اللباب في علوم الكتاب
اللباب في علوم الكتاب
پوهندوی
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض
خپرندوی
دار الكتب العلمية
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٩ هـ -١٩٩٨م
د خپرونکي ځای
بيروت / لبنان
ژانرونه
والآخرون: بضمّ الميم، وكسرِ الهاء؛ لأجل الياء أو لكسر ما قبلها، وضمّ الميم على الأصل، وقرأ عمرُ بن الخَطَّاب - رضي الله تعالى عنه -: «صرَاطَ مَنْ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» .
قال ابنُ الخَطيب - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: اخْتُلِفَ في حَدِّ النّعْمَةِ:
فقال بعضُهم: إنَّها عِبَارَةٌ عن المَنْفَعَةِ المفعولة على جِهَةِ الإحسان إلَى الغيرِ.
ومنهم مَنْ يقولُ: المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحْسَان إلَى الغير] . قالوا: وإنما زدْنا على هذا القَيْدِ، لأن النعمةَ يستحقّ لها الشكر والإحسان [والحقّ أن هذا القيد غير معتبر؛ لأنه لا يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان]، وإنْ كان فعله محظورًا؛ لأن جهةَ استحقاقِ السكر غير جهةِ استحقاق الذَّنْب والعِقاب، فأيُّ امتناعٍ في اجتماعهما؟ ألاَ ترى أن الفاسِقَ يستحقُّ بإنعامه الشُّكْرَ، والذَّمِّ بمعصيةِ الله تعالى، فلا يجوزُ أن يَكُونَ الأمرُ ها هنا كذلك.
ولنرجع إلى تفسير الحَدِ: فنقول: أما قولُنا: «المنفعةُ»؛ فلأن المَضَرَّةَ المحضةَ لا تكونُ نِعمَةً.
وقولنا: المفعولة على جهة الإحسان؛ لأنه لو كان نفعًا وقَصَدَ الفاعلُ به نفعَ نفسه، نَفْعَ المفعولِ به، فلا يكونُ نِعْمَةً، كَمَنْ أحسن إلى جَاِريَتِهِ، ليربَحَ عليها.
وها هنا فوائدُ:
الفائِدَةُ الأُوْلَى: أنَّ كلّ ما يصل إلى الخلق من النفع، ودفع الضَّرر، فهو من الله تعالى على ما قال ﵎: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ [النحل: ٥٣]، ثمَّ إنَّ النعمةَ على ثلاثةِ أَقْسَامٍ:
أحدُها: نِعمةٌ تَفَرَّدَ الله - تعالى - بإيجَادِهَا، نحو: أنْ خَلَق وَرَزَقَ.
وثانيها: نعمةٌ وصلت إلينا من جهةِ غيرِ الله - تعالى - في ظاهرِ الأمْرِ، وفي الحقيقة فهي - أيضًا - إنّما وصلت إلينا من الله ﵎؛ وذلك لأنه - تعالى - هو الخالقُ لتلك النعمةِ، والخالقُ لذلك المنعِمِ، وخالقٌ لداعيةِ الإنْعَام بتلك النعمة في قلب ذلك المنعم، إلاّ أنه ﵎ لَمّا أَجْرَى تلك النعمة على يَدِ ذلك العَبْدِ، كان ذلك العبدُ مشكورًا، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله - تعالى - ولهذا قال تعالى: ﴿أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير﴾
[لقمان: ١٤] فبدأ بنفسِه، تنبيهًا على أن إنعامَ الخلقِ لا يتمّ إلاّ بإنعام الله تعالى.
وثالثها: نِعْمُ وصلت من الله إلينا بسبب طاعتنا، وهي أيضًا من الله تعالى؛ لأنه
1 / 217