في معرفة الله قال المؤلف: أول ما افترض الله على عباده المكلفين العقلاء البالغين الحلم: معرفته عز وجل أنه الله الذي لا إله إلا هو واحد، فرد صمد أحد، ليس كمثله شئ، وأنه تعالى لهم خالق ورازق.
وإنما صارت معرفته الله أول المفترضات، لأنه لا تصح عبادة الله إلا حتى يعرف الله؛ إذ كان من يعرف الله، فهو يعبد غير الله. ومن عبد غير الله، فقد أشرك بالله { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } .
فمعرفته الله تعالى أول المفترضات، وأول العبادات وأفضلها. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضلكم إيمانا أفضلكم معرفة.
فمن لم يكن بالله عارفا كان به جاهلا ومن كان به جاهلا، لم يكن موحدا ومن لم يكن موحدا، كان ملحدا.
فعلى كل بالغ عاقل: أن يوحد الله، ولا يوحده إلا من عرفه ومن لا يعرفه فلا يوحده بل يجحده. وإذا عرف الله: أنه واحد ليس كمثل شئ، فقد عرفه.
الباب السادس
في كيفية استدلال المنقطع عن الناس
أو في أرض الكفرة
قال المؤلف: ومن كان منقطعا عن الناس، في بعض الجزائر أو غيرها، لا يرى الناس، أو في أرض أهل الكفر فعلى كل هؤلاء - إذا بلغ وصح عقله، وزالت عنه الآهات، ونظر إلى السماء سقفا مرفوعا، إلى الأرض مهادا موضوعا، كالبيت المصنوع - أن يعلموا بغرائز عقولهم، أن هذا البناء لا بد له من بان، كالكتاب لا بد له من كاتب، والمصور لا بد له من مصور. وكل صنعة لا بد لها من صانع، كما يشاهدون ذلك في دار الدنيا.
فعلى كل بالغ عاقل - في خاصة نفسه - أن يعلم أن له خالقا خلقه، كما يعلم يقينا بقلبه: أن جوارحه التي به مخلوقه، خلقها خالق، إذ لا قدره له على خلق شئ منها، ولا على تقويم ما أعوج منها، ولا تطويل ما قصر، وتقصير ما طال. ولا تغيير ما هو عليه ولا قبحها.
ولو كان المرء البالغ، الصحيح العقل، أعمى البصر، أصم الأذنين. فواجب عليه ولازم له ما وصفنا، في متقدم الكتاب.
الباب السابع في بيان معرفة الله تعالى تقع أضرارا أو كسبا
مخ ۴