والمستحق لاسم الكمال على الأطلاق من البشر، الذي كان نبيا وآدم بين الماء والطين، ورقم اسمه من الأزل في عليين، ثم نقل من الأصلاب الفاضلة الزكية إلي الأرحام الطاهرة المرضية، حتى بعثه الله عز وجل إلي الخلائق أجمعين، وختم به الأنبياء والمرسلين أعطاه ما لم يعط من الفضل أحدا من العالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وبعد ..
فأني لما طالعت كتب تواريخ الأمم الخالية ورأيت ما فيها من العجائب المتوالية، استخرت الله (1) أن أجمع كتابا لطيفا أذكر فيه من أغرب ما سمعته، وأعجب ما رأيته قاصدا فيه الاختصار لكي لا يطول فى التأليف مجموعة، وفى المثل الساير أقصر الكلام منفوعه، وقد ذكرت فيه من عجائب مصر وأعمالها، وما صنعت الحكماء فيها من الطلسمات [ق 3 أ] المحكمة والبرابى والأهرام وغير ذلك، وذكرت طرف يسيرة من سير ملوكها، وذكر شىء من عجائب نيلها، وذكر شيء من خططها وآثارها، وذكر سعت أقليمها وأقطارها، وقد ذكرت في كتابي من أجل ما سطره، وأفخر ما ذكره قاصدا فيه الاختصار كما تقدم، وسميته «نزهة الأمم فى العجائب والحكم» والمستعان بالله فى المبدأ والختام ..
ومن هنا نشرع في الكلام على مبتدأ خلقة الأرض في الأزل، وما فيها من عجائب صنع الله عز وجل.
أقول الجهات من الأرض ستة، وهى الشرق حيث تطلع الشمس والقمر وسائر الكواكب فى كل قطر من الأفق، والغرب وهو حيث تغرب فيه، والشمال وهو حيث مدار الجدى والغرقدين، والجنوب وهو حيث مدار سهل وهو ما يلى السماء والتخت وهو ما يلى كرة الأرض.
والأرض جسم مستدير كالكرة وقيل ليست بكرية الشكل، وهي واقعة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها. والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمح في البيضة. وذهب الجمهور إلي أن الأرض كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة وأنها في
مخ ۱۰