من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على
أن الصحابة ليسوا كلهم عدولًا، كما يقول أهل السنة والجماعة ...» .
وجوابه: أن هذه الآية لا تدل بحال على ما ادعاه: من زعمه أن قلوب الصحابة لم تخشع لذكر الله طيلة سبعة عشر عامًا، بل هذا من أقبح الكذب والافتراء على الله الذي لا تحتمله الآية، ويعرف هذا بمعرفة أقوال المفسرين في سبب نزولها وتفسيرها، فهذه الآية قد اختلف المفسرون في سبب نزولها.
فقيل: إنها نزلت في المنافقين، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ (١)، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصًا من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا﴾ (٢)، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية، فعلى هذا تأويل قوله: ﴿ألم يأن
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾ (٣) يعني في العلانية وباللسان.
وقال آخرون: نزلت في المؤمنين، قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: ﴿ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله﴾ إلا أربع سنين. (٤)
وقيل: هي خطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد ﵈ لانه قال عقيب هذا: ﴿والذين آمنوا بالله ورسله﴾ (٥)، أي ألم يأن للذين آمنوا
(١) سورة يوسف آية ٣.
(٢) سورة الزمر آية ٢٣.
(٣) سورة الحديد آية ١٦.
(٤) انظر: تفسير البغوي ٤/٢٩٧، وتفسير القرطبي ١٧/٢٤٠.
(٥) سورة الحديد من الآية ١٩.