بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين (وبعد) فهذا ما سنح بالخاطر وجادت به الفاكرة من المباني الأصولية أبان تدريسها على ما نضدها شيخنا الأستاذ الأعظم ملاذ المجتهدين وآية الله في العالمين المولى محمد كاظم الخراساني (قده) علقتها على كتابه كفاية الأصول الذي أصبح اليوم منتجع العلم ومحور الدراسة فجأ ما استفدناه من دروسه العالية مشفوعا بما خطر بالبال حول أبحاثه فعسى أن تكون تبصرة لغيري كما انها تذكرة لي وان تعود ذخرا ليوم فاقتي في موضوع العلم قوله (قده) ان موضوع كل علم اعلم أنه لا وجه لتقييد موضوع العلم بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كما هو المعروف عند أهل الفن (وذلك) لان موضوع العلم انما هو الامر الجامع المنتزع من جزئيات موضوعات مسائله أعني بها القضايا الجزئية المبحوث عنها في العلم (ومن الواضح) عدم اختصاص موضوعها بما يكون المحمول فيها عرضا ذاتيا له لامكان كونه من العوارض الغريبة إذا تعلق غرض المدون في مثل هذه القضايا بالبحث عن حيثية لحوقها لذي الواسطة ولم يمكن تصوير الجامع بين الواسطة وسائر موضوعات المسائل ليكون هو الموضوع للعلم كي يترتب عليه كون جميع المحمولات من العوارض الذاتية (فاتضح) انه لا يختص البحث في العلوم بالبحث عن العوارض الذاتية للموضوع (وإن كان) لتوهم إرجاع البحث في مثل تلك القضايا إلى البحث عن الوسائط (وجه) فيما إذا أمكن تصوير الجامع بينها وبين سائر الموضوعات التي تكون محمولاتها عوارض ذاتية لها (وملخص الكلام) ان البحث في القضايا التي تكون محمولاتها عوارض غريبة بحث عن العوارض الغريبة حقيقة إذا كان غرض المدون متعلقا بالبحث عن حيثية لحوقها لذي الواسطة قوله جمعها اشتركها بل المدار في وحدة العلم مع تشتت مسائله
مخ ۲
على اعتبار المعتبر ولحاظه المجموع أمرا واحدا فيقتطع المقنن للفن طائفة من القضايا والابحاث لقيام غرضه الشخصي بمجموعها فيجعلها علما واحدا (فالوحدة) أذن تكون اعتبارية كوحدة العشرة (و اما) وحدة الغرض فهي المصححة لذلك الاعتبار (وعليه) فللمقنن ان يعتبر مجموع علمين علما واحدا (أو) يعتبر العلم الواحد علمين فيما إذا كان هناك غرضان يقوم كل منهما بشطر من ذلك العلم مع فرض اندراجهما تحت غرض واحد عام (ولولا) حديث الاعتبار لم ينضبط الامر بما ذكره (قده) من جعل المعيار وحدة الغرض فان كل باب من أبواب علم واحد يلزم ان يكون بمقتضى هذا الضابط علما واحدا لاشتراك قضاياه في تحصيل الغرض من تدوين ذلك الباب (بيان ذلك) ان كل باب من كل علم يشتمل على مسائل تشترك في ترتب غرض واحد عليها (كما أنه) يشترك مع باب آخر في ترتب غرض واحد جامع على كل منهما (وكذا الحال) في مسائل بعض العلوم بالإضافة إلى مسائل علم اخر (فان هناك) غرضا واحدا مترتبا على مسائل علم دون آخر (كما أن) هناك غرضا جامعا يترتب على مسائل كل من العلمين (مثلا) حفظ اللسان عن الخطأ في المقال غرض مترتب على خصوص مسائل علم النحو (كما أن) صيانة الفكر عن الخطأ غرض مترتب على خصوص علم المنطق (فالحفظ) عن الخطأ بنحو الاطلاق غرض جامع بينهما (فإن كان) الاعتبار في وحدة العلم بالاغراض الجزئية (فاللازم) جعل كل باب علما على حدة (وإن كان) الاعتبار فيه بالغرض الجامع الكلي (فاللازم) جعل علمي النحو و المنطق مثلا علما واحدا (بل لازم) ذلك جعل جميع العلوم واحدا (لان) كمال النفس غرض جامع بين جميع أغراض العلوم (فجعل) الاعتبار بالاغراض المتوسطة بين الأغراض المترتبة على الأبواب والغرض الكلي المترتب على مسائل علمين بل أكثر (بلا موجب ومرجح) فلا مناص من الالتزام بما ذكرناه من كون ملاك الوحدة هو اعتبار المعتبر الناشئ عن غرضه الشخصي قوله لا يكاد يصح لذلك يريد بذلك ان مجرد تعدد الغرض لا يصحح تدوين علمين (وانما) المدعى ان امتياز كل علمين لا بد من أن يكون بتعدد الغرض (لا انه) كلما تعدد الغرض صح تدوين علمين (ويرد عليه) ان محل الكلام في المقام في تعيين ما به يمتاز كل علم عن علم اخر (فلو كان) الملاك في ذلك هو تعدد الغرض فقط كما في المتن (كان) اللازم صحة تدوين علمين في مفروض
مخ ۳
الكلام (كما أنه) لو كان هناك ملاك اخر (كان) اللازم ذكره أيضا والحق عندي ان امتياز العلوم بامتياز الموضوع أو المحمول أو كليهما لان العلم عبارة عن طائفة من القضايا ومعلوم ان امتياز قضيتين اما بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما ومع اتحاد الطرفين كانت القضية واحدة لا تعدد فيها (وعليه) فجملة من المسائل المترتب عليها غرضان تكون علما واحدا لا علمين (نعم) يجوز ان يكون مسألة واحدة أو أكثر من مسائل علمين وحينئذ يكون امتياز هما بامتياز الموضوع أو المحمول أو كليهما في بقية مسائلهما (فصح ان يقال) ان امتياز العلمين بامتياز الموضوع أو المحمول اما مطلقا أو في بعض مسائلهما فيما إذا كان ذلك البعض مقدارا معتدا به (واما) إذا كان ذلك البعض قليلا جدا (كان) تدوين علمين لغوا أو عبثا بل لا بد حينئذ من تدوين علم واحد يبحث فيه عن المسائل المترتب عليها الغرض المشترك والمختص قوله وقد انقدح بما ذكرنا بل انقدح من جواب الاشكال المتقدم عكس ذلك وان المعيار في تمايز العلوم ليس مجرد تعدد الغرض ومن الواضح انه ليس غير الغرض شيئا اخر يصلح للميز أو الدخل فيه إلا اختلاف الموضوع أو المحمول أو كليهما (واما ما ذكره قده) في بيان ضابط المسائل فذلك أجنبي عن مقام امتياز العلوم المتعددة وراجع إلى بيان ضابط وحدة علم واحد مع تكثر مسائله وتباينها ولا ملازمة بين الامرين ليكون وحدة المتشتتات بوحدة الغرض مستلزمة لتعدد العلم بتعدده (هذا) مع ما عرفت من فساد هذا الضابط هناك (واما) ما أفاده (قده) من حسن تدوين علمين مع اشتراك مسائلهما في جملة من القضايا (فهو) لا يكون جزافا بل يكشف ذلك عن تحقق ضابط التعدد فيه وعليه فالضابط شئ اخر وراء تعدد الغرض فلذلك حسن هناك تدوين علمين ولم يحسن فيما اشتركت القضايا بأجمعها أو بأكثرها قوله لا الموضوعات، ينبغي ان يريد بالمنفي الجامع الصوري الموجود بين موضوعات المسائل الذي حسبه القدماء موضوعا لا الجامع الذي التزم (قده) به من جهة كشف وحدة الغرض عنه وان لم يكن له اسم مخصوص إذ لا يمكنه نفى التمايز بذلك الجامع بعد كشف وحدة الغرض عن وحدة محصله في رتبة سابقة عليه وإذا لم يمكنه نفى دخل الموضوع في التمايز على مبناه لا يمكنه حصر التمايز به أيضا (ووجهه) ان تلك الوحدة السابقة رتبة اما ان يكون بالموضوع أو بالمحمول أو بكليهما فلا ينحصر الميز بالموضوع
مخ ۴
بعد فرض لا بدية الالتزام به على مبناه قوله كما لا يكون وحدتهما بل وحدتهما سبب لان يكون من الواحد كما هو المصرح به في جواب الاشكال المتقدم قوله لو كان المراد الظاهر أن المراد بالسنة ليس ذوات هذه الأمور بما هي هي ليكون لفظ السنة مساوقا للفظ القول والفعل والتقرير بل المراد بها هي تلك الذوات بما هي حاكيات عن الأحكام الشرعية والقوانين الإلهية أو نفس المحكيات بها ليكون إطلاقها على الحاكي من باب التوسع كتوصيف الحاكي بالكلية والجزئية باعتبار المعنى فالبحث عن عوارضها بما هي هي أعني البحث عن حكايتها وظهورها كمباحث الألفاظ التي هي عمدة مباحث الأصول لا يكون بحثا عن عوارض السنة ولو فرض كون السنة المبحوث عنها هي نفس قول المعصوم و فعله وتقريره قوله ليس بحثا عن عوارضه حتى لو عممنا العوارض المبحوث عنها إلى العوارض في مقام التعقل فان الوجود الخارجي الذي يقع البحث عنه ليس عارضا للماهية لا عروضا خارجيا ولا عروضا عقليا والعروض العقلي مختص بالوجود العقلي والبحث ليس فيه قوله يكون مفاد كان الناقصة بل لا يكون إلا مفاد كان التامة لأنه بحث عن ثبوت الحكم وثبوت التعبد والتنزيل ولكن لا يعتبر في العلوم وقوع البحث عن مفاد كان الناقصة بل عن العوارض ولو على سبيل مفاد كان التامة كالبحث عن ثبوت قيام زيد في علم كان موضوعه زيد (ولكن الاشكال) هو ان الحكم ليس من عوارض الخبر وانما هو إرادة قائمة بنفس المولى (ولو سلم كونه من عوارض غير النفس (فهو) من عوارض فعل المكلف وعمله المطابق للخبر لا عوارض الخبر الا على مسلك المصنف (قده) في جعل الامارات من أنه جعل الحجية لا انشاء الحكم (لكن ذلك) خلاف ما فسر به الثبوت التعبدي هنا (نعم) لو ارجع البحث في الثبوت التعبدي إلى البحث عن ثبوت خصوصية تكوينية في قول العادل تدعو وتحرك المولى إلى الحكم بالعمل على طبقه (كان) البحث بحثا عن العوارض (ومما ذكرنا) يظهر النظر في قوله (قده) بل الخبر الحاكي وقوله (قده) واما إذا كان المراد من السنة ما يعم حكايتها إلى اخر ما أفاده فتدبر قوله لا يخص الأدلة بل لا يمس الأدلة لما عرفت ان البحث عن الظهور ليس بحثا عن أحوال السنة لان الظهور من عوارض ذات الأدلة والكواشف (والسنة) عبارة عنها بما هي كواشف ان لم تكن عبارة عن نفس المستكشفات (ومع الإغماض) عن ذلك فعدم الاختصاص لا ينافي كون
مخ ۵
البحث بحثا عن العوارض الذاتية بالمعنى الذي فسرت به العوارض الذاتية أعني به ما كان بلا واسطة في العروض لشمول ذلك للعارض لأمر أعم يتحد مع الموضوع قوله ويؤيد ذلك يعنى عدم كون محل البحث في تلك المباحث أحوال خصوص الأدلة بل ما يعم غيرها وإن كان الغرض معرفة خصوص أحوالها إذا كان الغرض هو الاستنباط (ووجه التأييد) في هذا التعريف هو عموم لفظ القواعد الواقع فيه وشموله لكل ما كان محصلا لهذا الغرض من غير اختصاص بما كان من أحوال خصوص الأدلة (ولكن) يمكن ان يقال إن الدخيل في ترتب هذا الغرض أعني به الاستنباط ليس الا معرفة أحوال الأدلة فالباحث بهذا الغرض ليس له ان يبحث إلا عما يحصل غرضه دون ان يتخطى عنه بتعميم عنوان بحثه إلى مالا دخل له في حصول غرضه (ويحتمل) ان يكون المشار إليه بذلك هو ما تقدم في صدر الكلام من كون موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله دون خصوص الأدلة الأربعة ووجه التأييد هو ما ذكرناه بعينه قوله وإن كان الأولى تعريفه وذلك أن الأصول ليس هو العلم بمعنى الادراك بل العلم بمعنى الصناعة والفن والقواعد المدونة المرتبة بترتيب خاص وطرز مخصوص (واما) العلم بتلك القواعد فهو علم بالأصول لا انه بنفسه هو الأصول (نعم) يرد على تعريف المصنف (قده) ان ترك قيد الممهدة يوجب دخول جميع العلوم المتوقف عليها الاستنباط في الأصول كما أن إضافة ما ينتهى إليه المجتهد في مقام العمل يوجب دخول جميع القواعد الفقهية بل الاحكام الفرعية الجزئية فيه (الا ان) يقيد ذلك بما ينتهى إليه بعد اليأس عن الظفر بالوظيفة الشرعية فلا يشمل حينئذ ما يؤخذ من الشارع وعليه فتخرج الأصول العملية الشرعية أيضا ولا يبقى تحت القيد الا الأصول العملية العقلية والظن على الحكومة مبحث الوضع قوله الوضع هو نحو اختصاص أقول دلالة اللفظ على المعنى هل هي ذاتية قديمة أم جعلية حادثة اما بجعل من الله تعالى أو بجعل من غيره فيه أقوال (والحق) انها ذاتية و جعلية جميعا يعنى ان أصل الدلالة والإشارة باللفظ إلى المعنى ذاتية وكون هذه الإشارة إلى معنى خاص من بين سائر المعاني جعلية وضعية فاصل
مخ ۶
ثبوت صفة الدلالة للفظ ليست بالجعل وانما المجعول دلالته على المعنى الخاص (بيانه) ان الإشارة باللفظ إلى نوع لفظه وكذلك إلى صنفه ومثله إشارة ودلالة ذاتية وليست بجعل جاعل واعتبار معتبر و لذلك تكون هي موجودة في المهملات أيضا (ثم) العلة الموجبة لصرف دلالة اللفظ إلى معنى خاص من بين سائر المعاني انما هو التنزيل وادعاء العينية والهوهوية بين لفظ خاص متخصص بمادته و هيئته وبين ذلك المعنى وبعد هذا التنزيل يصبح اللفظ آلة إشارة إلى المعنى يشار به إليه كما كان من قبل يشار به إلى نفس اللفظ و هذا التنزيل والادعاء يسمى بالوضع ولا معنى للوضع سواه كما أنه لا يترتب الغرض من الوضع وهو فتح باب الدلالة الا عليه (وأنت) لا تستغرب هذا الادعاء فان الادعاء باب واسع وهي محور علم البيان و هي خفيفة المئونة هينة الامر فمع ترتب غرض عليها لا سيما مثل هذا الغرض المهم كانت معتبرة عند العقلا (وممن) أطال الكلام في بيان حقيقة الوضع ونسج نسجا معجبا ومع ذلك لم يأت بشي ينتج الأثر المقصود من وضع الألفاظ هو المحقق النحرير الملا علي النهاوندي قدس سره فإنه ذهب إلى أن الوضع هو التعهد والبناء بعدم ذكر اللفظ إلا عند إرادة تفهيم المعنى وأوضحه بما لا مزيد عليه (قال) بعد مقدمات ذكرها ما حاصله ان الغرض من الوضع بالبداهة هو حصول التفهيم والتفهيم وذلك إلجاء إلى الوضع حيث إنه أسهل طرق التفهيم والتفهم إلى أن قال وما ذكرناه من الواضحات و انما هو توطئة لبيان حقيقة الوضع وهي ليست الا تعهد الواضع لغيره بان لا يتكلم باللفظ الفلاني إلا عند إرادة تفهيم المعنى الفلاني إلى أن قال فلنا مقامان الأول ان الغرض من الوضع وثمرته يترتب على التعهد المذكور (وبيانه) ان غير الواضع إذا علم منه ذلك التعهد ينكشف لهذا الغير عند تلفظ الواضع باللفظ المخصوص انه أراد تفهيم معناه لان التعهد المذكور سبب لعدم انفكاك اللفظ عن إرادة تفهيم المعنى وهو عين الملازمة بين اللفظ والإرادة المذكورة ولا ريب في دلالة أحد المتلازمين على صاحبه فالتعهد المذكور سبب لتحقق الملازمة ووجود أحد المتلازمين والعلم به سبب للعلم بالآخر إلى اخر ما ذكره (وعلى ما أفاده) (قده) يكون معنى جملة زيد قائم إرادات ثلث إرادة إحضار صورة زيد وإرادة إحضار صورة قائم و إرادة إحضار صورة النسبة وهو بمعزل عن مفاد تلك الجملة لان المستفاد منها هو ثبوت القيام لزيد وعليه فلا يترتب الغرض من الوضع على ما ذكره (قده)
مخ ۷
من التعهد فتدبر قوله ناش من تخصيصه به تارة الانفعال لا ينشأ من الفعل فان حقيقتهما واحدة والتفاوت بالاعتبار و الوضع أبدا هو التخصيص ودعوى العينية والهوهوية بين اللفظ و المعنى وليس مما يحصل قهرا ويتعين قسرا بسبب كثرة الاستعمال من غير قصد التعيين بل كثرة الاستعمال كاشفة عن تعيين المستعمل اللفظ بإزاء المعنى ككشف قول وضعت عنه بل ربما يكون استعمال واحد كاشفا عن ذلك وسيأتي بيانه في مبحث الحقيقة الشرعية فدعوى التعين القهري بعد إن كان الوضع من مقولة التنزيل و الادعاء غير معقولة (اللهم) الا ان يفسر الوضع بغير ما ذكرناه و بغير التعهد ليكون أمرا خارجيا يعقل فيه التحصل القهري ولكنا لم نتعقله ولم نتصور لأنس اللفظ بالمعنى وعلقته معه معنى متحصلا (و الحاصل) ان الاستعمال وان بلغ ما بلغ لا يؤثر بوجوده الخارجي في حصول التعين والوضع القهري ما لم يكشف عن جعل المستعمل و التزامه قوله ولافراده ومصاديقه أخرى قد عرفت ان الوضع أمر نفساني وتنزيل بين أمرين فيحتاج إلى حضور طرفيه في النفس فما وجد في النفس من المعنى صح ان يكون طرفا لذلك التنزيل وما لم يوجد لم يصح (وعليه) فالوضع و الموضوع له يتوافقان في العموم والخصوص ولا يختلفان أبدا فقوله (قده) ولافراده ان أراد به مفهوم الفرد فذاك أيضا عنوان عام متصور و ان أراد به مصداقه اتجه عليه انه كيف يعقل تعلق الوضع الذي هو ضرب من الحكم بما لم يتصور قوله ومعرفة وجه الشئ معرفته بوجه ان أراد أن الوضع يكون لهذا الوجه المعروف فالموضوع له يكون عاما كالوضع وان إراداته لذي الوجه الذي هو غير معروف أعني به ذوات المصاديق فالوضع لغير المعروف عندنا غير معروف ولا فرق بين غير المعروف بالنحو المزبور وغير المعروف رأسا بعد فرض توجه الوضع إلى الجهة غير المعروفة (وبالجملة) ما لا يدخل تحت التصور لا يدخل تحت الوضع فأقسام الوضع لا تتجاوز الاثنين كما حكى عن القدماء.
في معاني الحروف قوله توهم انه وضع الحروف ينبغي قبل الدخول في محل البحث التنبيه على أمور (الأول) ان الروابط والنسب الخارجية التي ليس بحذائها شئ في الخارج ولا وجود
مخ ۸
لها الا بوجود طرفيها كالرابطة التي بين السير والبصرة وكالتي بينه و بين الكوفة في قولنا سرت من البصرة إلى الكوفة وكالتي بين زيد والسطح في قولنا زيد على السطح وبينه وبين المسجد في قولنا زيد في المسجد إلى غير ذلك من أطوار الروابط وأنحاء العلائق (قد توجد) في النفس تبعا لوجود الأطراف كطور وجودها في الخارج وذلك كما إذا توجهت النفس إلى الأطراف بما لها من الربط الخاص والعلاقة المخصوصة كتصور زيد على شكله المخصوص من كونه في الدار أو كونه على السطح فان الظرفية في الأول والربط الاستعلائي في الثاني موجودان في النفس لكن لا على وجه الالتفات التفصيلي من النفس إليهما بل تبعا للالتفات إلى الأطراف على شكلها الخاص وربطها المخصوص (وقد توجد) في النفس استقلالا على خلاف طورها في الخارج وذلك كما إذا توجهت النفس توجها استقلاليا إلى نفس تلك الرابطة وتصورت نفس تلك العلاقة (لا أقول) تتجرد العلاقة عن المتعلق في أفق النفس فان تصور تلك العلائق التي هي أطوار المتعلقات بدون تصور المتعلقات غير معقول (بل أقول) التوجه بالاستقلال هنا يكون إلى الروابط ابتدأ والتوجه إلى المتعلقات يكون بالتبع وبما هي قيد الروابط على عكس السابق (الثاني) ان هذه الروابط انما تتصف بالجزئية والكلية بتبع جزئية متعلقاتها أو كليتها ولا تتصف بشي منهما في حد ذاتها فالربط المتصور بين زيد والدار المشخصة في الخارج شخص من الظرفية لا يصدق على غيره من الروابط الظرفية والربط المتصور بين الانسان والدار الكليين كلي قابل للصدق على الروابط الخاصة أعني بها اشخاص الروابط الكائنة بين كل فرد من افراد الانسان و فرد من افراد الدار (الثالث) ان الروابط كما تكون جزئية بتبع جزئية المتعلقات الخاصة الخارجية كما في المثال المتقدم كذلك تكون جزئية بتبع جزئية المتعلقات الذهنية من غير فرق في ذلك بين لحاظها تبعا كما إذا لوحظ زيد والسطح الشخصي على الهيئة الخاصة الاستعلائية أو لوحظ الانسان والسطح كذلك وبين لحاظها استقلالا كما إذا لوحظت الظرفية التي ذكرنا ان لحاظها لا ينفك عن ظرفية شئ لشئ فان هذه الظرفية المتصورة جزئية ما لم يجرد بتحليل من العقل عن شخص وجودها الخاص وإن كانت هي في عين تجريدها محلاة بذلك الوجود الجزئي الخاص الحاصل في الأطراف المخصوصة والصور النفسانية الملحوظة كالانسان والدار فيما إذا لوحظت ظرفية الدار للانسان فان هذه الظرفية
مخ ۹
المتصورة أعني بها الظرفية المتصورة بين الانسان والدار الملحوظين جزئي من جزئيات مفهوم الظرفية وكل منهما ومنها باعتبار شخص تصوره جزئي حقيقي لا يصدق الا على شخص نفسه فلو أردت ان تصف هذه الظرفية بالكلية فلا بد لك من تجريد الطرفين عن شخص وجودهما النفساني كما لا بد لك من تجريد الظرفية المتصورة عن شخص تصورها الفعلي وتصفها (ح) بالكلية فتكون عبارة عن كلي ظرفية الدار للانسان القابلة للصدق على آحادها القائمة كل منها بفرد من افراد الدار وفرد من افراد الانسان (الرابع) ان الملحوظ باللحاظ التبعي الفنائي الذي يكون غير ملتفت إليه باستقلاله وحاصلا في الذهن بتبع حصول ما هو ملحوظ بالاستقلال لا يكون موردا للوضع ولا موردا للاستعمال (وذلك) لان الوضع و الاستعمال ضربان للحكم ولا يتوجه الحكم من النفس إلى ما لم تتوجه إليه النفس توجها تاما استقلاليا فان التوجه التبعي بما انه في حكم عدم التوجه لا يصحح الوضع ولا الاستعمال لا لشخص نفسه المتصور بما هو كذلك ولا لذات المتصور الملغى عنها شخص هذا التصور (إذا عرفت ما ذكرناه فنقول) التحقيق ان الحروف لا وضع لها أصلا و انما الوضع للهيئات التركيبية الدالة على أنحاء الروابط الخاصة (و توضيح ذلك) انه إذا كان للحروف وضع فاما أن تكون موضوعة بإزاء مفاهيم النسب المستقلة في اللحاظ أو تكون موضوعة بإزاء الروابط الخاصة بما هي روابط غير المستقلة في اللحاظ وكل منهما لا يجدى في تفهيم المراد من الكلام (مضافا) إلى أن الثاني غير معقول في نفسه (بيان ذلك) ان الوضع ان تعلق بمفاهيم النسب المستقلة باللحاظ لم يتم بذلك الكلام بل احتاج إلى رابط يربطه (مضافا ) إلى أن المفهوم الذي لا ربط له في ذاته لا يعقل ان يرتبط وانما المرتبط مرتبط من أول يومه وأخذ الربط في متن ذاته باشتمال مفهومه على ذات ونسبة فكان معناه معنى جمليا ولو بالانحلال وان تعلق بالروابط بما هي روابط لزم ذلك أيضا لان المفاهيم المتعددة إذا انضمت وتراكمت لم يتحصل منها المعنى الجملي بل كان هناك مفاهيم متعددة متباينة فالوضع بإزاء المواد الثلاثة البسيطة لا يكاد يجدى في تحصل الغرض من الوضع ولا تتألف منها الجملة (هذا مضافا) إلى ما عرفت من أن الروابط بما هي كذلك غير قابلة للحكم عليها وبما ان الوضع ضرب من الحكم لا يعقل تعلق الوضع بها وعليه فلا بد في إفادة المعاني الجملية من تعلق الأوضاع بمفاهيم هي ذوات ربط في نفسها ليكون الربط مأخوذا في بطن أنفسها فان المعنى الجملي هو كذلك بمعنى
مخ ۱۰
انه مفهوم بسيط ينحل إلى أمور متعددة من جملتها الربط فلم يكن حينئذ بد من إنكار الوضع للحروف والالتزام بالوضع للمركبات وضعا نوعيا غير الوضع المتعلق بموادها (وظني) ان حسبان الوضع للحروف ناشئ مما يرى من حصول الاختلاف في المعنى باختلافها فيظن استناد ذلك إلى معنى الحروف غفلة عن أن ذلك غير معقول و مع ذلك فهو غير مجد وعن ان الاختلاف المذكور ناشئ من اختلاف أوضاع المركبات بهيئاتها المتولدة من تخلل الحروف بلا وضع متعلق برقاب الحروف ولعل هذا معنى قوله عليه السلام و الحرف ما أوجد معنى في غيره يعنى أوجد معنى في متعلقاته بإيجاده هيئة خاصة فيها كان لها بتلك الهيئات وضع يخصها وبما ذكرناه يظهر بطلان القول بجزئية المعاني الحرفية سوأ أريد بها الجزئية الخارجية أم الجزئية الذهنية (إذا عرفت ما حققناه) فلنعطف الكلام إلى النسب الخبرية ومفاد الجمل التامة سوأ أفيدت بهيئة الكلام كما في زيد قائم أم بالأدوات والحروف كما في زيد في الدار (فنقول) ان الجمل التامة حاكية عن ثبوت النسبة ولا ثبوتها في أية وعاء كانت من ذهن أو خارج أو نفس أمر وهذه الحكاية لا تكون الا بتنزيل هيئة الجملة منزلة وجود النسبة أولا وجودها فتكون هيئة زيد قائم عبارة عن ثبوت القيام لزيد في الخارج فحمل قائم على زيد هو عين صدور القيام من زيد في الخارج ادعاء فكأنما قام زيد ومن أجل ذلك تحكى هذه الجملة عن ذلك ولا تحكى جملة قيام زيد عن ثبوت القيام لزيد مع وضعها أيضا للذات المنتسب والسر في ذلك ان هذه للذات المنتسب خارجا وتلك للمفهوم المقيد بمفهوم اخر الذي هو مفهوم ثالث قوله حيث إنه لا يكاد هذا تعليل لكونه جزئيا ذهنيا وحاصل ذلك أنه بعد ان بطل احتمال الجزئية الخارجية تعين كونه جزئيا ذهنيا إذ لا يحتمل وضعه بإزاء مفاهيم الروابط الموجودة في الذهن على وجه الاستقلال والا لم يكن المعنى حرفيا موجودا في الغير ومن خصوصياته القائمة به فلا بد من الاحتفاظ به وذلك يلازم الجزئية اما خارجا أو ذهنا فإذا بطل الأول تعين الثاني قوله فلا بد من لحاظ اخر متعلق لا محذور في ذلك بل لا بد من هذا اللحاظ فان اللحاظ الآلي لا يكاد يصح معه الاستعمال كما لا يصح معه الوضع لما عرفت من أن الوضع والاستعمال نحوان من أنحاء الحكم ولا يكون ذلك مع عدم التوجه الاستقلالي نحو الموضوع ومجرد وجود الموضوع في النفس بأي نحو كان لا يصحح الحكم كما هو واضح فالمستعمل أو الواضع
مخ ۱۱
لا بد له بعد لحاظ الشئ بنحو الربط والالية من لحاظه على سبيل الاستقلال ليصح منه الوضع والاستعمال (ومع الغض) عن ذلك نقول إن المصنف (قده) يلزمه هذا المحذور أيضا إذ لا فرق في الاحتياج إلى لحاظ اخر بين كون اللحاظ الأول داخلا في الموضوع له أو في المستعمل فيه وبين كونه شرطا للاستعمال كما اختاره المصنف (قده) فكما لا بد من لحاظ المستعمل فيه كذلك لا بد من لحاظ شرط الاستعمال والتصديق بتحققه ليصح منه الاستعمال (هذا) مع أن دعوى احتياج الاستعمال إلى لحاظ اخر غير اللحاظ المأخوذ في الموضوع له في حيز المنع فان لزوم لحاظ المعنى عند استعمال اللفظ فيه انما يتم فيما إذا كان المعنى من قبيل الأمور الخارجية تحتاج النفس في الحكم عليه إلى إحضار صورته في النفس (واما) إذا كان المعنى من سنخ اللحاظ وحاضرا بنفسه في الذهن بلا وساطة أمر اخر فلا حاجة في الحكم عليه إلى إحضار صورته في النفس زائدا على حضوره فيه بنفسه إذا يستغنى بذلك الحضور عن إحضاره ثانيا و هذا كما في العلم بالعلم فان العلم حاضر للنفس بنفسه لا بحضور قوله لامتناع صدق الكلي العقلي ليس كل مالا موطن له الا العقل كمفهوم العلم والإرادة وكذا كل ما قيد باللحاظ من المفاهيم كليا عقليا فان الكلي العقلي انما هو المفهوم بوصف الكلية الذي لا موطن له الا العقل وهو مع ذلك جزئي ذهني فكل كلي عقلي جزئي ذهني ولا عكس فان زيدا الذهني أعني الصورة الشخصية الحاصلة منه في الذهن جزئي ذهني وليس كليا عقليا و كذلك المعاني الحرفية إذا قيل بوضعها لجزئيات الصور الذهنية و اشخاص الروابط الحاصلة في النفس بتبع تصور المتعلقات جزئيات ذهنية لا كليات عقلية (نعم) لا تصدق على كثيرين بعين ملاك عدم صدق الكلي العقلي ولعل المراد من العبارة أيضا ذلك أي يمتنع صدق المعنى الحرفي على الخارج بعين وجه امتناع صدق الكلي العقلي عليه لكنه بعيد إذ لا يكون حينئذ وجه للحوالة إلى وجه امتناع صدق الكلي العقلي مع أنه صرح في باب المشتق بخلاف ذلك وان المعنى الحرفي بناء على جزئيته كلي عقلي قوله الا كلحاظه في نفسه في الأسماء المراد من الأسماء الأسماء المؤدية لمعان الحروف كلفظ الابتداء و الانتهاء والظرفية كما هو صريح عبارته الآتية وعليه نقول إن من يعتبر اللحاظ الآلي في الحروف يعتبر اللحاظ الاستقلالي في الأسماء كي تقابلها ولا يصح استعمال إحداهما مكان الأخرى فإنه لو التزم بكون الأسماء موضوعة للقدر المشترك في كلا اللحاظين لكان
مخ ۱۲
اللازم صحة استعمال الأسماء مكان الحروف وان لم يصح العكس (و اما دعوى) ان التزامه بعدم صحة الاستعمال لعله من جهة اعتباره اللحاظ الاستقلالي في صحة الاستعمال دون الموضوع له (فهي مدفوعة) بان هذا الاعتبار انما أبدعه المصنف (قده) ولم يسبقه إليه غيره (هذا) مع أنه لا وجه للتفكيك بين الأسماء والحروف بالالتزام بأخذ اللحاظ الآلي في الموضوع له في الحروف وأخذه اللحاظ الاستقلالي معتبرا في صحة الاستعمال دون الموضوع له في الأسماء مع اتحاد الملاك فيهما قوله قلت الفرق بينهما هذه الدعوى مع بعدها في نفسها قد عرفت انها لا تسلم عن إشكال تعدد اللحاظ إذ كما يلزم لحاظ المستعمل فيه كذلك يلزم لحاظ شرط الاستعمال والتصديق بتحققه ليصح الاستعمال (مع ما عرفت) من أن اللحاظ الآلي لا يصح معه الاستعمال بل لا بد فيه من اللحاظ الاستقلالي كما لا بد من ذلك في كل حكم (مضافا) إلى أن شأن الواضع هو الوضع واما ما خرج عن حد الوضع فهو ليس من وظيفته الا ان يرجع إلى تضييق دائرة الموضوع له لكن المفروض عدم ذلك وان الموضوع له على سعته قد منع الواضع عن استعمال اللفظ فيه في حال دون حال قوله ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف الانشاء لغة هو الايجاد وإطلاقه في المقام بماله من المعنى لغة (توضيح ذلك) ان التكلم والتلفظ انشاء وإيجاد للصوت أولا وبالذات و انشاء لعنوان الاخبار والحكاية عن المعنى ثانيا وبالعرض باعتبار تعلق الوضع من الواضع بتلك الأصوات الخاصة وتعيينها بإزاء معان خاصة وانشاء في المرتبة الثالثة لكل عنوان من عناوين إظهار ما في الضمير ومنطبق على إبراز ما في مكنون الخاطر كان ذلك بالقول أو بسائر الدوال كعناوين العقود والايقاعات وعنوان الطلب و النداء والاستفهام إلى غير ذلك فان مواد هذه العناوين وإن كانت إرادات قائمة بأنفس المتكلمين لكن عناوينها وفعلياتها تلحق إظهارات تلك الإرادات بداعي إنفاذها وإنجازها فعنوان الاستفهام مثلا هو إظهار إرادة الفهم من المخاطب لغرض حصول مقصوده فإذا قال المتكلم انا مريد لفهم هذا المطلب منك لغرض ان يفهمه المخاطب فقد انشاء الاستفهام إذا نشأ وأظهر إرادته بذلك و قد وضع لذلك أدوات خاصة من الهمزة وهل وغيرهما وكذلك الطلب فان إظهار إرادة الفعل للغير بداعي تحريكه نحو الفعل هو بعينه عبارة عن الطلب فإنشاء الاظهار المذكور أنشأ للطلب سوأ كان ذلك بجملة أريد منك الفعل الكذائي أم بصيغة الطلب وكذلك عنوان البيع
مخ ۱۳
مثلا عبارة عن إظهار ان المتكلم مريد لمبادلة مال بمال لغرض ان ينجز إرادته بأخذ المخاطب للمبيع ودفعه للبدل وليست الإرادة بوجودها النفساني المكنون في الضمير بيعا ولا طلبا ولا استفهاما بل هي مادة للبيع والطلب والاستفهام ولولاها لم يكن إظهارها بيعا حقيقيا ولا طلبا جد يا ولا استفهاما واقعيا بل صورة بيع وطلب و استفهام فعناوين البيع والطلب والاستفهام تلحق إظهار إراداتها بداعي تنفيذ تلك الإرادات فلا الإرادات المجردة عن الاظهار مصاديق لهذه العناوين ولا الاظهارات الخالية عن الواقع مصاديق لها فما لم يكن المريد للمبادلة في مقام تنفيذ إرادته بإظهارها لأجل تنجيزها لم يكن بائعا وموجدا للبيع وانما يكون موجدا أو منشئا له بقوله انى أريد المبادلة إذا كان ذلك لغرض إنفاذ إرادته التي أخبر بها لا لمجرد الاعلام بوجودها ولأجل هذا الغرض يكون إظهاره بيعا لا خبرا عن تحقق البيع (هذا) حقيقة البيع ويتضح بذلك حقيقة سائر العناوين الانشائية من العقود والايقاعات وغيرها فان كلها من واد واحد (واما) صيغة بعت التي ينشأ بها البيع فإنها تنبئ عن تلك الإرادة على طريق الكناية بإنبائه عن تحقق البيع الخارجي فان كل فعل اختياري يكشف بطريق الان عن تحقق إرادته فيكون اللفظ المنبأ عن البيع الفعلي منبئا عن إرادته ثانيا وبالعرض فيطلق لغرض هذا الانباء لأجل ان يكون بنفسه بيعا لا لغرض الانباء عن وقوع بيع خارجي آخر وانما عبر عن تحقق الإرادة بهذا التعبير ولم يعبر بمثل أريد المبادلة من جهة ان كشف هذا عن تحقق الإرادة يكون بطريق أبلغ والإرادة المستكشفة به أقوى من المستكشفة بعبارة أريد لان التعبير عن تحقق الإرادة بتحقق الفعل المراد يكشف عن شدة تأكد الإرادة حتى عبر عنها بوقوع الفعل المراد فعليته كما قد يعبر عن المضارع بصورة الماضي فالمدلول المطابقي لقول بعت هو البيع وإذا صدر بداعي الحكاية عن تحقق إرادة المبادلة تنجيزا لها كان بنفسه مصداقا للبيع لما عرفت من أن البيع عبارة عن نفس إظهار الإرادة الخاصة بداعي تمشية تلك الإرادة فمدلول الصيغة يكون مصداقا للمفهوم الكلي المستفاد من مادتها (ومن هنا) نشأ توهم من عرف الانشاء بأنه قصد تحقق المدلول وإيجاده باللفظ إذ رأى أن اللفظ هاهنا بيع ومدلوله أيضا مفهوم البيع فزعم أن حقيقة الانشاء تكون بذلك ولم يتنبه إلى أن ذلك من باب الاتفاق ومن باب اختلاط حيثيتين في أنشأ المعاملات والاشتمال على
مخ ۱۴
جهتين جهة أنشأ البيع الذي سمعت أنه يكون بالأعلام يتحقق إرادة المبادلة لغرض تنجيزها وهذه الجهة موجودة في قول القائل أريد المبادلة أيضا وجهة التعبير عن تلك الإرادة بالتعبير عن فعلية المراد لنكتة التنبيه على كمال تأكدها وهذه الجهة أجنبية عن جهة الانشاء فان قوام الانشاء بالجهة الأولى وهذه الضميمة لا تضر ولا تنفع فلا ينبغي خلطها بحيثية الانشاء (مع) ان دعوى ان الانشاء هو قصد تحقق المعنى مجرد قول ولقلقة لسان لم أتحصل معناه فليس الانشاء كما سمعت الا بمعنى الايجاد ولا ينشأ بالقول وراء نفس الصوت و القول الا الاعلان بالإرادة وكذلك كل عنوان هو عنوان للاعلان المذكور مثل عنوان الامر والنداء والبيع إلى غير ذلك من العناوين (فقد تحقق) مما ذكرنا ان استعمال الجمل الاخبارية في مقام الانشاء (تارة) يكون من قبيل الكنايات كما في صيغ العقود والايقاعات و عليه فلا تحمل الجملة على الانشاء الا مع القرينة الصارفة عن الحمل على الاخبار كما لا يصار إلى كل كناية ما دام الحمل على المعنى الصريح ميسورا وإن كان المستعمل فيه في الصورتين واحدا (وتارة) يكون من قبيل الصريح لكن داعي الاستعمال فيه غير داعيه في صورة الاخبار كما في قول (أريد ) لغرض تحريك الغير نحو إتيان المراد فيكون ح طلبا وامرا وانشاء فيما كان غرضه من الاعلام بالإرادة تنفيذ إرادته لا مجرد الاخبار بتحقق إرادته لغرض من الأغراض غير غرض تنفيذ إرادته والظاهر أن الجملة مع ذلك لا تحمل على الانشاء ما دام الحمل على الاخبار ممكنا (ثم) ان عبارة المصنف (قده) هذه ناظرة إلى بيان الفرق بين الانشاء والاخبار في الصيغ المشتركة التي تستعمل في كلا المقامين (واما) الصيغ المختصة بالانشاء كصيغة افعل فليس فيها جهة مشتركة بين الانشاء و الاخبار ليبحث عن الجهة المائزة لهما فهي بتمام مدلولها ممتازة عن الاخبار وأجنبية عنه (ولتحقيق) الحال في بيان مداليل الصيغ الانشائية كصيغة الامر وسائر أدوات الانشاء مقام اخر قوله ليستعمل في حكاية ثبوته ليت شعري إذا لم تكن الجملة بنفسها حاكية عن الثبوت كيف يتأتى قصد الحكاية بها عنه فلا محيص عن أن تكون الحكاية مدلولا للجملة ولو بكشف هيئتها عن ثبوت النسبة الخارجية أولا ثبوتها كما تقدم تحقيق ذلك (نعم) هذه الحكاية قد تكون مقصودة بالذات وقد يكون المقصود بالذات إفادة ملزوم ثبوت النسبة أولا ثبوتها وهو تحقق الإرادة من المتكلم لذلك الثبوت أو اللا ثبوت
مخ ۱۵
لغرض إنفاذ ما يريده فإذا كان كذلك سميت الجملة بالانشاء فوضع اللفظ والموضوع له والمستعمل فيه وشرط الاستعمال في الاخبار والانشاء أمر واحد وإطلاق الجملة الخبرية في مقام الانشاء ليس مجازا بل هو من قبيل الكنايات ومن باب إطلاق اللفظ لغرض الانتقال إلى ملزومه وليس ذلك تجوزا في الكلمة ولا في النسبة وإن كان لا بد فيه من عناية تحتاج معها إلى القرينة قوله وضعت ليشار بها ان أراد الإشارة بلفظها إلى معناها فجميع الألفاظ وضعت ليشار بها إلى معانيها فأي امتياز لها عن سائر ما عداها وان أراد انها وضعت لتستعمل مقرونة بالإشارة الحسية مطلقا إياها على محل الإشارة الحسية الذي هو جزئي حقيقي (فبعد) وضوح بطلانه بعدم اعتبار اقتران استعمالها بالإشارة الحسية فإنها تستعمل للإشارة إلى معان ذهنية غير قابلة للإشارة إليها حسا (يتجه عليه) ان اعتبار إطلاقها على محل الإشارة الحسية هو بعينه معنى وضعها له ان أريد إطلاقها عليه بعنوانه الخاص وان أريد إطلاقها عليه بما هو مصداق لمعناها (ففيه) انه مع إمكان الوضع نفس المصداق ابتدأ يكون الوضع لمفهوم عام مع المنع عن استعماله فيه إلا حيث يطلق على الفرد لغوا وعبثا (ثم) ان التأمل في مفهوم الإشارة لعله بنفسه يرشد إلى جزئية معاني أسماء الإشارة (فان الظاهر) ان مفهوم الإشارة وما هو مفاد هذه العبارة أعني لفظ (الإشارة) عبارة عن التسبب إلى إحضار صورة معنى على وجه التفصيل في ذهن الغير بإحضار إجمال من ذلك المعنى وجهة من جهاته الموجبة للالتفات إلى تفصيله (وبعبارة أخرى) صرف النفس إلى جانب المقصود من غير ذكره بل بذكر أمر وحيثية من حيثيات المقصود لغرض ان تنتقل النفس بنفسها إليه فلفظ هذا مثلا وكذلك الإشارة الحسية الخارجية انما يسمى إشارة لأجل انه يوجب ابتدأ توجه النفس والتفاتها إلى محل الإشارة فحينئذ يرى هنا لك صورة المقصود وصورة المعنى المشار إليه على وجه التفصيل فمحل الإشارة ومركزها جهة من جهات المعنى المشار إليه فإذا صرفت أبصارنا بسبب أداة الإشارة تلقاء المشار إليه وإلى جانب مركزه نرى المشار إليه هنا لك بصورته التفصيلية فتدرك النفس ذلك التفصيل من غير توسيط عبارته وسماع لفظه الموضوع بإزائه فاسم الإشارة هو الاسم الذي عينه الواضع لغرض صرف نفس المخاطب إلى جانب معنى يراد حصول صورة ذلك المعنى بتوجهه إليه فحيثما يطلق يعلم إجمالا ان هنا لك في الخارج أو في الذهن أمرا
مخ ۱۶
أراد المتكلم توجيه مخاطبه إليه فبمجرد ان التفت إلى جانب الخارج أو الذهن تحصل صورة ذلك الخارج في ذهنه ويحصل بذلك ما هو المقصود للمتكلم (إذا عرفت) ذلك ظهر لك ان مورد الإشارة ومحل توجيه النفس إليه لا بد أن يكون جزئيا خارجيا أو ذهنيا ليتعقل صرف حواس الغير إلى جانبه وتوجيهها شطره لغرض الإحاطة بتفصيله فان ذلك لا يكون في معنى كلي بل المعاني الكلية إجمالية كانت أو تفصيلية ان حصلت في الذهن بتوسيط ألفاظها حصلت بأنفسها من نفس اللفظ بلا واسطة أخرى ومن غير جذب اللفظ للنفس إلى معان اخر وإلى جهات ذلك المعنى الكلي لتنتقل بنفسها إلى ذلك الكلي (وذلك) ان الكلي لا يدرك بالحواس الظاهرة ليعقل التوسل إلى تحصيله في نفس الغير بصرف حواسه إلى جانب ذلك ليدركه بحواسه وبالمباشرة هذا ما اختلج بالبال عاجلا واما الإحاطة بحقيقة الموضوع له في أسماء الإشارة والضمائر والموصولات وميز بعضها من بعض فتحتاج إلى توسعة في مجال الفكر وصفاء من النفس أرشدنا الله تعالى إلى حقائق الأمور الاستعمال في المجاز بالطبع أو بالوضع قوله أظهرهما انها بالطبع الذوق والطبع انما يجولان في ميدان المعاني بإلحاق بعضها ببعض و دعوى العينية بينهما فيدعى ان حقيقة الأسد مثلا حقيقة سيالة يدخل فيها الرجل الشجاع والمنية وكل ما يشابهها في الجهات و الأوصاف التي يمتاز بها الأسد عن ما عداه ولا يعرج الذوق والطبع إلى مقام الألفاظ ولا يحكم بحسن استعمال لفظ في معنى قط فإنه عين الالتزام بالدلالة الذاتية أو ما يقرب من ذلك (والظاهر) ان المصنف (قده) أراد أن حسن الاستعمال يكون بواسطة الطبع لا ان الطبع هو المقتضى التام له فان الأوضاع الحقيقية وتنزيل الألفاظ منزلة معانيها الأولية تنزيل لها ثانيا وبالعرض منزلة ما هو منزل من المعاني منزلة تلك المعاني الأولية فان المتحد مع ما هو متحد مع الشئ متحد مع ذلك الشئ الآخر ففي الحقيقة يكون المصحح للاستعمالات المجازية هي الأوضاع الحقيقية غاية الأمر انه بضميمة التوسع في المعاني الحقيقية (فصح ان يقال) ان الاستعمالات المجازية تكون بالوضع لكن لا بوضع
مخ ۱۷
بل بعين الأوضاع الحقيقية فكما ان نفس معانيها من تنزلات المعاني الأولية كذلك أوضاعها من تنزلات الأوضاع الأولية فكما يصح ادعاء ان الرجل الشجاع هو السبع الخاص جاز ادعاء ان لفظ الأسد موضوع له أيضا (ويمكن) حمل كلام المصنف (قده) على حقيقته بتقريب ان إعطاء آثار المشبه به وأحكامه للمشبه انما يكون باستحسان من الطبع كإثبات الأظفار للمنية وبما ان من جملة تلك الآثار هو لفظ المشبه به يكون إعطاء هذا اللفظ للمشبه باستعماله فيه بحكم الذوق من غير دخل لترخيص الواضع في ذلك بل الاستعمال الحاصل بترخيص وأذن منه خارج عن اللطف.
قوله وباستهجان الاستعمال إذا كان الاستعمال في المعنى المجازي بترخيص الواضع فأي استهجان يلزم في الاستعمال بعد ذلك (نعم) يستلزم ذلك خروج الاستعمالات المجازية عن اللطف وكونها كسائر الاستعمالات الحقيقية وإن كان الوضع فيها طوليا ومختصا بصورة قيام الصارف عن المعنى الحقيقي الأولى استعمال اللفظ في صنفه ونوعه وشخصه قوله كضرب في المثال الصواب ان يقال كزيد في المثال ولعل هذا من غلط الناسخ قوله وقد أشرنا إلى أن صحة الاطلاق.
قد تقدم ان دلالة اللفظ بمعنى الإشارة به إلى نوعه المنطبق عليه دلالة ذاتية أولية وعليه أسسنا بناء الوضع وانه لا تحدث الدلالة بالوضع بل شأن الوضع صرف الدلالة الأولية الذاتية عن ناحية نوع اللفظ إلى جانب المعنى وتغيير وجهتها إليه بتنزيل المعنى منزلة اللفظ و ادعاء انه هو هو فيشار به إلى المعنى بعد ذلك التنزيل كما كان يشار به إلى نفس اللفظ قبله فتكون نسبة الاستعمال في المعنى الحقيقي إلى الاستعمال في نوع اللفظ نسبة الاستعمال في المعنى المجازي إلى الاستعمال في المعنى الحقيقي (نعم) التنزيل المسمى بالوضع يكون بلا مناسبة بين اللفظ والمعنى أعني بين المنزل والمنزل عليه لغرض حصول التفهيم والتفهم واما التنزيل الحاصل بين المعنى المجازي والحقيقي فهو يكون بإحدى المناسبات التي تسمى بالعلائق (وبالجملة) إطلاق اللفظ على نوعه أساس سائر الاطلاقات و أصلها ومنه تتولد سائر الاطلاقات وتتحصل
مخ ۱۸
الإشارات من دون فرق بين الحقيقية منها والمجازية الا من جهة ان تفرع الأولى بالمباشرة ومن دون فصل والثانية مع الواسطة و الفصل فهي بمنزلة أولاد الأولاد في باب الانتاج والتناسل كما أن المجاز المنسبك من المجاز ان سوغناه يبعد بمرتبة أخرى وهكذا حتى ينتهى الامر إلى مرتبة لا يحسن التعدي عنها ولا يستحسن فتكون ح عقيمة منقطعة النتيجة قوله والا كانت المهملات موضوعة لا محذور في الالتزام بوضعها وتوصيفها بالاهمال انما هو بلحاظ المعاني الخارجية في مقابل الألفاظ الموضوعة فالعمدة دعوى القطع بعدم وضعها كذلك كعدم وضع المستعملات فذكر خصوص المهملات مغالطة صورية قوله أو تركب القضية من جزين القضية الملفوظة في المقام تكون مؤتلفة من جزين المحمول و النسبة حيث لم يذكر فيها الموضوع بلفظه وانما هو اللفظ بنفسه واما القضية المعقولة فلم يوجد من اجزائها غير المحمول لعدم تعقل النسبة بين الخارج والامر المعقول كما يأتي توضيحه (بل أقول) ان القضية اللفظية أيضا لم يوجد من اجزائها غير المحمول فان النسبة اللفظية الحاكية عن النسبة الخارجية هي النسبة القائمة بين الموضوع اللفظي والمحمول اللفظي دون النسبة القائمة بين نفس الموضوع و لفظ المحمول كما في المقام قوله يمكن ان يقال يقال بل لا يمكن المصير إلى ذلك فان حقيقة الدلالة هي حصول العلم بشي من العلم بشي اخر فلا يتحقق الا بحصول علمين وتحصل صورتين نفسانيتين ولا تتحصل الصورتان النفسانيتان الا بثبوت معلومين فمع وحدة المعلوم يكون العلم واحدا البتة ما لم يتعدد العالم والتعدد الاعتباري لا يجدى في حصول الدلالة وتكثر العلم تكثرا طوليا بحيث يكون أحدهما علة والاخر معلولا له فهل بعد العلم باللفظ علم اخر به يكون حاصلا من العلم الأول كي يقال إن نفسه دال على نفسه بالاعتبارين فبمجرد تعدد الاعتبار لا يتحقق الدلالة ما لم يتعدد العلم (هذا مضافا) إلى بطلان ما أفاده (قده) من تعدد الاعتبار في المقام و ذلك لعدم اعتبار حيثية صدور اللفظ من اللافظ في كون اللفظ دالا فان الدال هو ذات اللفظ ومتنه من غير ملاحظة أمر اخر فيه كما لا يعتبر إرادة شخص نفسه في كونه مدلولا فان هذه الحيثية مساوقة لعنوان كونه مدلولا الذي يتصف به المعنى في مرتبة الدلالة فكيف تكون مأخودة في صقع ذات المدلول السابق على مرتبة حدوث عنوان الدلالة والمدلولية (مع أن) كون اللفظ مرادا أعني به إرادة إحضاره لدى السامع هي حيثية
مخ ۱۹
قائمة بالدال دون المدلول فان اللفظ في مقام التكلم يذكر لغرض اسماع المخاطب وإحضاره في نفس المخاطب ابتدأ لينتقل ذهنه من ذلك إلى إرادة المعنى والمفروض انه هاهنا لم يرد هذا الانتقال الأخير بل أريد الأول خاصة فصار اللفظ دالا ومدلولا بحيثية واحدة و هي حيثية كونه مرادا به إحضار صورة شخص نفسه (وبالجملة) لا نعقل معنى لكون اللفظ دالا على شخص نفسه بحيث يكون سماعه الذي هو حضوره في النفس بطريق السمع موجبا لاحضار شخص نفسه قوله مع أن حديث تركب القضية من جزين لا يخفى ان إشكال تركب القضية من جزين انما هو على هذا التقدير أعني به ما إذا كان المذكور في القضية نفس الموضوع والحكم عليه دون حاكيه (ووجه الاشكال) ان القضية ح لا تكون لفظية لفرض ان الموضوع لم يذكر فيها بلفظه وحاكيه بل الموضوع هو بنفسه لفظ ولا تكون خارجية لان كونها خارجية مع عدم كون المحمول و النسبة فيها خارجيين غير معقول فان القضية من أي موطن كانت و في أي محيط تحققت لا بد من أن تكون باجزائها الثلاثة من ذلك الموطن والمحيط ولا يعقل ان تختلف اجزائها من هذه الجهة (توضيح ذلك) ان القضية تتنزل من الخارج إلى العقل وتتنزل من العقل إلى اللفظ فتكون القضية لفظية بعد إن كانت عقلية كما انها تكون عقلية بعد إن كانت خارجية فزيد الخارجي إذا قام في الخارج تحصلت قضية خارجية من موضوعها ومحمولها ونسبتها فإذا تنزلت هذه القضية إلى العقل وتصورناها باجزائها الثلاثة تحصلت ح قضية عقلية مستقرة باجزائها الثلاثة في محيط العقل (ثم) ان تكلمنا على طبق هذه القضية وتلفظنا بجملة زيد قائم تحصلت قضية لفظية حاكية عن القضية الخارجية فللقضية مواطن ثلاثة موطن الخارج وموطن العقل وموطن اللفظ ولا نسبة بين بعض أجزأ موطن وبعض أجزأ موطن آخر كي يمكن تأليف قضية مختلفة الأطراف من حيث الموطن فزيد الخارجي يكون قيامه البتة في الخارج دون العقل واللفظ وكيف يحمل القيام اللفظي على زيد الخارجي أ فهل هناك نسبة بين ذاك الموضوع و هذا المحمول وعليه فلا يعقل تركب القضية من نفس الموضوع الخارجي أعني به زيدا الملفوظ بشخصه في قولنا زيد لفظ وما يكون حاكيا عن المحمول والنسبة لما عرفت من أن القضية ح لا تكون لفظية ولا خارجية (هذا كله) فيما إذا لم يأت في القضية بما يكون مشيرا وحاكيا عن الموضوع كلفظ هذا وأشباهه (وبالجملة) ان مفاد القضية الذي هو الحكم بالاتحاد بين شيئين اما وجودا أو ماهية
مخ ۲۰
يستدعى اجتماع المتحد والمتحد معه في ظرف الاتحاد وليس شئ مما هو موجود في أحد المواطن المذكورة متحدا مع شئ اخر مما هو موجود في غير ذلك الموطن لوضوح ان بينهما كمال البينونة و الاختلاف (ثم) انه لو سلمنا ذلك من المصنف (قده) مما شاة فإنما نسلمه فيما أريد بلفظ شخص نفسه واما إذا أريد به نوعه أو صنفه فلا بد فيه من استعمال اللفظ في النوع أو الصنف وذلك لان الحكم إذا تعلق بالخارج لا يعقل ان يكون ذلك الحكم متعلقا بنوع ذلك الخارج المنطبق عليه وعلى غيره ولو بحذف تمام خصوصياته و تشخصاته فان الوجود الشخصي إذا كان ملحوظا في جانب الموضوع سوأ كان دخله فيه على نحو القيدية أم على نحو التقيد فلا محالة يكون الحكم مقصورا على ذلك الوجود أو الحصة المتحصلة بذلك الوجود من غير أن يتجاوزه ويتعداه وإلا لزم ان لا يكون الفرد فردا من الكلي بل هو الكلي بحد كليته وإذا لم يكن الوجود الشخصي ملحوظا في جانب الموضوع بأحد النحوين المذكورين لم يعقل تعلق الحكم بما في الخارج وهاتان الكلمتان أعني بهما كون الحكم متوجها إلى الخارج وكون الطبيعة الكلية بما هي كلية لا مهملة التي هي في قوة الجزئية موضوعا للحكم لا يجتمعان فأية واحدة منهما ثبتت انتفت الأخرى فإذا قلت إن الخارج موضوع للحكم نفيت كون الطبيعة الكلية المندرج فيها الخارج موضوعا له وان قلت إن موضوعه هي الطبيعة الكلية السيالة نفيت كون الخارج موضوعا له ولا بد ح من وجود حاك عن الموضوع أعني به تلك الطبيعة وإذ ليس في القضية إلا مصداق من مصاديقها فلا محيص لك من جعل هذا المصداق حاكيا عن الطبيعة وهذا هو استعمال اللفظ في نوعه وصنفه (نعم) لا نأبى ان يكون الحكم متوجها إلى الخارج لا بما هو هو بل بما هو مصداق للكلي لكن ليس هذا الحكم بعينه حكما متوجها إلى الكلي بل يستفاد منه حكم الكلي باستفادة مناط الحكم وملاكه من ذلك الحكم الشخصي قوله كما في مثل ضرب فعل ماض المراد من قولنا فعل ماض هو انه في مرحلة الوضع وتعيين الألفاظ بإزاء المعاني موضوع بإزاء المعنى الماضوي لا انه مستعمل في ذلك المعنى فعلا وعلى ذلك فالحكم المذكور في القضية يعم شخص هذا اللفظ أيضا وان لم يكن بالفعل مستعملا في المعنى الماضوي فإنه داخل تحت الطبيعة الكلية التي عينها الواضع بإزاء المعنى الماضوي وان لم يكن اللفظ مستعملا
مخ ۲۱