Proselytizing through Interactive Internet Services
التنصير عبر الخدمات التفاعلية لشبكة المعلومات العالمية
ژانرونه
المملكة العربيّة السعوديّة
وزارة التعليم العالي
جامعة الملك سعود
عمادة الدراسات العليا
كليّة التربية
التّنصير عبر الخِدمات التفاعليّة لشبكة المعلومات العالميّة
دراسة عقديّة
قدمت هذه الرسالة استكمالًا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الآداب
في تخصص العقيدة بقسم الثقافة الإسلاميّة
إعداد الطالب
محمد بن موسى المجممي
الرَّقم الجامعي: ٤٢٩١٠٦٠٠٠
إشراف الدكتور
عبد الله بن عمر العبد الكريم
العام الجامعي ١٤٣٢/ ١٤٣٣هـ
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (١).
أما بعد:
فقد بعثَ الله خاتمَ أنبيائه محمدًا ﷺ بآخِرِ رسالاته دينِ الإسلام الذي أكمله لعباده، وأتمَّ به عليهم النّعمة، ورضيه لهم دينًا، وفَرض اتِّباعه على الثّقلين سبيلًا أوحدَ للفوز في الدار الآخرة.
وكانت آخرُ الرّسالات السّماوية قبله رسالةَ عيسى بن مريم ﵇. فدخل مَن كتب الله له منهم الهدايةَ في دين الإسلام، وأبى جلُّهم إلا الإعراضَ والتّكذيب، واختار بعضُهم مع
_________
(١) هذه هي خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يعلمها أصحابه، وكان السّلف الصّالح يقدمونها بين يدي دروسهم وكتبهم ومختلف شؤونهم. انظر: خطبة الحاجة التي كان رسول الله ﷺ يعلمها أصحابه، محمد ناصر الدين الألباني، ص٥. والآيات التي فيها هي على الترتيب: الآية ١٠٢ من سورة آل عمران، والآية الأولى من سورة النساء، والآيتين ٧٠ و٧١ من سورة الأحزاب.
1 / 2
ذلكَ الحربَ والمواجهة بشتّى الوسائلِ والطّرق.
ولما ظهرت الوسائل الإعلاميّة، وكان لها ما كان من الأثر العظيم والميزات القويّة، قام النّصارى باستغلالها في نشر دينهم، ومحاربة الإسلام.
وكان من آخر هذه الوسائل، ومن أكثرها تأثيرًا وانتشارًا؛ شبكة المعلومات العالميّة، فلم يكن عجبًا أن أولاها القومُ عنايةً واهتمامًا.
ومع ظهور الجيل الثاني لهذه الشّبكة -في حدود العام الهجري ١٤٢٤ - تغير واقع الاتصال بين الخدمة والمستفيد إلى السمة التفاعليّة، فاتجه غالب مستخدمي الشّبكة إلى هذه الخدمات التفاعليّة، وأضحوا تحت تياراتها المؤثرة بغير اختيارهم.
وقد استفاد المنصرون من هذه السمات التأثيريّة في عملهم الدّعوي، فنشأ عن ذلك جهدٌ تنصيري منظّم مدروس، تقف وراءه اتحادات وجمعيّات وكنائس ومؤسسات عاملةٌ مدعومةٌ بالأموال والعقول المفكرة والجهود البحثيّة والميدانيّة.
وهكذا نشأت مشكلة البحث.
ولما كان «من بعض حقوق اللهِ على عبدهِ ردُّ الطّاعنين على كتابه ورسوله ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسِّنان، والقلب والجَنان» (١)؛ رأيت أن أكتبَ في بيان واقع العمل التّنصيري من خلال الخدمات التّفاعليّة لهذه الشّبكة، تبصرةً لمن نظر فيه، وتعريفًا بالطرق المتبعة في الكيد للإسلام، ودحضًا لبعض الشّبه التي يكثر طرحها.
وكان سببُ اختياري لهذا الموضوع الأمورَ التّالية:
أولًا: تعاظُمَ الخطر التنصيري عبر شبكة المعلومات العالميّة بعد ظهور الخدمات التفاعليّة لهذه الشّبكة.
ثانيًا: ما تواجهه الأمة الإسلاميّة في الوقت الحاضر من حربٍ ضاريةٍ تستهدف زعزعةَ
_________
(١) انظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، ابن قيم الجوزيّة، ص١٨.
1 / 3
العقيدة في قلوب أبنائها، وغرسَ العقيدة النصرانيّة المحرفة عوضًا عنها، ونقلَ المسلمين وتحويلَهم إلى النصرانيّة إن تيسّر ذلك، أو إشغالَهم بما يشكِّكُهم في دينهم، ويزعزعُ يقينيّاتهم العقديّة.
ثالثًا: الحاجةَ الماسّةَ لمعرفةِ الأساليب التي يتبعها المنصرون من خلال الخدمات التفاعليّة للشبكة، ورصدِ جهود المسلمين حيالها، للخروج بتوصيات نافعة بإذن الله.
رابعًا: إضافةَ بحثٍ إلى منظومة الدراسات العلميّة التي طرقت التنصير عبر الوسائل الإعلاميّة والمعلوماتيّة؛ يخدم جانبًا في هذا الباب.
ويمكن إجمال أهداف البحث في الآتي:
أولًا: بيانُ واقع العمل التنصيري على الشّبكة العالميّة باستخدام الخدمات التفاعليّة.
ثانيًا: إيضاحُ كيفيّة استغلال المنصرين لكل وسيلةٍ من هذه الوسائل التفاعليّة.
ثالثًا: إيضاحُ أهمِّ الشبه التي يثيرها المنصرون في هذه الخدمات، والطرق المستخدمة في ذلك.
رابعًا: بيانُ وتقييمُ الجهود التي يبذلها المسلمون في صدِّ هذه الهجمات التنصيريّة.
ويقوم البحث على منهجِ تحليل المضمون (المحتوى)، وذلك بتتبعِ الجهود التنصيريّة عبر الخدمات التفاعليّة للشبكة باللغة العربيّة، واستقراءِ جوانب عملها، وتحليلِ جوانب أثرها على المتلقين، وعرضِ أهم الشبه المثارة، مع عرض وتقييم الجهد الإسلامي ومدى توافقه مع حجم الهجمة التنصيريّة، وصولًا إلى التوصية بأنجع السُّبُل –من وجهة نظر الباحث- لمواجهة العمل التنصيري عبر خدمات الشبكة التفاعليّة.
1 / 4
وقد وجدتُ من الدراسات السابقة ما درس العمل التنصيري القائم على استخدام الوسائل الإعلاميّة، ومن ذلك:
- كتابٌ عُنوانه: "الإذاعات التّنصيريّة الموجهة إلى المسلمين العرب" لمؤلفه الدكتور كرم شلبي. صدر في عام ١٤١٢هـ، وخلص إلى أنّ المحطات الإذاعيّة تعمل ضمن خطّة منهجيّة واضحة لتنصير المسلمين، بتنسيق كامل مع مؤسسات وهيئات تنصيريّة تمدها بالبحوث والدراسات والتدريب.
- بحثٌ عُنوانه: "دراسة لبعض المواقع التّنصيريّة العربية في الإنترنت دراسة وصفية"، وهو بحث للدكتور خالد بن عبدالله القاسم. كُتب قبل عام ١٤٢٥هـ، وخلص إلى أنّ استفادة المنصرين من مواقع الشبكة في تزايد مستمر.
- بحثٌ عُنوانه: "أبرز المواقع التّنصيريّة عبر شبكة المعلومات العالميّة الإنترنت دراسة تحليلة"، وهو رسالة ماجستير للباحثة "إنعام بنت محمد عقيل"، قدّم لنيل الدرجة من قسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة الملك سعود عام ١٤٢٥/ ١٤٢٦هـ. وخلص إلى بيان خطورة العمل التنصيري عبر مواقع الشبكة العالمية.
- بحثٌ عُنوانه: "القنوات العربيّة التنصيريّة دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية"، وهو رسالة ماجستير للباحث "تركي بن خالد الظفيري"، قدّم لنيل الدرجة من قسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة الملك سعود عام ١٤٢٥/ ١٤٢٦هـ. وخلص إلى بيان الخطورة الكبيرة لهذه القنوات التي تستهدف المسلمين العرب.
ولكون الدراستين القريبتين من موضوع البحث انصبتا على خدمة مواقع الشبكة، وهو ما يسمى بالجيل الأول للشبكة، وكانت الأخيرة منهما قبل ما يزيد عن ثمان سنين، وهي مدة طويلة جدًا في عرف العالم التقني المعلوماتي، رأيت من الضروري الكتابةَ في مجال التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، لتكون إضافة مكملة لهذه المنظومة القيمة من الدراسات والبحوث.
1 / 5
وقد سرت في البحث على الخطة التالية:
قسَّمت البحث إلى تمهيدٍ وثلاثةِ فُصولٍ وخاتمة:
أما التمهيدُ فقد اشتمل على ثلاثةِ مباحث:
- المبحث الأول في التعريف بالتنصير.
- المبحث الثاني في التعريف بشبكة المعلومات العالميّة.
- المبحث الثالث في بيان أدلة اهتمام المنصرين بالشّبكة.
وأما الفصل الأول فقد خصص للحديث عن طرق التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، وقد احتوى على تمهيدٍ وخمسةِ مباحث، بيانها كالتّالي:
- التمهيد في بيان اهتمام المنصرين بالخدمات التفاعليّة.
- المبحث الأول في بيان التنصير عبر المنتديات الحواريَّة.
- المبحث الثاني في بيان التنصير عبر المجموعات البريديّة.
- المبحث الثالث في بيان التنصير بواسطة خِدمات المحادثة.
- المبحث الرّابع في بيان التنصير عبر مواقع الشّبكات الاجتماعيّة.
- المبحث الخامس في بيان التنصير عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
وأما الفصل الثاني فقد خصص لدراسة أبرز شبه المنصرين عبر الخدمات التفاعليّة مع الردِّ عليها، وفيه تمهيدٌ وأربعةُ مباحثَ، بيانها كالتّالي:
- التمهيدُ في بيان أنّ بث الشبهات هو أولى خطوات العمل التنصيري.
- المبحث الأول في أبرز الشبه حول القرآن الكريم، والردِّ عليها.
- المبحث الثاني في أبرز الشبه حول النبي ﷺ، والرد عليها.
- المبحث الثالث في أبرز الشبه حول السنة النبويّة، والرد عليها.
- المبحث الرّابع في أبرز الشبه حول التشريع الإسلامي، والرد عليها.
1 / 6
ثم يجيء بعد ذلك الفصل الثالث؛ في بيان واقع مواجهة التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، وفيه تمهيدٌ وخمسةُ مباحثَ، بيانها كالتّالي:
- التمهيد في بيان استفادة المسلمين من الشبكة العالمية في الذب عن الدين.
- المبحث الأول في المواجهة باستخدام المنتديات الحواريّة.
- المبحث الثاني في المواجهة عبر المجموعات البريديَّة.
- المبحث الثالث في المواجهة عبر خدمات المحادثة.
- المبحث الرابع في المواجهة عبر مواقع الشبكات الاجتماعيّة.
- المبحث الخامس في المواجهة عبر مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
ثم تجيء خاتمة البحث مشتملةً على أهمِّ النتائج، وأبرز التوصيات.
يعقب ذلك فهارسُ فنِّيَّة، وثبتٌ بالمصادر والمراجع، وفهرسٌ للموضوعات.
هذا وقد كانت إجراءات البحث التي اتبعتها في إعداد رسالتي هذه ما يأتي:
(١) حصرُ أشهر الخدمات التفاعليّة التي تتيحها الشبكة العالميّة مما يستعمله النصارى في عملهم الدّعوي.
(٢) اختيارُ خمس خدمات تفاعليّة، هي: المنتديات الحواريّة- المجموعات البريديّة- مواقع المحادثة- الشبكات الاجتماعيّة- مواقع مشاركة الملفات المرئيّة.
(٣) الدراسةُ الوصفيّة التحليليّة لكل خدمة على حدة، بعد الاطلاع على كثيرٍ من منافذها على الشبكة، مع التّركيز على النّماذج المختارة منها.
(٤) استخلاصُ أهم الشبه التي يثيرها المنصرون عبر الخدمات التفاعليّة، وذلك بالنّظر في الشبه الجديدة إن وجدت، ثمّ في الشبه التي يُكثر المنصرون تكرار طرحها، أو التي تحظى بتفاعل كبيرٍ من قِبَل المسلمين مناقشةً وردًّا.
(٥) الدراسةُ التحليليّة لهذه الشبه، من جهةِ المواردِ المستقاة منها، والطرقِ المعروضة
1 / 7
بها، وكيفيّاتِ التعاطي مع تفاعل المسلمين تجاهها.
(٦) الاعتمادُ في نقض الشبه على ما هو محل إيمان عند النصارى كالكتاب المقدس وغيره، ثمّ المناقشة العلميّة الموضوعيّة المعتمدة على الأدلة والبراهين العقليّة والنقليّة.
(٧) الجمع في فصل الرد على الشبه؛ بين مخاطبة شريحتين من مستخدمي الخدمات التفاعليّة. أولاها من المسلمين؛ بغية تزويدهم بقدر كاف من المعرفة بهذه المطاعن عرضًا وتفنيدًا. والثانية من النّصارى؛ بغية إيضاح المناهج المتبعة في طرح هذه الطّعون، ومدى قربها أو بعدها من النّهج العلمي الموضوعي المنصف، ثمّ نقد هذه المثالب بالدليل العقلي أو النّقلي من الكتاب المقدّس، مع استخدام أسلوب المقارنة والمناظرة.
(٨) إعادةُ دراسة الخدمات التفاعليّة الخمس، من جهة استفادة المسلمين منها لمقاومة الجهد التنصيري.
(٩) استعراضُ الواقع الحالي لجهود المسلمين في مواجهة التنصير عبر الخدمات التفاعليّة، مع تقييم الجهد المبذول، وإبراز النماذج المتميزة في جانب المواجهة.
(١٠) إيرادُ الآيات القرآنيّة وفق الرّسم العثماني، من برنامج مصحف المدينة النبويّة للنشر الحاسوبي، الإصدار الأول. وقد حذفت علامة ترقيم الآية إذا كان النص المورَد آيةً واحدة، وأبقيتها إذا كان أكثر من ذلك.
(١١) عزوُ الآيات القرآنية إلى مواضعها من القرآن الكريم بذكر اسم السورة ورقم الآية.
(١٢) تخريجُ الأحاديث النبويّة من كتب السّنّة، فإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بذكر ذلك، وإن لم يكن؛ ذكرتُ مرجعه من كتب السّنّة مع ذكر حكم أهل الفنّ عليه؛ خاصَّةً الشيخ الألبانيَّ، والغالبُ أن لا يخرج الحديثُ حينها عن السنن الأربعة. وأَسْبَقْتُ رقم الحديث بحرف الحاء.
(١٣) التعريفُ في الحاشية بما رأيت مناسبة التعريف به من الفرق، والطوائف، والمنظّمات، ومعاني بعض الكلمات الغريبة.
(١٤) الترجمةُ للأعلام عند أول موضع يرد فيه الاسم في البحث، مستثنيًا المشتهرين
1 / 8
منهم كالأنبياء، والخلفاء الأربعة، وأصحاب المذاهب الفقهيّة، وشيخ الإسلام ابن تيميّة، وتلميذه ابن القيم.
(١٥) أخذُ نصوص الكتاب المقدس، من ترجمة الآباء اليسوعيين، الصادرة عن دار المشرق في بيروت، الطبعة الثالثة، لعام ١٩٩٤م. وعند الحاجة لمقارنة النّصوص؛ استفدت من برنامج المصطفى الالكتروني (الإصدار الأول)، المشتمل على ست ترجمات أخرى.
(١٦) أخذُ نصوص قاموس الكتاب المقدس من برنامج المصطفى المذكور، ومن موقع كنيسة الأنبا تكلا الحبشي بالاسكندريّة (st-takla.org).
(١٧) أخذُ النصوص المقتبسة من مجلة الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة من البرنامج الالكترونيِّ الصادرِ عن عمادة البحث العلميِّ بالجامعة، الإصدار الأوّل.
(١٨) كتابةُ المصطلحات العلميّة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، مع التعريف بها.
(١٩) الاكتفاءُ عند ذكر المرجع باسم الكتاب والمؤلّف ورقم الصفحة، اعتمادًا على البيانات المفصلة في ثبت المراجع والمصادر.
(٢٠) الحرصُ على الدقة في وضع روابط المواقع التي أنقل عنها، والقيامُ بمراجعة ذلك بعد نهاية البحث، وتعديل ما تغير منها.
(٢١) إيرادُ المصطلحات النصرانيّة كما هي عند أصحابها، مثلَ مصطلحِ الكتاب المقدس، ومصطلحاتِ مراتب رجال الكنيسة، وغيرِ ذلك.
(٢٢) قد يورد الباحث في هوامش البحث مراجع للاستزادة والفائدة؛ وإن لم يكن قد استفاد منها بشكل مباشر في صلب الرسالة.
(٢٣) عدمُ الالتزامِ ببيان حال الموقع الذي آخذُ منه، من جهة كون الوصول إليه متاحًا في السُّعوديَّة أو غيرَ متاح.
(٢٤) ذكرُ التاريخ الميلادي عندما يكون مصدر المعلومة محتويًا عليه، وعدم التزام النظر فيما يقابله بالتاريخ الهجري.
(٢٥) الاستفادةُ من المواقع الإنجليزيّة عند وجودِ الحاجة لذلك.
1 / 9
(٢٦) تحديدُ تواريخِ دراسةِ منافذ الخدمات التفاعليّة في أوائل مباحثها، فيكون ما ذكر فيها من بيانات عرضةً للتغير بعد تلك التواريخ.
هذا وقد كان في البحث صعوبات، لعلَّ من أبرزها:
(١) قلةُ البحوث العلميّة والمؤلفات العربيّة التي كتبت عن الخدمات التفاعليّة للشبكة العالميّة، فضلًا عن التي طرقت الجهود التنصيريّة عبرها.
(٢) صعوبةُ إيجادِ وتطبيقِ منهجيّةِ بحثٍ محددة يُعالج من خلالها التنصير عبر الخدمات التفاعليّة. وإذا طُبق منهج على إحدى هذه الخدمات فقد لا يتيسر تطبيقه على الخدمات الأخرى.
(٣) التغيرُ السريع الذي يطرأ على محتويات الخدمات التفاعليّة، وروابطها، والإحصاءات الرّقميّة المتعلقة بها، خلال الدراسة أو بعدها بقليل.
(٤) كثرةُ محتويات الخدمات التفاعليَّة محلَّ الدِّراسة، وتداخلها وتكررها؛ الأمر الذي استلزم ضمَّ متفرقها تحت تصنيفات محدَّدة.
(٥) صعوبةُ التعامل مع كثرة الشبه المثارة في الخدمات التفاعليّة، لأجل الخروج بأبرزها.
(٦) الألمُ النّفسي من جرّاء الاطلاع على كم كبير من الموضوعات المتهجمة بالسب والشتم للمولى ﷻ، وللمصطفى ﷺ، وللقرآن والسّنّة والتشريع الإسلامي.
(٧) عند الدخول لمنافذ الخدمات التفاعليّة يجد المسلم واجبًا عليه أن يسجل في هذه المواقع للذب عن دين الله تعالى ورسوله ﷺ وكتابه الكريم، ولا سيّما مع كثرةِ الشّبه وقِلَّة المتصدِّين لها من المسلمين. وقد صرف هذا الأمرُ الجهدَ في أحايينَ؛ من البحث إلى الدّعوة والمنافحة، وليس في ذلك –بحمد الله- تضييع أو تفريط، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
1 / 10
وبعدُ فإني أحمد الله تعالى وأشكره على ما مَنَّ به عليَّ مِن نعمٍ لا أحصيها، ولكنْ أسأله الإعانة على شكرها ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ (١). ومن هذه النِّعم تيسر الدراسة في قسم الثقافة الإسلاميّة بكلية التربية، والتلقي عن الأساتذة والمشايخ الفضلاء فيه، فله الحمد والمنّة والفضل والنعمة والثناء الحسن.
ثمَّ بعد حمد الله وشكره أسدي جزيل الشكر إلى والديّ الكريمين، عملًا بقوله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (٢)، وليست أفضالهما عليّ محصورة فأستطيع ذكرها.
ثم أتقدم بجزيل الشكر، وعظيم الامتنان، إلى المشرف على الرسالة، الدكتور عبدالله بن عمر العبدالكريم، على ما أسداه من توجيهات، وأجاب من تساؤلات، وبذل من وقته وعلمه، في رحابة صدر وحسن خلق وكريم تعامل.
كما أشكر الشيخين الجليلين المناقشين؛ معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة، والدكتور محمد بن عبدالله السحيم، على ما خصصاه من وقت في سبيل سد خلل البحث، وتكميل نقصه، وتصحيح خطئه.
والشكر موصول لكل من أسدى فائدةً أيًّا كان نوعها وحجمها، فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجزل لهم المثوبة والأجر أجمعين.
وختامًا؛ فهذا جُهدُ المقلّ، وقوةُ الضعيف الذي لا يكاد يمضي حتى يَكِلّ، وما فيه من صوابٍ فمحضُ مِنّةِ اللهِ وفضلِه وتوفيقه، وما فيه من خطإٍ ونقصٍ فمن قصوري وضَعفي، والله المستعان.
”اللهم اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا“ (٣).
وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(١) سورة النمل، من الآية ١٩.
(٢) سورة لقمان، من الآية ١٤.
(٣) يروى هذا من دعاء عمر ﵁. انظر: مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام ٢٨/ ٢٣.
1 / 11
التَّمهيد
اهتمام المنصِّرين بوسيلة شبكة المعلومات العالميّة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: التَّعريف بالتَّنصير.
المبحث الثّاني: التَّعريف بشبكة المعلومات العالميّة.
المبحث الثّالث: أدِّلة اهتمام المنصِّرين بالشّبكة.
1 / 12
المبحث الأول: التَّعريف بالتَّنصير
هذا البحث يدرسُ وسيلةً من الوسائلِ التَّنصيريَّة، ولذا كان من المناسبِ في البدايةِ ذكرُ نبذةٍ تعريفيّةٍ عن التَّنصير كمدخل للدراسة.
وسوف يكون الحديث هنا بشكل موجز مختصر، لأنَّ الموضوع قد خُدم بكتبٍ ورسائل علميّة -باللغة العربيّة- تناولته من جوانب مختلفة.
ويمكن تصنيف هذه المؤلفات إلى أقسام؛ بيانها فيما يلي:
١) مؤلفات تناولت الموضوع بعمومه (١).
٢) مؤلفات ركّزت على دراسة وسائل تنصيريَّة (٢).
٣) مؤلفات تحدثت عن المؤتمرات التَّنصيريَّة (٣).
٤) مؤلفات تتبعت الجهود التَّنصيريَّة في عموم البلاد الإسلاميّة، أو العربيّة (٤)، أو
_________
(١) منها: ١ - حقيقة التَّبشير بين الماضي والحاضر؛ لأحمد عبد الوهاب. ٢ - التَّبشير والاستعمار في البلاد الإسلاميّة؛ لعمر فروخ ومصطفى الخالدي. ٣، ٤ - صيحة تحذير من دعاة التَّنصير، قذائف الحق؛ وكلاهما لمحمد الغزالي. ٥، ٦، ٧ - التَّنصير مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته، التَّنصير في المراجع العربيّة، المستشرقون والتَّنصير؛ وثلاثتها لعلي بن إبراهيم النملة. ٨ - معاول الهدم والتدمير في النَّصرانيَّة وفي التَّبشير؛ لإبراهيم بن سليمان الجبهان.
(٢) منها: ١ - الإذاعات التَّنصيريَّة الموجهة للمسلمين العرب؛ لكرم شلبي. ٢ - فكر التَّنصير في مسرحيات شكسبير؛ لعدنان وزّان. ٣ - التَّنصير الطبي الخفي في البلاد الإسلاميّة؛ لعبد العزيز الفهد. ٤ - أبرز المواقع التَّنصيريَّة عبر شبكة المعلومات العالميّة دراسة تحليليّة؛ رسالة ماجستير لإنعام العقيل. ٥ - القنوات الفضائيّة العربية التَّنصيريَّة دراسة في ضوء العقيدة الإسلاميّة؛ رسالة ماجستير لتركي الظفيري. ٦ - الإعلام التَّنصيري الموجه للطفل من خلال قناة سات ٧ الفضائيّة؛ رسالة ماجستير لفضّة العنزي.
(٣) منها: ١ - مؤتمر كلورادو التَّنصيري لعام ١٩٧٨م دراسة تحليليّة؛ رسالة ماجستير لجمعان الزهراني. ٢ - تنصير المسلمين بحث في إستراتيجية طرحها مؤتمر كلورادو التَّنصيري؛ لعبد الرزاق ديار بكرلي. ٣ - استراتيجية التَّنصير في العالم الإسلامي دراسة في أعمال مؤتمر كلورادو لتنصير المسلمين؛ لمحمد عمارة.
(٤) منها: ١ - التَّبشير وأثره في البلاد العربيّة والإسلاميّة؛ لأحمد البساطي. ٢ - الهجمة التَّنصيريَّة على البلاد الإسلاميّة؛ لمحمد الشثري. ٣ - العمل التَّنصيري في العالم العربي رصد لأهم مراحله التاريخيّة والمعاصرة؛ رسالة ماجستير لعبد الفتاح بن إسماعيل غراب.
1 / 13
الخليجيّة (١)، أو الإفريقيّة (٢)، أو بلاد الشّام (٣)، أو المغرب العربي (٤). وهناك دراسات خصّت بالبحث بلدانًا بعينها كفلسطين (٥) وبنغلاديش (٦) والكويت (٧) والبحرين (٨) وعُمان (٩) والجزائر (١٠) وكوسوفا (١١) والهند (١٢) وتركيا (١٣) وجبال النوبا (١٤) وموريشيوس (١٥).
وسوف يتناول التَّعريف في هذا المبحث المطالب الثلاثة التّالية:
_________
(١) منها: ١ - النشاط التَّنصيري في منطقة الخليج أهدافه وأبعاده وسبل مقاومته؛ رسالة دكتوراه لإبراهيم بن مسعود المالكي. ٢ - التَّبشير في منطقة الخليج العربي؛ لعبد المالك بن خلف التميمي. ٣ - أصول التَّنصير في الخليج العربي؛ لكونوي زيجلر؛ ترجمة مازن بن صلاح مطبقاني.
(٢) منها: ١ - الإسلام والتحدي التَّنصيري في شرق إفريقيا ١٢٦١ - ١٣٦٩هـ؛ رسالة دكتوراه لعمر بابكور.٢ - التَّنصير والاستعمار في إفريقيا السوداء؛ لعبد العزيز الكحلوت. ٣ - الكاروز التَّنصير في بلاد المسلمين؛ لعبد الجليل ريفا. ٤ - التَّنصير في القرن الإفريقي ومقاومته؛ لسيد أحمد يحيى.
(٣) منها: ١ - التَّنصير الأمريكي في بلاد الشام ١٨٣٤ - ١٩١٤م؛ لعبد الرزاق عيسى. ٢ - التَّبشير في بلاد الشّام؛ رسالة ماجستير لعبد الرحمن بن محمد الشهري.
(٤) منها: الحركات التَّبشيريّة في المغرب الأقصى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، رسالة دكتوراه لبلقاسم الحنايشي.
(٥) منها: التَّنصير في فلسطين في العصر الحديث؛ رسالة ماجستير لأمل بنت عاطف الخضري.
(٦) منها: الغزو الصليبي في بنغلاديش نتائجه وآثاره؛ رسالة ماجستير لحسن بن محمد معين الدين.
(٧) منها: الخطر التَّبشيري الصليبي في الكويت؛ لأحمد بن عبد العزيز الحصين.
(٨) منها: التَّنصير في البحرين وآثاره والموقف منه، رسالة ماجستير لإبراهيم بن عبد الرحيم الخدري.
(٩) منها: الحملات التَّنصيريَّة إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النَّصرانيَّة والإسلام؛ لسليمان الحسيني.
(١٠) منها: الحركة التَّبشيريّة الفرنسيّة في الجزائر ١٨٣٠ - ١٨٧١م؛ رسالة جامعيّة لخديجة بقطاش.
(١١) منها: الأديان والحركات التَّبشيريّة في كوسوفا؛ رسالة ماجستير لفهيم جعفر دراغوشا.
(١٢) منها: التَّنصير في ولاية بيهار في الهند وسبل مواجهته؛ رسالة ماجستير لإبراهيم عبد الغفور.
(١٣) منها: التَّنصير في تركيا (الأهداف-الوسائل-سبل المواجهة)؛ رسالة ماجستير لسلجوق مقداد يلجن.
(١٤) منها: التَّنصير في منطقة جبال النوبا حقيقته وتأثيره ومواجهته؛ رسالة ماجستير لنور الدين عوض بابكر.
(١٥) منها: التَّنصير في جزيرة موريشيوس؛ رسالة ماجستير لمحمد يحيى بودهون.
1 / 14
المطلب الأول: تعريف مصطلحات: التَّنصير، التَّبشير، الكرازة
عند الحديث عن هذا الموضوع نجد استخدامًا لأحد هذه المصطلحات الثَّلاثة، وترجيحًا له على ما عداه.
ولهذا كان من المناسب التَّعريف بهذه المصطلحات، وبيان أيها أقرب إلى حقيقة ما يقوم به الدّعاة إلى النَّصرانيَّة.
أولًا: تعريف مصطلح التَّنصير
لغةً: التّنصر: الدخول في النَّصرانيَّة، وتنصَّر الرَّجل: دخل في النَّصرانيَّة، ونَصَّره تنصيرًا: جعله نصرانيًّا (١).
ومنه قوله ﷺ: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) (٢).
اصطلاحًا: هناك تعريفات متعددة للتنصير، منها:
التَّعريف الأول: تعريف الموسوعة الميسرة: "التَّنصير حركة دينية سياسية استعماريّة، بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة؛ بغية نشر النَّصرانيَّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصّة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب" (٣).
التَّعريف الثاني: تعريف الموسوعة العربيّة العالميّة: "مصطلحٌ يقصد به قيام مجموعة من النّصارى بنشر النَّصرانيَّة بين الناس في جميع أنحاء العالم بطريقة تنظيمية حتى يعتنقها الكثيرون ويرغبون عن دينهم الأصلي" (٤).
_________
(١) انظر: الصحاح، الجوهري ٢/ ٨٢٩، ولسان العرب، ابن منظور ٦/ ٤٤٣٩ - ٤٤٤١.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام، ح١٣٩٥، ص٢٦٤، واللفظ له. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، ح٢٦٥٨، ٢/ ١٢٢٦.
(٣) انظر: الموسوعة الميسرة ٢/ ٦٦٥.
(٤) انظر: الموسوعة العربيّة العالميّة ٧/ ٢٤٩.
1 / 15
التَّعريف الثالث: تعريف الدكتور سلمان عبد المالك: "التَّنصير هو حركة غزو فكري تستهدف تحويل المسلمين في بعض الشعوب الإفريقية والآسيوية إلى النَّصرانيَّة، والوقوف في وجه انتشار الإسلام بين هذه الشّعوب" (١).
ويلاحظ على التَّعريفات السّابقة أنّ فيها تضييقًا وحصرًا في جانب ما:
- فبعضها يحصر هدف التَّنصير في الجانب السياسي الاستعماري. وهذا غير مسَّلم لوجود من يدعو للتحول إلى النَّصرانيَّة ويكونُ باعثُهُ تنفيذَ وصية الكتاب المقدس الذي يؤمن به. وهناك من تكون لديه بواعث أخرى.
- وبعضها يحصر الفئة المستهدفة بالعمل التَّنصيري في دول معينة. والواقع يشهد بأنَّ التَّنصير استهدف كل بلاد العالم ممن لا يدين بالنَّصرانيَّة بلا استثناء. والعمل الدّعوي موجودٌ داخل نطاق الدّيانة النّصرانيّة من طائفةٍ إلى أخرى، ولكنّ هذا غير داخلٌ فيما نعنيه بالتّنصير.
- وبعضها يربط بداية العمل التَّنصيري بانتهاء الحروب الصليبيّة. وهذا لا يُسلَّم أيضًا لأنَّ الدّعوة للنّصرانيّة قديمة قدم الديانة نفسها، وإنّما الذي تغيّر هو شكل العمل التَّنصيري؛ من الاعتماد بشكل رئيسي على الاتصال الشخصي إلى التأكيد على الخدمات الإنسانيّة (٢). ثمّ إنّ القول بانتهاء الحروب الصليبيّة فيه نظر.
- وبعضها يُفهم منه أن التَّنصير لا بد أن يكون عملًا مؤسسيًّا مخططًا له، وهذا يُخرج التَّنصير الفردي الذي يقوم به شخص أو أكثر بصورة غير جماعيّة.
وبعد استعراض التَّعريفات، والملاحظات عليها، يرى الباحث أن التَّعريف الأنسب؛ أن يقال: التَّنصير هو كل جُهْدٍ يُبذل لإدخال غير النصراني في النَّصرانيَّة.
ثانيًا: تعريف مصطلح التَّبشير
لغةً: البشارة: الإخبار بالأمر السار، مأخوذة من أنَّ بشرة الإنسان تنبسط عند السُّرور. والبشرى والإبشار والتَّبشير ثلاث لغات.
_________
(١) انظر: أضواء على التَّبشير والمبشرين، سلمان سلامة عبد المالك، ص٢٢.
(٢) انظر: التَّبشير في الخليج العربي؛ عبد المالك التميمي، ص٢٧.
1 / 16
والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير، وإنما تكون بالشَّر إذا كانت مقيدة كما في قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (١) (٢)، ولعلها هنا من التبكيت (٣).
اصطلاحًا: جاء في قاموس الكتاب المقدس تعريف المبشر بأنه: "من يعظ ببشارة الخلاص، متنقلًا من مكان إلى آخر، لا يستقر في مكان مخصوص، إنما همه التجوّل؛ يعظ بالإنجيل ويؤسس الكنائس باسم المسيح" (٤).
ثالثًا: تعريف مصطلح الكرازة
لغةً: لم أجد في معاجم اللغة ذكر لمصطلح الكِرازة، ولا التكريز؛ اللذين يستخدمهما النّصارى كثيرًا.
وبالرجوع لمادة (كَرَزَ) لا نجد من معانيها ما يتفق مع ما يقصده المنصِّرون بها؛ فالمعاني اللغوية لهذه المادة تدور حول الاختباء والتستر.
قال ابن فارس (٥): «الكاف والراء والزاء أصل صحيحٌ يدل على اختباءٍ وتستُّر ولِوَاذ، يقال: كارَزَ إلى المكان، إذا مال إليه واختبأ فيه» (٦).
والمكارَزَة: الميل إلى الشيء. وكارز في المكان إذا اختبأ فيه، ويقال كَرَزَ يَكْرُزُ كُرُوزًا فهو كارِزٌ إِذا استخفى في خَمَرٍ أَو غارٍ (٧).
اصطلاحًا: عرفت الكرازة في قاموس الكتاب المقدس بأنها "المناداة علنًا بالإنجيل العالمَ غير المسيحي". وبأنها "التَّبشير العلني بعمل الله الفدائي بالمسيح يسوع".
_________
(١) سورة آل عمران، من الآية ٢١.
(٢) انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/ ٢٨٧ - ٢٨٨، والصحاح، الجوهري ٢/ ٥٩٠ - ٥٩١.
(٣) انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ٢٥١.
(٤) انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: المبشر.
(٥) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرّازي. من أئمة اللغة والأدب، وله: مقاييس اللغة- المجمل- جامع التأويل، وغيرها. توفي في الرّي سنة ٣٩٥هـ. انظر: الأعلام، الزركلي ١/ ١٩٣.
(٦) انظر: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ١٦٨.
(٧) انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٣٨٥٣. والخَمَر معناه جماعة النّاس وكثرتهم.
1 / 17
ويخبرنا القاموس أنَّ الفعل (كرز) مأخوذ من الكلمة اليونانيّة (؟؟؟؟؟؟؟)، وتُنطق (كريسُّو)، وتعني: يُعلن أو يُنادي أو يَهتف. وهو أكثر الأفعال استخدامًا في العهد الجديد للدلالة على معنى التَّبشير، فقد استخدم نحو ستين مرة، بينما الفعل (بشر) ومشتقاته تكرر نحو خمسين مرة (١).
وبعد استعراض تعريفات المصطلحات الثلاثة يرى الباحث أنّه عندما يتحدث المسلم عن النشاط الدّعوي من قبل المنصِّرين فإنّ استخدامه لمصطلح (التَّنصير) هو الأدق والأنسب والأصح من جهة المعنى اللغوي ومن جهة مطابقة الواقع، وقبل ذلك من جهة الشّرع كما في الحديث السّابق ذكره في تعريف التّنصير.
وأمّا المصطلحان الآخران فلا يدلان على المعنى الذي يفهمه المسلم؛ لأن التَّبشير -بإطلاق- يكون بما فيه خير للمبشَّر؛ وليس في تحوله عن دينه خيرٌ له. ولأنَّ استخدام مصطلح الكرازة أو التّكريز غيرُ مستقيمٍ لغويًّا.
وأمّا إن عبَّر النصراني بالتَّبشير أو الكرازة فلا مشاحة في ذلك؛ لأنّه يرى الخير والخلاص في اتباع دينه، ويرى أنّه يستخدم مصطلحين وردا في كتابه المقدس.
المطلب الثاني: أهداف التَّنصير
الدارسون للعمل التَّنصيري يذكرون مجموعة أسباب رئيسية دفعت المنصِّرين للقيام بدعوتهم، ولكنهم يختلفون في تحديد السبب المقدم منها على ما سواه.
فمن الباحثين من يرى أنّ الدّوافع السياسيَّة والرغبة في استعمار البلدان والسيطرة على شعوبها وثرواتها هو الهدف الأسمى، وما عدا ذلك يكون ثانويًّا. ويستدل على ذلك بالواقع الإلحادي المادي للعالم الغربي إجمالًا، وبواقع الأفراد الذين مارسوا التَّنصير بنوازع شخصيّة يرافقها بُعْدٌ عن الأخلاق الحميدةِ واتصافٌ بالعَداءِ الظاهرِ للمسلمين؛ بل وللنَّصارى من
_________
(١) انظر: قاموس الكتاب المقدس، مفردة: كَرَزَ.
1 / 18
أتباع الكنائس الأخرى (١).
ومن الباحثين من يرى أنَّ الهدف الديني هو الأساس الباعث للجهود التَّنصيريَّة، ويستدل على ذلك باستقراء عمل بعض البعثات التَّنصيريَّة كالإرسالية الأمريكية التي عملت في الخليج قرابة أربع وثمانين سنة (من عام ١٨٨٩م إلى عام ١٩٧٣م) بقيادة صموئيل زويمر (٢). فيرى أنَّ هذه الإرسالية كان هدفُها إدخالَ سكان الجزيرة العربية في النَّصرانيَّة (٣).
وهناك من يذكر الهدف الاقتصادي؛ بالتكسب من بيع الأناجيل ونحوها، أو العمل التجاري المعفى من الضرائب الجمركية (٤).
ومن الأهداف التي تذكر؛ الهدف الشخصي، حين يسعى المنصِّر إلى إثبات ذاته، والتعالي على أقرانه.
ومنها السعي للحيلولة دون وصول الدعوة الإسلاميّة إلى النّصارى، أو إلى غيرهم من سائر الأمم، حتى يقف المد الإسلامي من جهة، وتزول العقبة الكبرى أمام تنصير بلدان كثيرة في القارة الإفريقية وغيرها (٥).
ويرى الباحث أنَّ للتنصير أهدافًا عدة، وأنَّ المقدَّمَ منها يعود إلى اعتبارات الزمانِ، والمكانِ، والقائمِ بالعمل التَّنصيري، والفئةِ المستهدفَة.
ففي الحقبة التي تلت الحروب الصليبية، وهجمة احتلال البلاد الإسلاميّة (المسمّاة
_________
(١) من أصحاب هذا الرأي مصطفى خالدي وعمر فروخ؛ انظر كتابهما: التَّبشير والاستعمار، ص٣٤ - ٣٨. وكذا أحمد عبد الوهاب؛ انظر كتابه: حقيقة التَّبشير بين الماضي والحاضر، ص١٥٦.
(٢) هو رئيس إرسالية التَّنصير العربيّة في البحرين، ورئيس جمعيات التَّنصير في الشرق الأوسط، وأحد أكبر أعمدة التَّنصير في العصر الحديث، ويسميه محبوه "الرّسول إلى الإسلام". أنشأ مجلة العالم الإسلامي الإنجليزيّة سنة ١٩١١م، وله العديد من الكتب عن الإسلام، وتوفي سنة ١٩٥٢م. انظر: الموسوعة الميسرة ٢/ ٦٦٦ - ٦٦٧، وانظر: موسوعة ويكيبيديا، مفردة: صموئيل مارينوس زويمر.
(٣) رجح هذا الرأي عبد المالك التميمي في كتابه التَّبشير في منطقة الخليج العربي، ص٤٢. وانظر: أصول التَّنصير في الخليج العربي؛ كوني زيجلر، ص١٣١.
(٤) انظر: التَّنصير ومحاولاته في الخليج العربي؛ عبد العزيز العسكر، ص٢٨.
(٥) انظر: الغارة على العالم الإسلامي؛ شاتليه، ترجمة الخطيب واليافي، ص١٥.
1 / 19
بالاستعمار) (١)، كان التَّنصير منصبًا في الغالب لخدمة الجوانب السياسيّة والعسكريّة.
وفي بعض الأماكن والبلدان يدفع المنصِّرَ إلى عمله حماستُه الدينية لإنقاذ المدعوين من دينونة الخطيئة، ومنحِهم البشارةَ والسعادة في الحياة وبعد الممات باتباع الإنجيل والدخول في مملكة الرب المخلص يسوع كما يعتقد.
ويوجد مَن دفعته النّوازعُ الشخصيّة، أو الأطماعُ الدنيويّة إلى ممارسة العمل التّنصيري.
وفي المجتمعات النَّصرانيَّة يكون الهدفُ تثبيتَ النصراني وتقويةَ إيمانه والحيلولةَ بينه وبين سماع رسالة الإسلام الحقّة النّقيّة من شوائب التحريف والتشويه، أو أي دعوة دينية أخرى. وهكذا في أوساط التجمعات النَّصرانيَّة داخل البلاد الإسلاميّة أو غيرها.
وفي المجتمعات غير النَّصرانيَّة يهدف العمل التَّنصيري لوقف المد الإسلامي، ووقف انتشار أي دين آخر.
وهذا التَّفصيلُ لا ينفي اجتماع أكثر من دافع، أو الاستفادة من العوامل الأخرى.
المطلب الثالث: وسائل التَّنصير
يقسم كثير من الباحثين الوسائل التَّنصيريَّة إلى مباشرة وغير مباشرة.
ويعنون بالمباشرة، تلك المتمثلة في الدعوة الشخصية التي يقوم فيها المنصِّر بالتحدث مع من يستهدفه، ومحاولة إقناعه بالدخول في النَّصرانيَّة.
ومن أشكالها -كذلك- إقامة المناظرات الدينيّة.
_________
(١) درج كثير من الكتّاب على تسميتها بحروب الاستعمار. وهذه المفردة تعني البناء والتشييد واستخراج ثروات الأرض لأجل نفع السّكان، كما في قوله تعالى على لسان صالح ﵇ مذكِّرًا قومه بنعم الله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (سورة هود، من الآية ٦٦). ولقد كان احتلال بلاد المسلمين -في غالبه- نهبًا لخيراتها، ونشرًا لما يُفسد العقائد والأخلاق، فكان تسميته بالاستخراب أولى. وترى الموسوعة الميسرة أن التسمية بالاستعمار مغالطة وتشويش على المعنى الحقيقي، والأولى أن يسمى استعبادًا لا استعمارًا. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ٢/ ٩٥٤. على أنّ استخدامهم لمفردة الاستعباد فيه نظر.
1 / 20