بدا مل نصيرا متحمسا للنسوية منذ مطالع حياته العقلية. كان لا يزال في الثامنة عشر من عمره حين نشر مقالا في جريدة «وستمنستر ريفيو» يهاجم فيه ازدواجية المعايير الخلقية للرجال والنساء. واستهل كتابه «استعباد النساء» بإعلانه أن أولى قناعاته التي ازدادت رسوخا مع الأيام هي أن المبدأ الذي ينظم العلاقات الاجتماعية الكائنة بين الجنسين؛ أي تبعية أحدهما القانونية للآخر، إنما هو مبدأ خاطئ في ذاته، وينبغي أن يحل محله مبدأ المساواة الكاملة التي لا تسمح بسلطة أو سيادة أحد الجانبين على الآخر.
18
ومثلما كانت الفروسية والكرم قيم الحضارة الرومانية القديمة، فإن العدالة والمساواة - فيما يؤكد مل - هي قيم الحضارة الليبرالية الحديثة. وليس من العدالة في شيء حرمان المرأة من العمل والمهن التي تدر ربحا، حتى لو كانت متاحة لأغبى وأحط فرد من جنس الرجال. وأشار إلى أن هذا يعود إلى رغبة الرجال في إخضاع المرأة للزوج والحياة المنزلية، وكراهية بعضهم أن يعيش الواحد منهم مع ند له. كيف نقبل هذا في حين أن الفضيلة الحقيقية لليبرالية هي أن نطلب لأنفسنا ما نطلبه للآخرين، فلماذا لا يفعل الرجال هكذا مع النساء؟!
19
لم يعد الكائن البشري مع الليبرالية يولد مقيدا بأغلال موقعه الاجتماعي، بل يولد حرا، ويستخدم ملكاته والفرص المتاحة لتحقيق المصير الذي يفضله. ومن الممكن منطقيا أن يحاول أي شخص الوصول إلى أي مركز في المجتمع. وفي هذا نجد التحريم الذي تخضع له النساء بمجرد واقعة مولدهن إناثا لا مثيل له في التشريع الحديث.
20
هكذا كان مل الفيلسوف الليبرالي الوحيد الذي شرع في تطبيق مبادئ الليبرالية على النساء،
21
ليطالب بحقوقهن في التعليم والتثقيف الشامل والتصويت والمساواة أمام القانون والتصرف في أموالهن وحق الوصاية على أطفالهن. اعتبر مل سيطرة الرجال وخضوع النساء شكلا من أشكال كثيرة شهدتها البشرية للاستبداد وسيطرة الأقوى الجائرة وسوء استخدام السلطة، شأنه مثلا شأن الملكية المطلقة وسطوة الإقطاعيين على الفلاحين ... إلخ، لكنه يختلف عن الأشكال الأخرى اختلافين، أحدهما من ناحية الخاضع والثاني من ناحية المسيطر. الناحية الأولى في أن الخاضع يقبله طواعية، فالنساء لا يتذمرن منه بل يشتركن فيه برضاهن. أما من ناحية المسيطر الآمر فهو في أنه لا يريد فقط الخدمة والمنفعة والاستغلال المادي والطاعة، بل كذلك المشاعر والعواطف. وبالتالي استخدم الرجال جميع الوسائل لاستعباد عقول النساء أيضا. استخدموا قوة التربية والتنشئة والأخلاقيات بأكملها، حتى يجعلوا الغاية الوحيدة للمرأة هي أن تروق للرجل، ولا يكون لها حياة إلا في العواطف التي يسمح بها لها.
22
ناپیژندل شوی مخ