رابعًا: التحذير من خطباء السوء الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون بخلاف ما يقولون، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون.
عباد الله! رجع رسول الله ﷺ من رحلة الإسراء والمعراج قرير العين، منشرح الصدر، مطمئن القلب، عازمًا على مواصلة الدعوة إلى الله، واثقًا من أن الله ناصره، ومظهر دينه. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)﴾ [الصف: ٩].
عباد الله! لم يدع رسول الله ﷺ فرصة للاجتماع بالناس وتبليغهم الدعوة - وخاصة في موسم الحج عندما تقبل القبائل إلى مكة-، وكان مما خاطب به رسول الله ﷺ الناس في الموقف: "هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ﷿؟! " (١).
عباد الله! "لما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيه، وإنجاز موعده له خرج رسول الله ﷺ في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطًا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا، قال لهم رسول الله ﷺ: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج قال: من موالي يهود؟ قالوا: نعم. قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم الإِسلام وتلا عليهم القرآن .. فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإِسلام.
(١) "صحيح سنن أبي داود" (٣٩٦٠).