وإنما دعت الرسل إلى الله، من قد عرفه، ثم جحد، وقد يكون بعض يعرفه، وبعض لا يعرفه، فبينت الرسل ذلك، ودعت إلى الله، بالدلائل والعلامات التي نصبها الله تعالى، من ملكوت السموات والأرض، ومما في السموات والأرض، وفي خلق الإنسان، كما قال الله تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } .
قال: وقد كانت العرب يحجون البيت ويعظمونه. وإنما يعبدون الأصنام، لتقربهم إلى الله زلفى.
وإنما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ترك الأصنام وعبادة الرحمن، فلم يصدقوه وقد قال الله تعالى: { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } .
قال: ألا ترى أن الإنسان إنما يرسل الرسل فيما يريد إلى غيره، إذا كان المرسل إليه، يعرف المرسل. وإن أنكر الرسول أتاه بالعلامة والدلالة، حتى تقع له الصحة. ولو كان لا يعرف الرسول ولا المرسل، لم يلتفت إلى ما أرسل إليه، وأنكره قلبه. فهذا قول المسلمينالذين قالوا: إن رسل الله عرفوا بالله.
وقد قال آخرون: إنه بهم عرف, وبه عرفوا وبهذا يوجب أنهم دعوا إلى الله من عرفه ومن لم يعرفه، فعرفوا بالله عند من عرف الله، وعرف الله بهم من لم يكن به عارفا. والله أعلم.
الباب العاشر
في الدليل على أن الله تعالى شئ موجود
الدليل على أن الله تعالى شئ موجود: إطباق عقلاء الأمة بأسرها، من موحدها وملحدها: أن المعدوم لا يتأتي منه الفعل، ولا يفعل شيئا. فلما فسد هذا ثبت وصح أنه لا يفعل الأفعال إلا الموجود؛ إذ لا فعل المعدوم في العقل، عند كافة العقلاء، من الإنس والجن أجمعين.
الباب الحادي عشر
في الدليل على أن الله شئ لا كالأشئاء
الدليل على أن الله تعالى شئ: أنه قد دلت الدلالة أنه تعالى موجود. ولا يوجد إلا شئ. والدليل على أنه شئ لا كالأشئاء: أن الأشئاء لا تخلوا من أن يكون ترى بعين، أو تحس كالريح العاصف . وما كان يرى، أو يحس من الأجسام، فيحتاج إلى مكان والبارئ تعالى لا يرى ولا يحس.
مخ ۶