ودليلنا حديث القلتين وحديث بئر بضاعة، ثم قال: "وهذان الحديثان نص في خلاف ما ذهب إليه الحنفية"، وقال أيضًا: بئر بضاعة لا يبلغ إلى الحد الذي يمنع التنجس عندهم.
قلت: لا نسلم أن هذين الحديثين نص في خلاف مذهبنا، أما حديث القلتين فلأنه ضعيف -على ما يأتي- والعمل بالصحيح المتفق عليه أقوى وأقرب، وأما حديث بئر بضاعة فإنا نعمل به لأن ماءها كان جاريا على ما ذكرنا، وقوله: "وبئر بضاعة لا يبلغ ... " إلى آخره غير صحيح؛ لأن البيهقي روى عن الشافعي أن بئر بضاعة كانت كثير الماء واسعة، وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لونا ولا طعما.
فإن قيل: حديثكم عام في كل ماءٍ وحديثهم خاص فيما بلغ القلتين، وتقديم الخاص على العام متعين؛ كيف وحديثكم لابد من تخصيصه، فإنكم وافقتمونا على تخصيص الماء الكثير الذي يزيد على عشرة أذرع وإذا لم يكن بد من التخصيص فالتخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأي من غير أصل يرجع إليه ولا دليل يعتمد عليه.
قلت: لا نسلم أن تقديم الخاص على العام متعين، بل الظاهر من مذهب أبي حنيفة ترجيح العام على الخاص في العمل به كما في بئر الناضح، فإنه رجح قوله ﵇: "من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا" (١) على الخاص الوارد في بئر الناضح أنه ستون ذراعا (٢).