Psychological Guidance and Counseling
التوجيه والإرشاد النفسي
خپرندوی
عالم الكتب
د ایډیشن شمېره
الثالثة
ژانرونه
مقدمات
تقديم الطبعة الأولى
...
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾
تقديم الطبعة الأولى:
عزيزي القارئ: المهتم بميدان "التوجيه والإرشاد النفسي" أقدم إليك هذا الكتاب راجيا الله ﷾ التوفيق.
ومن الطريف أن فكرة تأليف هذا الكتاب نشأت في لندن سنة ١٩٦٦ حين كان المؤلف مبعوثا ويوم أن حصل على درجة الدكتوراه في الإرشاد النفسي، للاستفادة بما قرأ وبما أجرى من بحوث ودراسات، وعاد المؤلف إلى القاهرة، وشاء الله أن ينشغل بالتدريس في قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس، والإرشاد النفسي بالعيادة النفسية التابعة له. وفي هذه الأثناء تم العمل الذي كان قد بدأ من قبل في سنة ١٩٦٢ وهو تأليف "قاموس علم النفس" من ثم جاء دور كتاب "علم نفس النمو" ثم كتاب "علم النفس الاجتماعي" ثم كتاب "الصحة النفسية والعلاج النفسي"، هذا بالإضافة إلى عدد آخر من الدراسات والبحوث وفي عملية الإرشاد النفسية والعلاج النفسي"، وهذا بالإضافة إلى عدد آخر من الدراسات والبحوث في عملية الإرشاد والعلاج النفسي، وفي مفهوم الذات، وفي الاتجاهات النفسية، وفي مشكلات الأطفال والشباب ... إلخ وأراد الله أن تظل أصول الكتاب في نمو مستمر حتى أعير المؤلف إلى كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، وفي هذا البلد الأمين تم هذا الكتاب بحمد الله.
أما عن موضوعات الكتاب فتسير في ترتيب تتصدره مقدمة تتناول مفهوم التوجيه والإرشاد النفسي، ومجالاته، والعلوم المتصلة به، والحاجة إليه، وأهدافه، ومناهجه وماضيه وحاضره ومستقبله كعلم وفن، يلي هذا أسس التوجيه والإرشاد النفسي، وتشمل الأسس العامة، والفلسفية، والنفسية، والتربوية والاجتماعية، والعصبية. ثم يتناول الكتاب نظريات التوجيه والإرشاد، وأهمها نظرية الذات، ونظرية المجال، والنظرية السلوكية، ونظرية السمات والعوامل. ثم يتناول المعلومات اللازمة لعملية الإرشاد النفسي الخاصة بالبيانات العامة عن العميل، ومشكلته، وشخصيته جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا، وينتقل الكتاب إلى وسائل جمع المعلومات في الإرشاد النفسي مثل الملاحظة، والمقابلة، ودراسة الحالة، وتاريخ الحياة، والسيرة الشخصية، والتقارير، ومؤتمر الحالة، والاختبارات
1 / 3
والمقاييس، والسجلات ... إلخ. ويصل الكتاب إلى أهم فصوله الذي يتناول عملية الإرشاد النفسي ابتداء من مقدمة الإرشاد النفسي، وتحديد الأهداف، وتجميع المعلومات والبيانات المرتبطة بالمشكلة والتشخيص وتحديد المشكلات، وتحديد المآل، وتهيئة الجو النفسي، والعلاقة الإرشادية، والتداعي الحر، والتفسير، والتنفيس الانفعالي، والاستبصار، والتعلم وإعادة التعلم، والنمو وتغير الشخصية، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات، وتعديل السلوك، والتقييم، والإنهاء، والمتابعة، وطوارئ عملية الإرشاد النفسي، مثل المقاومة والتحويل والإحالة، والمفاهيم العامة في عملية الإرشاد النفسي، ومشكلاتها، ومضاعفات الإرشاد غير الناجح، ومكان عملية الإرشاد. وينتقل الكتاب إلى طرق الإرشاد النفسي مثل الإرشاد الجماعي، والفردي، والمباشر، وغير المباشر، والمختصر، والإرشاد النفسي الديني، والإرشاد خلال العملية التربوية، والإرشاد في وقت الفراغ، والإرشاد العرضي، والإرشاد الخياري. يتناول الكتاب مجالات الإرشاد النفسي مثل الإرشاد العلاجي، والتربوي، والمهني، والزواجي، والأسري، وإرشاد الأطفال، والشباب، والكبار، والمعوقين، وأخيرا وليس آخرا، يتناول الكتاب برنامج التوجيه والإرشاد، "في المدرسة" من حيث مدى الحاجة إليه، والأسس التي يقوم عليها، والخدمات التي يتضمنها، وتخطيطه، وتمويله، وتنفيذه، وتقييمه، ومشكلاته، والمسئولون عن عملية التوجيه والإرشاد، مع مثال توضيحي لبرنامج التوجيه والإرشاد في المدرسة، وأخيرا تأتي خاتمة تتضمن التطبيقات العملية للإرشاد النفسي.
وهناك بعض الملاحظات يجدر الإشارة إليها، ومن هذه الملاحظات ما يلي:
- يتكون الكتاب من جزءين أساسيين: أحدهما نظري والآخر عملي، والجزء النظري عام يتضمن المفاهيم الأساسية في التوجيه النفسي، والجزء العملي خاص يتضمن الإجراءات التطبيقية في عملية الإرشاد النفسي.
- يقدم الكتاب أساسا إلى طالب التوجيه والإرشاد النفسي وإلى المرشد والمعالج النفسي، ويرجع ذلك إلى أن مؤلف الكتاب نفسه من أعضاء هيئة التدريس بقسم الصحة النفسية بكلية التربية وأنه يعمل كأخصائي في الإرشاد النفسي بالعيادة النفسية التابعة لكلية التربية.
- يعتبر الكتاب الحالي توأما لكتاب "الصحة النفسية والعلاج النفسي" للمؤلف، يعطيان معا صورة متكاملة للتوجيه والإرشاد والصحة النفسية والعلاج النفسي.
- يفترض المؤلف أن القارئ ملم بالمبادئ والأسس العامة في علم النفس.
1 / 4
- يتبنى الكتاب نظرة مستقبلية فيضع المؤلف في حسابه أن يكون الكتاب مشبعا بتوقعات المستقبل ويهدف إلى إعداد مرشد المستقبل، ذلك لأننا نعيش الآن في عصر أهم ما يميزه التغير الدائم والتقدم العلمي، والتكنولوجي السريع، ومن ثم فإن الأسس والنظريات والوسائل والطرق والمجالات الحالية للتوجيه والإرشاد النفسي يجب أن تؤخذ في إطار تطوري مع تبني التطوير والابتكار.
- يستخدم المؤلف مصطلحات محددة المعنى، من باب الاختصار، مثل:
- الإرشاد = الإرشاد النفسي بمعناه الشامل بجميع مجالاته.
- المرشد أو الأخصائي النفسي وغيرهم من أعضاء هيئة أو فريق الإرشاد والمسئولين عن عملية الإرشاد النفسي.
- العلاج = العلاج النفسي.
- المعالج = المعالج النفسي.
- المريض = الفرد الذي تقدم له خدمات العلاج النفسي.
- العميل = المسترشد الذي تقدم له خدمات الإرشاد.
وهذه بعض التوجيهات حول "كيف تستخدم هذا الكتاب":
- اقرأ مقدمة كل فصل، ثم استعرض العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية، والكلمات أو العبارات المميزة، فهي تمثل الفكرة الرئيسية لكل فقرة.
- اسأل نفسك باستمرار: ماذا أريد أن أعرف؟ وماذا يريد المؤلف أن يقول؟
- اقرأ قراءة جيدة فاهمة ناقدة، وسوف تلاحظ ذكر كثير من المراجع في مواضع كثيرة من الكتاب، وذلك من باب إعطاء كل ذي حق حقه. وللقارئ غير المتخصص أن يتجاوز عنها، وعلى القارئ المتخصص الاهتمام بها للتوسع والاستزادة. وقد أشير إلى المراجع بطريقة ذكر اسم المؤلف وسنة نشر المرجع بين علامتي تنصيص، ويرجع إلى قائمة المراجع في نهاية الكتاب، وهي مرتبة ترتيبا أبجديا.
- وجه اهتمامك إلى الأشكال والصور ووسائل الإيضاح الأخرى؛ وهي كثيرة في الكتاب، وأضف إليها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
- بلور في النهاية كل ما قرأت وكل ما وجدت وكل ما عرفت وحدد فائدته وتطبيقاته العملية.
1 / 5
- راجع الفصل كوحدة متكاملة، انظر مرة أخرى في العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية والأفكار الرئيسية في كل فقرة.
- لاحظ سلوك الناس فعلا في الحياة اليومية وفي مواقف الحياة الحقيقة.
- طبق كل ما تعلمته، واجعله واقعا ملموسا له معنى في الحياة العملية، وطبقه مع كل من تتعامل معهم.
- عدل وغير سلوكك الشخصي في ضوء ما تعلمت.
وهذه كلمات شكر أقدمها إلى والدي وأساتذتي اعترافا بفضلهم في تعليمي وتوجيهي وإرشادي، وإلى طلابي على ما تعلمته منهم بقدر ما علمتهم في مادة التوجيه والإرشاد النفسي، وإلى زوجتي الوفية التي دأبت على تشجيعي ومساعدتي.
والله أسأل أن أكون قد وفقت في تقديم خلاصة ما تعلمت وما علمت في التوجيه والإرشاد النفسي، وخلاصة خبراتي في هذا الميدان، وأرجو أن يكون في هذا الكتاب فائدة للقارئ واستثارة للباحث لمزيد من الاطلاع والبحث في التوجيه، والإرشاد النفسين وليدع كل منا الله قائلا: اللهم علمني ما ينفعني وانفعني بما علمتني وزدني علما.
مكة المكرمة في محرم ١٣٩٧هـ، يناير ١٩٧٧م.
والله الموفق.
الدكتور حامد زهران.
1 / 6
تقديم الطبعة الثانية:
عزيزي القارئ ...
منذ أن ظهرت الطبعة الأولى من كتاب التوجيه والإرشاد النفسي بدأت مراجعتها وتنقيحها وتطويرها حتى تظهر الطبعة الثانية في شكل أفضل.
ورجائي وأنت تقرأ هذا الكتاب أن تأخذ مما فيه وتنمي أفكارك أنت وأن تتوصل إلى التطبيقات العملية بنفسك وأن تنفذها في عملك.
وسوف تجد -إن شاء الله- عند قراءتك لهذا الكتاب أن التوجيه والإرشاد النفسي علم وفن.
القاهرة في ربيع الأول ١٤٠٠هـ، يناير ١٩٨٠م.
والله الموفق.
المؤلف.
1 / 7
تقديم الطبعة الثالثة:
"الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
وبعد.
يسعدني أن أقدم الطبعة الثالثة من كتاب "التوجيه والإرشاد النفسي" إلى أساتذتي وزملائي وطلابي، وإلى كل من قدمت لهم الطبعتين الأولى والثانية، من المهتمين بالتوجيه والإرشاد النفسي من الموجهين والمرشدين والمعالجين النفسيين، ومن الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، ومن الوالدين والمربين، ومن الشباب الراشدين. ومن مرشدي الصحة النفسية كجيل جديد في ميدان الإرشاد النفسي والصحة النفسية.
وأواصل التعبير عن شكري وتقديري إلى كل من لفت ويلفت نظري إلى ما يحتاج إلى شرح أو تبسيط أو إيضاح أو إضافة في الطبعات المتتالية من هذا الكتاب.
وفي هذه الطبعة، مزيد من المراجعة، وكثير من التنقيح، وعدد من التجديدات، والأشكال والإيضاحات، وبعض الإضافات مثل: إرشاد الصحة النفسية، والإرشاد بالقراءة، والإرشاد الذاتي، وغيرها.
ولقد سرني كثيرا أن هذه الطبعة تصدر بعد أن حقق الله لي حلما طالما لازم مسيرتي في ميدان الإرشاد والصحة النفسية، وهو إنشاء أول مركز للإرشاد النفسي، في كلية التربية جامعة عين شمس، هذا المركز الذي شرفت بالإسهام في إنشائه عام ١٩٩٠، وتلاه إنشاء مركزين آخرين للإرشاد النفسي بكلية التربية جامعة حلوان، وبكلية التربية جامعة المنصورة، وأرجو أن يكثر الله من هذه المراكز، كما أرجو الله ﷿ أن يحقق حلم حياتي وهو دخول خدمات الإرشاد النفسي في جميع مؤسساتنا التربوية الاجتماعية والإنتاجية في مصر.
وأشكر زوجتي العزيزة الأستاذة الدكتورة إجلال محمد سري، أستاذ الصحة النفسية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، على مراجعتها المستمرة ونقدها البناء لهذا الكتاب.
وأدعو الله ﷿ قائلا: اللهم علمني ما ينفعني، وانفعني بما علمتني، وزدني علما.
القاهرة في جمادى الآخرة ١٤١٩هـ، أكتوبر ١٩٩٨م.
والله الموفق.
المؤلف.
1 / 8
الفصل الأول: مقدمة
مفهوم التوجيه والإرشاد
...
مفهوم التوجيه والإرشاد GUIDANCE AND COUNSELLING:
تعريفات:
يحسن البدء بتحديد مفهوم ومعنى التوجيه والإرشاد النفسي. وهناك تعريفات كثيرة للتوجيه والإرشاد، كل من وجهة نظر معينة، وكل يركز على وجهة النظر التي يرتكز عليها، ولكنها جميعا تهدف إلى نفس الشيء، وتؤكد نفس المعنى، وهذه التعريفات تحدد وتصف الأنشطة التي يتضمنها الإطار العام للتوجيه والإرشاد النفسي.
ولقد استعرض المؤلف عددا من التعريفات "انظر آرثر جونز Jones؛ ١٩٧٠، تليلور Taylor؛ ١٩٧١، هولدين Holden؛ ١٩٧١، دانيل فولمر وهارولد بيرنارد Fullmer & Bernard؛ ١٩٧٢، فوان Vaughan؛ ١٩٧٥، ديف كابوزي ودوجلاس جروس Capuzzi & Gross؛١٩٩١". وفيما يلي عدد من هذه التعريفات بتصرف على سبيل المثال لا الحصر:
- وهو عملية إرشاد الفرد إلى الطرق المختلفة التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكاناته وقدراته، وتعليمه ما يمكنه أن يعيش في أسعد حال ممكن بالنسبة لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه.
- هو عملية مساعدة الفرد في فهم وتحليل استعداداته وقدراته وإمكاناته وميوله والفرص المتاحة أمامه ومشكلاته وحاجاته، واستخدام معرفته في إجراء الاختيارات واتخاذ القرارات لتحقيق التوافق بحيث يستطيع أن يعيش سعيدا.
- هو عملية مساعدة الفرد وتشجيعه على الاختيار والتقرير والتخطيط للمستقبل بدقة وحكمة ومسئولية في ضوء معرفة واقع المجتمع الذي يعيش فيه.
- هو عملية مساعدة الفرد في فهم حاضره وإعداده لمستقبله بهدف وضعه في مكانه المناسب له وللمجتمع ومساعدته في تحقيق التوافق الشخصي والتربوي والمهني لتحقيق حياة سعيدة.
- هو عملية مساعدة ليستخدم إمكاناته وقدراته استخداما سليما لتحقيق التوافق مع الحياة.
- هو عملية مساعدة الفرد على تنمية إمكاناته وقدرته من خلال حل مشكلاته.
- هو عملية مساعدة الفرد في تحديد أهداف ملائمة وخطط مناسبة لتحقيقها، وفي تنمية الدوافع لتحقيق حياة أفضل.
- هو عملية مساعدة الفرد في الاستعداد والإعداد لمستقبله وأن يأخذ مكانه المناسب في المجتمع الذي يعيش فيه.
1 / 11
- هو عملية مساعدة الفرد القادر على توجيه ذاته ببصيرة وذكاء وكفاية لتحقيق الصحة النفسية والتوافق في مجالات الحياة المختلفة.
- هو عملية تحقيق الذات حيث يكتشف الفرد نفسه واستعداداته وقدراته مما يؤدي إلى توافقه وسعادته وصحته النفسية.
- هو عملية تعلم وتعليم نفسي واجتماعي.
- هو محاولة واعية مقصودة لتوجيه الفرد ليفهم نفسه واستعداداته وقدراته وميوله، واستغلالها لتحقيق أهداف سليمة لتحقيق حياة ناجحة.
- هو برنامج منظم لمساعدة الفرد في أن ينمو إلى أقصى حد مستطاع وأن ينمي طاقاته، واستعداداته ومواهبه لأقصى درجة ممكنة بحيث يستطيع أن يأخذ مكانه كإنسان صالح في المجتمع.
- هو خدمة مخططة تهدف إلى تقديم المساعدة المتكاملة للفرد حتى يستطيع حل المشكلات الشخصية أو التربوية أو المهنية أوالصحية أو الأخلاقية التي يقابلها في حياته أو التوافق معها.
تعريف المؤلف:
توصل المؤلف "حامد زهران Zahran؛ ١٩٦٤، ١٩٦٦، ١٩٦٧" إلى التعريف الشامل التالي للتوجيه والإرشاد النفسي:
التوجيه والإرشاد النفسي عملية واعية مستمرة بناءة ومخططة، تهدف إلى مساعدة وتشجيع الفرد لكي يعرف نفسه ويفهم ذاته ويدرس شخصيته جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا، ويفهم خبراته، ويحدد مشكلاته وحاجاته، ويعرف الفرص المتاحة له، وأن يستخدم وينمي إمكاناته بذكاء وإلى أقصى حد مستطاع، وأن يحدد اختياراته ويتخذ قراراته ويحل مشكلاته في ضوء معرفته ورغبته بنفسه، بالإضافة إلى التعليم والتدريب الخاص الذي يحصل عليه عن طريق المرشدين والمربين والوالدين، في مراكز التوجيه والإرشاد وفي المدارس وفي الأسرة، لكي يصل إلى تحديد وتحقيق أهداف واضحة تكفل له تحقيق ذاته وتحقيق الصحة النفسية والسعادة مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع، والتوفيق شخصيا وتربويا ومهنيا وزواجيا وأسريا.
التوجيه والإرشاد النفسي عملية بناءة، تهدف إلى مساعدة الفرد لكي يفهم ذاته ويدرس
1 / 12
شخصيته ويعرف خبراته ويحدد مشكلاته وينمي إمكاناته، ويحل مشكلاته في ضوء معرفته، ورغبته وتعليمه وتدريبه لكي يصل إلى تحديد وتحقيق أهدافه وتحقيق الصحة النفسية والتوافق شخصيا وتربويا ومهنيا وزواجيا وأسريا.
هذا وقد تبنى هذا التعريف الذي قدمه المؤلف عدد من الكتاب في أوربا مثل تيلور Taylor؛ "١٩٧١"، وتوماس Thomas؛ "١٩٧٥".
مصطلحا التوجيه والإرشاد:
يعبر مصطلحا التوجيه والإرشاد عن معنى مشترك، فكل من التوجيه والإرشاد يتضمن، من حيث المعنى الحرفي، الترشيد والهداية التوعية والإصلاح وتقديم الخدمة والمساعدة، والتغير السلوكي إلى أفضل، وكل من التوجيه والإرشاد مترابطان، وهما وجهان لعملة واحدة، وكل يكمل الآخر.
وفي نفس الوقت توجد فروق بين مصطلح التوجيه ومصطلح الإرشاد، وفيما يلي أهم هذه الفروق "جدول١":
جدول "١" الفروق بين مصطلح التوجيه ومصطلح الإرشاد.
1 / 13
مفاهيم خاطئة عن التوجيه والإرشاد النفسي:
هناك بعض المفاهيم الخاطئة عن التوجيه والإرشاد النفسي تحدد ما ليس توجيها ولا إرشادا نفسيا "انظر نوردبيرج Nordberg؛ ١٩٧٠". وفيما يلي أهم هذه المفاهيم "جدول٢".
جدول "٢" مفاهيم خاطئة والمفاهيم الصحيحة عن التوجيه والإرشاد النفسي.
1 / 14
التوجيه والإرشاد النفسي والعلوم المتصلة به:
لا يوجد علم واحد مستقل تماما عن غيره من العلوم. إن كل العلوم يتصل بعضها ببعض أخذا وعطاء، ورغم هذا يبقى لكل منها كيانه المتميز.
والتوجيه والإرشاد النفسي واحد من العلوم الإنسانية يهدف إلى خدمة وسعادة الإنسان. وهذا هدف مشترك بين كل هذه العلوم وإن اتخذ كل منها أسلوبه المتخصص لتحقيق الإنسان. وهذا هدف مشترك بين كل هذه العلوم وإن اتخذ كل منها أسلوبه المتخصص لتحقيق هذا الهدف المشترك تحت اسم مختلف مثل الإرشاد النفسي والعلاج النفسي والخدمة الاجتماعية والتربية ... وغير ذلك من العلوم والتخصصات الفرعية التي تعددت مع نمو المدنية المتطورة والتقدم التكنولوجي السريع في عالمنا المعاصر.
ومن المعلوم أن الناس يذهبون لحل مشكلاتهم إلى أشخاص ذوي تخصصات عديدة، فمنهم من يذهب إلى المعالج النفسي، أو المرشد النفسي، أو الطبيب، أو المعلم أو الأخصائي الاجتماعي، أو المحامي، أو عالم الدين. ومعظم هؤلاء يستخدمون مصطلح التوجيه والإرشاد عندما يتحدثون عن الخدمات التي يقدمونها، وحتى بعض المرشدين المتخصصين كثيرا ما نجد أن تخصصهم الأصلي كان تربية أو علم نفس أو طبا أو دينا ... إلخ.
ومن الضروري تحديد الصلة والعلاقة بين التوجيه الإرشاد النفسي وبين بعض العلوم الإنسانية الأخرى التي يأخذ منها ويعطيها من حيث الأهداف المشتركة والأساليب المتداخلة، وفي نفس الوقت إظهار أهم الفروق الجوهرية بين التوجيه والإرشاد وبين هذه العلوم.
1 / 15
ويجب التمييز بين الإرشاد النفسي وبين خدمات العلوم الأخرى، وبمعنى آخر يجب التمييز بين "الإرشاد النفسي" Psychological Counselling وبين "الإرشاد غير النفسي" Nonpsychological Counselling. وفي نفس الوقت يجب التمييز بين "الإرشاد النفسي" وغيره من "الخدمات النفسية" الأخرى مثل "العلاج النفسي" و"الاستشارة النفسية" "إدوارد بوردين Bordin؛ ١٩٨٦".
ونظرا للاتصال الوثيق بين التوجيه والإرشاد النفسي من جهة وبين الصحة النفسية والعلاج النفسي وبين التربية والتعليم، وبين الاستشارة النفسية من جهة أخرى، فقد أفرد لكل منها مكان خاص "انظر شكل٢".
التوجيه والإرشاد النفسي وعلم النفس:
يدرس علم النفس بصفة عامة السلوك في سوائه وانحرافه، وهو أهم المواد التي يدرسها المرشد في إعداده مهنيا.
1 / 16
ويحتل التوجيه، والإرشاد مكانا كبيرا ومساحة عظيمة في علم النفس، يمثلها مجال "علم النفس الإرشادي" Counselling Psychology.
والتوجيه والإرشاد نفسه فرع من فروع علم النفس التطبيقي، يعتمد في وسائله وفي عملية الإرشاد على علم النفس.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس العلاجي في التعرف على الشخص الصحيح نفسيا والمريض نفسيا، وفي معرفة الدرجات المتقدمة أو المتطورة من الاضطراب النفسي مثل العصاب والذهان.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم نفس النمو في معرفة مطالب النمو ومعاييره التي يرجع إليها في تقييم نمو الفرد هل هو عادي أم غير عادي، متقدم أو متأخر. ويركز على نمو الذات وتحقيق الذات، ويشترك الإرشاد النفسي مع علم نفس النمو في الاهتمام برعاية النمو السوي في كافة مظاهره جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا في مراحل النمو المتتالية، ويؤكد الإرشاد النفسي أهمية مساعدة الفرد في تحقيق النضج النفسي، وهو هدف مشترك مع علم نفس النمو. كذلك فإن عملية الإرشاد عملية مستمرة من الحضانة حتى الشيخوخة.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس الاجتماعي الذي يدرس السلوك الاجتماعي كاستجابات لمثيرات اجتماعية، فالمرشد يتعامل مع الأفراد والجماعات في الإرشاد الفردي والإرشاد الجماعي، وفي الإرشاد الجماعي بصفة خاصة يستفيد المرشد من دراسة سيكلوجية الجماعة ودينامياتها وبنائها والعلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وكيف تتكون الجماعات الإرشادية وما هي معايير السلوك في الجماعة وكيف تتوزع الأدوار فيها ودوره القيادي لتحقيق التوافق الاجتماعي.
ويستقي الإرشاد النفسي من علم نفس الشواذ معلومات هامة عن السلوك الشاذ والغريب للشخص غير العادي.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس التربوي الذي يهتم بالتعليم واكتساب السلوك والعادات وإطفائها، وأهمية التعزيز والتعميم وغير ذلك من قوانين التعلم. ويهتم علم النفس التربوي كذلك بالدافعية وموضوعات مثل الذكاء والقدرات ... إلخ، وفوق هذا كله فإن عملية الإرشاد هي في جوهرها عملية تعلم وتعليم.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس الصناعي الذي يطبق المبادئ العامة في علم
1 / 17
النفس على المشكلات العملية في الصناعة والإنتاج والتدريب، ويفيد من ذلك المرشد في مجال الإرشاد المهني.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس الجنائي الذي يهتم بدوافع السلوك المنحرف المضاد للمجتمع والذي يعاقب عليه القانون مثل جناح الأحداث، وكثير من المرشدين النفسين يعملون في مؤسسات الأحداث.
ويستفيد الإرشاد النفسي من علم النفس العام مثلا في دراسة الشخصية وديناميتها ... إلخ.
وعند فحص ودراسة الحالة في الإرشاد النفسي يحتاج المرشد إلى القياس النفسي فالمقاييس النفسية بالنسبة لعملية الإرشاد النفسي مثل سماعة الطبيب ضرورية ولازمة.
التوجيه والإرشاد وعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية:
إن علم الاجتماع الذي يهتم بدراسة الفرد والجماعة يعتبر علما أساسيا في إعداد المرشد والصلة وثيقة بين التوجيه والإرشاد وبين علم الاجتماع نظرا لاهتمام كل منهما بالسلوك الاجتماعي والقيم والتقاليد والعادات الاجتماعية والنمو الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والخبرات الاجتماعية.
وتعتمد طريقة الإرشاد الجماعي على مفاهيم أساسية في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي الوثيق الصلة بعلم الاجتماع.
ويهتم المرشد في مجال الإرشاد الأسري بدراسة الأسرة باعتبارها أقوى العوامل الاجتماعية تأثيرا في الفرد وفي تنشئته الاجتماعية، ويختلف تأثيرها الحسن أو السيئ باختلاف تركيبها وظروفها.
ويهتم المرشد بمعرفة الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد وأسلوب حياته الاجتماعي في إطار هذه الطبقة سواء العليا أو المتوسطة أو الدنيا، والحراك الاجتماعي الرأسي من طبقة إلى أخرى، لأن كل هذا يؤثر في حياة الفرد.
ويهتم المرشد بدراسة نظام الحياة في الريف والحضر والبدو حيث توجد فروق بين الشخص الريفي والشخص الحضري والشخص البدوي، ولذلك يدرس علم الاجتماع الريفي وعلم الاجتماع الحضري وعلم الاجتماع البدوي ... إلخ "دانيل فوملر وهارولد بيرنارد Fullmer & Bernardk؛ ١٩٧٢" وكذلك يهتم المرشد بدراسة الحياة في المجتمعات المختلفة. فالتعامل مع عميل مصري يختلف في بعض النواحي عنه مع عميل سعودي عنه مع عميل إنجليزي ... وهكذا.
1 / 18
وينظر إدوارد شوبين Shoben؛ "١٩٦٢" إلى الإرشاد كعملية "إصلاح اجتماعي" يتطلب قيادة اجتماعية ابتكارية من جانب المرشد الذي يعمل على دمج الأفراد في خبرة الحياة الواقعية.
ويشترك الإرشاد النفسي والخدمة الاجتماعية في أن كلا منهما خدمة ميدانية في مجال المشكلات الإنسانية، ويستعير الإرشاد النفسي من ميدان الخدمة الاجتماعية أساليب هامة مثل دراسة الحالة والمقابلة.
ويشترك المرشد النفسي والأخصائي الاجتماعي في تقديم الخدمات التي تتناول البيئة الاجتماعية بالتعديل حتى يسهل حل المشكلات، ويشتركان معا في الاهتمام بمشكلات الأسرة والدراسة والعمل. ويتعاون المرشد النفسي مع الأخصائي الاجتماعي في خدمة كل من الفرد والأسرة والمجتمع في آن واحد، حتى لنجد أن هذين الأخصائيين هما أقرب أعضاء فريق الإرشاد النفسي إلى بعضهما من حيث الاهتمامات والخدمات.
التوجيه والإرشاد وعلم الطب:
يتضمن الإرشاد النفسي عملية علاجية. ويرتبط العلاج عند الناس بالطب. والإرشاد النفسي مليء بالمصطلحات المشبعة بالمعنى الطبي مثل التشخيص والمآل والعلاج، وليس في هذا إزعاج لمن قد يظنون أن الطب أصبح يمارسه غير الأطباء. وهذه المصطلحات مشتركة بين الإرشاد والعلاج النفسي والطب وخاصة الطب النفسي.
وهناك قدر كبير من المعلومات من علم الطب لا بد أن يحيط بها المرشد والمعالج النفسي بحيث تعينه في الدراسة وتمكنه من العمل مع فريق ضمن أعضائه الطبيب، ونحن نعلم أن هناك أرضية مشتركة بين علم النفس والطب في مجال الطب النفسي والأمراض النفسية الجسمية. ومعروف أن الانفعالات والضغوط النفسية لها رد فعل جسمي وفسيولوجي له أعراض وأمراض معروفة.
ويحدد الدستور الأخلاقي للمرشدين والمعالجين النفسيين حدود العلاقة بين الأخصائيين ومنهم المرشد والطبيب كعضوين في فريق الإرشاد النفسي حيث يجب على المرشد أو المعالج النفسي أن يمارسه عمله في التشخيص والإرشاد والعلاج النفسي، وإذا ظهر ما يستدعي استشارة طبية أو إخالة إلى طبيب نفسي فعليه أن يفعل ذلك. وصحيح أن المرشدين والمعالجين النفسيين يعتبرون -بالنسبة للأطباء- فريقا جديدا نسبيا من الأخصائيين، ويحاول الأطباء جعل قيادة عملية الإرشاد والعلاج النفسي في أيديهم، ويحاول المرشدون نفس الشيء، أي أن كلا من الفريقين يحاول سحب البساط من تحت أقدام الآخر، إلا أنه مع الوقت تتقارب وجهات
1 / 19
النظر ويزداد التفاهم والفهم حيث يعمل الطرفان معا في تعاون، يقدم كل طرف خدماته في حدود تخصصه ويحيل ما ليس من اختصاصه إلى زميله، وهذا يتطلب من المرشد النفسي معرفة الحدود الفاصلة التي عندها يحيل الحالة إلى زميله الطبيب.
التوجيه والإرشاد وعلم الإنسان:
نحن نعلم أن علم الإنسان "أنثروبولوجي" يدرس العناصر الحيوية والعناصر الاجتماعية والثقافية للإنسان، والثقافة هي مجموع السلوك البشري، وبعناصره اللغوية، وغير اللغوية وبمنتجاتها المادية، وغير المادية. وإلى جانب هذا يهتم علم الإنسان بدراسة أنماط الثقافة في الأجزاء المختلفة في العالم مثل الجماعة البدائية، فيدرس ثقافتها وعاداتها وتقاليدها ليفسر الفروق بين الثقافات المختلفة.
ويشترك الإرشاد النفسي في علم الإنسان في الاهتمام بدراسة شخصية الفرد والمجال البيئي والاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه. نحن نعلم أن هناك فروقا بين الثقافات والحضارات لا بد أن يحيط بها المرشد النفسي.
التوجيه والإرشاد وعلم الاقتصاد:
من أهم مجالات الإرشاد النفسي: الإرشد المهني حيث يهتم المرشد بمساعدة العميل في عالم المهنة والاقتصاد تعريفا واختيارا وإعدادا ودخولا وتوافقا. ومن ثم فهو يهتم بدراسة فرص العمل والتغيرات التي تطرأ على المهن مع التقدم والنمو العلمي والتكنولوجي الحديث في عالم الاقتصاد والعمل.
ومن الناحية الاقتصادية البحتة فإن الإرشاد النفسي يرتبط بالاقتصاد كضرورة ملحة حتى لا تحدث خسارة قومية في القوى البشرية التي تستمر أثناء عملية التربية والتعليم، وحتى يعمل حساب ما سيحدث في المستقبل من أن الفرد الواحد سيعمل في عدة منهن مختلفة، وربما يعمل الأفراد في مهن جديدة غير تلك التي أعدوا لها نظرا لسرعة التطور التكنولوجي والتغير الاجتماعي.
وتلعب النواحي الاقتصادية دورا هاما ومؤثرا في عملية وخدمات الإرشاد النفسي. ومن ذلك تأثير تقديم الخدمات والإرشاد مجانا على حساب الدولة مثلا أو كخدمات خاصة يدفع تكاليفها العملاء. ومنها أيضا أن المستوى الاجتماعي الاقتصادي للفرد أمر يؤثر في أسلوب حياته وقد يؤثر في إقباله على خدمات الإرشاد النفسي أو عدم استطاعته الحصول عليها أحيانا، ومنها كذلك أن برنامج التوجيه والإرشاد نفسه فيه جانب اقتصادي كما أن فيه جانبا إدرايا وجانبا علميا ... إلخ، وهذا يحتم الإحاطة بكثير من المفاهيم الاقتصادية.
1 / 20
التوجيه والإرشاد والدين:
من أهم طرق الإرشاد النفسي: الإرشاد النفسي الديني الذي يدخل الدين في ديناميات عملية الإرشاد، لأن التدين والعقيدة الدينية السليمة تعتبر أساسا متينا للسلوك السوي والتوافق والصحة النفسية، وقد أجمع المرشدون على اختلاف أديانهم سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو مسيحيين على أن الإرشاد الديني طريقة تقوم على أسس ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية روحية أخلاقية.
ولا بد أن يحيط المرشد النفسي علما بمفاهيم دينية أساسية مثل: طبيعة الإنسان كما حددها الله، وأساليب الاضطراب النفسي في رأي الدين مثل الذنوب والضلال والصراع وضعف الضمير، وأعراض الاضطراب النفسي في رأي الدين مثل الانحراف والشعور بالإثم والخوف والقلق والاكتئاب، والوقاية الدينية من الاضطراب النفسي مثل الإيمان والسلوك الديني والسلوك الأخلاقي، وخطوات الإرشاد الديني مثل الاعتراف والتوبة والاستبصار والتعلم والدعاء وابتغاء رحمة الله والاستغفار وذكر الله والصبر والتوكل على الله. "حامد زهران ١٩٧٥".
وهناك اعتبارات دينية يجب عمل حسابها في الإرشاد النفسي. فهناك "رقابة" الدين حيث يجب أن تستعرض كل النظريات والطرق المستوردة من الخارج بحيث تجاز كما هي إذا كانت خالية من الضرر أو التعارض، أو تعدل إذا كان بها بعض الاختلافات، أو تمنع إذا كانت من الممنوعات.
ويلاحظ أن بعض العملاء قد يسألون أسئلة تتصل بالدين والعقيدة ويتناولون مشكلات تتصل بالدين. ومن أخلاقيات الإرشاد النفسي أن على المرشد احترام دين العميل مهما اختلف عن دينه، وأنه لا يحق للمرشد التدخل في معتقدات العميل الدينية، وهو مسئول عن أي تدخل من جانبه لتغييرها.
إن الإرشاد النفسي يحتاج إلى المرشد الذي يعرف الله ويخشاه ويراقبه في عمله.
التوجيه والإرشاد والقانون:
كثير من حالات الإرشاد النفسي قد تكون متعلقة بمشكلات قانونية، وبعض الحالات قد تكون من بين المحكوم عليهم قضائيا. وهناك بعض المسئوليات القانونية على المرشد نحو العميل مثل تلك التي على المعلم نحو تلاميذه، وهذه المسئوليات القانونية يجب مراعتها في ممارسة الإرشاد النفسي.
1 / 21
من المسئوليات القانونية على سبيل المثال: أسرار العميل. فمن أسس ومبادئ الإرشاد احترام حق الفرد في الاحتفاظ بأسراره ومحافظة المرشد عليها عند بوح العميل بها أثناء عملية الإرشاد، فالمرشد لا يملك الحق في اقتحام أسوار خصوصيات العميل عنوة أو رغما عنه، وإذا علم وأعطى بعض المعلومات والأسرار الخاصة عن طيب خاطر فليس له الحق في إفشاء هذه الأسرار تحت أي ظرف من الظروف. وإذا فعل المرشد وأفشى وأساء استغلال المعلومات والأسرار بما يعود بالضرر المادي أو المعنوي على العميل فإنه يؤاخذ قانونا "شميت Schmidt؛ ١٩٦٢".
وبخصوص السلوك الجنائي للعميل، أثناء جلسات الإرشاد أو بعد انتهائها، يوجد جدل حول مدى المسئولية القانونية للمرشد عن سلوك العميل، وحول وجوب أو جواز إبلاغ أو عدم إبلاغ الجهات المختصة في حالة وجود سلوك يعاقب عليه القانون. إن بعض الدول تعطي المرشد نوعا من "الحصانة" ضد هذه المسئولية.
وإذا قام المرشد بأي سلوك مناف للآداب أو الأخلاق يتعارض مع الدستور الأخلاقي للمرشدين والمعالجين النفسيين فإنه يكن بذلك قد تعدى على حدود يؤاخذ عليها قانونا.
وهناك بعض الاعتبارات القانونية الرسمية في ممارسة الإرشاد والعلاج النفسي منها ضرورة حصول المرشد أو المعالج على ترخيص رسمي بممارسة الإرشاد والعلاج. وهنا يكون للمرشد أو المعالج نوع من "الإعفاء" حيث لا يطالب أمام المحاكم مثلا بالإدلاء بشهادة تخص السلوك الجنائي لعميل من عملائه.
التوجيه والإرشاد وعلوم أخرى:
يتصل التوجيه والإرشاد بعدد من العلوم الأخرى، ولا يتسع المجال لتفصيل مظاهر هذا الاتصال، وفيما يلي إجمال للصلة بين التوجيه والإرشاد وعدد من العلوم:
علم وظائف الأعضاء: يأخذ التوجيه والإرشاد النفسي من علم الإحصاء المفاهيم الإحصائية الأساسية اللازمة في إنشاء الاختبارات والمقاييس النفسية وإجرائها وتحليل نتائجها.
الفلسفة: هنا بعض المفاهيم الفلسفية يجب أن يحيط بها المرشد النفسي مثل: مفهوم الحرية والاختبارات والمسئولية، ومفهوم المثالية والواقعية والنفعية والمنطق واختيار فلسفة الحياة وهدف الحياة، ومفهوم الأخلاق.
1 / 22
التوجيه والإرشاد النفسي والصحة النفسية والعلاج النفسي:
يرى البعض أن التمييز أو التفريق بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي تمييز وتفريق اصطناعي، ويعتقد في هذا معظم المرشدين والمعالجين النفسيين أنفسهم. وهم يستخدمون المصطلحين بالتبادل بدون تمييز عملي، ويقصرون التمييز على المستوى الاصطلاحي اللفظي فقط "بروس شيرترز، وشيلي ستون Schertzer & StoneK؛ ١٩٧٦".
ويعتبر كل من التوجيه والإرشاد والصحة النفسية والعلاج النفسي توأمين. وعلى الرغم من أنهما ليسا توأمين مماثلين فإنهما متشابهان جدا، أي أن أوجه الاتفاق بينهما أكثر من أوجه الاختلاف، وعناصر الائتلاف والتقريب أكثر من عناصر الاختلاف والتفريق.
وقد أكد "ويليامسون Williamson؛ ١٩٣٩" الطبيعة العلاجية للإرشاد النفسي، ومن بين أقطاب الميدانين "الإرشاد النفسي والعلاج النفسي" كارل روجرز Rogers؛ ١٩٤٢ في كتابه الإرشاد والعلاج النفسي Counseling and Psychotherapy.
ويلاحظ أن عددًا كبيرا من الكتب في ميداني الإرشاد النفسي والعلاج النفسي أصبحت تجمع بينهما. ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر كتاب لورانس برامر وإفريت شوستروم Brammer & Shostrom؛ "١٩٧٧" "علم نفس العلاجي: أسس الإرشاد والعلاج النفسي" Therapeutic Psychology: Fundamentals of Coiunseling and Psychotherapy، وكتاب هيلين كولير Collier؛ "١٩٨٢" "إرشاد النساء: دليل للمعالجين".
Counseling Women: A Guide for Therapists.
ولقد سبق تعريف التوجيه والإرشاد النفسي "راجع".
أما الصحة النفسية Mental Health فيعرفها المؤلف "حامد زهران، ١٩٩٧" بأنها حالة دائمة نسبيا، يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا، ويشعر بالسعادة مع نفسه، ومع الآخرين ويكون قادرا على تحقيق ذاته واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن، ويكون قادرا على مواجهة مطالب الحياة، وتكون شخصيته متكاملة سوية، ويكون سلوكه عاديا، بحيث يعيش في سلامة وسلام. الصحة النفسية حالة إيجابية تتضمن التمتع بصحة العقل والجسم، وليست مجرد غياب أو الخلو أو البرء من أعراض المرض النفسي. وللصحة النفسية شقان: أولهما شق نظري علمي يتناول الشخصية والدوافع والحاجات وأسباب الأمراض النفسية وأعراضها وحيل
1 / 23
الدفاع النفسي والتوافق، وتعليم الناس وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإعداد وتدريب الأخصائيين والقيام بالبحوث العلمية والشق الثاني تطبيقي علمي يتناول الوقاية من المرض النفسي تشخيص وعلاج الأمراض النفسية.
ويعرف المؤلف العلاج النفسي Psychotherapy بأنه نوع من العلاج تستخدم فيه الطرق النفسية لعلاج مشكلات أو اضطرابات أو أمراض ذات صبغة انفعالية يعاني منها المريض وتؤثر في سلوكه، وفيه يقوم المعالج بالعمل على إزالة الأعراض المرضية الموجودة أو تعديلها أو تعطيل أثرها، مع مساعدة المريض على حل مشكلاته الخاصة والتوافق مع بيئته واستغلال إمكاناته على خير وجه ومساعدته على تنمية شخصيته ودفعها في طريق النمو النفسي الصحي بحيث يصبح المريض أكثر نضجا وأكثر قدرة على التوافق النفسي في المستقبل.
والمستعرض لتعريف كل من التوجيه والإرشاد من ناحية والصحة النفسية والعلاج النفسي من ناحية أخرى يلمس اتصالهما الوثيق وتقاربهما الكبير.
ويقترب الإرشاد النفسي والعلاج النفسي داخل علم النفس العلاجي ويميز بينهما داخل هذا الإطار.
وفيما يلي أهم عناصر الاتفاق بين الإرشاد النفسي من ناحية وبين العلاج النفسي من ناحية أخرى:
- كلاهما عملية مساعدة وخدمة الفرد نفسيا بهدف تحقيق فهم النفس وتحقيق الذات وحل المشكلات وتحقيق التوافق النفسي والصحة النفسية.
- المعلومات المطلوبة لدراسة الحالة ووسائل جمع هذه المعلومات واحدة في كل منهما.
- يشتركان في الأسس التي يقومان عليها ويستخدمان لغة مشتركة وأساليب مشتركة مثل المقابلة ودراسة الحالة ... إلخ.
- استراتيجيات وأهداف كل منهما واحدة وهي: الاستراتيجية التنموية والوقائية والعلاجية.
- إجراءات عملية الإرشاد وعملية العلاج النفسي واحدة في جملتها، فمنها في كل من الميدانين: الفحص وتحديد المشكلة، والتشخيص، كحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتعليم، والمتابعة، والإنهاء.
- يلتقي كل منهما في الحالات الحدية Borderline Cases بين السوية واللاسوية أو بين العاديين والمرضى.
1 / 24