سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام
سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام
خپرندوی
مكتبة الغرباء
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٢٨ هـ
د خپرونکي ځای
الدار الأثرية
ژانرونه
سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ ﵊
أعَدّهُ
أبوُ إسلام
صَالح بن طه عَبد الوَاحِد
أعزه الله بالإسلام
إمام وخطيب مسجد إبراهيم الحاج حسن
الأردن - عمان
راجعهُ وقدَّم لهُ
فضيلة الشيخ: سليم بن عيد الهلالي، حفظه الله
فضيلة الشيخ: مشهور بن حسن آل سلمان، حفظه الله
مكتبة الغرباء - الدار الأثرية
ناپیژندل شوی مخ
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
مقدمة / 2
سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ ﵊
مقدمة / 3
جميع الحقوق محفوظة
الطّبعة الثانِيَة
ربيع الأول ١٤٢٨ هـ
مكتبة الغرباء
الأردن - عمان - هاتف: ٤٧٨٩٣٩٩
الدار الأثرية
عمان - الأردن - تلفاكس ٦٥٦٥٨٠٤٥/ ٠٠٩٦٢
خلوي: ٧٩٥٩٤٣٤٥٦/ ٠٠٩٦٢ - ٩٢٥٥٩٥ - الرمز البريدي: ١١١٩٠
الرمز الإلكتروني: alatharya١٤٢٣@yahoo.com
مقدمة / 4
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه وجنده.
أما بعد: فإن السيرة النبوية تسجيل صادق لحياة سيد البشر، ورسول رب العباد: محمد ﷺ، حيث اختاره الله للرسالة الإلهية الخاتمة الخالدة، ليضع بين يدي البشرية مفاتح سعادتها، ويضع أقدامها على مراقي العز، فمن أخذ ذلك بقوة، كان ممن قال الله فيهم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، وممن وصفهم المولى ﷾ بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة:١٤٣].
ولذلك؛ فإن الله ﷻ جعل مناط القدوة ومحل الأُسوة محمدًا رسول الله ﷺ، فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١].
وجعل معيار التقوى اتباع رسول الله ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١].
ولن تبلغ الأمة كمالها ولن يتم للعبد تمام التأسي وحقيقة الاتباع، إلا بمعرفة سيرة خير البرية وسيد البشرية، ودراستها، بتمحيص وتوثيق، ليصفو للمتبع الثابت الصحيح المقبول من سيرة الرسول ﷺ.
وممن ساهم في هذا الجانب وقام مقامًا محمودًا أخبرنا في الله الشيخ
مقدمة / 5
أبو إسلام صالح طه -وفقه الله- حيث ألقى سيرة رسول الله ﷺ في خطب ماتعة في مسجد إبراهيم الحاج حسن، فجاءت مترابطة متراصة آخذ بعضها برقاب بعض؛ لتكون في نهاية المطاف هذا الكتاب الحافل في سيرة خير الأنام محمَّد ﷺ.
وقد مررت بها ووقفت عليها؛ فوجدتها جديرة بالنشر، ليعم بها النفع. سائلًا المولى ﷿ أن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتبه
حامدًا ومصليًا ومسلمًا
أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي
أصيل يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة
بقيت من جمادى الآخرة في عمان البلقاء
عاصمة جند الأردن من بلاد الشام المحروسة
مقدمة / 6
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)﴾
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فهذه مجموعة من الخطب المنبربة ألقاها أخبرنا الشيخ أبو إسلام صالح بن طه عبد الواحد -حفظه الله ونفع به- وهي في "السيرة النبوية".
وتمتاز هذه الخطب بالاعتماد على الأحداث الصحيحة منها، وتحقيق ذلك في السيرة خاصة يحتاج إلى جهد جهيد، وتعب في البحث والتنقيب، و"أي خير في حديث اختلط صحيحه بواهيه، وأنتَ لا تفليه، ولا تبحث عن ناقليه".
ومن ميزات الكتاب: التحليل الجيّد للحَدَث الذي يتكلم عنه، وذكر العظات والعبر والفوائد منه، والتركيز منها على ما يخص حال الأمة الآن.
ويزين ذلك كله: جودة حفظ أخينا الشيخ أبي إسلام للأحداث، والتمكن منها، وسرد الأحاديث الطويلة جدًا من ذاكرته، مع حُسن إلقاء على وجهٍ مؤثّرٍ.
فازدان الموضوع والأُسلوب، والاختيار والتحليل ولا شك أن السيرة النبوية هي التطبيقات العملية لما يحب الله ويرضى، وتجسيد للمعاني والأحكام والأخلاق في الواقع العملي، ليتحقق مقام العبوديّة، وما أحوج
مقدمة / 7
الناس هذه الأيام لأمثال هذه الخطب، ولئن فات كثير من القراء استماع هذه الخطب فإنها جُمعت -ولله الحمد- بين دفَّتي هذا الكتاب، ليعمّ به النَّفع، وما ذلك على الله بعزيز.
وكتب
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
مقدمة / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ ﴿آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء:١]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار (١).
عباد الله!
قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)﴾ [التوبة: ١٢٨].
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان النبيّ ﷺ يفتتح بها خطبه.
مقدمة / 9
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)﴾ [التوبة: ٣٣].
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)﴾ [الأحزاب: ٢١].
وقال رسول الله ﷺ: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام" (١).
ودعوة إبراهيم ﵇ هي قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)﴾ [البقرة: ١٢٩].
وبشرى عيسى: كما أشار إليه قوله ﷿ حاكيًا عن المسيح ﵇: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)﴾ [الصف: ٦].
وقوله: "ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام" قال ابن رجب: خروج هذا النور عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ
_________
(١) رواه أحمد (٥/ ٢٦٢)، والحاكم (٢/ ٠ ٦٠)، "مجمع الزوائد" (٨/ ٢٢٢)، وإسناد أحمد حسن وله شواهد تقويه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
مقدمة / 10
تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)﴾ [المائدة: ١٥ - ١٦].
وقال ابن كثير: وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها ولهذا جاء في الصحيحين: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، وفي صحيح البخاري: "وهم في الشام" (١).
عباد الله! وهذه الفرقة الناجية المنصورة هي التي عرفت ربّها فعبدته ولم تُشرك به شيئًا استجابةً لقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ وعرفت رسولها فاتبعته وتأست به ولم تبتدع في دين الله استجابة لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)﴾ [الأحزاب: ٢١].
وعرفت أصحاب رسول الله ﷺ فسلكت منهجهم وسبيلهم استجابة لقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
ولقوله ﷺ: "وستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلهم في النار إلا
_________
(١) انظر: "تفسير ابن كثير" (١/ ١٨٤)، رواه البخاري، كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" (٨/ ١٨٩) رقم ٧٣١١.
مقدمة / 11
واحدة" قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: "هي التي تكون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
فالنجاة يا عباد الله في توحيد الله في العبادة وتوحيد رسوله ﷺ في الاتباع
وتوحيد الصحابة ﵃ في المنهج والفهم.
عباد الله! وانطلاقًا من قوله تعالى على لسان هود ﷺ: ﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)﴾ [الأعراف:٦٨].
وقوله ﷺ: "الدين النصيحة"، قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (١).
وقوله ﷺ: "الدال على الخير كفاعله" (٢).
منذ عشرين عامًا أو يزيد وأنا في مسجد إبراهيم الحاج حسن (عمان/الأردن) أركّز في خطب الجمعة على العقيدة الصحيحة وسيرة رسول الله ﷺ وسيرة الصحابة الكرام ﵃.
ففي العقيدة ألقيتُ مجموعة من خطب الجمعة بعنوان "العقيدة أولًا لو كانوا يعلمون" وقد خرجت بفضل الله وكرمه إلى الوجود كتابًا في أربعة مجلدات.
ثم بعدها ألقيت مجموعة من الخطب بعنوان "ثمرات الإيمان" وخرجت إلى الوجود في مجلدٍ واحدٍ بعنوان "أحسن البيان من مواقف أهل الإيمان".
_________
(١) رواه مسلم.
(٢) "صحيح الجامع" (٣٣٩٣).
مقدمة / 12
ثم ألقيت بعدها مجموعة من الخطب بعنوان "الدعاء النافع" وهي تحت الطبع يسر الله خروجها في مجلدٍ واحدٍ أيضًا.
ثم انتقلت من العقيدة إلى سيرة الرسول ﷺ: فألقيت مجموعة من الخطب في سيرة النبي ﷺ وستخرج قريبًا بإذن الله تعالى إلى الوجود مجلدًا واحدًا بعنوان "سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام ﵊"
وهي كتابنا هذا الذي بين أيديكم.
ثم انتقلت من سيرة رسول الله ﷺ إلى سيرة أصحابه الكرام ﵃ الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ولنصر دينه ونحن ما زلنا بصدد الحديث عنها.
والله أسال أن يتقبل عملي خالصًا لوجهه وأن ينفعني به يوم القيامة ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)﴾.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أبو إسلام صالح بن طه عبد الواحد
إمام وخطيب مسجد إبراهيم الحاج حسن
عمان- الأردن
٢٣ من شهر شعبان لعام ١٤٢٤ من الهجرة
الموافق ١٩ تشرين أول لعام ٢٠٠٣ ميلادي
مقدمة / 13
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
الخطبة الأولى: ثمار دراسة السيرة النبوية
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع سلسلة جديدة من المواعظ بعنوان:
1 / 5
محمد رسول الله والذين معه
وقفات تربوية مع سيرة رسول الله ﷺ، وأصحابه الكرام ﵃ فيها دروس وعظات وعبر.
عباد الله! وهذا العنوان أخذناه من كتاب ربنا من قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾ [الفتح: ٢٩].
عباد الله! وهذه الآية الكريمة هي الآية الأخيرة من (سورة الفتح) التي قال الله فيها لرسوله ﷺ: ﴿إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُّبِينًا (١)﴾ وهذا اليوم الذي نبدأ فيه هذه السلسلة من المواعظ: هو اليوم الأول من السنة الهجرية لعام ألفٍ وأربع مئة وثلاثة وعشرين (١٤٢٣هـ)، وهذا يوم يذكرنا بهجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة ليقيم دولة الإِسلام في المدينة، والتي فتح من خلالها قلوب العباد والبلاد؛ فبهذه المناسبة -نسأل الله ﵎ فهو الجدير بالإجابة- أن يجعل هذه السلسلة من المواعظ سببًا لهجرة المسلمين إلى ربهم ليعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئًا، وإلى سنة رسولهم ليتبعوه وحده ويبتعدوا عن البدع والخرافات، وأن يعودوا إلى منهج الصحابة ﵃ وأن يتركوا السبل القصيرة التي على كل سبيل منها شيطان يدعُ الناس إليه، وأن يكون ذلك سببًا للفتح المبين ولنصر المسلمين على أعداء الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 6
عباد الله! في هذه الآية الكريمة: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اَللهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ﴾ يثني ربنا جل وعلا على رسوله ﷺ وعلى الصحابة الكرام، ففي قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اَللهِ﴾: يخبرنا ربنا جل وعلا عن محمَّد ﷺ أنه رسوله حقًا بلا شك ولا ريب، وهو خاتم الرسل والأنبياء فلا نبي بعده ولا رسول بعده.
وفي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ ثناء من الله تعالى على صحابة رسول الله ﷺ في تعاملهم مع الكفار بالشدة، ومع المؤمنين بالرحمة والعطف، فالكافر الذي هو عدو لله ولرسوله ﷺ يُعَامَلُ بشدةٍ وغلظةٍ، والمؤمن الذي رضي بالله ربًا وبالإِسلام دينًا وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا يُعَامَلُ بالعطف والرحمة والمحبة والحنان.
كيف لا، والله ﷿ يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
عباد الله! الإخوة رابطة قوية، تربط المؤمنين بعضهم ببعض.
ويبين ﷺ شدة هذه الرابطة.
فيقول ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبك بين أصابعه (١).
ويقول ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (٢).
فإذا نظرنا يا عباد الله! إلى أحوال المسلمين الآن، فإنه ينطبق علينا العكس تمامًا إلا من رحم ربي، رحماء مع الكفار أشداء فيما بيننا و"إنا لله وإنا إليه راجعون".
_________
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم ٤٨١)، ومسلم (رقم ٢٥٨٥).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم ٦٠١١)، ومسلم (رقم ٢٥٨٦).
1 / 7
عباد الله! وفي قوله تعالى: ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾.
بعد أن بين الله ﵎ كيف يتعامل الصحابة مع الخلق، يخبرنا عنهم كيف يتعاملون مع الخالق؛ فهم يتقربون إلى الله ﷿ بالأعمال الصالحة تراهم ﴿رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ وفي موضع آخر ﴿يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾.
ماذا يريدون بهذه العبادة؟ ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ يريدون بعبادتهم وجه الله، يريدون بعبادتهم رضا الله والجنة، إيمان صادق، أعمال صالحة، إخلاص لله ﷿. فظهر ذلك على وجوههم قال تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ انظر إلى رجل في صلاة الفجر بات لله ساجدًا وقائمًا ترى النور يعلو وجهه، وانظر إلى رجل ترك الصلاة وأكل الربا وبات على معصية الله ترى على وجهه السواد والغبرة، ثم يخبر ربنا جل وعلا أن مثل الصحابة هذا موجود في التوراة قبل تحريفها ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ انظر إلى النبات كيف يبدأ صغيرًا ثم يكبر، ثم يخرج شطأه -أي فراخه- ثم يثمر ويعجب الزراع حينذاك.
فالصحابة بدأوا قلة ثم كثروا ثم قامت لهم قائمة، ثم كانت لهم دولة فغاظوا بذلك الكفار وفتحوا الدنيا من مشرقها إلى مغربها. ولذلك وعدهم الله تعالى بالمغفرة والأجر العظيم.
فقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾.
1 / 8
عباد الله! وهذا سؤال:
ما هي الفائدة من دراسة سيرة النبي ﷺ، وسيرة أصحابه الكرام ﵃؟
عباد الله! الفوائد من دراسة السيرة النبوية وسيرة الصحابة ﵃ كثيرة وكثيرة جدًا، ومنها:
الفائدة الأولى: معرفة أسباب نزول كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا مما يعين على فهمهما والاستنباط منهما أو معايشة أحداثهما. فمثلًا: قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)﴾ قالوا: نزلت في صهيب الرومي ﵁ عندما أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة، فأتبعه نفر من قريش فقالوا له: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا فكثر مالك عندنا، فبلغت ما بلغت، ثم تنطلق بنفسك ومالك؟! والله لا يكون ذلك، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجالًا، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي من يدي منه شيء فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي قالوا: نعم، ففعل.
فلما قدم على النبي ﷺ قال "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع"، ونزل قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٢٠٧)﴾ (١).
_________
(١) حديث صحيح أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٢٢٨) والحاكم في "المستدرك" (٣/ ٣٩٨) وقال عقبه: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وانظر "أسباب النزول" للواحدي (ص ٣٩)، و"فقه السيرة" (ص ١٦٦) وتعليق شيخنا الألباني ﵀ عليه.
1 / 9
وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)﴾ [التوبة: ١١١]
الفائدة الثانية: معرفة الطريق الذي يوصل إلى رضا الله والجنة ويتمثل فيما يلي:
أولًا: في عبادة الله وحده والابتعاد عن الشرك.
ثانيًا: في اتباع النبي وحده والابتعاد عن البدع والخرافات.
ثالثًا: في سلوك منهج الصحابة الكرام والابتعاد عن سبل الشيطان.
عباد اللهَ! والصحابة ﵃ ضربوا لنا مثلًا أعلى في عبادتهم لله، وفي اتباعهم للنبي ﷺ، وقد جاءت أدلة في الكتاب والسنة تأمر المسلمين أن يسلكوا منهج الصحابة؛ لأنهم قوم رضي الله عنهم ورضوا عنه، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)﴾ [النساء: ١١٥].
ويقول ﷺ:"وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار، إلا ملة واحدة" قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" (١).
_________
(١) "صحيح الجامع" (٢٥١٩).
1 / 10
ويقول ﷺ: " .. وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي -أي طريقتي- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" (١).
عباد الله! فعندما ندرس سيرة النبي ﷺ وأصحابه يتبين لنا الطريق الذي يوصل إلى رضا الله والجنة.
الفائدة الثالثة: يعرف المسلمون من أين ينطلقون وكيف يبدؤون.
فالرسول ﷺ بُعث في الناس وهم في ضلال مبين يعبدون الأصنام ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، ويقطعون الأرحام، والقوي يأكل الضعيف، ويشربون الخمر. من أين بدأ النبي ﷺ دعوته لهذا المجتمع الذي يتقلب في الضلال المبين؟ هل بدأ بالمواجهة المسلحة فأعلنها حربًا وتدميرًا وإرهابًا للكفار في مكة؟
الجواب: لا.
هل بدأ بدخول البرلمانات النيابية والوصول إلى المناصب العليا في البلاد لتوصيل الإِسلام لهم؟
الجواب: لا.
هل بدأ ﷺ برفع راية الجهاد أولًا لتحرير الأرض من يد الفرس والروم؟
الجواب: لا.
هل بدأ بثورة إصلاحية لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؟
الجواب: لا.
ولكنه ﷺ بدأ بدعوة الناس أولًا إلى عقيدة التوحيد؛ إلى "لا إله إلا الله"؛ وهذه هي دعوة الأنبياء كلهم قبله.
_________
(١) "صحيح الترمذي" (رقم ٢١٥٧) "صحيح ابن ماجه" (٤٢)، "رياض الصالحين" (رقم ١٦١، ١٧٥، ٧٠٧) تحقيق الألباني.
1 / 11