نور او تتل
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
ژانرونه
وأولياء الله الصالحين أو الشهداء المجاهدين في سبيله. وكم من اسم يتلى من شعراء العرب والفرس الذين نعرفهم، أو على الأقل نسمع عنهم ونألف صورهم وأخيلتهم ولا نجد مشقة في التعاطف معهم والابتسام لدعابتهم ومشاركتهم حبهم ولهوهم وغنائهم.
لن نتصور هذا كله - كما قد يتصوره القارئ الغربي - مجرد تلاعب حركي بأقنعة شرقية يتوارى خلفها شاعر كهل ليعكس عليها لواعج حبه المشبوب لفتاة في عمر أبنائه. بل سيزداد عجبنا وإعجابنا بهذا الشاعر الذي يستقبل «النور الطالع من الشرق»، ويجدد شبابه وشاعريته ينطلق فوق جواده «ولا شيء فوق رأسه إلا النجوم» ليسافر مع القوافل ويحضر مجالس الشراب في الحانات، ويخالط الندامى والعشاق والدراويش، ويغني بلسان حافظ والمجنون وزليخا وهدهد سليمان وحوريات الفردوس، ويقيم جسورا من الحب والعرفان والتسامح بين الشرق والغرب الذي ظل شعراؤه قرونا طويلة يتغنون بآلهة الأوليمب ويلهثون في آثار هوميروس وبندار دون أن يحفلوا بروح الشرق أو يحاولوا طرق أبوابه الموصدة، حتى جاء هذا الشاعر فبدأ عهد جديدا للاهتمام بتراث الشرق واستلهامه ودراسته دراسة علمية جادة.
لم يسبق لشاعر غربي قبل جوته أن فتح هذه الأبواب لينفذ إلى عالم الشرق الفسيح، ويتجول بين شعوبه وحضاراته المختلفة على مر العصور، ويسافر في بحاره ومدنه وصحاريه، ويفتح قلبه وعينيه على كتبه وأسراره، ويدير في النهاية هذا الحوار الشائق بين القارات والقرون والآداب والأديان والعادات.
ومع ذلك - وهذه هي معجزة الاستلهام الأصيل! - لم يضيع الشاعر نفسه في الغربة، ولم ينس ذاته في الفيافي ومضارب الخيام. لقد سجل يوميات رحلته الشرقية شعرا في هذا الديوان، ولكنه بقي ديوان شاعر غربي تتغنى قصائده الخالدة بالمدن والحانات التي زارها، والخمور التي ذاقها، ونعمة الحب أو مرارة الهجرة والفراق التي جربها. وكما تدل كلمة الديوان الفارسية الأصل على الجمع أو المجموع، كذلك تؤلف أشعار الديوان بين الشرق والغرب، والعام والخاص، وأقدار الطغاة الجبابرة والشعوب والحضارات الغاربة، كأنها مرايا تعكس هذا الحوار العابث الجاد في اثني عشر كتابا أشبه باثني عشر وترا تتوافق لعزف لحن واحد ينبعث من آلة واحدة.
6
ولهذا لم يخطئ بعض النقاد عندما وصفوا الديوان بأنه سيمفونية شعرية ترتبط فيها البداية بالنهاية، ويظهر اللحن ليختفي ثم يتكرر ظهوره، أو عندما شبهه الشاعر نفسه بسجادة فارسية تتشابك فيها القصائد كما تتشابك الخيوط والزخارف، وتستغرق الأجزاء في الكل كما يشتمل الكل على الأجزاء. •••
ما قصة هذا الديوان؟ متى بدأ جوته في كتابته؟ ما الذي حرك قلبه ومد يده إلى أساطير الشرق وأغانيه وحكمه وأمثاله وصوره وحكاياته للتعبير عن أشواقه وآلامه؟ متى بدأت تجربة لقائه مع الشرق؟ وما البحوث التي اعتمد عليها والترجمات التي قرأها واستوحاها؟ ثم ما موضوعات هذا الديوان، وكيف استقبله الناس؟ لندر قليلا مع عجلة التاريخ قبل أن نتوقف معا عند القصائد التي يضمها الديوان الشرقي-الغربي.
أعلن جوته عن «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» لأول مرة في أواخر شهر فبراير سنة 1816م في «صحيفة الصباح» التي كان يصدرها كوتا ناشر أعماله، وذلك لتعريف القراء بكتبه وموضوعاته. وكان العنوان الأصلي الذي وضعه له هو: «الديوان الغربي-الشرقي أو مجموعة قصائد ألمانية تتصل اتصالا مستمرا بالشرق»، وكان قد اطلع قبل ذلك بسنتين على ديوان حافظ الشيرازي في ترجمة المستشرق النمساوي «يوسف فون هامر بورجشتال». ولا شك أن الأمر لم يكن مجرد اطلاع على مجموعة من الشعر الفارسي، وإنما كان لقاء حقيقيا بدأت معه مرحلة حاسمة في حياته وإنتاجه تفتحت في ظلها زهرات هذه القصائد النادرة التي تعد أخلد تعبير عن تجربة اللقاء بين الغرب والشرق. ولعلها لو تمت قبل ذلك أو بعده لما أثرت عليه كل هذا التأثير. فقد صادفت فيه وجدانا متوهجا بالشباب والحب وبهجة الخلق والإبداع، وعقلا صافيا صقلته حكمة الشيخوخة وتجاربها، وكيانا مهيأ لتقبل المزيج من العاطفة والعقل الذي وجده في الشعر الشرقي.
ولم يكن عالم الشرق في يوم من الأيام غريبا عليه، صحيح أن منابع التراث الإغريقي والروماني ظلت دائما مصدر وحيه وثقافته، ولكن منابع الشرق لم تنقطع أبدا عن جذب عينيه إلى بريقها وغموضها. ونحن نعرف أن هردر
7
ناپیژندل شوی مخ