قلنا من المعلوم أن قولنا عالم يشعر بتبين المعلوم وقولنا ليس في مادة يشعر بنفي المادة عنه والمفهومان متغايران لفظا ومعنى فكيف يقال أحدهما هو الثاني بعينه لعمري يصح أن يقال أحدهما سبب لوجود الثاني على معنى أن المادة إذا ارتفعت ارتفع الحجاب فأدرك الشيء وعقله كالمرآة المصدية إذا صقلت وارتفع الصدأ تمثلت صورة المحسوس فيها كذلك إذا ارتفعت المادة يتبين الشيء المعقول في الذهن والعقل وإذا تبين المعقول ارتفعت الحجب كلها وكلا الوجهين صحيح إما أن يكون أحدهما عين الثاني حتى يكون إطلاق بالترادف فذلك خطأ ظاهر وما ذكرتموه من تفريع مذهبكم على هذه القاعدة نتكلم عليها بعد هذه المسئلة إن شاء الله تعالى ونقول إذا كان الوجود من حيث هو وجود يعم الواجب والممكن فالذات القائم بالنفس من حيث أنه ذات قائم بالنفس يعم الواجب والممكن فما الذي يخص الواجب من أمر وراء ذاته حتى يتميز عن سائر الذوات فإن لم يكن له ما يخصه فليس له ما يعمه وإن كان التخصيص وقع بالذات فهلا قلتم وقع التخصيص بالوجود دون الوجوب وإن وقع التخصيص بأمر دون أمر فذلك الأمر الذي خصص وعين هو الصفة عندنا إلا أنا بحكم الشرع أطلقنا اسم العلم والقدرة والإرادة على ذلك وأنتم ما خالفتمونا في العلم والقدرة بل قلتم هو تعالى عالم لذاته وذاته علم وإن كان الذات من حيث هو ذات شاملا شمول الوجود والتخصيص إنما يقع بأمر وصفة وبالجملة كل أمر عام وجودي إذا تخصص فإنما يتخصص بأمر خاص وجودي فيلزم هناك أثنينية من المعنى عام وخاص وسواء كان العام جنسا والخاص فصلا وسواء لم يكن الأمر كذلك.
فإن قيل قد يتخصص الشيء بالفصول السلبية والسلب لا يوجب الاثنينية.
قيل هذا خطأ وقع للمنطقيين منكم حيث ظنوا أن السلب يجوز أن يكون فصلا ذاتيا.
والبرهان على استحالة ذلك أن الفصل لا يتحقق ما لم يتحقق في المفصول اشتراك ما في أعم وصف فيكون الفصل أعني ما به تميز عن غيره من المشتركات أخص وصف الشيء والشيء إنما يتميز عن غيره بأخص وصفه وسلب صفة وشيء آخر عنه وبما يطلقه على أخص وصفه لا أن يكون نفسه أخص وصفه.
فلما ضاق على بعض الفلاسفة التعبير عن الفصول الذاتية بعبارات ناصة عليها أوردوا فصولا سلبية على أن تطلع الطالب على نفس المطلوب ظن بعضهم أن السلوب تصلح أن تكون فصولا ذاتية وذلك خطأ بين ثم ارتكبوا على مقتضى ذلك أن جعلوا وجوب الوجود أمرا سلبيا وفصلوا به ذات واجب الوجود عن سائر الذوات ولم يفطنوا لإمكان الوجود الذي في مقابلة وجوب الوجود أنه يلزم أن يكون فصلا إيجابيا ويا ليت شعري كيف يتأكد الوجوب بالسلب وكيف يضعف الوجود بالإيجاب وكيف يكون سلب الغير تأكيدا لذات الوجود الواجب وإيجاب الذات لا يكون تأكيدا وبالجملة كلما يتميز عن غيره فإنما يتميز بأخص وصفه وأخص وصف الشيء الموجود لا يكون إلا أمرا وجوديا.
فإن قيل هذا خبر ما عندنا في الوجود وعمومه وخصوصه وقد لزم عليه ما لزم فما خبر ما عندكم حتى لا يلزم المحال الذي لزم.
قلنا وجه الخلاص من هذه الإلزامات المفحمة والتقسيمات الملزمة للتكثر أن نجعل الوجود من الأسماء المشتركة المحضة التي لا عموم لها من حيث معناها وإنما اللفظ المجرد يشملها كلفظ العين فيطلق الوجود على الباري تعالى لا بالمعنى الذي يطلق على سائر الموجودات وذلك كالوحدة والقدم والقيام بالذات وليس ثم خصوص وعموم ولا اشتراك ولا افتراق كذلك في كل صفة من صفاته يقع هذا الاشتراك لكن إذا سلكتم أنتم هذه الطريقة أفسد عليكم باب التقسيم الأول للوجود وبطل قول أستاذكم في أنا لا نشك في أصل الوجود وأنه ينقسم إلى واجب لذاته واجب لغيره فإن المشتركات في اللفظ المجرد لا تقبل التقسيم المعنوي ولذلك لم يجز أن يقال أن عينا وأنها تنقسم إلى الحاسة الباصرة وإلى الشمس وإلى منبع الماء إذ هي مختلفة بالحقائق والمعاني والله المستجار سبحانه ما يكون لنا أن نقول فيه بغير حق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
القاعدة العاشرة
في العلم الأزلي خاصة
مخ ۷۲