المطلب الخامس وفاته وتاريخها ومكانها
لما اضطربت أمور الدولة المرابطية بالأندلس، وهي الدولة التي كان القاضي يتمتع فيها بكامل الاحترام، خاف القاضي، إن لم يقم بتأييد الحكم الموحدي الجديد، أن يؤذَى فعبر البحر إلى المغرب على رأس وفد كبير من علماء أشبيلية وأعيانها، وقدَّم الوفد الولاء للخليفة عبد المؤمن بن علي بمراكش عقب افتتاحها من قبل الموحدين.
يقول الأستاذ عبد الله عنان: وحدث خلال وجود عبد المؤمن بمراكش أن قدم عليه من الأندلس وفد أشبيلية، وعلى رأسه القاضي أبو بكر بن العربي بعد مقتل ولده عبد الله في حوادث أشبيلية، والخطيب أبو عمر بن الحجاج، وأبو بكر بن الجد الكاتب، وأبو الحسن الزهري، وأبو الحسن بن صاحب الصلاة وغيرهم من زعماء أشبيلية ووجوهها. فاستقبلهم عبد المؤمن وألقى القاضي أبو بكر، وبعض زملائه، بين يديه خطبًا بليغة ورفعوا إليه بيعة أهل أشبيلية مكتوبة بخطوطهم، فاستحسن عبد المؤمن موقفهم وقبل طاعتهم وأغدق عليهم الجوائز والصلات .. وكان لهذا الوفد أثره فيما بعد من إيثار الموحدين لأشبيلية واتخاذها حاضرة الأندلس في عهدهم. [عصر المرابطين والموحدين بالأندلس ١/ ٢٦٧].
وما أن انتهت مهمة الوفد وقفل راجعًا إلى وطنه، حتى أدركت القاضي الوفاة سنة (٥٤٣ هـ)، كما يقول ابن بشكوال في الصلة ص ٥٩١، والمقري في نفح الطيب ٢/ ٢٨، والضبي في البغية ٨٨، وابن فرحون في الديباج ٢/ ٢٥٦.
كلهم يقولون: توفي، ﵀، قرب مدينة فاس منصرفه من مراكش. ويحكي ابن فرحون الخلاف في مكان دفنه فيقول: حُمِل ميتًا إلى مدينة فاس ودفن بها بباب الجيسة والصحيح خارج باب المحروق من فاس [الديباج ٢/ ٥٦].
قلت: وما رجَّحه ابن فرحون هو الذي رجَّحه المقري في نفح الطيب ٢/ ٣٠.
فقال: وقد حبسوا بمراكش نحو عام ثم سرحوا فأدركته منيته.
ووقع في عبارة ابن الزبير تبعًا لجماعة أنه دُفن خارج باب الجيسة بفاس والصواب خارج باب المحروق .. وينقل الحجوي، عن ابن خلدون، أن وفاته كانت سنة ٥٤٢ هـ، وذلك بعد ما قتل ولده عبد الله في هيئة دخول الموحدين إلى أشبيلية من غير قصد، فضاعف الله له الأجر، وقال الأول أصح أي أنه سنة ٥٤٢ هـ. وقال عن سبب الوفاة قيل: إنه مات مسمومًا، ولا يبعد ذلك إذا صح أنه بني سور مدينته من ماله لأن استبداد الملوك يأبى ذلك ويورث المغيرة. [الفكر السامي ٢/ ٢٢٣].
1 / 28