قالت الفلاسفة القسمة الصحيحة العقلية أن الموجود ينقسم إلى واجب بذاته وإلى ممكن بذاته وواجب بغيره فالواجب بذاته ليس يتصور إلا واحدا من كل وجه لا كثرة فيه بوجه من الوجوه لا كثرة أجزاء عددية ولا كثرة معان عقلية وإلا فيلزم أن يشترك في وجوب الوجود وينفصل كل واحد عن صاحبه بفصل يخصه فحينئذ تتركب ذاته من جنس وفصل ثم تكون الأجزاء مقومات للجملة لا محالة والمقوم أقدم من المقوم وما يقوم بالشيء لا يكون واجبا بذاته بل بالمقوم والواجب بذاته لن يتصور إلا واحدا والمعاني التي أثبتموها إما أن تكون واجبة بذاتها فيلزم أن يكون اثنان واجبا الوجود وذلك محال كما قدمناه وإما أن لا تكون واجبة بذاتها بل يكون قوامها بالذات فيلزم ما ذكرناه آنفا.
قيل لهم قسمة الوجود إلى واجب بذاته وإلى واجب بغيره دليل قاطع على نقص إلزامكم فإن الوجود من حيث هو وجود قد عم الواجب والجائز والوجوب من حيث هو وجوب قد خص الواجب فاشتركا في الأعم وافترقا في الأخص وما به عم غير ما به خص فتركبت الذات من وجود عام ووجوب خاص فهو كتركيب الذات من واجب الذات قد شملت الواجبين ويفصل كل واحدهما بفصل عن الواجب الآخر.
قالت الفلاسفة الوجود ليس يعم القسمين بالسوية بل هو في أحدهما بالأولى والأول وفي الثاني بلا أولى ولا أول فلم يكن جزا مقوما فلم يصلح أن يكون جنسيا فلم يلزم التركيب منه والتقوم به.
قيل هذا بعينه في الوجوب جوابنا فإن الوجوب ليس يعم القسمين بالسوية فلم يكن الوجوب جزا مقوما فلم يصلح أن يكون جنسا فلم يلزم التركيب منه والتقوم به.
قالت الفلاسفة الوجوب معنى سلبي معناه أن وجوده غير مستفاد من غيره فلم يصلح أن يكون فصلا للوجود.
قيل وإذا لم يصلح أن يكون فصلا لكونه معنى سلبيا فلا يصلح أن يكون جنسا لكونه معنى سلبيا وألزمتمونا كونه جنسا إذ قلنا ذاته تعالى واجبة لذاتها وصفاته تعالى واجبة لذاتها أيضا بمعنى أن وجودها غير مستفاد من غيرها فلم لا يجوز أن يكون اثنان كل واحد واجب الوجود لذاته فإن ألزمتمونا بالاشتراك في شيء والافتراق في شيء آخر لزمكم في الوجوب والوجود كذلك.
قالت الفلاسفة الوجود يطلق على الموجودات بالتشكيك لا بالتشريك ولا بالتواطؤ إذ معناه أنه وإن عم إلا أن عمومه ليس بالتسوية فإنه في الواجب لذاته وبذاته فهو أولى وأول وفي الجائز لغيره وبغيره فهو لا أولى ولا أول فلم يصلح أن يكون جنسا فلم يلزم منه التركيب من جنس وفصل بخلاف موجودين واجبين كل واحد منهما وجوبه بذاته وينفصل كل واحد منهما عن الآخر بفصل ذاتي كالعلمية فإنها والذات تشتركان في وجوب الوجود وينفصل أحدهما عن الآخر بفصل ذاتي وكذلك العلم والقدرة المشتركان في كونهما معنيين متباينين ثابتين أزليين وينفصل أحدهما عن الآخر بفصل ذاتي فتكون الإلهية حقيقة ما متركبة من ذات قائمة بنفسها وصفات مختلفة قائمة بالذات فلا يوجد فرق بين الإنسانية المركبة من الحيوانية والناطقية وبين الإلهية المركبة من الذات والصفات وحينئذ لا فرق بين التأليف المحسوس والتأليف المعقول.
قيل لهم أنتم وضعتم هذه الاصطلاحات حيث ضاق بكم التزام الوجود وشموله.
فنقول العموم إذا حصل معنى مفهوم من لفظ متصور في ذهن كان شموله بالسوية لست أقول شموله بالنسبة إلى سائر الموجودات بل أقول شموله بالنسبة إلى قسمية الأخصين به وهو الوجوب والجواز والقول بأنه في الواجب أولى وأول تفسير لمعنى الواجب أي هو ما يكون الوجود له أولى وأول حتى لو تركنا لفظ الواجب جانبا وقلنا الوجود ينقسم إلى ما يكون الوجود له أولى وأول وإلى ما يكون الوجود له لا أولى ولا أول كان التقسيم صحيحا مفيدا لفائدة الأولى ثم الوجوب لا يفهم إلا وأن يفهم الوجود أولا حتى لو رفع الوجود في الوهم ارتفع الوجوب بارتفاعه وهو معنى ذاتي فالوجود ذاتي للواجب بهذا المعنى وبمعنى أنه أولى به وأنه لذاته وبذاته وأنه لغيره على خلاف ذلك.
مخ ۶۹