الخلاصة أننا لن نجد للنسوية إرهاصات متنامية في مراحل الفلسفة الغربية الأسبق، ربما وجدت بعض الأفكار العتيقة المبهمة التي يمكن أن تستفيد منها النسوية، من قبيل نظريات الدورة الكبرى والعود الأبدي التي ظهرت مع الإغريق، وتردد رجع خافت لصداها هنا أو هناك في مسار الفكر الغربي، وهي أفكار يمكن أن ينشأ عنها تصور مغاير للمرأة وعلاقة الذكورة بالأنوثة،
4
وأيضا ربما تساءل فيلسوف أو آخر - خصوصا في عصر الفلسفة الحديثة - عن سبب هذا الوضع المتدني للمرأة، أو أعرب عن تصوره أنها يمكن أن تكون إنسانا كاملا مثل الرجل، هكذا فعل الموسوعيون الفرنسيون دينس ديدرو
D. Diderot (1713-1784)، وأدريان هيلفسيوس
A. C. Helvetius (1722-1771) الذي شكك كتابه «في الإنسان : ملكاته وتربيته» في الحتمية البيولوجية، حين أشار إلى أن سبب خفة النساء وطيشهن هو سوء التربية وليس دونية فطرية فيهن، وهولباخ (1733-1789) الذي رأى وضع النساء لا يعدو أن يكون شكلا آخر من أشكال العبودية التي يجب القضاء عليها في كل صورها. هذا بخلاف وجود كاتبات في مراحل أسبق من التاريخ الغربي، هن شاعرات أو راهبات وواعظات، أشرن إلى تحفظات على وضع المرأة ومشاكل المرأة وخصوصياتها. ومن أهم ما ورد في هذا الصدد كتاب «اقتراح جاد للنساء» (1694م)، تأليف آن ماري ستيل، ومن قبلها قالت نسوية قديمة هي بولين دي لابار
إن كل ما كتبه الرجل عن المرأة مشكوك فيه؛ لأن الرجل هو الخصم والحكم.
5
كل هذه الإشارات العابرة قبل القرن التاسع عشر خافتة وباهتة، ابتلعها تيار الحضارة الغربية السائر بمجامعه نحو تكريس وضع معين للمرأة الاستثناء الوحيد الذي ينبغي أن يستوقفنا هو الفيلسوف الاستثنائي فعلا أفلاطون شيخ الفلسفة المثالية، وليس جزافا قول الفيلسوف والرياضياتي العظيم ألفرد نورث وايتهد
A. N. Whitehead (1861-1947): إن مجمل تاريخ الفلسفة الغربية هوامش على فلسفة أفلاطون.
نقرأ في الكتاب الخامس من الجمهورية منطلقات للنسوية الحديثة، صريحة لا لبس فيها، حتى أكثرها شططا كإلغاء الأسرة. في طبقة الحراس أحل أفلاطون محل الأسرة الترتيبات الكفيلة بإنتاج أفضل سلالة، ثم تتعهد الدولة بتربية الأطفال، دون أن ينتسب ابن إلى أبيه أو زوجة إلى زوجها، وكان أفلاطون أول فيلسوف يرفض الحتمية البيولوجية، متسائلا باستنكار: هل يختلف الصلع عن ذوي الشعر في مهارتهم لصنع الأحذية؟! فلماذا نفترض اختلاف الرجال عن النساء فقط بناء على خصائص جسمانية؟ ألسنا نعهد بالحراسة إلى الكلاب ذكورا وإناثا على السواء، ولا نقصر إناث الكلاب على رعاية الجراء فقط؟! فكانت طبقة الحراس في الجمهورية أول موضع فلسفي تتساوى فيه النساء مع الرجال تماما، وتنفصل فيه المرأة عن وضعها التقليدي. كل فرد يحتل موقعه وفقا لقدراته أو قدراتها، الذكورة أو الأنوثة لا تصنع تمايزا. أكد أفلاطون صراحة على أن «المرأة بطبيعتها قادرة على كل الوظائف، وكذلك الرجال»،
ناپیژندل شوی مخ