حجر على الخليفة، وسد بابه، وأدار على قصره سورًا وثيقًا، وأيده بحراسة مشددة فلا يطمع أحد بمقابلة الخليفة إلا بإذن ابن أبي عامر، ولتبرير فعله هذا أشاع في الناس أن الخليفة قد فوض إليه أمر تدبير الدولة ليتفرغ هو لعبادة ربه (^١)، وبذلك ضمن التحرر نهائيًا من الخليفة وسلطانه.
وكان ابن أبي عامر "المنصور" يتدرج في مناصب الدولة، وفي كل مرة يُظهر أمر الخليفة بمنحه منصبًا جديدًا أو لقبًا إضافيًا، وإن كان الواقع يشير إلى أن الخليفة ليس له من الأمر شيء، إذ لم يبق له من رسوم الدولة سوى السكة والخطبة (^٢).
ورغبة من المنصور في ترك أثر له على العمارة فقد ابتدأ سنة (٣٧٧) هـ (٩٨٧ م) بإجراء التوسعة من الناحية الشرقية لجامع قرطبة، دونما اهتمام بالزخرفة (^٣)، كما بدأ في سنة (٣٧٨) هـ (٩٨٨ م) ببناء القنطرة (^٤) على نهر
(^١) - أعمال الأعلام ٢/ ٦٢.
(^٢) - البيان المغرب ٢/ ٢٧٦.
(^٣) - المصدر السابق ٢/ ٢٨٧.
(^٤) - القنطرة: رومانية قديمة البناء، تصل بين قرطبة وريفي شقندة المسمى اليوم "الاسبيرتو سانتو" وفي الأيام الأولى للفتح الإسلامي كانت تلك القنطرة قد تهدمت وأصابها التلف ولم تعد الاستفادة منها ممكنة فلما أصبح السمح بن مالك الخولاني واليًا على الأندلس كتب لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ﵀ بأمر القنطرة ووضح له أهميتها، فأذن له ببنائها بصخر سور قرطبة، فأتم ذلك سنة ١٠١ هـ، وقد جددت بعد ذلك مرارًا. انظ: أخبار مجموعة ص ٢٤، رحلة الأندلس ص ٥٧ - ٥٨.