قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين .
إن حبل الكذب قصير، وإن طال، والطمع ما نفع يوما. فلا تقل: «من كان يظن أن مصر تتلقى هذه الضربات؟» أنسيت يا صاحبي، أن مصر تلقت ضربات التوراة السبع وظلت مصر؟ والذي أوجد فيها هذه الفتوة العنيدة هو واحد، والأمة يرفعها واحد ويحطمها واحد، فلا حرمنا من واحد، ولو في كل قرن.
كثيرا ما يسمى هذا الواحد خياليا حين يطلع، ولكن الشعلة الإلهية، بل العقل الخلاق، يتقد فيه فيخلق مدنية جديدة، أو يرفع شعبا إلى المستوى الأعلى.
أما الذي يهمل عقله ويمشي على الهينة، فهذا لا يصل؛ لأن لا غاية له ولا هدف. فكلما توارى بطل نقول: هل يقوم مثله بعد؟
نعم يا سيدي. لا بد من أن يقوم، فالطبيعة الخصبة لا تهمل نفسها، ولا تريد أن تفنى. وما نحن، في قبضتها الجبارة، إلا سهام ترمي بنا الأهداف، فنصيب؛ لأنه لا بد من البقاء.
دلني مكتوبك على أنك أديب مطالع، فهل تذكر «الجرثومة» التي ذكرها أبو تمام في بائيته المشهورة؟ ففي هذه الجرثومة - يا عزيزي - تكمن الشرارة في الأمم العريقة، وقد استيقظت في مصر بشخص عبد الناصر. فاعجب لجندي فاق دهاؤه دهاء الإنكليز، وطغت حماسة شعبه على حماسة الفرنسيين.
فمن لنا بمتنبي جديد يمجد أعمال هذا البطل، ويمحو ما قال المتنبي الخالد في هجو مصر؛ فقد كتبت صفحة جديدة في تاريخ العالم، وكان قلمها سيف عبد الناصر.
ليت المتنبي يقوم من قبره فيرى أن مصر ليست نائمة عن ثعالبها، وناطور مصر الأكبر لم يدعها تعود إلى كرومها ثانية.
فأين شعراؤنا الذين يقولون الشعر كلما لاح لهم وجه جميل؟! ألا يعجبهم وجه البطولة التي أطلت من نوافذ كل وجه مصري؟! لقد حان لنا أن نسمع شعر شاعر. فأين فلان وفلان وفلان؟ ترى ألا يعجبنا الموضوع؟! أنظل حائمين على الخدود والسيقان نشتم بإلحاح العطور المصطنعة؟! إن الموضوع أجل مما نتصور، وهذا الحصار لا يقل عن حصار طروادة شأنا.
لا تخافوا يا أصحابي. فالموضوع يحرك الجماد، فشرعوا أقلامكم، وتذكروا شاعرا قال أحسن قصائده في مثل هذا الموضوع. إنه ابن هاني، الذي سموه متنبي الغرب، وكلكم تذكرون مطلع تلك القصيدة الرائعة:
ناپیژندل شوی مخ