[و] صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
أخبرنا الشيخ الإمام شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي التوني رحمه الله، قال:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد، فهذا كتاب ذكرت فيه نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأولاده ومن سالفه من قريش وحلفائهم وغيرهم.
مخ ۲۷
الباب الأول أزواجه صلى الله عليه وسلم
مخ ۲۹
1- [خديجة رضي الله عنها]
فأول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم هند، خديجة الطاهرة، رضي الله عنها، بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشية الأسدية، كنيت بولدها من أبي هالة.
قتل هند مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يوم الجمل.
وقتل ابنه هند بن هند، مع مصعب بن الزبير يوم المختار.
مخ ۳۱
وقال الزبير: وقد قيل: إن هند بن هند مات بالبصرة في الطاعون، فازدحم الناس على جنازته وخلوا جنائزهم وقالوا: إبن ربيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وابن إبن امرأته.
أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم. والأصم اسمه جندب بن هرم بن رواحة ابن حجر، بفتح الحاء والجيم، أخي حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي. وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص. وأمها العرقة، واسمها قلابة بنت سعيد، بضم السين على التصغير، بن سهم، واسمه زيد أخي جهم، واسمه تيم، ابني عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب.
وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي.
وكانت قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، قبل أن يتزوجها أحد، فلم يقض بينهما اجتماع.
فتزوجت عتيق بن عابد، بالباء الموحدة، بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، فولدت له جارية تدعى هند بنت عتيق .
ثم خلف عليها أبو هالة، مالك بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غذي، بفتح العين المعجمة وفتح الدال المعجمة، بن جروة بن أسيد، بتشديد الياء، بن عمرو بن تميم، حليف بني عبد الدار بن قصي.
مخ ۳۲
فولدت له غلامين: هند بن أبي هالة، وهالة بن أبي هالة.
هذا قول الزبير في اسمه ونسبه وولده.
وقد خولف فيه، ومنهم من أسقط هالة.
وقيل: إن عتيقا خلف عليها بعد أبي هالة.
ثم تزوجها سيدنا ونبينا ومولانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، قبل النبوة، وهو ابن خمس وعشرين سنة على الصحيح، وكانت خديجة، رضي الله عنها، بنت أربعين سنة.
وكانت نفيسة بنت منية، أخت يعلى بن منية، هي التي مشت بينهما حتى تزوجها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف لها ذلك.
مخ ۳۳
فقيل: إن أبا طالب حضر العقد ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر، فقال أبو طالب:
((الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، عليه السلام، وزرع إسماعيل، عليه السلام، وضئضئ معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إن ابن أخي هذا، محمد بن عبد الله، لا يوزن به رجل إلا رجح به، وإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل.
ومحمد من قد عرفتهم قرابته، خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي. وهو والله مع هذا له نبأ عظيم وخطر جليل)).
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومهرها رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية. حكاه ابن سعد.
وكانت السوداء أم زفر ماشطتها، حكاه الزبير.
فولدت له القاسم وعبد الله، وهو الطيب والطاهر والمطهر. لقب بهذا لأنه ولد بعد النبوة.
وولدت له من النساء: زينب، وهي أكبر بناته بلا خلاف، إلا شيئا يروى لا يصح.
مخ ۳۴
ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، وهذا هو المشهور في ترتيب البنات.
وقال ابن الكلبي: زينب، ثم القاسم، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، ثم عبد الله، وكان يقال له: الطيب والطاهر.
وقال ابن سعد: القاسم، ثم زينب، ثم رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم، وولد هؤلاء قبل النبوة، ثم ولد له آخر بعد النبوة، وهو عبد الله، وهو الطيب والطاهر، وأم الجميع خديجة رضي الله عنها.
قلت: جعل ابن إسحاق البنين ثلاثة: فقال: القاسم، وبه كان يكنى، والطيب، والطاهر.
فأما القاسم والطيب والطاهر، فهلكوا في الجاهلية.
وقال بعضهم: ما نسمعها ولدت إلا القاسم.
وولدت له بناته الأربع.
وكانت سلمى مولاة صفية تقبلها.
وكان بين كل ولدين لهما سنة، وكانت تسترضع لهم، وتعد ذلك قبل ولادها.
وكانت تعق عن كل غلام بشاتين، وعن الجارية بشاة.
مخ ۳۵
[أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها]
فأما زينب، فولدت لأبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي، عليا، أردفه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على راحلته.
وأمامة، تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بعد موت فاطمة، رضي الله عنها.
ثم خلف عليها بعد علي، رضي الله عنه، المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، بوصية من علي رضي الله عنه.
قال: وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها على عنقه في الصلاة.
مخ ۳۶
وماتت زينب، رضي الله عنها، سنة ثمان من الهجرة.
وأما رقية، فتزوجها عتبة بن أبي لهب، عبد العزى بن عبد المطلب، وطلقها قبل أن يدخل بها.
فتزوجها عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وهاجر بها إلى الحبشة، وولدت له هناك عبد الله، مات بعدها وقد بلغ ست سنين.
وكانت رقية، رضي الله عنها، من أجمل النساء. أصابتها الحصبة، فتخلف عليها عثمان، رضي الله عنه، يوم بدر بإذن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وضرب له رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، بسهمه وأجره، فكان كمن شهدها.
وتوفيت بالمدينة، يوم قدوم زيد بن حارثة بشيرا بقتلى بدر.
وكانت بدر في شهر رمضان، على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة.
مخ ۳۷
وأما أم كلثوم، فتزوجها عتيبة بن أبي لهب، الذي أكله السبع، أخو عتبة ومعتب ابني أبي لهب، وقد أسلما يوم الفتح، وفارقها قبل أن يدخل بها، فتزوجها، عثمان رضي الله عنه، بعد موت رقية، فلذلك سمي ذا النورين.
وكان تزوجه إياها في شهر ربيع الأول، ودخل بها في جمادي الآخرة من السنة الثالثة. وماتت سنة تسع من الهجرة، وصلى عليها أبوها، صلى الله عليه وسلم ، وشهد دفنها. وفيها قال: ((دفن البنات من المكرمات)).
ونزل في حفرتها علي، والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم، قاله ابن سعد.
مخ ۳۸
وأما فاطمة، رضي الله عنها فتزوجها علي رضي الله عنه، في رجب، بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر، وفاطمة رضي الله عنها بنت خمس عشرة سنة، وقيل: بنت ثماني عشرة سنة.
[وقيل:] بنى بها علي وقت مولدها، وقيل: سنة إحدى وأربعين من مولده صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن سعد: ولدت وقريش تبني البيت، وذلك قبل النبوة بخمس سنين.
والظاهر أنه تقدير لا تحرير.
فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا، مات صغيرا، وأم كلثوم وزينب.
ثم ماتت بعد أبيها بستة أشهر.
قال ابن عمر: توفيت ليلة الثلاثاء، لثلاث خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة.
وهو الثبت عندنا.
وصلى عليها علي رضي الله عنه. وقيل: العباس.
ونزل في حفرتها العباس والفضل بن العباس وعلي، رضي الله عنهم.
مخ ۳۹
وقيل: دفنت ليلا وصلى عليها علي رضي الله عنه.
وقيل: إنها غسلت نفسها، ثم اضطجعت فماتت.
وهي أول من جعل لها نعش، عملته لها أسماء بنت عميس الخثعمية، رضي الله عنها، وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة.
وقيل: ماتت بعد أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: ثمانية.
فهند بنت عتيق، وهند هالة ابني أبي هالة، إخوة ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، من أمهم خديجة، رضي الله عنها.
مخ ۴۰
[عود إلى أخبار خديجة رضي الله عنها]
وماتت خديجة، رضي الله عنها، بمكة لعشر خلون من شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي بنت خمس وستين سنة، بعد وفاة عمه أبي طالب بثلاثة أيام. قبل أن تفرض الصلاة على الجنائز.
وماتت بالحجون. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن يومئذ الصلاة على الجنازة سنة.
ولم ينكح غيرها حتى ماتت رضي الله عنها. فلقد كانت، رضي الله عنها، عونا له على الدين.
وروي عن عبد الرحمن بن زيد: أن آدم صلوات الله عليه قال: ((إن مما فضل به علي ابني، صاحب البعير، أن زوجته كانت له عونا على دينه، وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة)).
وكانت زوجته خديجة رضي الله عنها أول من صدقه وآمن به صلى الله عليه وسلم ، وهي أول من صلى معه.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وصلى فيه، وصلت خديجة، رضي الله عنها، يوم الاثنين، وصلى علي رضي الله عنه يوم الثلاثاء.
مخ ۴۱
2- [سودة بنت زمعة رضي الله عنها]
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة، رضي الله عنها، بأيام سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشية العامرية.
وهي أول امرأة تزوجها بعد النبوة.
وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غانم بن عدي بن النجار، بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش، أم عبد المطلب.
وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس، أخي سهيل وسليط وحاطب، وكلهم أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم .
مخ ۴۲
هاجر بها السكران إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية. ثم رجع بها إلى مكة فمات بها.
فلما حلت، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة.
وإخوتها عبد وعبيد ومالك، ولهم صحبة، وعبد الرحمن الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة وله عقب، أربعتهم أولاد زمعة بن قيس.
مخ ۴۳
روينا في السادس من حديث ابن السماك أن خولة بنت حكيم قالت: انطلقت إلى سودة، وأبوها شيخ كبير قد حبس على المواسم، فحييته بتحية أهل الجاهلية وقلت له: أنعم صباحا، فقال: من أنت؟ قلت: خولة بنت حكيم.
قالت: تكلم فرحب بي، وقال ما شاء الله أن يقول.
قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة.
فقال: كفؤ كريم، ماذا تقول صاحبتك؟
قلت: تحب ذلك.
قال: فقولي له: فليأت.
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.
قالت: وقدم عبد بن زمعة فجعل يحثو التراب على رأسه.
وقد قال بعد أن أسلم: لعمرك، إني لسفيه يوم أحثو التراب على رأسي أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة.
وكانت سودة امرأة ثقيلة ثبطة، وأسنت عنده، صلى الله عليه وسلم ، فهم بطلاقها فقالت: لا تطلقني، وأنت في حل من شأني، فإني أريد أن أحشر بأزواجك، وإني قد وهبت يومي لعائشة، رضي الله عنها، وإني لا أريد ما تريد النساء. فأمسكها صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها.
وماتت بعده بالمدينة في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان آخر خلافته سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.
مخ ۴۴
3- [عائشة رضي الله عنها]
ثم تزوج بعد سودة، رضي الله عنها، بشهر، أم عبد الله، عائشة بنت أبي بكر، عبد الله بن أبي قحافة، عثمان، رضي الله عنهم، بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي، القرشية التيمية.
كنيت بابن أختها عبد الله بن الزبير.
وأمها، أم رومان بنت عامر بن عويمر. وقيل: بنت عمير بن عامر، من بني دهمان بن الحارث بن غالب بن مالك بن كنانة.
وكانت تذكر لجبير بن مطعم وتسمى له، فسلها منه أبو بكر رضي الله عنه .
مخ ۴۵
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين، وهي بنت ست سنين.
فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ونزل بيت أبي أيوب الأنصاري، بعث زيد بن حارثة وأبا رافع رضي الله عنهما إلى مكة، يأتيان بعياله، سودة وأم كلثوم وفاطمة وأم أيمن بركة، وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ومولاته، زوجها لزيد بن حارثة، وابنها أسامة. وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر: أم رومان وعائشة وأسماء رضي الله عنهن، فقدموا المدينة، فأنزلت في بيت الحارثة بن النعمان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني مسجده.
مخ ۴۶
وكان مربدا يصلي فيه المسلمون، ويجمع بهم فيه أسعد بن زرارة، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم . فابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم من الغلامين بعشرة دنانير.
فلما فرغ من بنيانه، بنى لعائشة رضي الله عنها، ولسودة، رضي الله عنها، بيتا. وأعرس بعائشة رضي الله عنها، في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره، وهي بنت تسع سنين.
وكان مقامه صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب رضي الله عنه إلى أن تحول إلى مساكنه، سبعة أشهر.
وقبض عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة، وكان لها معه تسع سنين وخمسة أشهر ولم يتزوج بكرا غيرها.
وتوفيت بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين.
وصلى عليها أبو هريرة، رضي الله عنه، بالبقيع، ودفنت ليلا بعد الوتر، ومعه ابن عمر رضي الله عنه.
مخ ۴۷
وكان مروان قد اعتمر تلك السنة، فاستخلف أبا هريرة رضي الله عنه.
ونزل في قبرها خمسة من أهلها: القاسم بن محمد، وعبد الله بن عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي عتيق، محمد بن عبد الرحمن، وإبنا الزبير: عبد الله وعروة.
وقد قاربت سبعا وستين سنة أو فاتتها، لأن مولدها كان في سنة أربعة من النبوة.
وقد روي في تاريخها ودخولها ووفاتها روايات لا تصح، والصحيح ما أثبتناه ههنا، فليعلم ذلك.
مخ ۴۸