بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق الحمد والصلاة والسلام على سيدنا محمد فوق العدو على آله وصحبه رجالا ونساء يتجددان كل يوم صباحا ومساء.
أما بعد، فإن كان لمذهب دارون وجه من الصحة فليكن في ترقي العقول واستنباط المجهول من المعقول وفي تولد المعلومات بعضها عن البعض، أما في نوع العالم - وهو بنو آدم - فلا نراه مصيبا؛ إذ الآدمي آدمي أينما كان وشكله شكله في كل زمان ومكان.
أصدق الأدلة على ترقي المعلومات وتوالدها وتنوعها الذهاب إلى ما يقرب من الطوفان والمشي معه إلى هذا الزمان، فقد نرى في زمان نوح شكل الإنسان على ما هو عليه الآن، ولكننا نراه في معلوماته قد تغير تغييرا تاما بحيث يمكننا أن نحكم بانقطاع النسبة، أو تبدل النوع بين معلومات هذا الزمان وزمان الطوفان.
نحن في غناء عن سرد حالة هذا الهيكل الإنساني في معلوماته القديمة والحديثة؛ فما من نفس إلا وقد تتصور الفرق بين العهدين وأن هذا الجديد كخلق جديد.
يمكنني أن أذكر شيئا سمعته من أسن رجل لقيته في حياتي، وكانت سنه إذ ذاك تتجاوز مائة عام، وسني سبع عشرة على التقريب، قال ما معناه: «إنني وأنا شاب ذهبت إلى إحدى الأسواق الريفية، ثم رجعت منها حائرا في أمري، فحدثت أبي بما عاينت وقلت: يا أبتاه رأيت اليوم في السوق عجبا، فاعتدل وسأل: ما هو؟ فقلت: رأيت امرأة في السوق، وما عهدتها قبل هذا النهار إلا قعيدة البيت، فقال له أبوه: يا ولدي لا تعجب؛ فإننا قربنا من آخر الزمان الذي تقول فيه الملاحم وتعلو: «الحجول على الخيول.» فاللهم نجنا، ولا تبلغ بنا في حياتنا إلى ذلك الزمان». ا.ه. هذا الحديث.
فأين المرأة التي حدث عنها محدثي هذا وزمانها لا يتجاوز المائة والعشرين سنة، وقد كان مقرها كسر بيتها تخرج منه إلى قبرها؟! وأين المرأة في هذا الزمان فقد تراها على وشك الإسفار حاملة قمطرها ذاهبة إلى مجتمع فيه كثير من النساء يعددن بالمئات، وفيهن كثير من المتعلمات، فتصعد بينهن على منبر الخطابة، ثم تقول وتعيد ذاكرة حال النساء ولزوم تربيتهن ووجوب تعليمهن مبينة فوائد تعليمها، منددة بالمواضي في جهلهن، حاضة على تسوية النساء بالرجال في الاستفادة من العلوم، فيقابل المجتمعات قولها بالرضى والقبول والإذعان للحجج والبينات التي أقامتها على وجوب تربية البنات.
يظهر أنني أسرعت في الانتقال إلى المقصود من كلماتي هذه، كما أسرع الزمان في تبديل حال النساء في بلادنا من تلك الجهالة العمياء إلى هذه المعرفة العلياء، وإن كانت هذه المعرفة تعد بالنسبة للآتي شيئا قليلا أو لا يكاد يذكر في جانب ما هو منتظر الحصول.
بالطبع قد عرف أنني أقصد التنويه بالسيدة الفاضلة الباحثة في البادية (ملك حفني ناصف)، فقد رأيت مجموعتها التي أدرجت في الجريدة منذ زمان، وطالعت معظمها بإمعان، ولم أطالع البقية لقرب عهدي بها منشورة في الجريدة، فإذا فيها من المباحث العلمية والفوائد الاجتماعية ما يعظم نفعه ويكون أساسا في المستقبل لبناء جديد نضيد يخرج المرأة المصرية إلى عالم المشاركة الحقيقية للرجل في التربية والمعيشة، وبهذا يكون لهذه السيدة فضل المؤسسين.
إني رأيت في كتابة هذه السيدة حدة في بعض الموضوعات، وكأنها معذورة في حدتها لامتلاك الموضوع نفسها وحواسها، فكتبت فيه وهي ممتلئة حنقا ولو ملكت نفسها لخفضت من حدتها وأتت بالخاص مكان العام، أو بالبعض مكان الكل، وبهذا كانت تسلم من الاعتراض، وتغني نفسها عن تدارك ما وقع في مقال ثان، وليس هذا بالشيء إلا من جهة صناعة الكتابة، والعذر فيه هو ما ذكرناه.
ناپیژندل شوی مخ