أين دخل إليها، ولعله مِن وَضْع الخالق الذي وضع السمع والبصر في الوجه والقلب في الصدر والعقل في الرأس. ووجدتني أعود في ساعات الشدة إلى الخالق الذي يَرى ولا يُرى، أرجوه وأخافه وأسأله وأعوذ به. ووجدتني أعتقد أنه لا يشبه شيئًا مما أرى ولا يحدّه مكانٌ ولا زمان، لأن الزمان والمكان مخلوقات هو خالقها، وأنه قديمٌ باقٍ متّصفٌ بكل كمال مطلق منزَّه عن النقائص كلها.
فآمنت به إيمانًا لا يزعزعه -بحمد الله- شك.
* * *
ولكني لبثت أسأل نفسي: لماذا خُلقت؟ وهل الحياة «تكليف» عليّ أن أحمله أو أن لي الحق بالتخلي عنها وطرحها؟ فقالت النفس: بل عليك أن تحملها؛ إنك لست مالك نفسك ولا أنت موجدها، وإنما هي وديعة في يدك، يكافئك صاحبها إن استعملتَها في الذي خلقها له، ويعاقبك إن اتخذتها وسيلة إلى لذتك وأطعت فيها هواك وحِدتَ بها عن سبيلها.
قلت: فما هي الغاية من الحياة؟ أهي الأكل والشرب واللذة؟ قالت النفس: لا، هذه أسباب الحياة بها تقوم وتبقى وليست هي الغاية منها.
قلت: أفخدمة الناس ونفع البشر، وأن أتخذ فيهم حسنًا وأبقي فيهم ذكرًا، هي غاية الحياة؟ قالت: لا، إن الناس لا يمكن أن يحيوا للناس، وما خدمة البشر إلا عرَض من أعراض الحياة وليست بجوهرها؛ إن المسافر يحرص على راحته في سفره،
1 / 32