النسوية في أصولها حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية، تتمثل في حقوق المرأة وإثبات ذاتها ودورها، والفكر النسوي بشكل عام أنساق نظرية من المفاهيم والقضايا والتحليلات تصف وتفسر أوضاع النساء وخبراتهن، وسبل تحسينها وتفعيلها، وكيفية الاستفادة المثلى منها، النسوية إذن ممارسات تطبيقية واقعية ذات أهداف عينية، ولما تنامت مؤخرا، وباتت قادرة على التأطير النظري حتى تبلورت النظرية ونضجت، ظلت الرابطة قوية بين الفكر والواقع. الحركة أو الممارسات تعمل على الساحة لتبديل أوضاع ملموسة وظروف اجتماعية، تتدعم بالنظرية وتستلهم خطاها وتوجهاتها، والنظرية بدورها تتشكل وتتفرع وتتطور بما يبدو عمليا وفعالا أو مطلوبا في الممارسة.
هكذا بدأت النسوية مع القرن التاسع عشر حركة اجتماعية، توالد عنها فكر نسوي، وفي مرحلة لاحقة نشأت عنها منذ سبعينيات القرن العشرين فلسفة نسوية، ظلت بدورها أكثر من أية فلسفة أخرى ارتباطا بالواقعي والعيني والجزئي والعرضي واليومي والمعاش والعادي والشائع، حيث لا نظرية منفصلة عن الممارسة العينية، ولا فعل في الواقع منبت الصلة بالفكر، الخلاصة أن النسوية فكر وواقع متجاوران، حتى يصح القول إن الفلسفة النسوية أتت أخيرا كتركيب جدلي من هذين الجانبين للحركة، اللذين تطورا معا.
في هذا الإطار العريض الشامل تضم النسوية كل جهد عملي أو نظري لاستجواب أو تحدي أو مراجعة أو نقد أو تعديل النظام البطريركي (الأبوي)
patriarchal
السائد طوال تاريخ الحضارة الغربية ... الاستثناءات القليلة للنظام البطريركي إما قبل التاريخ المدون للحضارة الغربية، وإما خارج نطاقها، وفي كل حال نجد الاستثناءات نادرة - أو ببساطة استثناءات - بطول الحضارة الإنسانية وعرضها.
البطريركية هي بنية الحضارة الإنسانية - على اختلاف مراحلها وتطوراتها وشعابها - القائمة على مؤسسات وعلاقات اجتماعية تكون المرأة فيها ذات وضعية أدنى خاضعة لصالح الرجل، ويتبوأ الرجال السيادة والمنزلة الأعلى، حتى يمتلكوا سلطة تشكيل حيوات النساء أنفسهن؛ مما يخضعهن لأشكال من القهر والكبت، تفرض على المرأة حدود وقيود، وتمنع عنها إمكانيات للنماء والعطاء؛ فقط لأنها امرأة، حتى بدت الحياة وكأنها حق للرجل وواجب على المرأة.
لقد اقتضت مصالح السلطة الذكورية حصر المرأة في قيمتها بالنسبة للرجل؛ أي في دورها كأنثى ... كزوجة وكأم، فتبدو الأنوثة حتمية بيولوجية مفروضة على المرأة، تحصرها داخل الأسرة التي يرأسها الرجل، ووفقا لشروط ومتطلبات الرجل، ولأن الأسرة تبدو مؤسسة ضرورية لاستمرارية الحياة، كانت الحتمية البيولوجية وضرورية الأسرة هما الذريعتان اللتان جعلتا وضعية المرأة الأدنى الخاضعة للرجل والمسخرة له هي الأمر الواقع الذي لا واقع سواه، والطبائع الضرورية للأشياء، بدا هذا طبيعيا وأيضا عادلا؛ لأنه مصلحة السلطة الذكورية الأقوى، وقديما ناقش أفلاطون في جمهوريته المقولة التي تفرض نفسها أحيانا، وتنص على أن العدالة هي مصلحة الأقوى.
تؤكد النسوية أن هذا جزئيا في صالح الرجل، لكنه كليا ليس عدلا وليس في صالح المسار الحضاري والإنسانية جمعاء التي هي الرجل والمرأة معا، وليست الرجل فقط أو أساسا كما تزعم القيم الذكورية للبطريركية التي سادت. لقد خسرت البشرية طويلا من هذا الإهدار الجائر لحقوق المرأة ولدورها الحضاري، خصوصا وأنه ارتد في صورة بخس وإهدار والحط من شأن قدرات وملكات وخبرات نفسية وشعورية، فقط لأنها أنثوية أو خاصة بالمرأة، ولئن عملت النسوية في موجتها الأولى في القرن التاسع عشر على نيل حقوق المرأة، فإن النسوية الجديدة تعمل الآن على إبراز وتفعيل مثل هذه الخبرات الأنثوية زاعمة أن هذا قادر على الإسهام في علاج أدواء مزمنة تعاني منها الحضارة المعاصرة وممارساتها العلمية، بسبب من المركزية الذكورية التي سادت وانفرادها بالفعل الحضاري.
هكذا يتضح أن النسوية اتجاه ذو مراحل وطيف عريض ومتغيرات وبدائل شتى، وهي ككل الاتجاهات الفكرية الكبرى، إطار عام يضم فروعا عديدة وروافد شتى، أوجه الاختلاف بينها كثيرة، لكنها تتفق جميعها على مساءلة البطريركية وقيمها بحثا عن حقوق ووجود المرأة، فظهر مصطلح النسوية
Feminism
ناپیژندل شوی مخ