Perfume of Gatherings - Short Lessons on What Muslims Shouldn't Be Ignorant Of
عطر المجالس - دروس قصيرة فيما لا ينبغي للمسلم جهله
خپرندوی
(بدون ناشر)
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٤١ - ٢٠٢٠
ژانرونه
عطر المجالس
دروس قصيرة
فيما لا ينبغي للمسلم جهله
جمع وإعداد
تركي بن إبراهيم الخنيزان
1 / 1
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمدٍ وآله وصحبه أجمعين .. أما بعد:
يقول الله ﵎: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] ويقول النبي ﷺ: «مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» [متفق عليه] قال أهل العلم: مفهوم الحديث: من لم يُرِدِ اللهُ به خيرًا لم يُفقّهه في الدين.
والعلم الشرعي من حيث وجوب تعلمه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يجب على كلّ مسلم تعلّمه، وهو ما يُصَحِّحُ به المرءُ عقيدته وعبادته والمعاملات التي يُقدِم عليها؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [متفق عليه] أي: من عَبَدَ اللهَ بعبادةٍ ليست على وِفق ما شرع الله تعالى ورسوله ﷺ فعمله مردود عليه غير مقبول عند الله تعالى.
القسم الثاني: ما زاد عن العلم الواجب، وهو فرض كفاية، إذا قام بتعلمه من يكفي من الأُمة سقط الإثم عن الباقين.
وقد اجتهدتُ في هذا الكتاب في جمع ما لا ينبغي لعموم المسلمين جهله في
1 / 5
العقيدة والأحكام والأخلاق والمعاملات (^١)، وحرصت أن يكون بأسلوب سهل ولغة ميسرة ليفهمه عموم الناس، ثم قمت بتقسيمه على لقاءات ومجالس قصيرة يسهل تعلمها وتعليمها.
والمرجو أن يكون هذا الكتاب مفيدًا لفئات من المسلمين:
فالأسرة المسلمة يمكنها أن تجعل لها لقاءً دوريًا يُقرأ فيه هذا الكتاب وغيره من الكتب المفيدة.
وإمام المسجد يمكنه أن يلقيه على جماعة مسجده بعد الصلوات.
والداعية إلى الله يمكنه أن يجعله في كلمات ودروس يذّكر بها ويُرْشد.
والمعلم في مدرسته ينتقي منه ما يناسب طلابه ليفقههم في أمر دينهم.
والقنوات الفضائية والإذاعات الصوتية يمكنهم تحويل مادته لحلقات مرئية ومسموعة.
والفرد مسلمًا كان أو مسلمة يمكنه الاستفادة منه بالقراءة الفردية أو بالتشارك مع أقاربه وزملائه.
وغير ذلك من أوجه الاستفادة من هذا الكتاب الذي أرجو من الله أن يكون مباركًا على قارئه وسامعه وكاتبه.
_________
(^١) من الناس من يجب عليه تعلّم علوم وأحكام معيّنة حسب ما يمارس في حياته، فالذي يتعامل مع الأسهم والبورصة يجب عليه تعلّم الأحكام التي تخصها، والطبيب يجب عليه تعلّم الأحكام التي تخص مهنة الطب، وبالجملة: يجب أن يتعلم المسلم الأحكام التي تخص ما يمارسه في حياته حتى يعبد الله على بصيرة ولا يقع في محظور بغير علم.
1 / 6
وقد جمعت مادة هذا الكتاب من كتب أهل العلم والفضل ومن فتاوى كبار العلماء (^١)، وأعدت صياغتها وترتيبها، وهو جهد بشري يعتريه النقص والخطأ ويفتقر إلى تسديد الله أولًا ثم تسديد من يطّلع عليه.
أسأل الله أن يجعله خالصًا لوجهه متقبلًا نافعًا، وأن يغفر ما فيه من خطأ أو نقص، كما أسأله سبحانه أن يجزي كل من أعانني على هذا العمل وسددني خيرا، والله أعلم.
_________
(^١) أشرت إلى المراجع في آخر الكتاب.
1 / 7
أركان الإيمان
1 / 9
مدخل
سنتحدث -بمشيئة الله- في الدروس القادمة عن سلسلةٍ من المواضيع التي تَهمّ كل مسلم، في إيمانِه وعباداتِه ومعاملاتِه، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بها.
ونتحدث في هذا الدرس عن أمرٍ جعلهُ الله شرطًا لقبول العمل ودخول الجنة، ألا وهو الإيمان، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٩].
والإيمان هو: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح (وهي الأعضاء)، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، نسأل الله العظيم أن يزيدنا إيمانًا وأن يجدّده في قلوبنا.
وقد بيّن النبي ﷺ أركان الإيمان في حديث جبريل ﵇، حيث قال: أخبرني عن الإيمان، قال ﷺ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» [رواه مسلم].
وإذا تبين هذا فإليك بعضًا من ثمرات الإيمان وآثارِه الطيبة، التي بقَدْرِ كمالِ إيمانِك يكون تحقّقها فيك:
- فمنها: الحياة الطيبة في الدَّارَيْنِ، قال ﷿: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ
1 / 10
أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]
- ومنها: الأمن والهداية، يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢].
- ومنها: تثبيت القلب، قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧].
- ومنها: استغفار الملائكة للمؤمن، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧].
- ومنها: عدم تسلط الشياطين على المؤمن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٩٩].
- ومنها: دفاع اللهِ عنِ المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨].
نكتفي بهذا القدر، ونتحدث -بمشيئة الله- في الدرس القادم عن الركن الأول من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالله تعالى.
1 / 11
الإيمان بالله تعالى
نتحدث في هذا الدرس عن الركن الأول من أركان الإيمان، ألا وهو: الإيمان بالله تعالى، ويتضمن أربعة أمور:
١ - الإيمان بوجود الله تعالى، وقد دلَّ على وُجُودِه سبحانه العقلُ والفطرةُ، فضلًا عن الأدلة الشرعية الكثيرة، فكل مخلوق قد فُطِرَ على الإيمان بخالقه من غير سَبْقِ تفكير أو تعليم، كما قال النبي ﷺ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» [متفق عليه]، وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى ففي قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥] يعني: أن هذه المخلوقات لم تُخلق صدفة من غير خالق، كما أنها لم تَخلُق نفسها، فلم يبقَ إلا أنها خُلِقت بتقدير العزيز العليم سبحانه، الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى.
٢ - ويتضمن الإيمان بالله: الإيمان بربوبيته تعالى، أي: أن نؤمن أن الله ﷿ وحده الرب الخالق لكل شيء، المالك لكل شيء، المُدبّر لجميع الأمور؛ كالرزق والإحياء والإماتة وإنزال المطر وغير ذلك، يقول الله سبحانه: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٥٤].
٣ - كما يتضمن الإيمان بالله: الإيمان بألوهيته سبحانه: وذلك بأن نُفرِدَ الله
1 / 12
تعالى بالعبادة، فلا نَصرف شيئًا من العبادة لغير الله ﷾، ونتبرأ من كل ما يُعبد من دونه ﷿ وهذا هو مقتضى شهادةِ أن لا إله إلا الله.
والعبادة التي يجب ألا تُصرف إلا لله وحده تشمل: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فتشمل: الصلاة والدعاء والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة والخوف والرجاء وغيرها.
- وتوحيد الألوهية ويُسمى كذلك توحيد العبادة، هو الأصل في جميع الرسالات السماوية، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبود أو متبوع أو مُطاع»، وقال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى: «والطواغيت كثيرون. ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عُبِد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادّعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله» (^١).
٤ - ومما يتضمنه الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه الحُسنى وصفاته العُليا، وذلك بأن نؤمن بما أثبته الله ﷿ لنفسه وما أثبته له نبيُّه ﷺ من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به ﷿، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل (^٢)، قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] فنفى التمثيل
_________
(^١) ثلاثة الأصول وأدلتها، للإمام محمد بن عبدالوهاب ﵀.
(^٢) التحريف: صرف اللفظ عن المعنى الذي يدل عليه بدون دليل، والتعطيل: نفي صفات الله أو أسمائه، والتكييف: اعتقاد أن صفات الله على كيفية معينة مما تتخيله العقول، والتمثيل: اعتقاد مماثلة أي شيء من صفات الله لصفات المخلوقين.
1 / 13
والتكييف بقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ونفى التحريف والتعطيل بقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
نسأل الله الكريم الوهاب أن يملأ قلوبنا بالإيمان ويثبتها باليقين ويزينها بالإخلاص، نكتفي بهذا القدر، ونتحدث -بمشيئة الله- في الدرس القادم عن أعظم ذنب عُصيَ اللهُ به، وهو الشرك.
1 / 14
أعظم ذنب عُصيَ الله به
نتحدث في هذا الدرس عن أعظم ذنبٍ عُصي الله تعالى به، وهو مُنافٍ للإيمان بالله وتوحيده، ألا وهو الشرك بالله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان:١٣]، وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: سألت النبي ﷺ أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ لِله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» [متفق عليه] والنِدّ: يعني الشريك.
والشرك نوعان: شركٌ أكبر، وشركٌ أصغر:
- فالشرك الأكبر: هو أعظم الذنوب ولا يَغْفره الله إلا لمن تاب، وهو مُحبِط لجميع الأعمال، ومن مات عليه فهو خالد مُخلّدٌ في النار والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٨]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ الله فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥ - ٦٦].
وحقيقة الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسانُ لله شريكًا أو مثيلًا في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.
1 / 15
- والشرك تارةً يكون ظاهرًا: كمن يَعْبد الأوثانَ، ويدعو أهل القبور والأصنام.
- وتارةً يكون خفيًّا: كشرك المتوكلين على غير الله من الآلهة المختلفة، أو كشرك وكفر المنافقين.
- وتارةً يكون الشرك في الاعتقاد: كمن يعتقد أن هناك من يخلق ويرزق ويعلم الغيب مع الله تعالى، أو يعتقد جواز صرف العبادة لغير الله، أو يعتقد أن هناك من يُطاعُ طاعةً مُطلقة مع الله، أو أن يُحبّ مخلوقًا محبّة تألّه كما يُحبّ الله ﷿.
- وتارةً يكون في الأقوال: كالدعاء والاستعاذة والاستغاثة بالأموات والغائبين.
- وتارةً يكون في الأفعال: كمن يذبح أو يصلي أو يسجد لغير الله، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣].
وقانا الله من الشرك ظَاهِرِهِ وخَفِيِّهِ، نكتفي بهذا القدر، وفي الدرس القادم نكمل الحديث -بمشيئة الله- عن النوع الثاني وهو الشرك الأصغر.
1 / 16
الشرك الأصغر
نواصل حديثنا عن أنواع الشرك، ونتحدث في هذا الدرس عن النوع الثاني من أنواع الشرك، ألا وهو: الشرك الأصغر:
- والمراد بالشرك الأصغر: كُل ما نَهى عنه الشرَّع مما هو وسيلةٌ وذريعةٌ إلى الشرك الأكبر، وجاء في الكتاب أو السُّنَّة تسميتُه شِركًا.
قال ﷺ «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرِّيَاءُ، يَقُولُ الله لَهُمْ يَوْمَ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُم تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» [رواه الإمام أحمد وصححه الألباني]. والرياء: هو تحسينُ العبادةِ في الظَّاهر أو إظهارُها أو الإخبارُ عنها بقصد رؤيةِ النَّاسِ وكسبِ الثّناءِ منهم.
- ومما يدخل في الشرك الأصغر، ما يلي:
١. الاعتقاد في شيءٍ أنه سببٌ لجلب النَّفع أو دفع الضُّر ولم يجعله اللهُ سببًا لذلك. قال ﷺ: «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» [رواه أبو داود وصححه الألباني] والمقصود بالرُّقى التي في الحديث: أي الرُّقى التي لا يُفهم معناها، أو الرُّقى المشتملة على الشرك بالله. والتمائم: هي كل ما يُعلَّق على الإنسان أو الحيوان
1 / 17
أو الممتلكات لدفع العين وغيرها (^١)، والمراد بالتِّوَلة: نوع من السحر يزعمون أنه يُحبِّبُ الزوجةَ إلى زوجها والزوجَ إلى زوجته.
٢. الشرك في الألفاظ: كالحلف بغير الله، وقول القائل: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وفلان، ونحوهما، قال ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني]. وقال ﷺ: «لا تَقُولُوا: مَا شَاءَ الله وَشَاءَ فُلانٌ وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ الله ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ» [رواه أبوداود والنسائي وصححه الألباني].
رزقنا الله الإخلاص وحسن العمل، وعافانا من الرياء قليله وكثيره، نكتفي بهذا القدر، وفي الدرس القادم نتحدث -بمشيئة الله تعالى- عن الركن الثاني من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالملائكة.
_________
(^١) وسُمِّيَت التّميمة بذلك؛ لاعتقادِهم أنَّهم يَتِمُّ أمرُهُم ويُحفظون بها.
1 / 18
الإيمان بالملائكة
نستكمل حديثنا عن أركان الإيمان، ونتحدث في هذا الدرس عن الركن الثاني وهو:
الإيمان بالملائكة: وذلك بأن نؤمن بوجودِهم وأنهم عِبادٌ مُكرمون، خلقهم الله من نور، واستعملهم في طاعته، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. يقول الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥].
- والملائكة عباد طائعون لله تعالى، قال الله ﷿ فيهم: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧]، وقال ﷿: ﴿لَّا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].
- ومما ورد في صفاتهم الخَلْقيّة، قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِله فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر: ١]، وقال رسول الله ﷺ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ» [رواه مسلم]، وقال ﷺ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ الله مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» [رواه أبوداود].
1 / 19
- وقد ورد من أسمائهم وأعمالهم ما يلي: جبريل ﵇: وهو الأمين على الوحي قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء:١٩٣ - ١٩٤]، وميكائيل ﵇: المُوَكَّلُ بالقَطْر وإنزال الأمطار، وإسرافيل ﵇: المُوَكَّلُ بالنفخ في الصور، وملك الموت ﵇: المُوَكَّلُ بقبض الأرواح، ومن الملائكة: الحَفَظَة والكِرام الكاتبون، وخَزَنَة الجنة وخَزَنَة النار وغيرهم ممن لا يعلمهم إلا الله تعالى.
- والإيمان بالملائكة يقتضي محبتهم ومودتهم، يقول الله تعالى: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لله وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٩٨].
- وعلى المسلم أن يجتنب ما يسيء إليهم ويؤذيهم، ومن ذلك ما جاء عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» [رواه مسلم]، وكذلك قوله ﷺ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» [رواه مسلم].
جعلنا الله ممن يؤمن بالملائكة ويحبهم ويجتنب ما يؤذيهم، نكتفي بهذا القدر، ونتحدث في الدرس القادم - بمشيئة الله تعالى - عن الركن الثالث من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالكُتُب.
1 / 20
الإيمان بالكتب
نتحدث في هذا الدرس عن الركن الثالث من أركان الإيمان، وهو:
الإيمان بالكتب: وذلك بأن نؤمن بجميع ما أنزل الله على رسله من كتب، حُجّة على العالمين وهداية للمهتدين.
- ونُؤمن -على التخصيص- بما سماه الله لنا منها: كالتوراةِ التي أنزلها الله على موسى ﵇، والإنجيلِ الذي أنزله الله على عيسى ﵇، والزبورِ الذي أنزله الله على دواد ﵇، والقرآنِ الذي أنزله الله على خاتم النبيين محمد ﷺ. يقول الله ﷿: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَبِّهِم﴾ [البقرة: ١٣٦].
- والقرآن خاتم الكتب السماوية، وهو ناسخٌ لما سبقه من الكتب المُنزّلة؛ قال الله ﷿: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] فقوله: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) يَقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له؛ فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب.
- ويجب على المسلم تعظيم كتاب الله والنصحِ له؛ بتحليلِ حلالِه وتحريمِ حرامِه، والاعتبارِ بقَصَصِهِ وأمثالِه، والعملِ بمقتضاه، وتلاوتِه حقَّ تلاوتِه،
1 / 21
والدفاعِ عنه.
رزقنا الله فَهْمَ كتابِه والعملَ بمقتضاه، نكتفي بهذا القدر، ونتحدث في الدرس القادم -بمشيئة الله- عن الركن الرابع من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالرُّسُل.
1 / 22
الإيمان بالرسل
نتحدث في هذا الدرس عن الركن الرابع من أركان الإيمان، وهو:
الإيمان بالرسل: وذلك بأن نؤمن بأن الله تعالى بَعَثَ في كلِّ أمة رسولًا منهم، يدعوهم إلى عبادةِ الله وحده لا شريك له واجتنابِ عبادةِ الطاغوت، وأن الرُّسلَ كلهم أَتْقياء أُمَناء، هُداة مُهْتدون، وأنهم بَلّغوا جميع ما أَرسَلَهُم الله به، فلم يكتموا ولم يُغيّروا، ولم يَزيدوا فيه من عند أنفسهم حرفًا ولم ينقصوه، قال تعالى: ﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦].
- ونؤمن -على التخصيص- بمن سمَّى الله منهم، كمحمدٍ وإبراهيمَ وموسَى وعيسَى ونوحٍ وغيرهم من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.
- ومن كذّب برسالةِ واحد منهم فقد كفر بالجميع، ولذا قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥] وقال: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٢٣] ومعلوم أن كل أمة كذبت برسولها، إلا أن التكذيب برسولٍ واحدٍ هو تكذيبٌ بجميع الرسل باعتبار وَحدة الدين ووَحدة المُرسِل ﷿.
- وقد ختم الله ﷿ الرّسل بنبينا محمد ﷺ، كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
1 / 23
أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، وجعل الله دينه ناسخًا لما قبله من الأديان، قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]، وقال ﷺ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار» [رواه مسلم].
- ومن زعم بأن الله يقبل دينًا غير شريعة محمد ﷺ بعد مبعثه، فهو كافر، لتكذيبه للقرآن والسنة وإجماع علماء المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن آمن بالرسل واقتفى أثرهم واقتدى بهم، نكتفي بهذا القدر، ونتحدث في الدرس القادم - بمشيئة الله- عن الركن الخامس من أركان الإيمان، وهو الإيمان باليوم الآخر.
1 / 24