إن رائحة النفط التي تملأ خياشيم الكون، قد كانت بخورهم في هيكل البيت الأبيض.
أتظن ابن الرومي قد تحدث عن الإمبراطورية العباسية حين قال:
ولي وطن آليت ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر مالكا
إنه يتحدث عن بيته الذي اغتصبته امرأة، لا عن الوطن. لقد كبر الوطن مع الأيام، ولكن عقول الطائفيين لم تكبر ولن تكبر، وخصوصا الذين إذا مات «لبد» يقطع رزقهم ...
قال لي صاحب كان - رحمه الله - شاعرا كبيرا: تطلب مني أن أتنكر للطائفية وأنا ربيبها! أما على أكتافها صعدت حتى بلغت كرسي العالي؟ ربما كان شغل هذا المنصب غيري لولاها.
أرأيت إذن يا بديع، أن الطائفية مطية من لا مركوب له؟ ويؤلمني أن تظل الوظائف عندنا تعطى كما كانت تعطى الجرايات في أيام الحرب الأولى. إن كلمة «يا غيرة الدين» يجب أن تفطس وتحل محلها كلمة «يا غيرة الوطن». وإذا لم تصف النيات فليس لهذه البقعة حياة.
أخبرني أحد أنسبائي العتاق، وهو من رواد المهاجرين، كيف هفا قلبه حين سمع واحدا يتكلم العربية عند وصوله إلى البرازيل، فارتمى عليه يقلبه ذات اليمين وذات الشمال، ويقبله ويهتف: حبيبي! عيوني! وهو لا حبيبه ولا عيونه ولكنه يتكلم لغته. لم يسأله عن دينه ولا عن طائفته، فكل ما عناه، تلك الكلمات التي نطق بها. عرف الغريب أن له مواطنا ينصره في الشدائد، ويركن إليه إذا خطب عرا.
أنشقى على الأرض وندفع الضرائب لمن يزعم أنه يرشدنا إلى السماء؟ فلنسعد الآن، وحدنا ستين جهنم. ولكن لن يكون لنا من جهنم نصيب إذا تحاببنا، فالمحبة تغفر جميع الذنوب مهما كبرت وعظمت وكثرت.
لقد أطلت معك الكلام، فاعذرني لأن هذا الموضوع يملأ تلافيف دماغي كلها، ولا أدري إذا كنت أعيش حتى أرى اسم الطائفية محذوفا من تذاكر هويتنا.
ناپیژندل شوی مخ