نور او تتل
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
ژانرونه
لم يذكرني بسلام أو برسالة،
طوبى لمريض يبلغه نبأ من أحبابه.
هكذا أصبح جوته يجد نفسه وحبيبته في ديوان حافظ، كما أصبح هذا الديوان أشبه بلحن اشتركا في عزفه، فلا يكاد أحدهما يسمعه بعد ذلك بسنوات حتى تعيش «الأنا» مع «الأنت»، وتشعر أنها ليست وحدها في وحشة العالم، ولم تكتف الحبيبة بأن ترافق وحدته في عالم الشرق، بل وجدت نفسها - تحت لهيب أنفاسه - ترد على زفراته الشعرية بزفرات لا تقل عنها رقة ودفئا، بل ربما فاقتها في بعض الأحيان صدقا وعذوبة (ومنها قصيدتاها للريح الشرقية والريح الغربية اللتان ضمهما إلى ديوانه بعد أن أجرى عليهما بعض التعديلات الطفيفة التي ربما أغضبت الحبيبة والنقاد جميعا).
وسافر الشاعر في الثامن عشر من سبتمبر إلى هيدلبرج وتبعه فيللمر ومريانة بعدها بخمسة أيام، وتفتحت في أيام اللقاء الثلاثة قصائد ثلاث (على فروع الأغصان الممتلئة، لقاء الشعب والخدم والحكام، وتجد الأخيرة في كتاب زليخا) كما أوشك كتاب «زليخا» على التمام، وكل قصائده تعبر عن نعمة الحب الكبرى التي غمرت فؤاده بسعادة لا توصف، وفتحت فيه جراحا عميقة لن تندمل، ورجع إلى مستقره في فيمار فوصل إليها في الحادي عشر من أكتوبر، وبدأت سحب الشتاء ولياليه الطويلة وأمطاره فانهمرت معها ألحان الديوان الموجعة (صورة سامية، وصدى، وكتاب مطالعة، وتجدها في كتاب زليخا وكتاب العشق).
وفجأة يغيض النبع وتنطفئ الشرارة، فما أبعده الآن عن بريق عيني الحبيبة التي كانت تدفئه، عن أنفاسها التي كانت تحييه. لم يبق إلا أن يزيد من عدد الحكم والأمثال التي لن يعجز عنها العقل، وأن يفزع لجمع مادة التعليقات والملاحظات التي لا تحتاج لدفء القلب. ويرتب القصائد في اثني عشر كتابا، ولا تكاد عربة «هليوس» تبدأ سيرها في طريق العام الجديد حتى يبدأ الطبع. غير أن معجزات الشعر تأتي بغير أوان. فها هي ذي أطياف الذكرى تزوره فجأة، تحمل معها زاد الحب، وتقدم نعمة الأخذ والعطاء، وترتفع به على جناحي الدين والتصوف، ويدون القصائد الثلاث: تأخذ منك السنوات «من كتاب التفكير» بهرامجور - كما قيل - اخترع القافية «من كتاب زليخا» وأعلى والأعلى «من كتاب الفردوس». ولعل السطور التالية التي أحاول فيها أن أنقل إليك معنى القصيدة الأولى أن تعطيك فكرة عابرة عن حسرته على الحب الضائع، وحزنه الذي فاض وبلغ حد اليأس، وتمسكه بصخرة الفكرة والذكرى حتى لا يغرقه الموج: «أخذت منك السنوات، كما قلت، كثيرا:
متعة ألعاب الحس
وذكرى عبث الأمس،
وحرمت من التجوال طويلا
بين مغاني الأرض (ونور الشمس)،
من شرف كان يسر النفس
ناپیژندل شوی مخ