلقهن ومنها الحكم ومنه قوله تعالى والله يقضي بالحق اي يحكم ومنها الاتمام ومنه قوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم اي أتممتم ومنها الامر كقوله عز وجل وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه أي أمر إلى غير ذلك وفي المسالك انه سمى القضاء قضاء لان القاضي يتم الامر بالفصل ويمضيه ويفرغ عنه وسمى حكما لما فيه من منع الظالم عن ظلمه انتهى وعرفا على ما في الدروس ولاية شرعية على الحكم في المصالح العامة من قبل الإمام (عليه السلام) وعن جماعة منهم الشهيد في المسالك انه ولاية الحكم شرعا لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البرية باثبات الحقوق واستيفائها للمستحق ولا يبعد كون الأول أولى من الثاني لأعمية مورده من خصوص اثبات الحقوق كالحكم بالهلال ونحوه وكيف كان أصل ثبوته وتشريعه في الجملة مما لا إشكال فيه بل الأدلة الثلاثة من الكتاب والسنة والاجماع دالة عليه بل ربما قيل كما هو الحق بدلالة العقل عليه أيضا من حيث توقف النظام عليه بل لا يبعد دعوى الضرورة عليه فأصل ثبوته مما لا ينبغي أن يرتاب فيه إلا انا نذكر جملة من الآيات والاخبار تيمنا.
فنقول أما الآيات الواردة في باب الحكومة فكثيرة قال الله تبارك وتعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وقال تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى وقال تعالى إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وقال تعالى فإذا تنازعتم في شئ فردوه إلى الله ورسوله إلى غير ذلك.
مخ ۲
وأما الروايات فقد تجاوزت حد الاستفاضة بل التواتر مثل قول الصادق عليه السلام في خبر أبي خديجة إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه الخ وقوله عليه السلام القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة رجل قضى بجوز وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجوز وهو لا يعلم أنه قضى بجور فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة وقول أمير المؤمنين وإمام المتقين (عليه السلام) لشريح يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي وقول الصادق (عليه السلام) اتقوا الحكومة إنما هي للامام العالم بالقضاء العادل بين المسلمين كنبي أو وصي إلى غير ذلك من الروايات الواردة في ذلك ثم إن دلالة جملة من تلك الروايات على كون القضاء من مناصب النبي وأوصيائه (عليهم السلام) مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في دلالة الآيات على ذلك وأظهر منها دلالة حسب ما صرح به جماعة أيضا قوله تعالى يا داود إنا جعلناك الآية وقد استشهد بها على كون القضاء منصبا من مناصب النبوة والإمامة وغصنا من شجرة الرياسة العامة وجه الدلالة انه فرع عز وجل جواز الحكومة على كونه خليفة فينتفي بانتفائها وهو المطلوب وفيه أولا نمنع من تفريعه تعالى الجواز على كونه خليفة بل إنما فرع وجوبها على الخلافة حسبما هو قضية ظاهر الامر فلا يدل على انتفاء الجواز لغيرها وثانيا نمنع من دلالتها على وجوبه عليهما فضلا عن دلالتها على انتفاء الجواز للغير لاحتمال أن يكون المتفرع على الخلافة وجوب الحكومة بالحق فيكون المتفرع عليها وجوب الحكومة باعتبار القيد أي بمعنى انك انما (لما خ) جعلناك خليفة فيجب عليك الحكم بالحق فيكون في سياق قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فيكون الحكم في الآية ناظرا إلى القيد لا القيد والمقيد معا فلا دلالة للآية على أصل وجوبه على الخليفة لكونه واردة في مقام بيان حكم آخر هذا ولكن يمكن أن يجاب عنه بان هنا معنا ثالثا دقيقا يتم بملاحظته الاستدلال وهو أن يكون المتفرع على الخلافة الجواز نظرا إلى ورود الامر مقام رفع الحظر فلا يدل إلا على الجواز على ما هو المحقق في مثله لان الحكم بمعنى إلزام الناس سلطنة عليهم فالأصل عدم جوازه فتدل الآية بمقتضى قضية التفريع المتضمن لمعنى الشرطية في المقام على انتفاء الرخصة في حق غير الخليفة والحاصل ان في الآية احتمالات ثلاثة أحدها أن يكون المتفرع على الخلافة وجوب الحكم بالحق أعني القيد والمقيد فلا دلالة لها على هذا التقدير على انتفاء الرخصة لغير الخليفة ثانيها أن يكون المراد منها تفريع وجوب الحكم بالحق باعتبار القيد فلا دلالة لها على هذا التقدير أيضا على المطلوب ثالثها أن يكون المراد تفريع الجواز على الخلافة بملاحظة كون الأصل في الحكم الحرمة وورود الامر في مقام رفع الحظر فيدل على انتفاء الجواز في حق غير الخليفة إذا عرفت أن في الآية احتمالات ثلاثة فإن لم يكن أحدها ظاهرا أو كان ولكن الاحتمالين الأولين فلا دلالة لها على ما رامه الجماعة من دلالتها على اختصاص القضاء بالنبي ووصيه وكونه من مناصبهما وإن كان الثالث أظهر فيدل على المطلوب والانصاف انه أظهر من الأولين فالآية بذلك البيان من الأدلة على اختصاص الحكم بالخليفة نبيا كان أو وصيا هذا ويمكن أن يستفاد كون الحكم من مناصب الخليفة من لفظها من غير احتياج إلى البيان المذكور بأن يقال إن مقتضى جعل الله شخصا خليفة هو ثبوت جميع ما يجوز له لهذا الشخص فتدل الآية بالنظر إلى لفظة الخليفة بمعونة الأصل المتقدم على كون الحكم من مناصب الخليفة فافهم.
قوله وكذا لا ينعقد لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء الخ.
أقول إنك بعدما عرفت من دلالة جملة من الروايات بل بعض من الآيات أيضا حسبما مر على كون القضاء
مخ ۳
من مناصب النبي والامام فاعلم أن الاذن عن الأئمة في القضاء لمن جامع شرايط الافتاء معلوم بحيث لا يعتريه ريب ويدل عليه مضافا إلى الأخبار الكثيرة المتقدمة إلى بعض منها الإشارة الاجماع بقسميه محققا منقولا فهذا مما لا اشكال فيه إنما الكلام فيما قد نقل عن بعض أفاضل المتأخرين ومال إليه بعض مشايخنا من جواز القضاء للمقلد فنقول ان الكلام في قضاء المقلد في ثلاث مقامات أحدها فيما لو استقل بالحكم والقضاء ثانيها فيما لو صار منصوبا من المجتهد وبعبارة أخرى في جواز نصب المجتهد كما ينصب الامام ثالثها فيما لو صار وكيلا عن المجتهد والفرق بين هذا المعنى وسابقه مما لا يكاد إن يخفى ثم إن كلامنا في تلك المقامات إنما هو في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) وأما زمان حضوره فنصب القضاة منه وكلما فعله فهو حق لأنه معصوم عن الخطأ فلا ثمرة مهمه (1) لنا في البحث عنه.
أما المقام الأول فالحق فيه عدم الجواز لنا مضافا إلى الاجماع المدعى في كلام جماعة منهم ثاني الشهيدين في المسالك البالغ حد الاستفاضة المعتضد بالشهرة المحققة بل عدم الخلاف في المسألة الأصل وتقريره ان القضاء وهو الالزام بغير ما يقتضيه التكليف سلطنة على الملزم غير مجوزة إلا بدليل توضيح ذلك أن إلزام المكلف يكون تارة بما يقتضيه تكليفه كما في موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرى يكون بما لا يقتضيه تكليفه إن صار تكليفه بعد اثبات وجوب التزامه بالالزام المذكور.
أما الأول فلا إشكال في جوازه لكل من يتأتى عنه مجتهدا كان أو مقلدا وإن كان مقتضى الأصل الأولي عدم جوازه لكن قد دل العقل والنقل على حسنه كذلك وإن خالف فيه بعضه فذهب إلى اختصاصه بالامام وعدم جوازه لغيره حتى المجتهد لكنه موهون جدا حسبما قرر في محله فلا نزاع لنا فيه فما يظهر من بعض الاعلام من التمسك في المقام بما دل على جواز الالزام بالمعروف والحق لكل آحاد الأنام خروج عن محل الكلام.
وأما الثاني فلما لم يعتبر فيه جهة اقتضاء التكليف فيحتاج في الخروج عن مقتضى الأصل فيه إلى دليل غير ما دل على جواز الالزام بالمعروف.
فنقول ما يمكن أن يصير دليلا للخصم في المقام ومخرجا عن الأصل المزبور ليس إلا أحد أمور ثلاثة على سبيل منع (مانعة خ) الخلو أحدها الآيات الدالة على أصل تشريع الحكم وفصل الخصومة كقوله تعالى وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الخ وقوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله (آه) وغيرهما فإنها باطلاقها شاملة للمجتهد والمقلد كليهما ثانيها ما دل بظاهره على انحصار رفع الخصومة والقضاء بين الناس إذا كانت الشبهة موضوعية بالبينة والايمان لأنه باطلاقه أيضا شامل للمجتهد والمقلد كليهما ثالثها ما دل على نصب القضاة عموما أو خصوصا أما الأمر الأول فالحق عدم دلالته على المطلب أصلا أما قولك انها بمقتضى الاطلاق شاملة للمجتهد والمقلد ففيه أولا انا نمنع من شمولها للمجتهد والمقلد وكونها مسوقة لبيان حال الحاكم من أنه أي صنف من الأصناف لما قد عرفت من أن جل تلك الآيات بل كلها مسوقة لبيان وجوب كون الحكم حقا لا لبيان أصل أصل وجوب الحكم فالاطلاق وارد لبيان حكم القيد أي وجوب كون الحكم حقا وعدلا وبما أنزل الله لا لبيان حكم القيد وقد تقرر في محله ان الشرط في التمسك بالاطلاق عدم وروده لبيان حكم آخر وكون المتكلم في مقام البيان فافهم وثانيا نسلم كون الآيات دالة على جواز الحكم بالحق لكل من عرف الحق من المجتهد والمقلد لكن نقول المراد
مخ ۴
من الحق هنا هو الحق الواقعي الذي كان معلوما حقيقته عند الحاكم والمحكوم عليه معا وبعبارة أخرى كان الطريق إليه اعتقاد الحاكم والمحكوم عليه لا ما كان حقا عند الحاكم باطلا عند المحكوم عليه الدليل على ما قلنا مع أن مقتضى القاعدة هو مراعاة اعتقاد الحاكم فقط حيث إن الطريق إلى متعلق الخطاب هو اعتقاد من خوطب به أما انصراف الآيات إلى ذلك وظهورها فيما إذا كانت حقيقة المحكوم به معلومة محققة معروفة عند الحاكم والمحكوم عليه فتأمل أو انه لو لم يكن المراد ذلك بل كان المراد ظاهره أي الحق عند الحاكم لما وجب قبوله على المحكوم عليه حيث إنه مخاطب أيضا بعدم قبول الحكم الباطل وحكم الجاهلية والشيطان والمفروض انه بعدما كان اعتقاده مخالفا لاعتقاد الحاكم يعتقد كون حكمه باطلا يجب رده فلا بد من أن يكون المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيته عند الطرفين أي ما كان مقتضى تكليف المحكوم عليه أيضا فإن شئت قلت إنه كما يجب على الحكام الحكم بالحق ويكون الطريق لهم إليه اعتقادهم كذلك يجب على غيرهم الالتزام بالحكم بالحق وعدم قبول ما كان باطلا ومن المعلوم ان الطريق إلى احراز الحق في هذا الخطاب اعتقاد المترافعين فإنهم مأمورون بالرجوع إلى من كان عارفا بأحكام الله وعالما بها ولا يتنجز هذا الخطاب في حقهم إلا بعد علمهم بكون المرجع حقا.
فان قلت إنه لا داعي إلى صرف الآيات عن ظاهرها بعدما كانت قضية ظاهرها هي كفاية الحقية عند الحاكم نظرا إلى القاعدة المذكورة وما ذكر من أن الداعي إليه هو لزوم التعارض فممنوع فإنه بعدما وجب على الحاكم الحكم بالحق عنده لزم قبوله على المحكوم عليه وإلا لزم لغويته وهذا باب واسع يدخلونه في كثير من المقامات كما ذكروه في آية الكتمان والنفر وغيرهما.
قلت ما ذكر من أنه لو وجب على شخص بيان شئ للغير لوجب على الغير قبوله وإلا لزم اللغوية فإنما هو فيما لم يجب على هذا الغير عدم قبول ما لم يكن حقا عنده وإلا لوقع التعارض فكما أنت تقول إن وجوب الالزام بالحق علي يدل على وجوب الالتزام لما ذكر من اللغوية فنحن نقول أيضا ان وجوب رد الباطل أيضا علينا الذي طريق ثبوته اعتقادنا يدل على قبول قولنا وإلا لزم اللغوية فتأمل.
فان قلت هب ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيقته لكل من الحاكم والمحكوم لكنا نثبت حقية المحكوم به بأدلة البينة والايمان.
قلت أولا إن ظاهر الآيات هو الحق في الحكم الكلي لا الموضوع الخارجي وبعبارة أخرى المراد من الآيات الالزام بحكم الله في مقابل حكم الجاهلية فأدلة البينة غريبة (عرية خ) عن المقام حيث إن الحكم بالبينة والايمان إنما هو في الموضوعات الخارجية دون الأحكام الكلية والمراد من الآيات هو الحكم بالحق في الشبهة الحكمية أي الحكم بما أنزل الله وجاء به ومعلوم ان ملكية زيد وعدمها التي هي مدلول البينة لم يكن مما أنزل الله به.
فان قلت: إن وجوب الحكم بمقتضى البينة أيضا حكم كلي قد ثبتت حقيته بأدلة حجيتها والحكم بخلاف مقتضاها حكم باطل فكيف يقال بعدم تصور الحقية في الحكم الكلي بالنظر إلى البينة.
قلت قد التبس عليك الامر فإنه فرق واضح بين كون الحكم في الواقعة حقا الذي هو المحكوم به للحاكم وبين كون أصل حكمه بمقتضى البينة الذي هو فعل الحاكم حقا والذي ينفع في المقام إنما هو الأول دون الثاني كما لا يخفى وثانيا ان المراد من الحق في المقام هو ما ثبت حقيته مع قطع النظر عن حكم الحاكم وأما ما ثبت حقيته بملاحظة حكم الحاكم من جهة قيام البينة فليس مشمولا للآيات كما لا يخفى فالاستدلال بما دل على حجية البينة في مقام القضاء موهون جدا مضافا إلى ما سيجئ من عدم عموم وإطلاق له بحيث يشمل المجتهد والمقلد.
مخ ۵
فان قلت سلمنا ان المراد من الآيات الآمرة بالحكم بالحق هو ما ثبت حقيته عند كل من الحاكم والمحكوم عليه لكن هذا المقدار أيضا يكفينا لأنا نفرض الكلام فيما لو كان الحاكم والمحكوم مقلدين لمجتهد واحد فيجوز له من الحكم بالحق كما يجوز للمجتهد.
قلت بعد تسليم كون المراد من الآيات المعنى المذكور يكون مساقها مساق أدلة الأمر بالمعروف فقد عرفت أنه يجوز لكل من يتأتى عنه ذلك مجتهدا كان أو مقلدا وهذا مما لا إشكال فيه بل يمكن دعوى الاجماع عليه إنما الكلام في تأثير إلزام المقلد في وجوب الالتزام على الملتزم من غير أن يقتضي تكليفه ذلك كما في المجتهد والحاصل انه قد يجب إلزام الشخص على شئ من جهة اقتضاء تكليفه الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام فيكون وجوب الالزام حينئذ متفرعا على وجوب الالتزام وهذا مما يشترك فيه المجتهد والمقلد بل يجب على كل أحد من باب الأمر بالمعروف والالزام بالحق وقد يجب إلزامه بشئ من غير ملاحظة اقتضاء تكليفه ذلك فيكون وجوب التزامه متفرعا على وجوب الالزام المذكور وهذا هو محل النزاع في المقلد فكل من يقول بجواز حكم المقلد فلا بد من أن يثبت وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) ومعلوم انه لا يكفيه تلك الآيات لأن مفادها وجوب الالزام فيما اقتضى تكليف الملتزم الالتزام به مع قطع النظر عن الالزام المذكور حسبما عرفت من كون المراد بالحق منها هو ما كان حقا عند المحكوم عليه أيضا.
نعم لو صدر هذا الالزام عن التزام (الالزام خ) بما ثبت حقيته عند المحكوم عليه من المجتهد كان حكما أي لا بد من أن يترتب عليه آثار الحكم لما قد دل من جوب الالتزام بإلزامه مطلقا سواء اقتضاه تكليف الملتزم أم لا فالالتزام بالالزام المذكور وان اقتضاه نفس تكليف الملتزم أيضا إلا أن هذه الجهة غير ملحوظة إذا كان الملزم هو المجتهد لما قد دل على وجوب الالتزام بالزامه مطلقا فالحيثيتان وإن اجتمعتا في محل واحد إلا أن المناط فيهما مختلف وأما لو صدر من المقلد فلا يكون حكما بمعنى ان يجب عليه ترتيب آثار الحكم لعدم دليل يدل على وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف وإن شئت قلت إن هنا شيئين أحدهما جواز الالزام والحكم للمقلد ثانيهما وجوب ترتيب الأثر عليه وصحته ونفوذه أما الأول فلا يجوز له إلا إذا كان الملتزم به حقا أي اقتضاه تكليف الملتزم مع قطع النظر عن إلزامه ولا يجوز في غيره وأما الثاني فيتوقف على اثبات كون إلزام المقلد بمجرده وإن لم يقتضه تكليف الملزم (الملتزم خ) مؤثرا في وجوب الالتزام وقد عرفت أن الآيات قاصرة عن إفادة ذلك حيث إن قضية ظاهرها كما عرفت هو وجوب الالزام فيما لو كان الملزم به حقا عند المحكوم عليه وما نحن بصدد اثباته ونفيه في المقام هو الثاني وأما الأول فيدل على جوازه للمقلد فيما لو كان الملزم به حقا عند الملتزم كل ما دل على حسن الأمر بالمعروف من الأدلة الأربعة هذا وثالثا نسلم دلالتها على وجوب الالزام بالحق وإن لم يكن ثابتا عند المحكوم عليه لكن نقول بلزوم تقييدها بما دل من الآيات والاخبار التي قد تقدم إلى شطر منها الإشارة على كون القضاء من مناصب الخليفة وغصنا من شجرة رياستها العامة وبعبارة أخرى مقتضى التمسك بتلك الآيات هو كون القضاء حكما شرعيا واجبا على كل أحد ومقتضى غيرها من الآيات والاخبار هو كونه من المناصب العامة للإمام (عليه السلام) محتاجا إلى الاذن منه فبينهما تناف فلا بد من أن يرجع إذا إلى ما دل على الاذن في زمان الغيبة من قبل الإمام (عليه السلام) وانه هل يشمل المقلد أو يختص بالمجتهد فيرجع إلى الأمر الثالث وسيجئ ما عليه من الكلام فلا مناص للاستدلال بالآيات أصلا كما لا يخفى ثم إنه يظهر بما ذكرنا في الآيات حال التمسك بالأخبار الواردة بهذا المضمون فلا نحتاج إلى تطويل في المقال وأما الأمر الثاني ففيه مضافا إلى أخصية تلك الأدلة
مخ ۶
من المدعى كما لا يخفى عدم كونها في مقام بيان الحاكم وانه من أي صنف من الأصناف بل غاية ما دلت عليه هو انه لا بد من الحكم والفصل بالبينة والايمان وأما الحاكم من أي صنف من الأصناف فتلك الأدلة غير ناظرة إلى بيانه ومهملة بالنسبة إليه فلا إطلاق لها من تلك الجهة حتى يتمسك بها (به خ) وقد يتمسك أيضا بأدلة وجوب العمل بالبينة كقوله (عليه السلام) لابنه إسماعيل إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم إلى غير ذلك فإنها بعمومها شاملة للمقلد أيضا وفيه أن تلك الأدلة وإن تشمل المقلد أيضا إلا أنها في مقام التمسك بالبينة في عمل نفس الشخص واما إلزام الغير بمقتضاها كما هو محل الكلام فلا دلالة فيها على ذلك أصلا كما لا يخفى فلم يبق في المقام ما ينفعنا إلا الأمر الثالث وهو ادعاء شمول الاذن الواصل من أئمة الأنام لمثل هذا العوام فبالحري أن نذكر جملة من الاخبار الموهمة (المتوهمة خ) دلالتها على الاذن للمقلد حتى يتضح لك الحال ويرتفع الغبار.
فنقول منها قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم (قاضيا خ) فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
ومنها مقبولة عمر بن حنظلة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال (عليه السلام) من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا (حقا ثابتا له خ) لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حاكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله الخبر ومنها ما رواه الحلبي قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشئ فيتراضيان برجل منا فقال ليس هو ذاك إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط الخبر إلى غير ذلك ثم إن جل المستدلين بالروايات إنما استدلوا برواية أبي خديجة وبعضهم تمسك برواية الحلبي أيضا ولكن لم أر أحدا تمسك بمقبولة عمر بن حنظلة إلا الفاضل القمي رحمه الله والحق عدم إمكان التمسك بها بل هي من وجوه الرد عليهم كما سنشير إليه وكيف كان وجه الاستدلال انه أمر في رواية أبي خديجة بالتحاكم إلى من علم شيئا من قضاياهم ومن المعلوم إن المراد من العلم ليس هو خصوص الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع وإلا لزم عدم جواز التحاكم إلى المجتهد أيضا لكون أكثر أحكامه ظنية نظرا إلى ظنية مباديها ومداركها فلا بد أن يكون المراد منه هو الاعتقاد الأعم من الجازم وما ثبت اعتباره بالدليل وإن لم يكن جازما وهذا نظير ما ذكروه في تعريف الفقه بأنه العلم بالأحكام الشرعية الخ من أن المراد منه الاعتقاد الأعم من العلم والظن ومعلوم ان هذه القضية صادقة في حق المقلد فإنه بعدما قلد مجتهده في كون عشر رضعات محرما وحصل له الظن بالتحريم يكون هذا الاعتقاد معتبرا في حقه فيجب على الغير التحاكم إليه بمقتضى الرواية وكذا قوله في رواية الحلبي فيتراضيان برجل منا غاية الأمر خروج من لم يعرف الاحكام أصلا لا باجتهاده ولا بالتقليد منه بقيام الاجماع على اشتراط المعرفة في الجملة فبقي المجتهد والمقلد داخلين فيه هذا غاية ما يمكن أن يوجه به الروايتان للدلالة على المقصود لكن الحق عدم دلالتهما على ذلك أما أولا فلان إطلاقهما وارد في مورد حكم آخر أي في مقام عدم جواز التحاكم إلى الطاغوت كما هو صريح الثانية بل الأولى أيضا فالمقصود منهما انه لا بد من المرافعة من أن يرجع إلى الشيعة دون الطاغوت واما ان المرجع من الشيعة هو كل من يعرف الحكم أو خصوص المجتهد
مخ ۷
فهما ساكتتان عنه غير واردتين لبيانه.
فان قلت أليس شيوخكم تمسكوا برواية أبي خديجة في اشتراط الفقاهة والاجتهاد في القاضي وهذا الذي ذكرته مناف لما فهموه من الرواية.
قلت نمنع من تمسك الشيوخ بالرواية على اشتراط الاجتهاد في القاضي وإنما تمسكوا بها لاثبات أصل الاذن من الامام لشيعتهم في زمان الغيبة وأما اشتراط الاجتهاد فإنما جاؤوا به من مقبولة عمر بن حنظلة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم. نعم ربما يتمسك بها بعض المتأخرين لاثبات اشتراط الاجتهاد أيضا وأما ثانيا فلان المراد من المعتقد بحكم الله حسبما هو المراد من العالم على ما بنى عليه المستدل هو من يعتقد بحكم الله باعتقاد الناظرين على ما عرفت من أن مقتضى القاعدة كون الطريق إلى الموضوع في القضية المأمور بها هو اعتقاد المأمور والمخاطب لا من اعتقد بكون معتقده حكم الله وإن لم يكن حكم الله باعتقاد الناظرين إلا إذا كانا شريكين في الاعتقاد. نعم هو في اعتقاد الناظر معتقده حكم الله لا كون معتقده حكم الله لأنه لا يكون معتقدا بحكم الله عند الناظر إلا إذا اعتقد بكون معتقده حكم الله ولهذا قد فرض بعض المحققين القائل بالجواز الحكومة للمقلد فيما لو كان المتداعيان والمقلد الحاكم مقلدين لمجتهد واحد وقال في بعض كلام له بعد استدلاله برواية أبي خديجة حسبما عرفته من كون المراد من العلم فيها الأعم من الاعتقاد الجازم وما ثبت اعتباره من الاعتقاد الغير الجازم ما حاصله انه كما يجوز للمترافعين والمتداعيين كالزوج والزوجة في أن عشر رضعات محرم مثلا الالتزام بالحرمة فيما إذا كانا مقلدين لمجتهد يعتقد ذلك من دون أن يتحاكما إلى أحد كذا يجوز تحاكمهما إلى مقلد كان شريكا معهما في التقليد أي مقلدا لمن يقلدانه فيحكم بينهما بما قلده من المجتهد من نفوذه للحرمة فالرواية تدل إذا على جواز الرجوع إليه لكونه أيضا عالما بشئ من قضاياهم بالمعنى المتقدم انتهى ملخص كلامه وحاصل مراده قدس سره ولقد أجاد فيما أفاد وجاء بما فوق المراد ولكن يرد عليه بعد تسليم دلالة الرواية على جواز الرجوع إلى المقلد في الفرض المزبور انه لا دلالة لها على كون الرجوع في تلك الصورة من جهة كون إلزامه مؤثرا في وجوب الالتزام بالملتزم به مع قطع النظر عن كون مقتضى تكليف المحكوم عليه الالتزام بالملتزم به كما هو محل النزاع فلعله كان من اقتضاء تكليفه ذلك مع قطع النظر عن الالزام المذكور فيكون التكليف بالرجوع إليه من جهة وجوب اتباع الحق والمعروف وهو خارج عن الفرض.
فإن قلت انا نثبت وجوب الالتزام بالالزام المذكور مع قطع النظر عن شئ آخر في هذا الفرض ويتم القول في الباقي بالاجماع المركب وطريق اثبات المدعى هنا ان مقتضى جعل الامام شخصا قاضيا على ما هو مقتضى الرواية هو وجوب الالتزام بإلزامه مع قطع النظر عن اقتضاء تكليف الملتزم وإلا لما احتاج إلى جعله قاضيا حيث إن الالزام بالمعروف غير محتاج إلى جعل من الامام فيكون قوله (عليه السلام) في الرواية فإني قد جعلته قاضيا دليلا على وجوب الالتزام بإلزامه وإن لم يقتضه تكليف الملتزم وهذا نظير التوقيع الشريف عن الامام عجل الله فرجه وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله فإن التعليل بأنهم حجته يدل على وجوب قبول قولهم مع قطع النظر عن اقتضاء التكليف ذلك كما لا يخفى.
قلت الظاهر من التعليل بالجعل والحجة وإن كان ما ذكر ابتداء الا انه بملاحظة كون المعهود عند أهل الزمان والمركوز في أذهانهم انه لا بد من كون القاضي منصوبا من جانب السلطان وانه لا يسمع بمقالته من دون النصب وان قال حقا يصير الظاهر من التعليل ان السلطان العالم العادل بين المسلمين قد أوجب الرجوع إلى هؤلاء وجعلهم
مخ ۸
منصوبين منه فلا بد من أن يسمع مقالتهم لان الجعل قد حصل فلا دلالة للتعليل المذكور على كون وجوب الالتزام بالزامهم من جهة تأثير الالزام مع قطع النظر عن حقية الملتزم به عند المحكوم عليه فتأمل واما ثالثا فلان جعل العلم بمعنى مطلق الاعتقاد الشامل للظن خلاف الظاهر فلا داعي إلى ارتكابه بل قد يمكن أن يدعى عدم استعماله فيه ابدا وأوهن منه ما ذكره الفاضل القمي من أن المراد من العلم الظن بعلاقة وجوب العمل فان استعمال العلم في خصوص الظن مما لم يعهد بينهم (منهم خ) هذا واما رابعا فلانه بعد تسليم صحة الاستعمال المذكور لا يكفي المستدل ذلك ولا يغنيه من جوع لعدم اشتراط حصول الظن من فتوى المجتهد ظنا شخصيا للمقلد بالاجماع بل لا بد من أن يرجع إليه وإن لم يحصل له ظن بل وان حصل الظن على الخلاف فلا بد من أن يقولوا بتعميم اخر وهو كون المراد من العلم الأعم من الاحتمال الواجب العمل وفساده غني عن البيان واما ما تخليه من أنه لو أبقى العلم على ظاهره لخرج المجتهد أيضا منه فخيال فاسد لأنا نقول إن المراد من العلم في مثل هذه القضايا هو العلم العرفي ولا ريب في صدقه على من علم وعرف كثيرا من الاحكام وإن كان ظانا في الباقي بعدما كان مقصوده الأولى تحصيل العلم بالواقعة ومعلوم ان المجتهد ليس جميع مستنبطاته ظنية بل كثير منها قطعية علمية يعلم بموافقة جملة منها للواقع وإن لم يعرفها بعينها فقوله (ع) يعلم شيئا من قضايانا صادق في حقه قطعا بخلاف المقلد فإنه لا يطلق عليه العالم عند العرف فصدق العالم على المجتهد لا يتوقف على حصول العلم بمعنى الاعتقاد أو خصوص الظن بعد ما عرفت من أن المراد من العالم هو العالم العرفي وهذا أمر ظاهر بعد المراجعة إلى العرف الا ترى انهم يقولون فلان عالم بالنحو أو الصرف أو غيرهما مع أنه لم يكن جازما بأكثر مسائله (مسائلها خ) فإن شئت قلت إن التصرف انما وقع في النسبة لا في الكلمة فبعد ما كان هذا النحو من الاطلاق شايعا عند العرف لا احتياج لنا إلى صرف الكلمة عن ظاهرها فادعاء كون المراد من العلم هو الظن الواجب العمل ضعيف جدا نعم لو قال أحد بان المراد من الحكم الأعم من الظاهري والواقعي والمقلد وإن لم يكن عالما بالحكم الواقعي لكنه عالم بالحكم الظاهري كالمجتهد في مظنوناته لم يكن في الضعف كسابقه وإن كان هو أيضا ضعيفا فافهم واما خامسا فلانه بعد تسليم ذلك كله و كون الرواية شاملة باطلاقها للمقلد والمجتهد كليهما نقول إنه لا بد من تقييد اطلاقها بمقبولة عمر بن حنظلة لكونها أخص منها لأن الظاهر من فقراتها الثلاث وهو قوله روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا هو اعتبار العلم كما لا يخفى فادعاء كونها أعم أيضا نظرا إلى صدق المعرفة والنظر في حق المقلد كما صدر عن بعض الأفاضل مما لا يصغى إليه بعد ما عرفت من الظهور على خلافه.
فان قلت بعد تسليم كون المقبولة ظاهرة في اعتبار العلم وعدم كفاية التقليد نمنع من دلالتها على اعتبار الاجتهاد حيث إنه أعم منه والعام لا يدل على الخاص مضافا إلى حصول العلم الضروري لكل أحد بان المنصوبين من قبل الأئمة (ع) في زمان حضورهم الذاهبين إلى البلدان البعيدة والقريبة بل الموجودين في بلدهم (ع) لم يكونوا كلهم مجتهدين عالمين بالأحكام باعتبار ملكة الاستنباط بل انما كانوا سئلوا الامام من الاحكام و علموا بها من جهة جوابه (ع) وهذا مما لا يحتاج فيه إلى قوة الاستنباط بل لا مدخل لها فيه فالقول باعتبار الاجتهاد كما هو المطلوب مما يدل عليه المقبولة بل تدل على عدمه سيما بملاحظة ما ذكرنا أخيرا.
قلت لسنا قائلين بدلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد في الحاكم وانما نقول بدلالتها على اعتبار العلم فيه ولكنا نقول أنه لا يمكن تحصيل العلم بالأحكام الشرعية في زماننا هذا الا بملكة الاجتهاد فاعتبار الاجتهاد ليس من جهة دلالة المقبولة عليه بل من جهة عدم حصول العلم في زماننا هذا وأشباهه الا به فاعتبار الملكة انما هو من جهة
مخ ۹
عدم تحقق الموضوع في هذه الأزمنة الا به وأين هذا من اعتبار الاجتهاد في القاضي مطلقا فنصب الأئمة (ع) من لا يعلم بالحكم الا من قولهم لا ينافي ما نقول به في زماننا ومن هنا يعلم فساد ما تمسك به بعض الذاهبين إلى كفاية التقليد في الحاكم من انا نعلم ضرورة بعدم الاجتهاد لكل من نصبه الإمام (ع) في زمان حضوره فيدل على كفاية التقليد وعدم اعتبار الاجتهاد هذا كله مضافا إلى ربما يدعى من دلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد لمكان قوله (ع) نظر في حلالنا وحرامنا لأن الظاهر منه اعتبار النظر والاجتهاد في الحلال والحرام مضافا إلى أن العالمين بالأحكام من قول الإمام (عليه السلام) كان لهم عام وخاص ومطلق ومقيد ومعارض وسليم عن المعارض وأمر ونهي ومجمل ومبين و محكم ومتشابه إلى غير ذلك كزماننا هذا فالقول بعدم الاجتهاد لهم فاسد جدا غاية الأمر سهولة الخطب في ذلك الزمان وصعوبته في زماننا هذا لكنك خبير بفساد هذه الدعوى حيث إن استنباط الحكم من الطرق المتعارفة عند أهل اللسان بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والمجمل على المبين إلى غير ذلك لا يكون اجتهادا قطعا نعم انكار وجود الاجتهاد في زمان الأئمة (عليهم السلام) مطلقا حتى للغائبين عن حضوره عليه السلام خلاف الانصاف مضافا إلى دلالة بعض الروايات عليه فالأولى في الجواب ما ذكرنا من أن اعتبار الاجتهاد في زماننا من جهة عدم امكان تحصيل العلم بدونه واما دعوى دلالة لفظ نظر عليه فضعيفة جدا للمنع عن كونه بمعنى الاجتهاد كما لا يخفى.
فان قلت إن المراد من الاحكام إن كان هو الكل كما هو مقتضى الجمع المضاف حيث لا عهد فيخرج المجتهد أيضا لعدم وجود مجتهد كان عالما بجميع الاحكام بل ظانا بها. ولازمه عدم جواز الحكم له وهو مخالف للاجماع بل الضرورة فلا بد من طرح الرواية وإن كان البعض فيشمل اطلاقها المقلد أيضا فانا نفرض حصول العلم للمقلد في بعض المسائل من قول مجتهده.
قلت بعد تسليم كون الجمع المضاف مفيدا للعموم إما أولا فلا بد من أن يخرج عن هذا الظاهر و صرفه إلى غيره بقرينة فهم الأصحاب فنقول ان المراد منه ليس الجميع ولا البعض بل الجنس ولا شك في عدم صدقه في حق المقلد وصدقه في حق المجتهد واما ثانيا فبان نقول إن العموم بحاله الا ان المراد منه العموم العرفي لا الحقيقي ولا ريب في صدقه في حق من علم كثيرا من الاحكام وإن لم يعلم كلها.
فان قلت إن ما ذكرته في رواية أبي خديجة في مقام الرد على المستدل بها لجواز الحكومة من أن الامر بالرجوع إلى العالم بالحكم يقتضي اعتبار اعتقاد المخاطب في ذلك فلا يدل على وجوب الرجوع الا بالنسبة إلى من علم المخاطب بكونه عالما بحكم الله فيخرج عن محل الفرض يجئ بعينه فيما نحن فيه أيضا فنقول ان الامر بالرجوع إلى من جمع فيه الصفات المذكورة في المقبولة انما يقضي بوجوب الرجوع إلى من جمع فيه الصفات باعتقاد المأمور لقضية ما ذكر في المشهورة فيخرج عن محل الفرض لكونها داخلة حينئذ في عداد الأمر بالمعروف.
قلت بعد الغض عما ذكرنا أخيرا في المشهورة من أن المراد من العلم فيها هو العلم العرفي ولا ريب في صدقه في حق المجتهد ان في مقام قرينة على كون المراد من العلم والمعرفة هو العلم باعتقاد الحاكم دون المحكوم عليه وهي فرض الراوي تعارض الحكمين (الحاكمين خ) في الحكم لان التعارض لا يمكن الا بان يكون المراد من المعرفة هي المعرفة باعتقادهما وإلا فلا يمكن تعارض الحاكمين العارفين بالحكم في نظر المحكوم عليه لأنه مستلزم للتناقض في اعتقاده وكذا جواب الإمام (عليه السلام) بالرجوع إلى الأفقه والأعدل مطلقا من غير تقييد له بصورة التوافق في الاعتقاد يصير قرينة على كون المراد من العارف في المقام من كان عارفا بالحق باعتقاد نفسه فافهم وتأمل.
مخ ۱۰
فان قلت إن ظاهر الرواية حسبما هو قضية العطف بالواو هو اعتبار جميع الأوصاف الثلاثة فلا بد بناء عليه ان نقول باشتراط كون الحاكم راويا أيضا وهذا الشرط خلاف الاجماع في زماننا وأشباهه فلا بد من أن نقول بكونها واردة في حق الرواة فلا تدل على جواز حكومة المجتهد أيضا.
قلت أولا ان المراد من راوي الحديث كونه محتملا له وإن لم ينقله لغيره ومعلوم ان المجتهدين في زماننا أيضا متحملون للأحاديث وثانيا ان ذكر وصف الرواية (روى خ) ليس من جهة اعتباره في الحاكم بل من جهة عدم تحقق العالم بالحكم في تلك الأزمنة الا بهذا الوصف فاعتباره من جهة عدم الانفكاك بينه وبين العالم دائما أو غالبا فيكون القيد واردا مورد الغالب.
فان قلت هب ان المراد بالعارف بالحكم في المقبولة هو من عرفه بالاجتهاد لكنه لا يدل على نفيه من غيره لعدم المفهوم للقيد واللقب فيكون المقبولة مع المشهورة من قبيل المطلق والمقيد المثبتين فلا داعي لحمل المشهورة على المقبولة والقول بان المراد منها هو المجتهد لما تقرر في مسألة المطلق والمقيد من أن الشرط في حمل المطلق على المقيد هو ثبوت التنافي بينهما ولا تنافي في المثبتين كما لا يخفى فبقي المشهورة باطلاقها شاملة للمجتهد والمقلد فتعين الرجوع إليها.
قلت ما ذكرته من أن القيد لا مفهوم له كلام متين لكنه من المقرر في محله أيضا انه لو كان القيد واللقب في مقام التحديد يكون له مفهوم قطعا لان القيود في التحديدات لا بد أن تكون احترازية والا لما صح الطرد والمنع فوقوعه في مقام التحديد قرينة على كون المراد منه المفهوم والا لاختل الغرض المسوق له القيد ومعلوم ان الإمام عليه السلام في مقام تحديد من يجب الرجوع إليه من الشيعة فلا يمكن ان يق بان ما يذكره من القيد لا مفهوم له بل لا بد من أن يق ما ان ما يذكره من القيود احترازية فظهر بما ذكرنا فساد ما توهمه بعض من أن المقبولة مع المشهورة من المثبتين فلا قاضي بحمل إحديهما على الأخرى وان كانتا من المطلق والمقيد وجه الفساد انه قد تقرر في محله وجوب حمل المطلق على المقيد فيما ثبت فيه اتحاد المكلف به وقد عرفت مما ذكرنا من كون الإمام عليه السلام في مقام تحديد المرجع ان المرجع إما مطلق العالم على ما هو مدلول المشهورة أو خصوص المجتهد كما هو مدلول المقبولة ولا يمكن ان يكون المعين للمرجعية هو مطلق العالم باطلاقه وخصوص فرد منه بخصوصه فلا بد من حمل المطلق على المقيد حسبما هو المقرر في محله فكما انه لو علم باتحاد التكليف في قوله أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة لا بد من حمل المطلق على المقيد لان وجوب عتق الرقبة المؤمنة تعيينا حسبما هو ظاهر الامر به ينافي وجوب عتق الرقبة مطلقا فكذا في ما نحن فيه بعد العلم بان الإمام (عليه السلام) في مقام تحديد المرجع فبعد العلم باتحاد المرجع لا بد من حمل المطلق في المشهورة على المقيد في المقبولة كما لا يخفى.
ثم إن في المقبولة دلالة واضحة على ما انعقد عليه الاجماع من عدم جواز نقض حكم الحاكم ووجوب الامضاء عليه من جهات عديدة إحديها ايجاب الرجوع إلى من كان جامعا للصفات المذكورة في الرواية فإنه يدل على حكومة إلزام الحاكم على ما هو مقتضى تكليف المحكوم عليه ثانيتها قوله (عليه السلام) بعد ذلك فليرضوا به حاكما فاني قد جعلته عليكم حاكما وفيه دلالة ظاهرة على عدم جواز النقض سيما بملاحظة التعليل ولفظة عليكم ثالثتها تصريح الإمام (عليه السلام) بعد حكمه بعم جواز النقض بان الراد على الخ هذا.
وهنا دقيقة يجب التنبيه عليها وهي ان مقتضى نفس القضاء والحكم بعدما جعله الإمام (عليه السلام) حاكما مع قطع النظر عن شئ آخر هو عدم جواز نقضه لأنه بعدما انفصل الامر بفصل الحاكم كيف يجوز الوصل بل لا يعقل الوصل
مخ ۱۱
بعده وهذا نظير ما ذكرنا في قوله أوفوا بالعقود من أن بعدما انعقد العقد لا يعقل حله فإذا كان مقتضى القضاء والحكم فصل الشئ والفراغ منه لا يعقل وصله ومما يؤيد ما ذكرنا من كون عدم النقض من مقتضيات نفس الحكم والقضاء بل يدل عليه تفريع الإمام عليه السلام على الرد لحكمه الاستخفاف بحكم الله والرد عليهم (عليهم السلام) ففيه أقوى دلالة على كون حرمة النقض من مقتضى أصل الحكم هذا ولكن فيه احتمال اخر لا يتم معه الاستشهاد المذكور وهو تفريع الامرين المذكورين على الجعل لا المجعول اي لما كان مجعولا من قبلنا وكان حكمه بامضائنا فعدم قبوله استخفاف بحكم الله ورد علينا أيضا يؤيد ما ذكرنا لكنه مع ذلك كله الأول أظهر.
ثم إن دلالة المقبولة بعدم جواز النقض في الأحكام الكلية اي فيما إذا كان نزاع المتحاكمين راجعا إلى الحكم الشرعي الكلي كثبوت حق الشفعة في أكثر من الشريكين مثلا مما لا اشكال فيه انما الا اشكال في أنها هل تدل على عدم جواز نقض حكم الحاكم في الموضوعات الخارجية كما ثبت بالاجماع بل الضرورة عدم جواز نقض حكمه فيها أيضا أم لا قد يق بدلالتها على ذلك نظرا إلى لفظة في دين فان الظاهر منه كون النزاع فيه راجعا إلى النزاع في الموضوع ولفظة وإن كان حقه ثابتا في صدر الرواية فإنها أيضا ظاهرة في الموضوع الخارجي فتكون المقبولة شاملة للحكم في الأحكام الكلية والموضوعات الخارجية لكن الانصاف ان التأمل في الرواية يعطى عدم شمولها للموضوعات الخارجية واما ظهور الدين فيما ذكر فممنوع بل الظاهر من قوله أو ميراث الفراغ عن أصل وجود الدين وانما النزاع في حكمه ببعض الوجوه ومنه يظهر منع الظهور في الفقرة الأولى أيضا هذا لكن المصلحة الملحوظة في أصل تشريع القضاء وهي رفع الخصومة بين الناس تأتي كالاجماع في المقام أيضا هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو جواز حكم المقلد مستقلا عن فتوى مجتهده وعدمه واما المقام الثاني وهو جواز نصب المجتهد له وحكمه بعد نصبه فتقول ان الحق فيه أيضا عدم الجواز.
لنا مضافا إلى الأصل اي أصالة عدم تأثير نصب المجتهد والاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة المحققة بين الأصحاب ما عرفته من دلالة المقبولة على اشتراط الاجتهاد في القاضي ولهم على الجواز عموم أدلة ولاية المجتهد كقوله (صلى الله عليه وآله) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وقوله (عليه السلام) العلماء ورثة الأنبياء وقوله صلى الله عليه وآله ثلثا اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك يا رسول الله قال الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي وقول - الامام عجل الله فرجه في التوقيع الشريف واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله وقوله (عليه السلام) مجاري الأمور بيد العلماء إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في باب ولاية المجتهد المذكورة في محله فإنها بعمومها تدل على ثبوت كل ما للامام للمجتهد أيضا وفيه أن الاستدلال بالمعلومات لا يتم الا بعد اثبات صغرى وهي قولك ان نصب الإمام عليه السلام للمقلد كان جايز أو كبرى وهي قولك كلما يجوز للامام يجوز للمجتهد وكلتاهما ممنوعتان إما الصغرى فللمنع من جوازه للامام بعد ما عرفت من كون الاجتهاد شرطا مشروطا فبعد اثبات كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما إلهيا نقول بعدم جواز تغييره للامام نعم لو فعل لكشف عن جوازه وفيما لم يثبت فعله نقول بعدم جوازه فالصغرى غير ثابتة.
فان قلت إن غاية ما تدل عليه المقبولة هو عدم الإذن من الإمام (عليه السلام) الا في حق المجتهد لاعدم جوازه الا في حقه وشتان ما بينهما وبعبارة أخرى ان دلت على كون اشتراط الاجتهاد في القاضي حكما إلهيا لدلت على عدم جواز نصب الإمام للمقلد لما قد تقرر من عدم جواز تغييره لاحكام الله لكن المقبولة لا تدل على ذلك بل انما دلت
مخ ۱۲
على أن الاذن الحاصل من الإمام (عليه الاسلام) انما هو مقصور في حق المجتهد ولا يكون في حق المقلد وأين هذا من عدم جواز الاذن للمقلد والحاصل ان هناك شيئين أحدهما جواز نصبه للمقلد واذنه للقضاء بين الناس وعدمه ثانيهما ان الاذن ونصبه الواصل إلينا الحاصل في الخارج هل يشمل المقلد أم لا وما ينفع في المقام هو الأول وما يدل عليه المقبولة على فرض تسليمه هو الثاني.
قلت بعد الغض عن دلالة المقبولة على كون اشتراط الاجتهاد حكما إلهيا وتسليم عدم دلالتها على ما ذكر من اختصاص الاذن من الامام على المجتهد نتمسك في منع الصفري حينئذ بالأصل لان الأصل الأولى فيما شك كونه حكما شرعيا إلهيا عدم جواز تبديله للإمام (عليه السلام) وفيه تأمل واما الكبرى فأولا نمنع عموم أدلة الولاية حتى تدل على أن كل ما يجوز للإمام (عليه السلام) يجوز للمجتهد لان المنصف بعد التأمل في سياقها وصدرها وذيلها يقطع بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والقضاء بين الناس واما كونهم كالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في كونهم أولي بالناس في أموالهم وأنفسهم فيجوز لهم التصرف بنصب مسلط عليهم فلا دلالة لها على ذلك أصلا وثانيا نسلم ان فيها عموما يدل على ثبوت جميع ما للامام للمجتهد لكن نقول إنه يجب حملها على إرادة العموم من الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفة من حيث كونه رسولا وواسطة بين الله وبين الناس وحجة عليهم وهي ما ذكرنا من بيان - الأحكام الشرعية للناس والقضاء بينهم والالزام تخصيص أكثر افراد العام لعدم ثبوت أكثر ما للنبي والامام من التصرف في الناس نفسا ومالا للمجتهد.
وإن شئت قلت إن العام إذا خرج منه أكثر افراده يصير موهونا لا يجوز التمسك به في مورد الشك الا بملاحظة تمسك جماعة معتد بها من الأصحاب به بحيث يرتفع الوهن المذكور حسبما ذكرناه في عمومات نفي العسر والحرج ونفي الضرر والضرار في الاسلام وغيرهما من أنها عمومات قد دخل فيها الوهن بملاحظة خروج أكثر افرادها لا يجوز التمسك بها الا بعد انجبارها بتمسك جماعة من الأصحاب ففيما نحن فيه أيضا نقول إنه بعد ما لم يثبت أكثر ما للنبي والامام للمجتهد فلا يجوز التمسك بعمومات أدلة الولاية الا بعد تمسك جماعة معتد بها من الأصحاب ومعلوم انه لم يتمسك بتلك العمومات في المقام الا بعض متأخري المتأخرين من أصحابنا رضوان الله عليهم ولا يبعد كونهم مسوقين بتقدم الاجماع على خلافهم كما عرفت من الأصحاب مثل ثاني الشهيدين في مسالك الأفهام هذا غاية ما يمكن ان يقال في المقام الثاني.
واما المقام الثالث وهو جواز القضاء للمقلد فيما لو صار وكيلا عن المجتهد فالحق فيه أيضا عدم الجواز ومرجع النزاع في المقام إلى أنه هل يوجد في عمومات الوكالة ما يمكن التمسك به في المقام أم لا فبالحري قبل الخوض في المقصود ان نذكر مقدمة ربما تنفعنا في المقام وهي انه لا شك ولا ريب في أن ما لا يدخله الاستنابة لعدم قابليته لها من حيث عدم ترتب الأثر على الفعل الا من حيث قيامه بفاعل خاص ومباشر معين لا تأتي فيه أدلة الوكالة وعموماتها لعدم تحقق موضوعها حيث إنها مختصة بما يقبل النيابة وغير جارية فيما لا يقبل فقابلية الفعل للاستنابة فيه مأخوذة في موضوع أدلة الوكالة بحيث لو لم يكن هناك قابلية لم يتحقق مفهوم الوكالة ومعناها فعدم الحكم بالوكالة فيما كان مختصا بمباشر خاص ليس تخصيصا في عموماتها بل هي بنفسها مختصة بصورة عدم الاختصاص بالمباشر الخاص فيلزمه انه فرض الشك في اختصاص الفعل بمباشر خاص أو أنه يقبل النيابة أن لا يجوز التمسك بالعموم للشك في تحقق الموضوع حيث إن التمسك بالعموم انما هو فيما شك في التخصيص بعد القطع بتحقق الموضوع فيه واما لو شك في كون زيد عالما أو جاهلا فلا يجوز التمسك بأكرم العلماء في وجوب اكرامه حيث إن جريانه
مخ ۱۳
يتوقف على تحقق الموضوع فكيف يمكن اثبات الموضوع به فعدم الاكرام في مشكوك العلم ليس تخصيصا في قوله أكرم العلماء لعدم العلم بتحقق موضوعه هو العلم (هو العالم خ) فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهات الموضوعية والمصداقية الا فيما إذا فرض الشك في اندراجه في العام أو المخصص المفروغ عن كونه مخصصا كما لو ورد دليل بوجوب اكرام العلماء ثم دليل اخر بعدم وجوب اكرام فساقهم فشك في زيد العالم انه فاسق أوليس بفاسق فإنه لا يبعد حينئذ اختيار التمسك بالعام مطلقا أو إذا كان هناك أصل موضوعي يتمسك به في رفع المانعية كأصالة عدم الفسق فيما نحن فيه أو فيما إذا لم يكن العام مخصصا بتخصيص متصل كقوله أكرم العلماء العدول وفرض الشك في كون زيد العالم عادلا وإن كان الحق هو الأوسط ثم الأخير لرجوع الشك في المخصص المتصل حقيقة إلى الشك في المقتضي فكيف كان إذا عرفت هذه فنقول ان الحق عدم جواز التمسك بأدلة الوكالة فيما نحن فيه إما أولا فلما قد عرفت من دلالة الاخبار من الأئمة الأطهار والاجماعات المنقولة من العلماء الأخيار على كون القضاء في زمان الغيبة من خصائص المجتهد ومناصبه بحيث لا يترتب عليه الأثر الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص ومباشر معين هو المجتهد فقابلية النيابة غير محرزة حتى نتمسك بعمومات الوكالة بل مقتضى الدليل حسبما عرفت عدم القابلية واما ثانيا فلانا لو لم نقل بدلالة الدليل على الاختصاص فيما نحن فيه فلا أقل من الشك في الاختصاص بمباشر معين هو المجتهد من حيث ملاحظة الخلاف وذهاب المعظم إلى الاختصاص فقد عرفت أن الشك فيه راجع إلى الشك في تحقق الموضوع وان العمومات غير جارية فيه.
توضيح المقام على وجه يتضح المطلوب ويرتفع الغبار عن وجه المقصود ان من الأفعال ما لا يترتب عليه الأثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص فالمباشرة لشخص معين مأخوذة في الفعل من حيث ترتب الأثر عليه ومنها ما يترتب عليه الأثر المقصود منه بملاحظة أصل وجوده في الخارج من غير خصوصية للفاعل أصلا بل من اي فاعل صدر يترتب عليه الأثر ومنها ما لا يترتب عليه الأثر المقصود منه الا بملاحظة قيامه بفاعل خاص أو اذن منه تسبيبا أو نيابة ومنها ما يشك كونه مما يختص بمباشر خاص أو لا بل يكون من أحد الامرين بمعنى انه مردد امره بين كونه من القسم الأول أو أحد القسمين الأخيرين فإن كان من القسم الأول فلا يتحقق فيه الوكالة حسبما عرفت سابقا من كون قابلية النيابة مأخوذة في أصل تحقق مفهوم الوكالة فكل فعل علم كونه من هذا القبيل كالمضاجعة والطلاق على القول بعدم تحقق الوكالة فيه واليمين والنذر وغيرها لم ينفع فيه عمومات الوكالة قطعا وإن كان من القسم الثاني كالاحتشاش والاحتطاب والالتقاط وغيرها مما يكون اثر الفعل مترتبا عليه من اي فاعل صدر فلا يتحقق فيه الوكالة أيضا لعدم قابليته لأن يقع نيابة عن الغير حتى يجري فيه الوكالة لأن المفروض ترتب الأثر المقصود منه عليه بمجرد وجوده من اي شخص كان فيختص به فالعمومات غير مثمرة في تلك الصورة أيضا وإن كان من القسم الثالث فلا اشكال في جريان الوكالة فيه في الجملة لفرض احراز قابليته للنيابة فان حصل الاذن منه على وجه التسبيب لحقه ما يلحقه من الاحكام وان حصل على وجه النيابة لحقه ما يلحقه من الاحكام أيضا فان بينهما فرقا من حيث الحكم قطعا حيث إن في الأول لا يعتبر اجتماع شروط الفعل في السبب فيحصل ممن لا يقع عنه الفعل مستقلا كالصبي والمجنون وغيرهما بل المناط فيه هو اجتماع الشروط في المسبب بالمبنى للفاعل ومن هنا حكموا بأن من يوضئ العاجز لا يشترط اجتماع شروط التكليف فيه من البلوغ والعقل وغيرهما وهذا بخلاف الثاني حيث إن اجتماع الشروط معتبر في النائب دون المنوب عنه هذا فيما يقع على كل من الوجهين واما ما يختص بأحدهما فيختص به فيلحقه حكمه كيف كان ففي هذا القسم لا اشكال في التمسك بالعمومات لدفع ما
مخ ۱۴
شك في شرطيته كما هو الشأن في جميع موارد التمسك بالعموم وإن كان من القسم الرابع فقد عرفت أن الحق عدم صحة التوكيل فيه وفساد التمسك بالعمومات للشك في تحقق الموضوع وهذا كله لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه انما الكلام في أنه هل هنا أصل يرجع إليه لاحراز القابلية للنيابة في كل فعل شك في قابليته لها أو لا فنقول ان الظاهر من كلمات الاعلام عدم أصل في المقام حتى يرجع إليه لاحراز القابلية في الأفعال بل قضية ظاهر كلماتهم ان الأصل عندهم في كلما شك في قابليته هو البناء على عدم القابلية حتى تعلم القابلية لكن يظهر من كلمات بعض مشايخنا أعلى الله مقامه ان الأصل في المقام حسب ما يستفاد من التأمل في كلام الأصحاب أيضا هو البناء على القابلية حتى يعلم عدمها والمستفاد من كلامه في مستند هذا الأصل امران أحدهما ان مرجع الشك في صحة الوكالة وعدمها فيما كان مسببا عن الشك في قابلية الفعل للنيابة إلى الشك في اشتراط المباشرة وعدمه والأصل عدمه ثانيهما ان مقتضى العمومات هو صحة الوكالة والنيابة في كل شئ حتى يعلم اشتراط المباشرة.
وأنت خبير بضعف كلا الامرين ووهن كل من المستندين إما الأول فلان اجراء الأصل المذكور اي أصالة عدم اشتراط المباشرة إما ان يكون فيما كان هناك أمر لفظي بالفعل كقوله إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه أو فيما لا يكون هناك أمر لفظي بالفعل بل انما ثبت مطلوبيته ومشروعيته من اللب فأن كان في - الصورة الأولى فلا ريب ان الأصل هو المباشرة لقضية ظاهر الامر حيث إن الظاهر من طلب شئ عن شخص حسب ما ذكرنا مفصلا في الأصول موافقا لجماعة من الفحول هو قيامه به بنفسه وعدم كفاية غيره وإن كان في الصورة الثانية فالأصل أيضا عدم ترتب الأثر عليه حتى يقوم المكلف به بنفسه فصار الأصل المباشرة في تلك الصورة أيضا حتى يقوم دليل من الخارج على الاكتفاء بقيام غيره غاية الأمر عدم أصل من الطرفين فأين أصالة عدم اشتراط المباشرة حتى يرجع إليها في مقام الشك واما الثاني فلان ما يتصور من العمومات في المقام لا يخلو عن ثلاثة أحدها ان يدل دليل على أن كل فعل من الأفعال قابل للنيابة والوكالة ثانيها أن يدل دليل على المضي في كل نيابة وصحة كل وكالة ثالثها ان يدل دليل على أن كل وكالة صحيحة يجب المضي عليها حتى يعلم رافعها نظير أدلة الاستصحاب وهذه العمومات متدرجة بحسب المرتبة بحيث لا يمكن تعلق سابقها بلاحقها وبالعكس لكونها مختلفة المفاد تعرض كل منها لغير ما تعرض له الآخر فلا يمكن التمسك بالأول لنفي ما شك في شرطيته في صحة الوكالة من اللفظ والعربية وغيرهما لكونه مسوقا لبيان أصل القابلية وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات وجوب المضي على الوكالة حتى يعلم العزل مثلا كما هو مفاد الثالث لما عرفت من الوجه وهكذا لا يمكن التمسك بالثاني لاثبات أصل القابلية فيما شك في كونه قابلا للنيابة لعدم كونه مسوقا إلا لاثبات الصحة والمضي فيما كان قابلا للنيابة فالقابلية مأخوذة في موضوعها نعم يصح التمسك به لنفي ما شك في اشتراط الصحة به وكذا لا يمكن التمسك به لاثبات ما تعرض له الثالث لعدم كونه ناظرا إليه أصلا وكذا الامر في الثالث فلا يمكن التمسك به لاثبات أصل القابلية والصحة فيما شك في شرطيته لما قد عرفت في اخويه.
إذا عرفت هذا فاعلم أن العام الذي يريد المستدل التمسك به لاثبات الأصل المذكور إن كان يريد به الأول فحسن متين الا انه يرد عليه انه ما ورد في باب الوكالة نص كذلك اي يدل بعمومه على كل فعل قابل للنيابة حتى يصير مستندا للأصل المذكور وإن كان يريد به الثاني أو الثالث فقد علمت أنه لا يمكن التمسك بهما لاحراز أصل القابلية لكونهما متفرعين عليها فلا يعقل احرازها بهما والا جاء الدور كما لا يخفى فما تمسك به الشيخ المتقدم ذكره مستندا للأصل المذكور من الأخبار الواردة في ثبوت الوكالة حتى يعلم الوكيل بالعزل مثل قول
مخ ۱۵
الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سالم ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل فمما لا دلالة له على الأصل المذكور ابدا حسبما عرفت تفصيل القول فيه.
فتلخص مما ذكرنا أن الأصل الأولى في المقام هو ما يستفاد من كلام جمع من الاعلام من البناء على عدم القابلية حتى يعلم بها وعدم جواز التمسك بالعمومات الواردة في باب الوكالة للشك في موضوعها ومن هنا يعرف النظر فيما ذكره جماعة في باب الصلح من أنه إذا شك في كون شئ حكما أو حقا الأصل جواز صلحه للعمومات توضيح النظر ان الشك المذكور مستلزم للشك في موضوع الصلح لكون الحق مأخوذا في موضوعه كما لا يخفى فلا يعقل احرازه بالعمومات الدالة على صحة الصلح حسب ما عرفت من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية الا ان يقال إن قوله عليه السلام ان الصلح جايز بين المسلمين ناظر إلى اثبات جريان الصلح في كل شئ غاية الأمر انه خرج منه ما علم بكونه حكما فالأصل بقائه على عمومه في مشكوك الحكم والحق هذا مثل ما ذكرنا في قوله أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم فيما شك في فرد من العلماء انه فاسق أو عادل لكن فيه نظر من وجوه تعلم بالتأمل في النبوي فتأمل هذا فقد تحقق مما ذكرنا في المقامات الثلاثة ان الحق ما ذهب إليه المعظم من عدم جواز حكومة المقلد هذا كله فيما إذا كان الترافع والتحاكم إلى المجتهد ممكنا.
واما إذا لم يمكن الترافع إليه فهل يجوز القضاء للمقلد أم لا وبعبارة أخرى ان الذي ذكرنا كله في حال الاختيار واما في حال الاضطرار فهل يحكم بجواز القضاء للمقلد أم لا يحكم بجوازه له كما في حالة - الاختيار ومرجع الكلام فيه إلى أن الاجتهاد هل هو شرط اختياري حتى يحكم باسقاطه في صورة الاضطرار كما في الطهارة الخبثية بالنسبة إلى الصلاة أو شرط مطلقا حتى يحكم باسقاط المشروط في حال الاضطرار وعدم امكان تحصيل الشرط كما في الطهارة الحدثية بالنسبة إليها حسبما عليه المشهور بل المدعى عليه الاجماع من عدم وجوب الصلاة على فاقد الطهورين ظاهر جماعة منهم ثاني الشهيدين في مسالك الأفهام عدم الفرق بين الحالتين وكون الاجتهاد شرطا مطلقا بل قد يستفاد من كلامه دعوى الاجماع على ذلك لكن التحقيق ان يقال إن ترافع المترافعين إما ان يكون في الشبهات الموضوعية كملكية الدار المعينة مثلا أو يكون في الشبهات الحكمية كثبوت حق الشفعة في الأكثر (لأكثر خ) من الشريكين مثلا وعلى كل من التقديرين إما يكون الرجوع في نصب المقلد إلى المجتهد ممكنا أو لا يمكن ذلك وفي حكم صورة عدم امكان النصب عدم وجود مجتهد أصلا.
فإن كان في الشبهات الموضوعية مع امكان نصب المجتهد للمقلد فالحق جواز حكمه بعد نصب المجتهد إياه ولا يجوز نصب الناس له في تلك الصورة للقضاء من دون ان يرجعوا في ذلك إلى المجتهد فلنا في المقام دعويان إحديهما جواز قضاء المقلد في تلك الصورة ثانيتهما عدم جواز نصب الناس له للقضاء اي عدم جواز رجوعهم إليه الا بعد نصب المجتهد له للقضاء بينهم.
لنا على أوليهما انه لولا ذلك للزم الالتزام بأمور (بأحد أمور خ) كلها باطلة بالأدلة الثلاثة بل الأربعة أحدها ان يقال بلزوم اتفاق الناس على منعهما عن المخاصمة فيلزم ابطال الحقوق وهو باطل ثانيها ان يقال بلزوم بقائهما على المخاصمة حتى يقبل أحدهما فيلزم اختلال النظام وهو باطل ثالثها ان يقال بلزوم الرجوع إلى الطاغوت وأهل الظلم وحكام العرف حتى يحكموا بينهم وهو أيضا باطل رابعها ان يقال بلزوم رفع الامر إلى الحاكم الشرعي البعيد المتعسر الوصول إليه للمترافعين فيلزم العسر الشديد والحرج الأكيد لعدم فصل الامر بذهابهما إليه أيضا
مخ ۱۶
بل يحتاج إلى ذهاب الشهود والجارح والمعدل والمعدل لهم وهكذا فيلزم الحرج بحد يقرب حكم العقل مضافا إلى حكم - الشرع بنفيه وهذه الأمور كلها باطلة فتعين ما ذكرنا والحاصل انه كما أن من الواجب في الحكمة الإلهية والمصلحة الربانية تبليغ النبي ونصب الوصي لارشادهما الناس إلى الحق وحكمهما بينهم بالقسط والحق لئلا يلزم اختلال نظامهم وسد باب معاشهم وإذا غاب الولي نصب المجتهد للقضاء للعلة المذكورة كذا يجب عليه بحكم العقل من جهة هذه العلة ان يوجب على المقلد القضاء بين الناس في صورة عدم امكان رفع الامر إلى المجتهد أو عسره بحيث لا يتحمل عادة وان يوجب على الناس الترافع إليه والالتزام بالزامه لئلا يلزم اختلال نظامهم فينتفي الغرض من الخلقة فالعقل الحاكم بوجوب قضاء المجتهد في حالة الامكان والاختيار من حيث توقف النظام عليه يحكم بوجوبه على المقلد في حالة الاضطرار بملاحظة العلة المذكورة وهذا مما لا اشكال فيه بعد ملاحظة حكم العقل بمطلوبية بقاء النظام في كل زمان وتوقفه على قضاء المقلد.
لنا على الثانية انها القدر المتيقن فلا يستقل العقل باستقلال المقلد للقضاء بعد احتماله تعيين نصب المجتهد ومدخليته وامكانه لأنه المفروض وبعبارة أخرى ان حكم العقل بجواز قضاء المقلد في الصورة المفروضة وجواز رجوع الناس إليه انما كان بملاحظة توقف النظام عليه والمفروض انه لا يختلف الامر في ذلك بين ان ينصبه - المجتهد لذلك أو يقضي من قبل نفسه لحصول الغرض وهو حفظ النظام بكل منهما فبعد احتمال مدخلية نصب المجتهد لا يحكم العقل بجواز قضائه من دون النصب مضافا إلى احتمال كونه من الحوادث الواقعة إلى أمر الامام عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه بوجوب الرجوع فيها إلى المجتهد فافهم هذا كله فيما إذا أمكن الرجوع إلى المجتهد في نصب المقلد واما إذا لم يمكن الرجوع إليه في نصبه إما لفقده أو لعدم امكان الوصول إليه فيجب على الناس الترافع إلى المقلد والالتزام بحكمه لما ذكرناه من لزوم اختلال النظام لولاه هذا كله في الشبهات الموضوعية.
إما في الشبهات الحكمية فالحق عدم جواز القضاء للمقلد في كلتا الصورتين وعدم وجوب رجوع الناس إليه لعدم لزوم أحد المحاذير السابقة لولاه إما في صورة تمكن الوصول إلى المجتهد ولو بعد مدة مديدة فظاهر لأنه يجب على الناس حينئذ منع المدعى عن الادعاء والخصومة إلى أوان امكان رفع الامر إلى المجتهد ولو بان يكتبوا إليه صورة الواقعة فيبين لهم حكمه ويلزم على الناس إلزام المتخاصمين به لو لم يلتزموا به من قبل أنفسهم ولا يلزم من ذلك عسر ولا حرج كما كان يلزم في الشبهات الموضوعية للاكتفاء في رفع المخاصمة هنا ببيان الحكم وهو يحصل بالمكاتبة والمراسلة وبذهاب المدعي إلى المجتهد وحده كما لا يخفى وهذا بخلاف الشبهات الموضوعية لأنك قد عرفت لزوم الحرج فيه غايته ولا يلزم أيضا ابطال الحقوق في زمان التلبث (التربص خ) والانتظار لعدم العلم بثبوت الحق للمدعي ولو اجمالا في الوقايع. والحاصل انه لا يلزم من منعهما عن المرافعة ابطال حق في البين لان منعهما عن المرافعة مع حكم المجتهد بثبوت الحق للمدعي أو بعدمه كلها سواء من حيث ابطال الحق وعدمه لعدم كشف نفس الامر للمجتهد أيضا.
واما في صورة عدم امكان الوصول إلى المجتهد إما لتعسره أو لتعذره مع وجود المجتهد أو من جهة عدم وجوده فيلزم على الناس منعهما عن المخاصمة والزامهما بما ذكرنا في باب التقليد في صورة عدم وجود المجتهد الحي من الرجوع إلى الشهرة إن كانت أو إلى اعلم الأموات إن كان والى الأورع منهم ان تساووا في العلم والى التخيير ان تساووا في الورع أيضا فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
وينبغي التنبيه على أمور الأول ان ما ذكرنا من جواز القضاء للمقلد بنصب المجتهد في ما يلزم العسر
مخ ۱۷
والحرج من الرجوع إليه هل المدار فيه على العسر الأغلبي بمعنى انه يكتفى بلزوم العسر غالبا في الحكم بجواز الرجوع إلى المقلد ولو في مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد فيه عسر حسبما هو ظاهر قضية كلماتهم في غير المقام من - الموارد التي يحكمون فيها بنفي الحكم بملاحظة الحرج والعسر أو العسر الشخصي بمعنى ان في كل مورد شخصي يلزم من الرجوع فيه إلى المجتهد عسر يرجع إلى المقلد المنصوب وفي كل مورد لم يلزم من الرجوع إلى المجتهد فيه عسر ولو لزم في أغلب الموارد لم يرجع إلى المقلد وجهان أوجههما الثاني نظرا إلى ما ذكرنا غير مرة من أن أدلة نفي العسر والحرج لا تنفي الا العسر والحرج الشخصيين الا ان يدعى ان في تشخيص ما يلزم منه العسر عن غيره أيضا عسرا منفيا بأدلة نفي الحرج فيلزم الحكم باطراد جواز الرجوع إلى المقلد وعليه لا ضير في التزام هذا المعنى الا ان الشأن في ثبوته فتأمل الثاني انه هل يجب مراعاة سائر شرايط القاضي في المقلد فيما يجوز الرجوع إليه من تقديم الأفضل والأورع فيما كان متعدد أو غيرهما أم لا وجهان من عدم الدليل على اعتبارها الا في المجتهد ومن كونها القدر المتيقن فيتعين بحكم العقل أوجههما ثانيهما الثالث ان ما ذكرنا من جواز الحكم للمقلد في بعض صور الاضطرار ووجوب الالتزام بالزامه انما هو بالنسبة إلى بعض آثار الحكم وهو وجوب الإطاعة وحرمة المخالفة لحكمه ما داموا ملتزمين به واما حرمة تقضه فيما حصل التمكن من الرجوع إلى المجتهد المطلق وتجديد - المرافعة إليه فليس عليها دليل أصلا الا ما قد يتخيل من استصحاب الحرمة الثانية في صورة عدم الامكان وفيه ما لا يخفى من الفساد من وجوه تظهر بالتأمل بل قد يقال بوجوب النقض وبطلان حكم المقلد بمجرد وجود المجتهد وان تراضى الخصمان ببقائه نظير انتقاض التيمم بوجدان الماء ولكن فيه نظر يظهر وجهه بتأمل فتأمل ثم إنه يمكن بملاحظة ما ذكرنا في هذا الامر توجيه الاجماع الظاهر من بعض على عدم الفرق في عدم جواز القضاء للمقلد بين حالة الاختيار والاضطرار وكون التفصيل بينهما من العامة بحمله على القضاء المصطلح اي الذي لا يجوز نقضه ابدا فافهم.
فان قلت إن ما ذكرت في عدم جواز نقض حكم المجتهد من كونه مقتضى القاعدة بعد تحقق القضاء والحكم لان الوصل بعد تحقق الفصل محال يأتي بعينه في قضاء المقلد أيضا فلا وجه للتفرقة بينهما في - الحكم المذكور.
قلت ما ذكرنا من أن الوصل بعد الفصل محال انما كان بملاحظة ما ورد من الاخبار المتضمنة للفظ القضاء والحكم كقوله عليه السلام فاني قد جعلته قاضيا كما في بعض الروايات أو حاكما كما في بعضها الأخر واما حكم المقلد في الصورة المفروضة فليس الا من جهة حكم العقل لئلا يلزم اختلال نظام العالم وأساس عيش بني آدم ومعلوم ان هذا لا يقتضي الا وجوب إطاعة حكمه ما لم يحصل التمكن من الترافع إلى المجتهد وليس هنا لفظ حتى يقال إن مقتضى ظاهره الفراق والفصل فلا يمكن الوصل بعد تحققه حسبما ذكرنا في قضاء المجتهد وهذا نظير ما ذكروا في باب التيمم من أنه لمحض الدخول في المشروط بالطهارة واما رفع الحدث به فلا فلهذا ينتقض بوجود الماء بخلاف ما لو قيل بكونه رافعا للحدث كالوضوء فإنه لا يعقل حينئذ انتقاضه بوجدان الماء فافهم الرابع انه هل يجب على المقلد المنصوب من قبل المجتهد فيما قلنا بجوازه الحكم على طبق تقليد هذا المجتهد الناصب أم يجوز له تقليد غيره في ذلك وبعبارة أخرى ان الرجوع إلى المجتهد في نصب المقلد فيما قلنا بجوازه انما هو في أصل النصب وإن كان المنصوب مقلدا لغيره أو في النصب لان يحكم على مقتضى تقليده وجهان أوجههما عدم جواز حكمه الا بتقليد هذا المجتهد الناصب ووجهه بعد التأمل ظاهر الخامس انه بعدما قلنا بوجوب القضاء على
مخ ۱۸
المقلد ووجوب إلزام الناس بتقليده (بتنفيذه خ) فيما لم يتمكن من الرجوع إلى المجتهد حتى في مسألة النصب فهل يتعين على المقلد القضاء حسبما قلده عن مجتهده من احكام القضاء أو يرجع في ذلك إلى اخذ الاجماع المنقول والشهرة إن أمكن تحصيلهما والا فإلى فتوى الأعلم من الأموات إلى غير ذلك من الامارات المتفاوتة بحسب القرب إلى الواقع وجهان أوجههما الأول نظرا إلى عدم تكليف المقلد بتحري الواقع بعد التمكن من اخذ الاحكام بالتقليد كما قرر في محله.
قوله ولا بد ان يكون عالما بجميع ما وليه الخ اي مجتهدا مطلقا على ما في مسالك فلا يكفي اجتهاده في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزي الاجتهاد أقول تحقيق القول في المقام وإن كان موكولا إلى علم الأصول وقد ذكرنا أيضا في سالف الزمان شطرا من الكلام في احكام المتجزي في ذلك العلم الا ان بالحري ها هنا ان نذكر جملة مما يتعلق من الكلام بحكمه فنقول بعون الملك الودود ان المشهور بين أصحابنا عدم جواز القضاء للمتجزي ويظهر من بعض أفاضل المتأخرين وشيخنا طيب الله رمسه في شرحه على الكتاب جواز قضائه فيما اجتهد فيه من الاحكام وليعلم أولا ان الكلام في المسألة كساير مسائل الاجتهاد والتقليد انما هو بالنظر إلى حكم المتجزي في نفس الامر بالنظر إلى نظر المجتهدين لان يفتوا بالمتجزئ بما فهموه بعد رجوعه إليهم في سؤال تلك المسألة واما حكم المتجزي في عمل نفسه فهو تابع لاعتقاده فان علم بجواز قضائه فيما اجتهد فهو والا فعقله مستقل بعدم الجواز حتى يرجع إلى المجتهد فالبحث في المقام انما هو عن حكمه الواقعي في نظر المجتهد.
فتفصيل القول في المقام ان المتجزي لا يخلو إما ان يكون عالما بما اجتهد فيه من الاحكام علما جزميا لا يحتمل خلافه أو ظانا به من الطرق المتعارفة الموجبة للظن للمجتهد وعلى التقدير الأول فاما ان يكون اعتقاد المحكوم عليه موافقا لاعتقاد المتجزي أو مخالفا فهذه ثلاث صور قد عرفت فيما ذكر في مسألة قضاء المقلد خروج صورة توافقهما في الاعتقاد عن محل البحث لكون داخلا حينئذ في عنوان الأمر بالمعروف الذي قد دل العقل والنقل على حسنه لكل من يتأتى عنه فما استدل به بعض مشايخنا لجواز قضاء المتجزي من أدلة الأمر بالمعروف فمما لا دخل له بالمقام فبعدما عرفت من خروج هذا الفرض عن محل البحث فاعلم أن الحق في كلا المقامين ما ذهب إليه المشهور. لنا على ما صرنا إليه من عدم الجواز فيهما مضافا إلى الأصل بتقريره المتقدم في قضاء المقلد الأخبار المتقدمة الدالة بظاهرها على اعتبار معرفة جملة من الاحكام معتد بها في القاضي مثل مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها فتدل على عدم الجواز للمتجزي.
وللخصم مضافا إلى الآيات والأخبار الدالة على وجوب الحكم بالحق والقسط المتقدم إلى شطر منها الإشارة وجهان أحدهما قوله (عليه السلام) في رواية أبي خديجة انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فاني قد جعلته قاضيا وجه الاستدلال ان الرواية باطلاقها شاملة للمتجزي أيضا فإنه يعلم أيضا شيئا من قضاياهم ثانيهما نصب الأئمة (عليهم السلام) للقضاة في زمان حضورهم مع حصول العلم الضروري لكل أحد بعدم كونهم جميعا مجتهدين مطلقا بل عدم كون كلهم مجتهدين في بعض الأحكام فضلا عن حصول الملكة لهم في جميع الأحكام.
وأنت خبير بما في هذه الوجوه من الضعف والفساد إما الأول فلما قد عرفت في قضاء المقلد من عدم دلالته على جواز القضاء وكونه أجنبيا عنه لكون مساقه مساق أدلة الأمر بالمعروف فراجع واما الثاني فالجواب عنه من وجوه أحدها المنع من كون المراد من الشئ هنا هو النكرة الصادقة في حق المتجزي أيضا بل المراد
مخ ۱۹
منه بملاحظة كونه في مقام النصب هو الجنس المتحقق في ضمن الكثير سيما بملاحظة كون اطلاقه وارد البيان حكم آخر وهو الرد على من يرجع إلى الطاغوت لأنه أيضا مما يوجب الوهن في الاطلاق المذكور ثانيها تسليم كون المراد من الشئ مطلقا يشمل المتجزي أيضا لكنا نقول إنها مقيدة بملاحظة المقبولة وغيرها الظاهرتين في المجتهد المطلق ولا يخفى ان ظهورهما في معرفة جميع الأحكام أقوى من ظهور الرواية في الاكتفاء بمطلق المعرفة سلمنا التسوية في الظهور بينهما لكنهما أصح سندا منهما بملاحظة عمل الأكثر ثالثها تسليم كون المراد منه ما يشمل المتجزي أيضا وكونها أقوى دلالة من الروايات المعارضة لها لكنا نقول إنه لا يتم ذلك في صورة ظن المتجزي بالواقعة كما هو الأغلب لعدم صدق العلم عليه.
فان قلت إنه بعدما قام الدليل على اعتبار ظن المتجزي فيصير علما كالظن الحاصل للمجتهد المطلق بعد بذل جهده في الأدلة.
قلت أولا لا دليل على اعتبار ظنه حسبما حققناه في الأصول لان اعتبار ظنه في حقه يتوقف على اثبات حجية الظن بعدم المعارض في حقه والمفروض ان الديل على اعتبار الظن بعدم المعارض من الاجماع ولزوم تعطيل الاحكام لولاه منحصر في حق المجتهد المطلق فيكون ظن المتجزي داخلا في عموم حرمة العمل بالظن الا ان يفرض قطعه بعدم المعارض وعليه لا ورود لهذا الجواب فلا بد من الرجوع إلى الأجوبة الأخر وثانيا سلمنا الدليل على اعتبار الظن في حقه لكن قولك بعد قيام الدليل على اعتباره يصير علما ان أريد منه العلم حقيقة فهو فاسد جدا ودعواه مكابرة ظاهرة لان قيام الدليل على اعتبار الظن لا يخرجه عن حقيقته وان أريد منه العلم مجازا بعلاقة وجوب العمل كما قد يستفاد من كلام بعض الأواخر فقد عرفت فساد هذا الكلام لعدم ثبوت استعمال العلم في خصوص الظن بعلاقة وجوب واما الثالث فالجواب عنه بعد تسليمه بثبوت الفرق الظاهر بين المتفاوتين في العلم في زماننا هذا وأشباهه وزمان الحضور حيث إن العالم ببعض الاحكام في تلك الأزمنة لا يتفاوت مع العالم بجملة من الاحكام بالنسبة إلى هذا البعض غاية الأمر اطلاع الأخر ببعض ما لم يطلع عليه هذا العالم بالبعض و إما بالنسبة إلى ما علمه فلا فرق بينهما من جهة الاستنباط أصلا قوة وضعفا والحاصل ان خطب الامر في الاجتهاد في تلك الأزمنة وصعوبته في زماننا هذا قد حملنا على الفرق بين الزمانين في المعنى المزبور فتأمل حتى لا يختلط عليك الامر.
قوله فلو عدل إلى قضاة الجور والحال هذه كان مخطأ الخ أقول حرمة الترافع إلى حكام الجور والطاغوت مما لا اشكال فيها في الجملة والأدلة الثلاثة بل الأربعة تدل على حرمته كما لا يخفى على من له أدنى خبرة و بصيرة بل لا يبعد الحكم بكونه كبيرة موبقة كما صرح به بعض الأجلة لقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقوله تبارك وتعالى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به الآية بناء على أن يكون التعجب من الجمع بين زعم الايمان وإرادة التحاكم إلى الطاغوت فيكون أشد من توعيد النار فيدخل في الكبيرة بناء على تفسيرها بأنها مما توعد الله عز وجل عليها النار أو ما يكون بحكم العقل والنقل أشد منها ولكن في الآية احتمال اخر وهو ان يكون التعجب من إرادة التحاكم إلى الطاغوت مع أمر الله عزو وجل بان يكفروا به فتدل على التعجب من إرادة عصيانهم فعليه لا يدل على المقصود لا ان الاحتمال الأول أظهر انما الاشكال في المقام في أمرين أحدهما ان هذا الحكم هل هو ثابت مطلقا حتى فيما لا يتمكن
مخ ۲۰
من التحاكم إلى أهل الحق واخذ الحق بحكمهم أو انه في مقام الاختيار والتمكن من الرجوع إلى أهل الحق واما إذا توقف اخذ الحق بالتحاكم إليهم فلا بأس به كما يجوز الاستعانة بهم على تحصيل الحق المتوقف على ذلك في سائر الموارد وجهان أوجههما كما هو المعروف المشهور بينهم الثاني لقاعدة نفي الضرر والضرار في الشريعة وهي حاكمة على جميع ما دل من الأصول والأدلة على عدم الجواز عموما أو اطلاقا مضافا إلى استظهار القيد (التقييد خ) المذكور من جملة من النصوص مثل قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى الا ان يرافعه إلى هؤلاء كان منزلة الذين قال الله عز وجل ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به الخبر ومثل خبر علي بن محمد قال سئلته هل نأخذ في احكام المخالفين ما يأخذون منا في احكامهم فكتب يجوز لكم ذلك انشاء الله إذا كان مذهبكم (هذا منكم خ) فيه التقية منهم والمداراة لهم بناء على ما في الوافي من أن المراد هل يجوز لنا ان نأخذ حقوقنا منهم بحكم قضاتهم يعني إذا اضطروا إليه كما إذا قدمه الخصم إليهم ومثل خبر ابن فضال قال قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) وقرأه بخطه سئلته ما تفسير قوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام فكتب بخطه (عليه السلام) الحكام القضاة قال ثم كتب (عليه السلام) تحته هو ان يعلم الرجل انه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في اخذ ذلك الذي حكم به إذا كان قد علم أنه ظالم هذا.
وقد استشكل في الكفاية في ذلك بل مال إلى الحكم بالحرمة مطلقا نظرا إلى ما دل على حرمة المعاونة على الاثم حيث قال بعد نقل كلام الشهيد في مسالك الأفهام الموافق لما ذكرنا ما هذا لفظه وفيه اشكال لان حكم الجاير بينهما فعل محرم والترافع إليه يقتضي ذلك فيكون إعانة على الاثم وهي منهي عنها انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه - وفيه أولا المنع عن كونه إعانة بعد كون القصد هو تحصيل الحق كما لا يخفى وثانيا نسلم كونه إعانة لكن نمنع من حرمته لما قد عرفت من قيام الدليل على جواز التحاكم إليهم في تلك الصورة فما دل على حرمة الإعانة على المحرم ليس بأقوى مما دل على حرمة التحاكم إلى الطاغوت من الآيات والاخبار بل هو أقوى منه فإذا رفعنا اليد عن تلك الأدلة من جهة حكومة قاعدة لا ضرر فالأدلة الدالة على حرمة المعاونة على الاثم أولي برفع اليد عنها كما لا يخفى.
ثم إن لبعض السادة الفحول هنا كلما لا يخلو ايراده عن فائدة وهو أنه قال بعد نقله الاستشكال المتقدم من الكفاية ورده ببعض ما سمعته وانما جعلت أدلة نفي الحرج مخصصة للأدلة المانعة بنوعيها مع كون التعارض بينهما تعارض العموم من وجه فيحتمل العكس لأوفقيتها بأصالة البراءة التي هي حجة مستقلة لو فرض تساقط الأدلة بعد تعارضها من كل جهة انتهى كلامه طاب ثراه وفي كلامه انظار يقف عليها المتأمل فيما ذكرنا سابقا إما أولا فلانه لا معنى لملاحظة التعارض بين قاعدة نفي الضرر والعمومات المثبتة للتكليف بعد كونها حاكمة عليها ومبينة لهما حسبما عرفته واما ثانيا فلانه لا معنى للترجيح المذكور في كلامه بعد فرض كون النسبة العموم من وجه من وجهين أحدهما عدم قابلية أصالة البراءة لترجيح بعض الأدلة على بعض حسبما فصلنا القول فيه في باب التراجيح بل الحق كونها مرجعا بعد التساوي والتساقط ثانيهما تسليم ذلك لكن لا دليل على الترجيح المذكور في العامين من وجه واما ثالثا فللمنع من كون الأصل هي البراءة مطلقا بل انما هو فيما إذا رضي المنكر بالرجوع إلى حكام الجور مضافا إلى أنه لو سلم كون الأصل بالنظر إلى الحكم التكليفي هي البراءة مطلقا لكنه لا
مخ ۲۱