انقلبت الحال وصارت الفتاة بائرة في سوق الزواج إلا إذا شفع لها غناها، عكست آية الإسلام واستبدلت بها عادة لم تأت في شرائع النصارى ولا اليهود وإنما اتبعوها بدعة وضلالا.
ازداد طمع الرجل فملك عليه حواسه، فصار ينام يحلم بالمال ويقوم يشتغل له، ولا عيب عليه في ذلك، وإنما الذي يعيبه أنه زادت خميرة جشعه فحمض ذوقه واستحكم منه الطمع في كل شيء حتى في عروسه! «ماذا عندها»؟ كلمتان ألفناهما وهما أول ما يفتح به للخاطب، وقد لا يسأل غير هذا السؤال؛ فأبو العروس الذهب وأمها الفضة وأخلاقها النحاس وسمعتها الطين ومعارفها العقار، متى وجد المال صحت المصاهرة ولزم الزواج، وإلا فتبقى الفتاة إلى أن تسن وتدفن معها طيبة قلبها وحسن عشرتها وقدرتها على تربية أولاد بررة ربما كانوا، لو ظهروا في العالم نافعين.
يلبث إعجاب الرجل بزوجه وغناها قليلا، ثم يتحول إلى استبداد واغتصاب، فيجبرها على أن توكله على مالها توكيلا شرعيا ليتصرف فيه على هواه، فيبدده على ملاهيه وخليلاته، أو يتذرع به للظهور في مظهر الموسرين، ورب معترض يقول: لماذا تستحل المرأة مال الرجل وتحرم مالها عليه؟ فهل فاته أن الرجل مكلف شرعا بالإنفاق على زوجته وعياله أما المرأة فلا؟ اللهم إن كان محتاجا وعند المرأة فضل، فليس من المروءة ولا الحنان أن تتركه يقترض من غيره ولا تعطيه هي مما عندها وتعتبره شريكا لها في كل شيء على أن ذلك تكرم منها لا تجبر عليه، فإذا سمحت أعطت وإن شاءت منعت، كذلك إذا تزوجت المرأة من رجل كان يكفي بيته ثم عضه الدهر فأعسر فلا يصح أدبيا ولا اجتماعيا أن تتخلى عنه وقت عسره أو تبخل عليه بمالها؛ إذ هما شريكان في السراء والضراء، فضلا عن أنها لو لم تكن ذات مال لوجب عليها أن تساعده بما تستطيع فيما لا يتعدى الشرف، فمساعدة المرأة للرجل بالمال واجبة إذا أعسر بعد يسر اشتركت فيه معه، بشرط أن تكون تلك المساعدة في غير ضرر عليها أو إفساد له، أما إذا كان ممن يلعبون الميسر، أو ممن يقضون حياتهم بين القناني والقيان، فأحر بزوجته أن لا تقرضه فلسا واحدا.
وهناك آخرون تحل لهم أخلاقهم أن يجازوا الإحسان بالإساءة، فبعد أن يبددوا ثروة نسائهم ويلحق أصفرها أبيضها يكافئونها بضرة جديدة، وبئس الجزاء!
مال المرأة يجب أن يبقى لها ولكمالياتها وترفها، وهو على أي حال يوفر على الرجل بعض النفقة، وإذا اتحدا ولم يتفارقا فالمال باق لأولادهما فأي ضرر عليه في ذلك؟! وهل الأنفع له أن يبدده ويحتاج لغيره أو أن يوفره فيجده كنزا لم يتعب في الحصول عليه؟ وهي إذا وفى لها وأيقنت بحسن نيته لا تضن عليه بروحها فضلا عن بعض مال سيفنى وتأتي عليه الغير.
لا أعد الرجل ذا مروءة ونخوة وهو يبيع حلي امرأته ويجردها حتى في حال عسره؛ لأنه لا معنى لرجوليته ووصفه نفسه بالقوة والنشاط مع اعتكافه على الكسل، ولماذا لا ينقب له عن عمل يرتزق منه، وهو لا يمنعه عن الارتزاق مانع إلا أنه وكل؟ لا يعذر الرجل على مد يده لمال زوجه إلا إذا كان له من ضعفه وعدم اقتداره على العمل مبرر.
على أن هذه المسألة من التعقيد بحيث يسهل عندها ذنب الضب؛ فإن بعض النساء يهددن بالفراق إذا لم يعطين أزواجهن ما يطلبون ويذكر لهن الزواج إرهابا، فأي الأمرين تختار المرأة البائسة؟! لا شك أن إعطاءها المال أهون الشرين، ولكن أتأمن غدره بعد أن أظهر لها أنه قادر على إتيانه في أي لحظة وهي لا تعلم؟! اللهم إن رجلا هذه أخلاقه مع زوجه وهذا مبلغ جشعه لخليق بأن يفارق، ولكن المداراة مما أوصى به النبي
صلى الله عليه وسلم
فلتداره ما أمكن؛ فذلك خير لهما من الخلاف وأولى للمرأة التي تشك في أمانة زوجها الطماع أن توكله توكيلا مدنيا فقط، لا شرعيا كما يريد، فتكون وسطا بين الطرفين تحفظ العين من الضياع وتتساهل قليلا في الريع. المرأة مظلومة دائما؛ إذا كانت فقيرة لا يرغب فيها، وإن كانت وارثة يطمع في مالها. والوارثة مظلومة أيضا؛ فإما أن لا تتزوج لتأمن الطمع والطماعين، وإما أن تتزوج على غير بصيرة كعادتنا. ولو كان للخطبة والزواج عندنا نظام آخر لأمكن التحقق من أخلاق الخاطب، وتمييز الرجل ذي المروءة من الشره الزنيم.
الظلم
ناپیژندل شوی مخ