قيل له: إن أردت قضاه: بأن خلق المعصية خلافا للطاعة، كما خلق الأشياء وأضدادها، فهو حق، إذ خلق المعصية خلافا للطاعة.
وإن أردت -عز وجل- كتب أنها تكون من العاصي منهيا عنها، فحق كما كتب. فنعم.
وإن أردت أنه علم أن المعصية، خلاف الطاعة، فنعم ذلك حق.
وإن أردت قضى المعصية أمر بها، فالله لا يأمر بالفحشاء والمنكر. بل أمر بالقسط، فلم يقض المعصية آمرا بها. ولكن قضاها معصية منهيا عنها قبيحة، معاقبا عليها فاعلها.
فإن قال: أفترضى بقضاء الله الكفر؟
قيل له: أرضى بقضاء الله للكفر، بأن جعل الكفر قبيحا، خلافا للإيمان الحسن. وأرضى بقضاء الله الذي هو حكم،على أن حكم بأن فعل من فعل كذا وكذا كفر، ولا أرضى بفعل الكافر وعمله بالكفر، الذي ذمه الله وقبحه وسخطه. فقد رضيت بقضاء الله، فيما حكم به على أهله، وكلفهم إياه، خلافا للطاعة. فأخبرنا أنت: هل علم الله من يدخل الجنة، ومن يدخل النار؟
فإن قلت: لا، كفرت.
وإن قلت: نعم.
قلنا: فأراد إنفاذ ما علم أم إبطاله؟
فإن قلت: بل أراد إنفاذ ما علم، خصمت نفسك.
وإن قلت إبطاله، خالفت الحق.
والدليل على أن البارئ تعالى، قضى بالكفر والمعاصي وجميع الفحشاء والمنكر، وأراد ذلك على الوجه الذي قدمنا، لأنه تعالى، لو لم يقض به، ولا أراده، ولا شاءه، لكان يكون في ملكه وسلطانه: ما لم يشأ كونه، ولم يرد كونه، في ملكه وسلطانه، حتى كونه المكونون، في ملك الله -عز وجل- وسلطانه، وملكوه. وبارئهم لم يرد ذلك، ولا شاءه،ولا أراد كونه في ملكه وسلطانه،ولا شاء كونه في ملكه وسلطانه، حتى كان هكذا. فهذا كالمغلوب، على أن ملكوه ما لا يشأ ملكه. وكالعاجز الذي كونوا في ملكه ما لم يشأ كونه، ولم يرد كونه - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فدل ذلك: أن لا يكون شيء في ملك الله وسلطانه، إلا وقد علم ذلك، وشاء كونه في ملكه وسلطانه. وأراد كونه في ملكه وسلطانه.
مخ ۷۷