Orientalists and Missionary Efforts
المستشرقون والتنصير
خپرندوی
-
د ایډیشن شمېره
الأولى
ژانرونه
[المقدمة]
المستشرقون والتنصير
ناپیژندل شوی مخ
المقدمة عندما شرعت في قراءة كتاب " المستشرقون الناطقون باللغة الإنجليزية دراسة نقدية " لعبد اللطيف الطيباوي، وجدت الكاتب قد ركز على " الخلفية الدينية " لكثير من المستشرقين البريطانيين الذين ناقشهم في مقالته التي ترجمت إلى اللغة العربية ونشرت أكثر من مرة.
وكنت قد بدأت البحث عن الصلة بين الاستشراق والتنصير في مقالة نشرت في إحدى الدوريات العلمية، وضمنتها كتاب الاستشراق في الأدبيات العربية، ففتح لي بحث الطيباوي التوسع في هذا المجال ومحاولة التعرف على المستشرقين المنصرين، أو الذين خدموا التنصير بوجه من الوجوه.
ويظهر التردد الواضح في إيجاد الصلة، لا سيما إذا كان يراد التعميم في هذه الصلة أو الرابطة والعلاقة، أو تأكيد ذلك التوجه الذي يرفض الاستشراق جملة وتفصيلا، ويسعى في سبيل تأييد هذا الرفض إلى إيجاد المسوغات التي قد تتسم بالتعسف أحيانا لإظهار مقاصد الاستشراق بالمظهر الذي يريد الوصول إلى التشكيك في الاستشراق تعميما.
وهذا ليس دفاعا عن الاسشراق، ولا يسعى هذا البحث إلى ذلك، فللمستشرقون من دافع عنهم، ومن لا يزال يدافع عنهم من بينهم ومن المتأثرين بهم، وبما قدموه للثقافة العربية من جهد. وإنما القصد من هذه المقدمة محاولة النظر إلى ظاهرة الاستشراق بارتباطاتها المتعددة نظرة
1 / 7
موضوعية قائمة على البحث العلمي المتجرد من سيطرة الهوى والعاطفة الزائدة عن المطلوب.
وأؤكد أن الهوى بارز في دراساتنا العربية الإسلامية عن الاستشراق، وكذا العاطفة، ولن نستطيع أن نكون من الموضوعية والتجرد التام، بحيث نغفل انتماءنا إلى هذه الثقافة التي نجادل المستشرقين حولها، ونحاورهم فيها، ولكننا نسعى ألا يسيطر علينا الهوى، ولا تجيش بنا العاطفة إلى الدرجة التي تؤدي بنا إلى أن نغفل الموضوعية والتجرد، مما يؤدي في النهاية إلى رفض الطرح القائم على هذه المنهجية، ويكون أثرا في التوجه إلى المستشرقين، وقبول ما جاءوا به.
ومسألة ارتباط الاستشراق بالتنصير مسألة مسلم بها من المستشرقين أنفسهم، قبل التسليم بها من الدارسين للاستشراق من العرب والمسلمين، ولكن من غير المسلم به ربط الاستشراق كله بالتنصير، وربط التنصير كله بالاستشراق، إذ إن هناك استشراقا لم يتكئ على التنصير، كما أن هناك تنصيرا لم يستفد من الاستشراق. وتتحقق هذه النظرة إذا ما تعمقنا في دراسة الاستشراق من حيث مناهجه وطوائفه وفئاته ومدارسه ومنطلقاته، وأهدافه.
وقد أثارت مقالة " عبد اللطيف الطيباوي " فكرة التوسع في دراسة العلاقة بين التنصير والاستشراق، بعد أن كاد الموضوع يترك لما هناك من التوجه
1 / 8
في " نسيان الماضي "، والتعامل مع الاستشراق من منطلقات علمية موضوعية معاصرة لا تربط بين ماضي الاستشراق وحاضره، ولكن هذه المقالة قد أكدت من جديد أنه يتعذر انفكاك حاضر الاستشراق عن ماضيه، على الرغم من محاولات التخفيف من الارتباطات التي كانت بينة من قبل، بحجة أن الحاضر الاستشراقي ليس بالضرورة امتدادا للماضي، بل إنه لا يأخذ من الماضي إلا الاسم، والاسم الآن في طور التغيير عندما يلجأ بعض المستشرقين المعاصرين إلى البراءة من المصطلح " الاستشراق " إلى " الاستعراب " أو " الشرق - أوسطية " أو " علم الإسلاميات "، فيكون المشتغل بالاستشراق، كما خبرناه سلفا، ليس مستشرقا، وإنما هو إما مستعرب، أو شرق - أوسطي، أو عالم من علماء الإسلاميات، أي العلوم الإسلامية.
وعلى أي حال فإن الارتباط الثقافي بين الاستشراق والتنصير لا يزال قائما، وسيظل كذلك، مهما جرت المحاولات لفك هذا الارتباط، إذ لا يزال هناك مستشرقون منصرون، وسيظل هناك منصرون مستشرقون. بل إني أرى أنه ما دام هناك تنصير فهناك استشراق، ذلك أني أرى أن المنصر، لاسيما في البلاد الإسلامية، مضطر إلى دراسة المجتمع المستهدف للتنصير، وبالتالي فإنه مضطر إلى الرجوع إلى النتاج الاستشراقي في الدراسة والتعرف على هذه المجتمعات، ويتبع هذا إمكانية كتابته هو عن هذا المجتمع أو ذاك من وجهة نظره وانطباعاته، إما على شكل تقارير ترفع للمعنيين بالتنصير، أو على شكل مقالات في الدوريات التنصيرية، أو على
1 / 9
شكل كتب مستقلة تبين تجربة المنصر، ويضمنها توصياته وآراءه لزملائه في المهمة. وكل هذا النتاج يدخل في مفهوم الاستشراق، مادام يعالج مجتمعا مسلما من شخص لا ينتمي إليه.
كما أن المصطلح " الاستشراق " سيظل هو المستخدم إلى حين، رغم مزاحمة المصطلحات الجديدة له، ذلك أن ما أنتج على مدى القرون الماضية من دراسات وبحوث وآراء ونظريات تحت اسم الاستشراق لا يتوقع له أن يزول لمجرد أن هناك محاولات معاصرة للانسلاخ من المصطلح والدخول في مصطلح جديد، بل في مصطلحات جديدة، هي لا تعدو أن تكون تغييرا طفيفا على الاسم بينما المسمى باق بكل ما يحمله من دلالات.
1 / 10
[القسم الأول الدراسة الاستشراق والتنصير مدى العلاقة بين ظاهرتين]
[المدخل]
القسم الأول: الدراسة
الاستشراق والتنصير
مدى العلاقة بين ظاهرتين
1 / 11
المدخل: اعتنت الدراسات العربية حول الاستشراق والمستشرقين بالبحث عن البواعث أو الأهداف التي حدت بهم إلى دراسة علوم المسلمين، لا سيما التراث الإسلامي مع انطلاقة الاستشراق، ثم المجتمع المسلم الحديث الذي شهد تطورات وتغييرات دعت إلى دراسته والتركيز عليه.
ويقرر كثير من الباحثين الذين درسوا أهداف الاستشراق أن الهدف الديني يقف على قمة هذه البواعث، ذلك أن العلاقة بين الغرب والإسلام قائمة على " صراع " ديني ظهر واضحا أثناء الحروب الصليبية التي امتدت قرنين من الزمان من سنة ٤٨٩ - ٦٩١ هـ، ١٠٩٥ - ١٢٩١ م، هذا مع الأخذ في الحسبان الرأي القائل أن هذه الحروب لما تنته، ولن تنتهي مصداقا لقول الباري ﷿ ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٢٠] (١) .
والمعلوم أن المستشرقين ليسوا جميعا ممن ينتمون إلى النصرانية دينا،
_________
(١) الآية ١٢٠ من سورة البقرة.
1 / 13
ففيهم المستشرقون اليهود الذين خدموا اليهودية من خلال دراساتهم الاستشراقية، كما أن فيهم الملحدين الذين خدموا الإلحاد من خلال اهتمامهم بالمنطقة العربية والإسلامية، ومحاولاتهم نشر الإلحاد في هذه البقاع بديلا عن الإسلام.
ويمكن أن يدخل هؤلاء جميعا تحت الهدف الديني، إذا ما توسعنا في هذا المصطلح. ثم العلمانية التي تعد كذلك دينا أو اعتقادا إذا أردنا الدقة. وهناك انتساب واضح إلى العلمانية عند فئة من المستشرقين، (١) كما أن هناك انتسابا صريحا للصهيونية عند فئة أخرى من المستشرقين، (٢) مما يعني أن هناك انتسابا صريحا للتنصير عند فئة ثالثة من المستشرقين. وهذا يؤيد أن النظرة إلى الاستشراق التنصيري لا تحتاج إلى شيء من التعسف
_________
(١) يترجم نجيب العقيقي لميشيل أماري على أنه " صورة حية للاستشراق العلماني ". انظر: نجيب العقيقي: المستشرقون - ط ٤ - ٣ مج - القاهرة: دار المعارف، (١٩٨٠ م) - ١: ٢١٩ - ٢٢١.
(٢) يؤكد محمد بن عبود في: " الاستشراق والنخبة العربية " على أن بعض المستشرقين اليهود قد أعلنوا انتماءهم الصهيوني بصراحة مثلما فعل " برنارد لويس " ويؤيد " مازن المطبقاني " هذا الزعم بدلائل تؤكده. انظر: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي، دراسة تطبيقية على كتابات برنارد لويس - الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م - ص ٧٢ - ٧٣.
1 / 14
أو تلمس البراهين لتأييد وجود منصرين مستشرقين، ذلك أن فئة منهم لم تتورع عن قبول اللقب الديني، أو الرتبة الدينية " الأب " أو " الأسقف " أو " البطريرك " أو " المطران " سابقا للاسم الأصلي، كما سيتبين عند سرد نماذج من المستشرقين المنصرين.
ومن الأهداف الفرعية للهدف الديني الرئيسي للاستشراق الهدف التنصيري (١) إذ وجد جمع من المستشرقين هدفوا من دراستهم للشرق إلى تعميق فكرة التنصير في هذا المجتمع، وحاولوا بطريقتهم العلمية تحقيق مفهوم التنصير، مع ما تعرض له هذا المفهوم من تحوير، لا سيما عندما يكون موجها لمجتمع متدين كالمجتمع المسلم، وبما يحمله المفهوم من حماية النصارى من الإسلام، والحد من انتشاره بين النصارى وفي مواطنهم، ومن ثم الحد من انتشاره بين غير النصارى في مواطنهم أيضا. يمكن أن يكون من الأهداف الدينية التنصيرية السعي إلى توحيد الكنيستين الشرقية والغربية، الأمر الذي يستدعي وجود الاستشراق والإفادة منه في هذا الشأن (٢) .
_________
(١) سيكون مصطلح " التنصير " هو المستخدم هنا بديلا لمصطلح " التبشير "، وكلما ورد المصطلح الأخير في هذا البحث فإنما يرد في نص مقتبس.
(٢) مازن بن صلاح مطبقاني: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي - مرجع سابق - ص ٢٩.
1 / 15
ويقول " إدوارد سعيد ": " ولقد أظهر مؤرخون عديدون أن أقدم الباحثين الأوربيين في شؤون الإسلام كانوا من أهل الجدل في القرون الوسطى، ممن كتبوا لتبديد تهديد الحشود الإسلامية وتهديد الارتداد، وبطريقة أو بأخرى تواصل هذا المزيج من الفزع والعداء حتى يومنا هذا في الانتباه البحثي وغير البحثي المنصب على إسلام يرى منتميا إلى جزء من العالم (هو الشرق) يوضع موقع النقيض ضد أوروبا والغرب على الصعيد التخييلي والجغرافي والتاريخي " (١) .
[مؤيدات هذا الهدف]
مؤيدات هذا الهدف: والذي يؤيد وجود هذا الهدف عدة عوامل مهمة، ومن أبرزها:
- أن أساس العلاقة بين الشرق والغرب قد قامت على العداء الديني، ورفض الإسلام بديلا للنصرانية في الشرق وغيره، بما في ذلك حماية النصارى الشرقيين من الإسلام، والتأثير على الأرثوذوكس في الشرق واستقطابهم للكنيسة الكاثوليكية في الغرب (٢) .
_________
(١) إدوارد سعيد: تعقيبات على الاستشراق - بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ١٩٩٦ م - ص ١١٩.
(٢) سعيد عبد الفتاح عاشور: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته - القاهرة: عالم الكتب، ١٩٨٧ م - ص ٧ - ٤٦، وعلي حسني الخربوطلي: المستشرقون والتاريخ الإسلامي - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٨٨م - ص ٣١ - ٣٤، (سلسلة تاريخ المصريين ١٥) .
1 / 16
- وأن هذا الشعور قد " ولد " شعورا بالاستعلاء والفوقية الغربية على بقية أمم الأرض، بما فيها المسلمون، وأن هذا الشعور بالفوقية قد انطلق من الكنيسة الغربية باحتقار كل ما هو غير بابوي النحلة والهوى، وقد تسرب هذا الشعور " رويدا بتأثير وعاظ الكنائس والقسس والرهبان، فخلق فيهم حالة نفسية استعلائية، صبغت العقلية الغربية والفكر الغربي في القرون الوسطى " (١) وقد صدق المستشرقون هذه النظرة " ولم يكلفوا أنفسهم تبديلها مع عيشهم الطويل بين المسلمين أو من زياراتهم المتكررة واطلاعهم على القرآن الكريم والحديث الشريف " (٢) . فاستمر شعورهم العميق بتفوق ما لديهم، إن حقا وإن باطلا، في الوقت الذي رأوا فيه بطلان ما لدى غيرهم لعدم اتفاقه مع ما لديهم من دين وثقافة وفكر.
- أن طلائع المستشرقين من النصارى كانوا ذوي مناصب دينية، وأنهم قد انطلقوا من الكنائس والأديرة، ويعود هذا إلى النصف الثاني من القرن
_________
(١) قاسم السامرائي: الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية - الرياض: دار الرفاعي، ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م - ص ٥٠.
(٢) قاسم السامرائي: الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية - المرجع السابق - ص ٥١.
1 / 17
الرابع الهجري، القرن العاشر الميلادي، (١) مع أن التبادل الثقافي والعلمي بين المسلمين ونصارى أوربا قد بدأ قبل ذلك بكثير، لا سيما في عهد الخليفة العباسي " هارون الرشيد " (ت ١٨٢ هـ)، و" المأمون: (ت ٢٣٠ هـ) (٢) .
- وأن كثيرا من المستشرقين قد بدأوا حياتهم العلمية بدراسة اللاهوت قبل التفرغ لميدان الدراسات الاستشراقية (٣) وكان همهم إرساء نهضة الكنيسة وتعاليمها، لا سيما في العصور الوسطى (٤) أي أن هدفهم كان تنصيريا واضحا، فكأن الاستشراق إنما قام ليغذي التنصير بالمعلومة المنقولة بلغة المنصر، رغم محاولات تعميم اللاتينية لغة للتنصير (٥) .
_________
(١) ساسي سالم الحاج: الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية - ٢ ج - مالطا: مركز دراسات العالم الإسلامي، ١٩٩١ م - ص ٣٧ - ٤٨.
(٢) علي بن إبراهيم النملة: مراكز الترجمة القديمة عند المسلمين - الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، ١٤١٢ هـ.
(٣) نبيه عاقل: المستشرقون وبعض قضايا التاريخ - دراسات تاريخية ع ٩ - ١٠ (١ ١٤٠٣ هـ - ١٠ ١٩٨٢ م) - ص ١٦٨ - ١٩٩.
(٤) عدنان محمد وزان: الاستشراق والمستشرقون، وجهة نظر - مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م - ص ١٧، (سلسلة دعوة الحق ٢٤) .
(٥) يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق: الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين - تعريب: عمر لطفي العالم - دمشق: دار قتيبة، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م - ٣٦٨ ص، إذ يتحدث عن طلائع المستشرقين على أنهم منصرون.
1 / 18
- وأن أوائل المطبوعات الغربية باللغة العربية قد ركزت على الكتب الدينية النصرانية، وأن أول ما طبعته لايدن من الكتب كان الإنجيل (١٥٦٩ - ١٥٧٣ م) ويذكر " العقيقي " أن أول كتاب عربي طبع في هولندا كان الحروف الأبجدية والمرموز الخمسين تجربة لها (١٥٩٥ م) (١) .
- وأن التنصير قد اتكأ كثيرا على الاستشراق في الحصول على المعلومات عن المجتمعات المستهدفة، لا سيما الإسلامية في موضوعنا هذا، وخاصة عندما اكتسب مفهوم التنصير معنى أوسع من مجرد الإدخال في النصرانية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في الكتاب والسنة والسيرة وغيرها (٢) فكان فرسان في هذا التطور في المفهوم هم المستشرقين (٣) .
- وأن من مقاصد الاستشراق الرئيسة، التي انطلق منها، التعرف على
_________
(١) نجيب العقيقي: المستشرقون - مراجع سابق - ٢: ٣٠٢.
(٢) أحمد عبد الرحيم السايح: الاستشراق في ميزان نقد الفكر الإسلامي - القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م - ص ١٧.
(٣) علي بن إبراهيم النملة: الاستشراق في خدمة التنصير واليهودية - مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - ع ٣ (رجب ١٤١٠هـ فبراير ١٩٩٠ م) - ص ٢٣٧ - ٢٧٣.
1 / 19
مصادر النصرانية من اللغة العبرية، وقد ساقتهم دراسة اللغة العبرية إلى تعلم اللغة العربية، وتعلم اللغة العربية قاد إلى الاستشراق، فاللغة العربية هي لغة دين وثقافة وفكر جاء ليحل محل الدين النصراني والثقافة والفكر المنبثقين عن الدين النصراني، فأوجد هذا نزعة التعصب التي قادت إلى استخدام اللغة العربية والعبرية في هذا المنحى " الاستشراقي الذي اتجه إلى الإسلام والعربية، وقد قيل: إنك لا تكاد تجد مستشرقا إلا أجاد اللغة العبرية والعربية معا " (١) .
- وأن البداية. " الرسمية " للاستشراق قد انطلقت من مجمع فينا الكنسي سنة ٧١٢ هـ ١٣١٢ م، الذي نعرف الآن أنه قد أوصى بإنشاء عدة كراسي للغات، ومنها اللغة العربية، ولا سيما التشريع الحادي عشر الذي قضى فيه البابا " إكليمنس الخامس " بتأسيس كراسي لتدريس العبرية واليونانية والعربية والكلدانية (السريانية، الآرامية) في الجامعات الرئيسية (٢) وكانت
_________
(١) محمد عزت إسماعيل الطهطاوي: التبشير والاسشتراق، أحقاد على النبي - محمد ﷺ وبلاد الإسلام - القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، ١٤١١ هـ ١٩٩١م - ص ٤٥.
(٢) إدوارد سعيد الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء - ط ٢ - ترجمة: كمال أبو ديب - قم: دار الكتاب الإسلامي، ١٩٨٤ م - ص ٣٢٨.
1 / 20
هذه التوصية قائمة على دعوة " ريموند لول " (١) لإنشاء كراسي للغة العربية في أماكن مختلفة. وينقل عبد اللطيف الطيباوي عن " رادشل " في كتاب له عنوانه: الجامعات في أوربا في القرون الوسطى أن " الغرض من هذا القرار كان تنصيريا صرفا وكنسيا لا علميا " (٢) .
- وأن الاستشراق قد استشرى ونال رعاية الكنيسة ومباركتها عندما ثبت فشل الحروب العسكرية من خلال انحسار المد الغربي الصليبي بعد جهود قرنين من الزمان، فاتجهت الكنيسة الغربية إلى التنصير من خلال الفكر والثقافة والعلم، فكان التوجه إلى ما نسميه اليوم بالغزو الفكري في تحقيق ما فشل فيه سلاح الغزو الحربي (٣) . هذا الغزو الذي اتخذ من الاستشراق منطلقا له، سعى من خلاله إلى تشويه الإسلام بطرق شتى، لا تتعدى كونها جملة من الإسقاطات التي نالت حظا طيبا من النقاش والرد، في زمان
_________
(١) سيأتي الحديث عن " ريموند لول " في القسم الثاني من هذه الدراسة.
(٢) عبد اللطيف الطيباوي: المستشرقون الناطقون بالإنجليزية، دراسة نقدية - ترجمة وتقديم: قاسم السامرائي - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عمادة البحث العلمي، ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م - ١٨٣.
(٣) سعيد عبد الفتاح عاشور: بحوث في تاريخ الإسلام وحضارته - مرجع سابق - ص ١٢.
1 / 21
إطلاقها وبعده، من كثير من المسلمين (١) .
وكان الهدف من هذه الدعوة هو أن تؤتي محاولات التنصير ثمارها بنجاح من خلال تعلم لغات المسلمين (٢) وقد عبر عن هذه الثمار في دعوة " لول " بارتداد العرب إلى النصرانية من الإسلام، كما كان " غريغوري العاشر " يأمل في ارتداد المغول إلى النصرانية، وقبله كان " الإخوة الفرنسيسكان " قد توغلوا في أعماق آسيا يدفعهم حماسهم التنصيري، ومع أن آمالهم لم تتحقق في وقتها إلا أن الروح التنصيرية قد تنامت منذئذ (٣) .
وهذا يعني بتعبير أوضح " إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام، واجتذابهم إلى الدين النصراني " (٤) وهذا مما أدى إلى الاستنتاج أن
_________
(١) انظر مثلا: شوقي أبو خليل: أضواء على مواقف المستشرقين والمبشرين - طرابلس: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ١٩٩١ م - ٢٦٤ ص، ففيه حوالي عشرين إسقاطا تولى المؤلف مناقشتها والرد عليها.
(٢) محمود حمدي زقزوق: " الإسلام والاستشراق " - في: الإسلام والاستشراق - تأليف نخبة من العلماء المسلمين - جدة: عالم المعرفة، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م - ص ٧١ - ١٠٢.
(٣) إدوارد سعيد: الاستشراق - مرجع سابق - ص ٣٢٨.
(٤) محمود حمدي زقزوق: الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري - ط ٢ - القاهرة: دار المنار، ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م - ص ٣٥.
1 / 22
التنصير هو الأصل الحقيقي للاستشراق، " وليس العكس صحيحا كما يذهب أغلب الباحثين " (١) . والدلائل التي ذكرت في ثنايا هذه الدراسة تؤيد ذلك وتدعمه.
ومن هذا المنطلق يفهم التوجه إلى تعريف المستشرقين بأنهم " الذين يقومون بهذه الدراسات من غير الشرقيين، ويقدمون الدراسات اللازمة للمبشرين، بغية تحقيق أهداف التبشير، وللدوائر الاستعمارية بغية تحقيق أهداف الاستعمار " (٢) .
وقد انتظم الاستشراق في الفاتيكان وانتشر واستمر على أيدي البابوات والأساقفة والرهبان، فكان رجال الدين النصراني " - ومجمعهم الفاتيكان يومئذ - يؤلفون الطبقة المتعلمة في أوربا، ولا سبيل إلى إرساء نهضتها إلا على أساس من التراث الإنساني الذي تمثلته الثقافة العربية، فتعلموا العربية، ثم اليونانية، ثم اللغات الشرقية للنفوذ منها إليه. . . " (٣) وكذلك لمقارعة فقهاء المسلمين واليهود والرد عليهم، وتدريب أدلاء يتخاطبون بالعربية
_________
(١) ساسي سالم الحاج: الظاهرة الاستشراقية - مرجع سابق - ص ٤٤.
(٢) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير - الاستشراق - الاستعمار، دراسة وتحليل وتوجيه - ط ٤ - دمشق: دار القلم، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م - ص ٥٠.
(٣) نجيب العقيقي: المستشرقون - مرجع سابق - ١: ١٠٤.
1 / 23
للقيام على خدمة مرتادي بيت المقدس من النصارى، ويطلق عليهم " الحجاج "، فأسس البابا جمعية الجوالين سنة ٦٤٨ هـ - ١٢٥٠ م، وطبعت بعد ذلك أدلة الحج، وفيها الأبجدية العربية وطريقة النطق بها، وخريطة لمدينة القدس، ورسوم للزي العربي، لا سيما اللبناني، يقول نجيب العقيقي في هذا: " فكان أول ما عرفت أوربا من الطباعة العربية " (١) .
وقد أضحى هذا المنحى في الرؤية إلى نشأة الاستشراق مما يتفق عليه معظم الباحثين المسلمين في ظاهرة الاستشراق (٢) لا سيما أولئك الذين لا يسعون إلى الاعتذار للمستشرقين بخاصة، وللغرب بعامة، وقد عد الاستشراق أقرب الطرق وأسهلها للتنصير (٣) .
على أني لحظت أن هناك من يرى التداخل بين التنصير والاستعمار في الإفادة من الاستشراق، بحيث يقال إن الهدف من الاستشراق هو " التمهيد للاستعمار الزاحف. . . حتى يمكن للمستعمرين التعامل مع الشعوب المغلوبة
_________
(١) نجيب العقيقي: المستشرقون - المرجع السابق - ١: ١٠٤.
(٢) عمر فروخ: " الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة " - في: الإسلام والمستشرقون - مرجع سابق - ص ١٢٥ - ١٤٣.
(٣) محمد علوي المالكي الحسني: " المستشرقون بين الإنصاف والعصبية " - في: الإسلام والمستشرقون - مرجع سابق - ص ١٥٩ - ١٨٧.
1 / 24
المنهوبة على ضوء ما عرفوه عنها " (١) وفي هذا شيء من الاقتصار على هدف من أهداف الاستشراق يخدم مجال الباحث في بحثه دون النظر إلى الأهداف الأخرى، ويؤدي هذا إلى قصر الأهداف على الهدف الديني التنصيري، الأمر الذي ينبغي ألا يكون.
ومن المهم هنا النظرة إلى التداخل في الأهداف مع القدرة على التمييز بينها، وأن هذه الأهداف إنما تسعى إلى الإفادة من بعضها في تحقيق غاياتها، فالهدف الديني، ومنه التنصير، للاستشراق يتداخل مع الأهداف الأخرى كالاستعمار والهدف السياسي، بل والهدف الاقتصادي والتجاري، ثم الهدف العلمي، وذلك لتعذر التخلي عن الخلفية الثقافية القائمة على الدين في النظر إلى الثقافات الأخرى. وهذا ما جعل بعض المستشرقين ينظر إلى الشرق نظرة فوقية مدعيا أن علو الغرب إنما يعود إلى الديانة النصرانية، بينما يعود تخلف الشرق وبالتالي دونيته لتمسكه بالإسلام.
وقد استمرت هذه النظرة الفوقية المنبعثة من الدين، وغذتها كذلك النظرة العرقية، إلى وقتنا الحاضر، ويذكر " خير الله سعيد " أن " جوهر الاستشراق هو التمييز الذي يستحيل اجتثاثه بين الفوقية الغربية والدونية الشرقية، ثم
_________
(١) عبد العظيم الديب: "المستشرقون والتاريخ " - في: الإسلام والمستشرقون - مرجع سابق - ص ٢٧٥ - ٢٨٧.
1 / 25
إن هذا الاستشراق في تناميه وفي تاريخه اللاحق قد عمق هذا التمييز، بل أعطاه صلابة وثباتا " (١) .
وربما كان هذا الشعور أحد مسوغات الاستعمار الذي جثم على الدول المستعمرة ردحا من الزمن، بحجة عدم قدرة الشعوب الشرقية على حكم نفسها، فاحتاجت إلى الوصاية الغربية عليها، وهذا ما يشير إليه تقرير " سكاربرو " (٢) كما يشير إليه " هاملتون جب " في الاتجاهات الحديثة في الإسلام (٣) .
_________
(١) خير الله رشك سعيد: الاستشراق - دراسات عربية مج ٢٦ ع ٩ (يوليو ١٩٩٠ م) - ص ١٠٤ - ١٢٣، نقلها عنه مازن بن صلاح مطبقاني في: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي - مرجع سابق - ص ٤٦.
(٢) مازن بن صلاح مطبقاني: الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي - مرجع سابق - ص ٤٦. وسكاربرو هو رئيس اللجنة الحكومية التي أعدت التقرير في لندن سنة ١٩٤٧ م، وقد دعا التقرير إلى استعمار البلاد العربية والإسلامية، وأكد على أن " الدراسات الاستشراقية لكي تكون مثمرة يجب أن - تتعامل مع العالم الحقيقي، وليس فقط بآليات الكتابة والحديث ".
(٣) هاملتون جب: الاتجاهات الحديثة في الإسلام - ترجمة: هاشم الحسيني - بيروت، ١٩٦٦ - ص ٣١ - ٣٢.
1 / 26