تلك الخواطر، لو اشترك فيها النساء مع الرجال، لكانت مقدماتها صحيحة القياس، وهذه المباني لو تعاون الصنفان على إقامتها لكانت وطيدة الأساس.
ولقد شمت اليوم بارقة الأمل، فأمسكت اليراع وأجريته على القرطاس لأشكر الثلاث: صاحبين من خيار الرجال، تعززهما ثالثة يعتز بها كل منهما؛ ولا فخر لأنها فخر الإناث.
أمعنت النظر في السلسلة الأولى من «النسائيات» التي صاغت حلقاتها يد لصاحبتها كما لأبيها، ومن كمال بعلها أياد على الآداب والفضيلة، فلم أعجب من صلاح ذلك الغرس الطيب، وإيناع هذا الثمر الشهي، وقد تعهد تلك البذرة الصالحة المباركة الباسل «حفني» في إبان الصبا، والمنصف «الباسل» في ريعان الفتوة.
فيا رعى الله ذاك القناع، وذياك اليراع! فقد برزت بهما تلك الفتاة في مضمار الحياة، فأثبتت أن في السويداء إناثا يضارعن الرجال، إذا هن أخذن بالعلم الصحيح والعمل النافع، وتهيأت لهن الأسباب مع التمسك بأذيال الحشمة والكمال.
مرحى مرحى! ب «ملكة» ظهرت في عالم الإنس بين النساء فأكبرها الرجال؛ لأنها أعادت لنا ذلك العصر الذهبي الذي كانت فيه ذوات العصائب يناضلن أرباب العمائم في ميداني الكتابة والخطابة!
لو لم يكن للسيدة «ملكة الباسل» سوى أنها أول من برزت في هذه الأيام بحجابها وآدابها، لإلقاء الخطب على أترابها، لكفاها فخرا في الأواخر أن اسمها سيخلد في «كتب الأوائل»؛ إذ يقال: إنها من المجتهدات المجددات؛ لأنها أول من أعادت الخطابة إلى فريق من النساء، بعد أن انطمست معالم هذه السنة منذ ست مئين من السنين، سنة أخذها الغرب عن العرب فارتقى، وأهملها الشرق فانزوى وقعد بهن وبنا.
إحياء هذه السنة على يد هذه الفضلى هو الذي حداني إلى كتابة هذين السطرين: لإطراء النساء لا لإطراء «النسائيات»، فهو كتاب ينطق بنفسه لصاحبته، بل هو غني عن التقريظ لرقة عبارته ولطف أسلوبه، ولبسالة صاحبته بنوع أخص.
نسأله تعالى أن يكثر بين ظهرانينا من أمثال أولئك الثلاث؛ فكل منهم فرد في بابه إن شاء الله!
رمل الإسكندرية في 31 أغسطس سنة 1910
أحمد زكي
ناپیژندل شوی مخ