من جديد، فلقد ذكروا في ترجمة يحيى النحوي (وكان أيام الفتح الإسلامي لمصر) أنه رغب في طلب العلم فلم يفلح فيه، فكاد ييأس، واضطجع يفكر فرأى نملة تحاول أن تصعد الجدار، فإذا بلغت ذراعًا أو ذارعين سقطت، فعاودت الصعود ثم سقطت، فعاودت الصعود ... فعدّ عليها أربعين مرة حتى وصلت إلى أعلى الجدار واجتازته! فأخذ من النملة درسًا وعاود الجدّ والتحصيل حتى نجح.
وأنا أعرف مما قرأت في الكتب ومما رأيت في الحياة حوادث وحوادث كلها واقع، فيها لمن أراد أن يعتبر عبرة بالغة.
لما كنت أدرّس في ثانويات العراق سنة ١٩٣٧، من خمسين سنة كاملة، كان عندنا طالب رضيّ الخُلُق متفتح الذهن مستقيم السيرة، أخذ الشهادة الثانوية فدخل الكلية الحربية وتخرج فيها ضابطًا، وترقّى في السلك العسكري حتى بلغ رتبة العقيد، فتبدلت الأحوال في بغداد واضطر إلى التخلي عن رتبته وترك سلكه العسكري، فدخل كلية الحقوق وتخرج فيها وصار محاميًا، فاضطر إلى ترك العراق والهجرة منها إلى النمسا، فتعلم اللغة الألمانية ودخل كلية الطب وتخرج فيها بعد سبع سنين طبيبًا، وجاء مكة حاجًّا من بضع سنين وزارني وسمعت قصته.
* * *
الرزق مقسوم؛ فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك وما كان لغيرك لن تناله بقوتك، ولكن اذكر دائمًا أنّ الذي كتب لك هذا الرزق أوجب عليك العمل، وأن التوكل على الله لا يكون بترك